مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

خزائن الكتب في التاريخ الثقافي لفاس 2

              

الدكتور عبد الله معصر

رئيس مركز دراس بن إسماعيل

 ومن عناية ملوك الدولة المغربية بالخزانات أنهم كانوا يختارون للإشراف عليها الأكابر والأعلام، ففي مرآة المحاسن أن الشيخ أبا المحاسن سيدي يوسف الفاسي[1] أتاه الحاجب علي بن الحاجب عزوز بن سعيد، وأخبره أن السلطان يريد أن يجعل خزانة القرويين في أيد أولاد الشيخ، وأنه اختارها لهم، كما اختارهم لها، فاعتذر له الشيخ ودعا للسلطان، وصرفه صرفا جميلا[2]، وفي أواخر عهد المولى الحسن الأول[3] عين محافظا لخزانة القرويين حامل التدريس بفاس العالم أبو عبدالله محمد التهامي الوزاني .

وقد كانت الخزانات تتبع نظاما خاصا في تيسير الانتفاع بكتبها يقول ابن ميمون الغماري[4] في كتابه الرسالة المجازة في معرفة الإجازة (وتأتي خزانة الكتب التي يطالع طلبة العلم فيها ما يحتاج إليه المشايخ وغيرهم، كل واحد على ما يشتهي، وذلك لأن فاسا المذكورة فيها خزانتان عظيمتان مشهورتان لهذا الأمر في جامعي الجمعة، هما المسجدان الأعظمان، بل ثلاثة، كل خزانة فيها كتب موقوفة على طلبة العلم للمطالعة كل يوم على يد وكيل ناظر على ذلك حافظ له، يجلس المطالعون بين يديه في موضع خاص، حتى إذا انقضى غرضه يرد الكتاب إلى الوكيل فيرده الوكيل إلى الخزانة من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، والكتب كثيرة لا تكاد تحصى إلا بمشقة من كل فن من فنون العلم، وهذا أيضا ما رأيته في بلاد المشرق والشام والحجاز وبلاد الترك الذي هو دونهما فيمكن عد كتبه بلا مشقة [5]) وقال صاحب زهرة الآس عن خزانة القرويين( وعين لها ـ أبو عنان ـ قيما لضبطها ومناولة ما فيها .)[6]

وكان من عادة كبار العلماء أن يخصوا بيوتهم بمحل لخزانة كتبهم، يقول أبو حامد العربي الفاسي “[7]في معرض حديثه عن الشيخ القصار للقراءة عليه :(فدخلنا إليه بموضع كتبه بخلوته من داره التي بقرب القلعة[8] )، وقال أيضا لما ذكر ملازمته لأبي القاسم ابن القاضي ( وكنت أجالسه وادخل معه إلى محل داره ومحل كتبه ونظره فاستفيد وأفيد وانظر من الكتب ما شئت)[9]

 ثانيا :الخزانات الملكية والأميرية :

هي خزانة خاصة أسسها خليفة أو ملك أو أمير

1ـ خزانة الخليفة الإدريسي يحيى الرابع[10] : تعتبر الخزانة التي أسسها الخليفة الإدريسي يحيى الرابع أول خزانة عربية أسست بالمغرب، وقد ذكر المؤرخون أنه كان عنده عدة وراقين ينسخون له الكتب [11].

2ـ خزانة ملكية لأبي عنان المريني : [12]

يذكر المؤرخون أن أبا عنان المريني كانت له خزانتان إحداهما في قصره الملكي بفاس، والأخرى مكتبة متنقلة يصحبها معه في أسفاره ورحلاته، وكانت خزانته تتوفر على ذخائر الكتب النفيسة مثل تفسير القرآن لابن العربي[13] المسمى أنوار الفجر.

3ـ خزانة أبي فارس المريني :

وهذه الخزانة من الخزانات القيمة، فهي التي أهدى إليها ابن خلدون تاريخه الشهير حيث يقول :(اتحفت بهذه النسخة منه خزانة مولانا السلطان الإمام المجاهد… أمير المؤمنين أبو فارس عبد العزيز ابن مولانا السلطان الكبير المجاهد أمير المؤمنين أبي الحسن ابن السادة بني مرين )[14]، وأهدى لها أبو بكر الخضرمي تأليفه السلسبيل العذب المنهل الأحلى المرفوع للخلافة العزيزية التي لاتزال مناقبها على الزمان تتلى في سلك من تحلى سلكهم في الجيل ــ جيل فاس ومكناسة وسلا .

4ـ خزانة المتوكل على الله أبي فارس موسى بن أبي عنان [15].

وهذه الخزانة هي التي أهداها الخزاعي كتابه تخريج الدلالات السمعية على ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصناعات والعمالات الشرعية.[16]

5ـ خزانة المولى الرشيد .[17]

وهذه الخزانة أنشاها المولى الرشيد، وجمعها مما غنمه من كتب الزوايا . كالزاوية الدلائية . ومما تبقى من الخزانات الملكية والأميرية عند السعديين . ومما اقتناه أو أهدي له، أو استنسخه النساخ، وقد كان بجانب الخزانة ديوان الوراقة ـ مهمته استنساخ المخطوطات، إلا أن محتويات هذه الخزانة ستنقل إلى مكناس على عهد المولى إسماعيل . [18]

 

 

 

 

 

[1] أبو المحاسن بن محمد القصري الفاسي من العلماء العلام توفي سنة 1013هـ، دون ابنه محمد العربي أخباره من مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن انظر ترجمته في سلوة الأنفاس ج.2،ص.345

[2] مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن : محمد العربي ص96ـ 997

[3] الحسن الأول : من ملوك الدولة العلوية ، بويع بالخلافة سنة 1920هـ وتوفي سنة1311هـ انظر ترجمته في سلوة الأنفاس ج3ص287

[4] أبو الحسن علي بن ميمون الغماري الشريف الحسني كان قاضيا بشفشاون في عهد الوطاسيين، ثم ترك القضاء وهاجر إلى المشرق توفي في بيروت سنة 917هـ انظر ترجمته في دوحة الناشر لمحاسن من كان في المغرب من مشايخ القرن العاشر لابن عسكر  ص28

 

[5]جامع القرويين عبد الهادي التازي ج2ص429

دور الكتب في ماضي المغربص251

 [6] زهرة الآس ص376

[7] أبو حامد سيدي محمد العربي ابن الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري من أعيان  العلماء له تأليف عديدة منها مرآة المحاسن وشرح السفا توفي 1052هـ انظر ترجمته في سلوة الأنفاس ج2ص353

[8] مرآة المحاسن ص5222

[9] مرآة المحاسن ص 6223

[10] يحيى بن إدريس بن عمر بن إدريس من ملوك الأدارسة في المغرب مات سنة332هـ انظر ترجمته في الأنيس المطرب ص53 والاستقصا ج1ص79

[11] يقول البكري في المسالك والممالك ص 225: كان العديد من الكتاب( الوراقين) يشتغلون في نسخ الكتب ليحيى الرابع ، وكان الناس يؤمونه من اسبانيا ودول أخرى طمعا في نعمه، ولم يكونوا يغادرونه إلا بعد أن يغمرهم من فضله وشرفه)وانظر أيضا، تاريخ خزائن الكتب بالمغرب17وص80

[12] أبو عنان فارس بن أبي الحسن المريني من ملوك الدولة المرينية

[13] أبو بكر بن العربي محمد بن عبدالله بن محمد المعارفي الاشبيلي من أعلام المالكية توفي سنة543هـ انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ج1ص10

[14] موسى بن فارس (أبي عنان) بن علي المريني، أبو فارس المتوكل على الله من ملوك بني مرين توفي سنة 788 هـ انظر ترجمته في جذوة الاقتباس ج1ص508

[15] تاريخ المكتبات الإسلامية ص82ـ الديباج ص281ـ دور الكتب في ماضي المغرب ص83ـ تاريخ مراكش الكتب بالمغرب ص1188ـ المقدمة لابن خلدون ص5

[16] دور الكتب في ماضي المغرب ص484

[17] المولى الرشيد   ثاني ملوك العلويين بويع بالخلافة سنة1075هـ انظر ترجمته في نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي لمحمد الصغير الإفراني ص 304ـ والاستقصا ج7ص43ـ الدرر البهية والجواهر النبوية، مولاي إدريس الصقلي ج1ص188

[18] أنشا السلطان المولى إسماعيل (ت 1139) خزانة للكتب بالمحل الذي كان معروفا بدورية الكتب قبلة جامع الأنوار بمكناس، وقد ضمت عيون الدواوين والكتب، قال عنها صاحب سنا المهتدي إلى مفاخر الوزير أبي عباس اليحمدي فيما نقله المرحوم المنوني ( إنها حوت من أنواع الدفاتر وأسماء التأليف ما لم تحوه خزانة بغداد ،ولا علق بحفظ الداني الأستاذ)، وكان مصير هده الخزانة العظيمة انه في سنة 1175 هـ أمر المولى محمد بن عبد الله بتحبيس كتبها على مساجد المغرب ، انظر دور الكتب في ماضي المغرب ص88ـ89 أوقاف مكناس في عهد المولى إسماعيل: رقية بلمقدم ج1ص236 دور الوقف في الحياة الثقافية بالمغرب في عهد الدولة العلوية ج1ص262تاريخ المكتبات الاسلاميةص97.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق