وحدة المملكة المغربية علم وعمراندراسات عامة

حاضرة أنفا : المظاهر الحضارية الأولى

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

 

اختلفت النصوص التي تناولت تاريخ حاضرة أنفا حول مؤسسيها الأوائل[1]. ولم تساعد الصدفة أو التنقيبات الأثرية على حل هذا الإشكال[2]. ومهما يكن من أمر، فيبدو أنها “كانت في القديم محكمة البناء متمدنة متحضرة“[3]، ذات سور حصين[4]، مثل ما يبدو أنها كانت “في غاية الحضارة والازدهار“[5]، خلال زمن غير محدد لعله زمن برغواطة.

 وبالرغم من مذهب هؤلاء المثير للجدل، فقد كان فيهم “من يقرأ القرآن بغاية الاحترام ويحفظ منه السور“. وكان فيهم “أمانة وبذل للطعام وتجنب للكبائر من الحرام والمحظورات من الآثام“[6].

 وعرفوا نظاما سياسيا ذا علائق خارجية [7]، مثل ما عرفوا نظاما أمنيا[8]، بحسب الاحتمال، ونظاما حربيا [9]، ونظاما معرفيا أهمه علم الفلك القديم[10]. وخلال إمارتهم تشكل، بحاضرة أنفا، نظام مائي منظم أشار إليه بعضهم خلال هجوم يوسف بن تاشفين عليها، فلم “يفلت منهم إلا من اختفى في قناة أو بير“[11].

وإلى جانب ذلك، عرف مجال أنفا نظاما اقتصاديا فلاحيا [12]، معتمده ثلاثة آلاف رحى لطحن الحبوب، بمحيطها الكبير[13]؛ ونظاما تجاريا بريا[14]، وبحريا[15] معتمده مرسى أنفا[16]، ومرسى فضالة [17]. حيث جاء عن المرسى الأول: “وهو مرسى مقصود تأتي إليه المراكب وتحمل منه الحنطة والشعير ويتصل به في ناحية البر من البرابر من بني يدفر ودكال وغيرهما“[18]. وجاء عن المرسى الثاني: “ومرسى فضالة ترده المراكب من بلاد الأندلس وحائط البحر الجنوبي فتحمل منها أوساقها طعاما حنطة وشعيرا وفولا وحمصا وتحمل منها الغنم أيضا والمعز والبقر“[19].

وبذلك، شكلت حاضرة أنفا، في ارتباط وثيق بمحيطها، مجالا متمدنا وحضاريا، خلال ما قبل العصر المريني، بشكل يخالف بعض الأحكام المسبقة عن هذا المجال الجهوي في الفترة الوسيطية المذكورة.

الإحالات:

[1] وصف إفريقيا، ج1، الحسن الوزان، ترجمة: محمد حجي & محمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، 1983 م، ص196؛ وإفريقيا، ج2، مارمول كربخال، ترجمة: مجموعة من المؤلفين، مطابع المعارف الجديدة، 1988- 1989 م، ص127؛ والترجمانة الكبرى، أبو القاسم الزياني، تحقيق وتعليق: عبد الكريم الفيلالي، مطبعة المعارف الجديدة، 1991 م، ص78؛ وعبير الزهور، ج1، هاشم المعروفي، مراجعة وتعليق وفهرسة: عبد الرحمن القباج، مطبعة النجاح الجديدة، 2013 م، ص32- 33، وص34، وص35، وص36، وص40، وص73. واستأنس بـ: بصمات برغواطية، خديجة الخديري- أحمد سراج، دار أبي رقراق، 2019 م، ص52- 53؛ ومجال الشاوية في التاريخ القديم، محمد مجدوب، في: الشاوية التاريخ والمجال، مطبعة دار النشر المغربية، 1997 م، ص21.

[2] راجع بخصوص رأي د. أحمد أشعبان في ذلك: الدار البيضاء الإنسان .. والزمان .. والمكان، محمد السنوسي معنى، دار النشر المغربية، 2017 م، ص32.

[3] إفريقيا، ج2، ص128. استأنس بـ: عبير الزهور، ج1، ص76.

[4] مادة برغواطة، في : معلمة المغرب، ج4، مطابع سلا، 1991 م، ص1167.

[5] وصف إفريقيا، ج1، ص197.

[6] كتاب صورة الأرض، أبو القاسم ابن حوقل، مطبعة بريل، 1938 م، ص83. راجع: بصمات برغواطية، ص21، وص123- 124؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف البرغواطية، أحمد الطاهري، مطبعة النجاح الجديدة، 2005 م، ص132- 133، وص135، وص202؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1169.

[7] المسالك والممالك، مج.2، عبد الله البكري، تحقيق وفهرسة: جمال طعمة، دار الكتب العلمية، 2003 م، ص318، وص319، وص321؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، المؤلف نفسه، مراجعة: كونت غوندون، دار الكتاب الإسلامي، د. ت، ص134، وص135، وص137؛ والبيان المغرب، ج1، ابن عِذاري المراكشي، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان & إ. ليفي بروفنسال، دار الثقافة، د. ت، ص57؛ وج2، 1980 م، ص234؛ وكتاب الاستبصار، كاتب مراكشي، نشر وتعليق: سعد زغلول عبد الحميد، دار النشر المغربية، 1985 م، ص198؛ وعبير الزهور، ج1، ص52، وص53، وص55؛ وبصمات برغواطية، ص22، وص28، وص31، وص91، وص124، وص126، وص129، وص132؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف البرغواطية، ص200- 201؛ وتاريخ المغرب تحيين وتركيب، محمد القبلي، مطبعة عكاظ الجديدة، 2011 م، ص155؛ وموجز تاريخ المغرب، المؤلف نفسه، مطبعة المعارف الجديدة، 2015 م، ص80؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1166، وص1167، وص1169.

[8] التعريف بالقاضي عياض، مطبعة فضالة، 1982 م، ص56- 57، بتصرف.

[9] المسالك والممالك، مج.2، ص324؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص141؛ وعبير الزهور، ج1، ص59؛ وبصمات برغواطية، ص128.

[10] المسالك والممالك، مج.2، ص321، وص323؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص137، وص138، وص140؛ وكتاب صورة الأرض، ص82؛ وعبير الزهور، ج1، ص54، وص58؛ وبصمات برغواطية، ص75، وص78، وص126، وص128؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف، ص133- 134، وص143، وص167، وص194؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1169.

[11] عبير الزهور، ج1، ص63.

[12] المسالك والممالك، مج.2، ص323؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص139؛ وكتاب نزهة المشتاق، مج.1، الشريف الإدريسي، عالم الكتب، 1989 م، ص236- 237؛ والأنيس المطرب، علي ابن أبي زرع، مراجعة: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، 1999 م، ص166؛ وإفريقيا، ج2، ص126؛ وكتاب الاستقصا، ج1، أحمد الناصري، تحقيق: جعفر الناصري & محمد الناصري، دار الكتاب، 1997 م، ص171؛ وج4، ص66؛ وعبير الزهور، ج1، ص58، وص68؛ وبصمات برغواطية، ص41، وص54، وص57- 58، وص87- 88، وص127، وص134، وص145؛ وتاريخ المغرب تحيين وتركيب، ص155؛ وموجز تاريخ المغرب، ص79؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1168، وص1169.

[13] بحسب إبراهيم حركات، في: معلمة المغرب، ج4، ص1168.

[14] كتاب صورة الأرض، ص83؛ وكتاب نزهة المشتاق، مج1، ص240؛ وعبير الزهور، ج1، ص69؛ وبصمات برغواطية، ص21، وص21- 22، وص88؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف، ص184- 185؛ وتاريخ المغرب تحيين وتركيب، ص155؛ وموجز تاريخ المغرب، ص79.

[15] بصمات برغواطية، ص88، وص95؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف، ص184- 185.

[16] كتاب نزهة المشتاق، مج1، ص240؛ وكتاب الجغرافية، محمد الزهري، تحقيق: محمد حاج صادق، المركز الإسلامي للطباعة، د. ت، ص91، وص115؛ وكتاب الجغرافيا، علي بن سعيد المغربي، تقديم وتحقيق وتعليق: إسماعيل العربي، المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع، 1970 م، ص137؛ وعبير الزهور، ج1، ص70؛ ومادة برغواطة، في: معلمة المغرب، ج4، ص1168.

[17] المسالك والممالك، مج.2، ص272؛ والمغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، ص87؛ وكتاب نزهة المشتاق، مج1، ص237، وص239- 240؛ وكتاب الجغرافية، ص115؛ وعبير الزهور، ج1، ص68، وص69، وص70؛ وبصمات برغواطية، ص44، وص92- 94؛ والمغرب الأقصى ومملكة بني طريف، ص152؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1168- 1169.

[18] كتاب نزهة المشتاق، مج.1، ص240. قابل بـ: عبير الزهور، ج1، ص70؛ ومفاخر البربر، صالح الإيلاني، دراسة وتحقيق: عبد القادر بوباية، دار أبي رقراق، 2008 م، ص176، الهامش رقم 1.

[19] كتاب نزهة المشتاق، مج.1، ص239- 240. قابل بــ: عبير الزهور، ج1، ص69؛ وبصمات برغواطية، ص93؛ ومعلمة المغرب، ج4، ص1168- 1169.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق