مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

شرح حديث: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شَرَّعَ في رمضان حِفض الجوارح والجَنَان، فلا يرفث ولا يصخب الإنسان، ولا يطلق لجوارحه العَنَان؛ بل ينطق ويفعل وفق ما شرعه الدَّيَّان، والصلاة والسلام على من زَكَّى، وصَام، وحفظ لسانه ما صلى وقَام، وعلى آل بيته سادات الآنام، وعلى أصحابه أولي العقول والأفهام.

وبعد؛ إن حصول ثواب الصيام مرهون بترك ما يجترحه القلب واللسان، من ذنوب ومعاصي وآثام. فليس كل من أمسك عن شهوة الشراب والطعام، قد أدى حق الصيام؛ بل لابد من لجم اللسان والجنان، واجتناب قول الزور والبهتان؛ فإن ذلك مقصد عظيم من مقاصد الصيام، دعا إليه القرآن وسنه سيد الأنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” [1].

ولأهمية هذا الحديث، أحببت أن أخصه بهذا المقال الذي سأتناول فيه الآتي:

المطلب الأول:  تعريف مصطلح (الزور) لغة واصطلاحا:

المطلب الثاني: تخريج الحديث.

المطلب الثالث: شرح الحديث.

فأقول وبالله التوفيق:

المطلب الأول:

تعريف مصطلح الزور لغة واصطلاحا:

1-الزور لغة:

عرفه ابن منظور (711هـ) بقوله: “الزور : الكذب والباطل، وقيل: شهادة الباطل، والتزوير: تزيين الكذب … والزور والزون جميعا: كل شيء يتخذ ربا ويعبد من دون الله تعالى”[2].

2-الزور اصطلاحا:

قال ابن الأثير الجزري (606هـ): “الزور: الكذب، والباطل، والتهمة”[3].

وقال المناوي (1031هـ): “الزور: الإنحراف عن الدليل ؛ كالشرك المؤدي إلى لزوم عجز الإله، وتحريم ما لم ينزل الله به من سلطان”[4].

وقال الكفوي (1094هـ): “الزور: كل ما في القرآن من الزور فهو الكذب مع الشرك؛ إلا (منكرا من القول وزورا)[5] ؛ فإنه كذب بلا شرك” [6].

فالتعريف اللغوي والاصطلاحي للزور لا يكاد يفترقان من حيث اشتراكهما في المعنى المراد وهو: الكذب، والباطل، وشهادة الباطل، والتهمة، والانحراف عن الدليل ؛ كالشرك.

المطلب الثاني:

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه البخاري في صحيحه[7] في كتاب : الصوم، باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، وفي كتاب : الأدب، باب: قول الله تعالى: (واجتنبوا قول الزور) [8] ، وأبو داود في سننه[9] ، في كتاب: الصوم، باب: الغيبة للصائم، والترمذي في سننه[10]  ، في كتاب الصوم، باب: التشديد في الغيبة للصائم، وابن ماجه في سننه[11]، في كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، وأحمد في مسنده[12].

كلهم من طريق إلى ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به واللفظ للبخاري.

المطلب الثالث:

شرح الحديث:

قوله: “من لم يدع“:

قال السندي في حاشيته على ابن ماجه (1138هـ): “(من لم يدع): أي: لم يترك”[13].

قوله: “قول الزور والعمل به”.

قال ابن حجر (852هـ) في الفتح: “والمراد بقول الزور : الكذب، والجهل: السفه، والعمل به، أي: بمقتضاه كما تقدم “[14].

قوله: “ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه“:

قال ابن بطال القرطبي (449هـ): “قال المهلب : فيه دليل أن حكم الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور ، كما يمسك عن الطعام والشراب ، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقص صيامه، وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه .

وقال غيره : وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور؛ وإنما معناه التحذير من قول الزور … فإن قيل : فما معنى قوله : ( فليس لله حاجة ) ، والله لا يحتاج إلى شئ ؟ قيل معناه : فليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة “[15].

قال ابن حجر (852هـ) ي الفتح: “واستدل به على أن هذه الأفعال تنقص الصوم، وتعقب بأنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر، وأجاب السبكي الكبير بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية للأول؛ لأن الرفث والصخب وقول الزور، والعمل به مما علم النهى عنه مطلقا، والصوم مأمور به مطلقا، فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتاثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة فيه معنى يفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين:

أحدهما: زيادة قبحها في الصوم على غيرها.

والثاني: البحث على سلامة الصوم عنها، وأن سلامته منها صفة كمال فيه، وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها، قال: فإذا لم يسلم عنها نقص. ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات؛ لأنه يشترط له النية بالإجماع، ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات؛ لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات، ونبه الغافل بذلك على الإمساك عن المخالفات، وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده، فيكون اجتناب المفطرات واجبا، واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات. والله أعلم”[16] .

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:

1-أن حصول ثواب الصيام مرهون بترك ما يجترحه القلب واللسان من ذنوب، ومعاصي ، وآثام.

2-ليس كل من أمسك عن شهوة الشراب والطعام قد أدى حق الصيام عليه؛ بل لابد من أن يصاحب ذلك حفظ للسان من قول الزور ، والباطل، والغيبة، وفحش الكلام.

3-المعنى اللغوي موافق للمعنى الاصطلاحي للزور وهو يطلق على : الكذب، والباطل، والتهمة، والانحراف عن  الدليل كالشرك.

4-حديث الباب: “من لم يدع قول الزور” صحيح أخرجه الأربعة.

5-من لم يمسك عن الرفث وقول الزور في رمضان تنقص من أجر صيامه، وتعرض لسخط ربه.

6- الرفث والزور أفعال مستقبحة منهي عنها عامة؛ وهي في شهر رمضان أشد.

**************

هوامش المقال:

[1]  – سيأتي تخريجه.

[2]  – لسان العرب (4/ 336-337).

[3]  – النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 318) مادة : (زور).

[4]  – التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 187).

[5]  – المجادلة (2).

[6]  – الكليات (ص: 485).

[7]  – صحيح البخاري (ص: 458) (1903).

[8]  – صحيح البخاري (ص: 1517) (6057).

[9]  –  سنن أبي داود (ص: 414) (2362).

[10]  – سنن الترمذي (ص: 176) (707).

[11]  – سنن ابن ماجه (ص: 295) (1689).

[12]  – مسند أحمد (15/ 521) (9839)، و (16/ 332) (10562).

[13]  – حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 320).

[14]  – فتح الباري (6/ 280)

[15]  – شرح صحيح البخاري (4 /23-24).

[16]  – فتح الباري (6/ 281).

**************

لائحة المصادر والمراجع:

التوقيف على مهمات التعاريف. للمناوي. ت: عبد الحميد صالح حمدان. عالم الكتب. القاهرة. ط1/ 1410هـ- 1990مـ.

حاشية السندي على سنن ابن ماجه. ت: الشيخ خليل مأمون شيحا. دار المعرفة، بيروت لبنان ط1/ 1416هـ- 1996مـ

سنن ابن ماجه. حكم على أحاديثه: الألباني. اعتنى به : مشهور آل سلمان. مكتبة المعارف . الرياض. ط1 (د.ت).

سنن أبي داود. حكم على أحاديثه : الألباني. اعتنى به: مشهور آل سلمان. مكتبة المعار . الرياض. ط1/ (د. ت).

سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، (د.ت).

شرح صحيح البخاري. لابن بطال القرطبي. ت: أبو تميم ياسر بن إبراهيم. مكتبة الرشد. الرياض. ط2/ 1423 هـ- 2003مـ.

صحيح البخاري. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. دار  ابن كثير دمشق. بيروت. ط1/ 1423هـ- 2002مـ.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري. لابن حجر. ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون. دار الرسالة العالمية. دمشق سوريا. ط1/  1434 هـ- 2013مـ.

الكليات. لأبي البقاء الكوي. ت: د. عدنان درويش. ومحمد المصري. مؤسسة الرسالة. بيروت لبنان. ط2/ 1419هـ- 2002مـ.

لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري. دار صادر . بيروت. ط6/ 1417هـ- 1997مـ

مسند أحمد بن حنبل. ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون. مؤسسة الرسالة. بيروت. لبنان. ط1/ 1418هـ- 1997مـ. .

النهاية في غريب الحديث والأثر. لمجد الدين أبي السعادات المبارك ابنن الأثير الجزري. ت: محمود الطناحي. وطاهر الزاوي . المكتبة الإسلامية. ط1/ 1383هـ- 1963مـ.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق