مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض الأحاديث التي لا تصح في شهر ربيع الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي، وعلى آل بيته وعترته الكرام البررة، وأصحابه الخيرة ذوي الفضائل العظام، التي سادوا بها الأمم.

وبعد؛

 فإن شهر ربيع الأول له مزية ومكانة خاصة في قلوب المسلمين؛ لأنه يذكرهم بحوادث وقعت فيه من ذلك: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرته إلى المدينة، ووفاته، ولأهمية هذا الشهر الفضيل، فقد شاعت فيه بين الناس بعض الأحاديث لا تصح، وبعضها موضوع مكذوب؛ فجاء هذا المقال ليسلط الضوء على بعض هذه الأحاديث، وتخريجها، وبيان أحكام العلماء عليها، وقبل ذلك سأعرف بمعنى كلمة ربيع الأول من حيث اللغة، ومن حيث المعنى الاصطلاحي.

فأقول وبالله التوفيق:

أولا: تعريف ربيع الأول لغة واصطلاحا

1-معنى الربيع لغة:

أصله من رَبَع قال ابن منظور: “الرَّبْعُ: المحلة؛ يقال: ما أوسع ربع بني فلان … و(الرَّبيع): الجدول.. والربيع أيضا: المطر الذي يكون في الربيع… والربيع: ما تعتلفه الدواب من الخضر، والجمع: من كل ذلك أَرْبِعَةٌ، والرِّبعة بالكسر: اجتماع الماشية في الربيع” [1]

2-معنى ربيع الأول اصطلاحا:

الربيع عند العرب ربيعان: ربيع الشهور، وربيع الأزمنة، فربيع الشهور شهران بعد صفر، ولا يقال فيه إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وأما ربيع الأزمنة فربيعان الربيع الأول وهو الذي تأتي فيه الكمأة والنور وهو ربيع الكلإ والربيع الثاني وهو الذي تدرك فيه الثمار وفي الناس من يسميه الربيع الأول”[2] .

ثانيا: بعض الأحاديث التي لا تصح في شهر ربيع الأول:

الحديث الأول:

عن أنس  رضي الله عنه مرفوعا قال: “…. إذا انكسف –أي: القمر- في ربيع الأول كان مجاعة، وموت، مع أمطار، وحرب، وتَحوُّل مُلْك بموت كثير…”

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات[3]، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة[4]، وذكره علي القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة[5].

قال ابن الجوزي: “هذا الحديث لا يشك في وضعه، ومن قد خبر أمر أحمد بن عبد الله الهروي، وهو الجويباري علم أنه من عمله، وإن كان وهب بن وهب من أكذب الناس، فكافّأ الله من يضع مثل هذه الأشياء المنافية للشريعة، ولا شك أنه يقصد شينها، وإنما ينسب هذا الكلام إلى كتاب يسمى: “الآثار العُلوية” نسبوه إلى دانيال، وذي القرنين، ولا يصح ذلك”

وقال السيوطي: “من وضع الجويباري وشيخه أيضا من أكذب الناس”.

وقال علي القاري: “واستمر الكذَّاب في الشهور كلها، وأحاديث هذا الباب كلها كذب مفترى”.

الحديث الثاني:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة ، من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس …”

تخريج الحديث:

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى[6] من طريق شيخه الواقدي.

وإسناد هذا الحديث ضعيف جدا؛ لأن فيه محمد بن عمر الواقدي الأسلمي اتهمه العلماء بالوضع في الحديث، قال أحمد بن حنبل: “هو كذاب”[7]، وقال أبو حاتم: “متروك”[8]، وقال ابن المديني: “الواقدي يضع الحديث”[9].

وقال الذهبي: “واستقر الإجماع على وهن الواقدي”[10].

الحديث الثالث:

عن ابن أبي عون، قال: “تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم الكندية في شهر ربيع الأول سنة تسع من الهجرة”.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى[11]، قال: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون.

وإسناد هذا الحديث ضعيف جدا فيه الواقدي شيخ ابن سعد وقد تقدم الكلام عليه.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:

1-أن شهر ربيع الأول له مزية ومكانة خاصة في قلوب المسلمين؛ لأنه يذكرهم بأحداث عظيمة وقعت فيه وهي: المولد النبوي، والهجرة، والوفاة النبوية.

2-مكانة هذا الشهر أدت إلى شيوع بعض الأحاديث فيه لا تصح.

3-الأحاديث المذكورة في شهر ربيع الأول لا تصح: بعضها موضوع، والأخرى في أسانيدها رواة ضعفاء.

*********************

هوامش المقال:

[1]  – لسان العرب لابن منظور (8/ 102-103-104).

[2]  – مختار الصحاح (ص: 230).

[3]  – الموضوعات (2/ 207) برقم: (292).

[4]  – اللآلئ المصنوعة (1/ 84).

.[5]  – الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص: 418) برقم: (8).

[6]  – الطبقات الكبرى (1/ 182).

[7]  – ميزان الاعتدال (5/ 109).

[8]  – ميزان الاعتدال (5/ 109).

[9]  – ميزان الاعتدال (5/ 109).

[10]  – ميزان الاعتدال (5/ 192).

[11]  – الطبقات الكبرى (10 /140).

********************

لائحة المصادر:

الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة. لنور الدين علي بن محمد بن سلطان الملا علي القاري. ت: محمد بن لطفي الصباغ. المكتب الإسلامي. بيروت لبنان. ط2/1406هـ- 1988مـ.

الطبقات الكبرى. لمحمد بن سعد الزهري. ت: د. علي محمد عمر. مكتبة الخانجي. القاهرة. ط1/ 1421هـ- 2001مـ.

كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات. لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي. ت: نور الدين بن شكري بويا جيلار. أضواء السلف الرياض. ط1/ 1418هـ- 1997مـ.

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين السيوطي. دار المعرفة بيروت لبنان. (د.ت).

لسان العرب. لابن منظور الإفريقي. دار صادر بيروت. (د.ت).

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر الرازي. اعتناء: محمود خاصر. دار المعارف القاهرة. ط8/ 2019مـ.

ميزان الاعتدال في نقد الرجال. لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. ت: علي محمد البجاوي وفتحية علي البجاوي. دار الفكر العربي. (د.ت).

*راجع المقال: الباحثة خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق