مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

ترجمة الشيخة يحانذو بنت الشيخ ماء العينين

 

   هي معلمة و متعلمة وعالمة:

زاوية الشيخة يحانيذو من الخارج

 

يحوي مجتمعنا الصحراوي الكثير من العالمات والصالحات والمعلمات والشاعرات يضرب بهن المثلفي الكرم والمعرفة والشهامة والصلاح وسنسوق أمثلة لعالمات صحراويات خَطَطْنَ بماء الذهب سِيَرًا مليئة بالشغف بالعلم وقد قال في ذلك العالم الكبير محمد بن احمد المانوزي 1940/1886 وهو من علماء سوس عند زيارته للصحراء "فيهن عالمات وأديبات واقلهن بضاعة في الفقه التي معها المرشد المعين لابن عاشر وأرجوزة القرطبي، ومن الأدب قصائد المعلقات السبع وغيرها من أيام العرب. وفيهن مدرسات للعلم في جميع الأوقات والأنصبة وقد شهدنا امرأة وسطا تملي عليهن الشيخ خليلا بلا شرح فخاضت في شرح متنه وحولها من آخذات العلم ما يزيد عن ستين امرأة"1.

ويقول الشيخ محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين في هذا الإطار:"وتمتاز نساء الزوايا بالقراءة فهن يشاركن الرجل في العلم والاشتغال بسائر العلوم مع الصيانة وعدم التبذل"2.

وقد تميزت حاضرة الصحراء بنظام المحاضر الذي لم يقتصر فيه العلم على الرجال بل شمل النساء أيضا ومما يذكر عن أهل تاجكانت على سبيل المثال انه كانت توجد فيهم ثلاثمائة جارية تحفظ موطأ مالك، فضلا عن غيره من المتون، وفي عرض أخر للباحث الفذ الخليل النحوي إبراز لبعض ملامح الحياة العلمية والإشعاع الثقافي والجهادي والديني لبلاد البيظان من خلال الجامعات البدوية المتنقلة "المحضرة"وذلك من خلال التركيز على الدور الريادي للمرأة الصحراوية في تربية النشء حيث يقول: " وقد كان من نتائج هذا الاهتمام بتعليم المرأة أن لعبت دور المدرسة الأولى لتربية النشء فتلقن الطفل دروسه الأولى من تعلم الحروف الهجائية إلى تلقين القصص التاريخية، والقاعدة أن وراء كل رجل عالم امرأة مهدت له السبيل للالتحاق بالمحضرة في مرحلتها المتوسطة "3. مشيرا في ذات السياق إلى بعض النساء اللواتي سطع نجمهن في مجال التدريس بالمحضرة مثل "خديجة بنت محمد العاقب" وهي عالمة جليلة وشيخة محضرة أخذت عن والدها وأخذ عنها علماء أجلاء4.

ونخص بالذكر في هذه الدراسة الشيخة يحانيذو5، التي تنتسب إلى أسرة شريفة يمتد نسبها إلى فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الشيخة يحانذو بنت الشيخ العلامةسيدي محمد المصطفى ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن سيدي محمد الأمين الملقب بـ مامين بن الطالب أخيار بن الطالب محمد أبي الأنوار بن الطالب المختار الملقب الجيه المختار بن الطالب الحبيب بن الطالب اعل بن سيدي محمد بن سيدي يحيي بن سيدي عالي بن شمس الدين بن سيدي يحيي الكبير القلقمي بن سيدي محمد بن سيدي عثمان بن أبي بكر بن سيدي عبد الرحمن بن مولاي أران بن مولاي أتلان بن مولاي أجملان بن سيدي إبراهيم بن سيدي مسعود بن سيدي عيسى بن عثمان بن إسماعيل بن عبد الوهاب بن يوسف بن عمر بن يحيي بن عبد الله بن احمد بن يحيي بن القاسم بن مولاي إدريس الأزهري بن مولاي إدريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي كرم الله وجهه ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت خاتم النبيين محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام 6. الأديبة الصالحة المحسنة الناصحة المشفقة الحنينة نشأت في صيانة وأدب وديانة وقرأت القران على أمها السيدة هند بنت العالم العلامة الأديب السيد عبد الله بن احمد ابن محمد سالم كانت ذات دين وامن وصدق ووفاء وعابدة سمعت من شيخنا رضي الله عنه يثني عليها بخير 7 حتى حفظته وحفظت عليها كثيرا من المتون وقرأت على أبيها بعض العلم وكانت عابدة زاهدة متواضعة تحب الخير وتفعله مؤثرة لمن معها وصولة للرحم 8. وفي تعريف أخر لهذه الشيخة الجليلة "وأجازها والدها في ذلك وقرأت عليه بعد ذلك كثيرا من العلوم من فقه وأصول وتفسير ولغة وأدب وشعر.

وكانت عابدة زاهدة ولية كاملة وعالمة عاملة ملازمة لتلاوة القران العظيم ليلا ونهارا ذات جد وتعب في سائر العبادة لا تفتر عنها ولا تستريح إلا بها. لها مشاركة في الفنون وضبط وحفظ عجيب للمتون لم تزل في قرية ايت الرخا  التي تقع جنوب مدينة تزنيت والتي نشأت بها زاوية دينية وعلمية فأعانها الله في السير فيها بسيرة أبيها إقامة الدين وكثرة الإنفاق بما بسط الله عليها ما شاء الله من الأرزاق فقد كانت تأتيها من كل جهة عظائم الهدايا فتصرفها ولا تدخر منها شيئا في حسان المزايا وسخر الله لها كثير من كبراء المغاربة وعلمائهم تتلمذوا عليها وأخذوا عنها كثيرا من الأوراد والأسرار وأجازتهم فيها.

وكانوا يقصدونها بهداياهم من فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة والعرائش وغيرها يريدون التبرك بزيارتها ويلتمسون صالح دعواتها ولما لها من البركات واستجابة الدعوات وقلما قصدها ذو حاجة دنيوية وأخروية إلا وأعطاه الله حاجته ببركتها وهذا ما يؤكده ماء العينين يحجب قائلا :

 

أتينا محل الود والخالــــــــــص الاخــــــا               محل اليها والفضل والجود والسخـــــــــــــــــا

محل به نالت مع العز والعـــــــــــــــــــلا              على غيرها أيت الرخا الخصــــــــــب والرخا

وجدنا به ما الله نحـــــــمد يومنــــــــــــــا               مجالا فسيحا في المحــــــــــــــبة والاخــــــــا

وما ذكرت أيت الرخا عند جاهـــــــــــل                ولا عــــــارف التــــــــاريخ إلا وبخبخـــــــــا

ولم لا وفيها بنـــــــــت  ســــــــــــــــؤدد               مدى الدهر وأعلى من سواه واشمخــــــــــــــا

يحانذ بنت الشيخ خالتنا الـــــــــــــــــــتي                بها تضرب الأمثال في الجود والسخـــــــــــا

 

وقال في حقها الأستاذ محمد الإمام بن محمد سداتي ابن أخيها الشيخ احمد الهيبة وسبط أخيها الشيخ مربيه ربه9:

 

يحانــــــــذ درة العقــــــــــــد اليتيــــــــم               ونعمتنــــــا مــــن اللـــــــه الكـــــــريــــــــــم

لمــــا فيــها عرفــــنــــا مــن تـــــــقــــاة              وحسن عبــــــادة ورضـــــــــــــــا الرحيـــــم

وكشــف ظـــــاهر من نـــــــــــور هــدى             وفتــــح من هـــدى الصمـــد العليـــــــــــــــم

ومن خلــــق كــــــريـــــم واحتــــــــــرام             وبـــــذل المــــــــــــــال والخيـــــر العميـــــم

فطيب الأصل يورث طيب فـــــــــــــرع              وطيـــب الأصــــل من نعم الحكيــــــــــــــــم

أبوها الشيخ مالعينيــــن قطــــــــــــــــــب             وهنـــــد أمها بنـــــــــــــــــت الوسيــــــــــــم 

فطـــاب مقــــرها للعــلــــــــــــم ركنـــــا             ومـــأوى للمســــــــافـــــــــر والمــــــــقيـــــــم

وعـــلى الهــادي اله الكــــــــــون صلى             وأكرمــــهــــــــــــــا بجنـــــات النـــــعيـــــــــــم

كما قال بالحسانية:

 

يُحـــَانــِـذُ ذِلِّ رَيْنـــــــَـاهْ

مَنْهَ مَنْ شِ كَامَلْ يَسْعـَــدْ

زَيْنْ اَلدِّينْ وْتَقْـوَ لـِـــــلاَهْ

وَالْبَذْلْ اَلــزَّيْنْ لْبِيـــهْ تْوَدْ

وَلْ جـَـــاه َيَجْبـــَرْ مُنــَـاهْ

وَلْجـَـرَّبْ ذَاكْ عْلِيهْ يْجـَـدْ

اَحْمَدْنَ لَلْمـَــوْلَ شَفْنـــَـــاهْ

مَاهُ حَـــدْ عْلَى حَــدْ يـْــرَدْ

 

وقال الشاعر لْخُو وَلْ مَانُو مادحا الشيخة بحانيذو:

يَالشَّيْخَه فَضْلَكْ مَنْ لَجْدَادْ

مَنْ صَغْرَكْ فِيكْ ألَّا يَنْزَادْ

اٍلَيْنْ بْلَغْتِ فِيهْ الْمــٌــــرَادْ

الْأًمَّهـــــَـاتُ وَالآبــــَـــاءُ

وَنْتِيَّ فِيهــــًــــــــــمْ زَادْ

الْيَتِيمَـــــــةُ الْعَصْمـَــــاءُ

 

وقال الشاعر محمد ول آبَّوَّهْ:

الشَّيْخَه لَمْرُوَّهْ رَاتْهـَــــا

عَادَتْ هِيَ سَارُوتْهــــَـا

شَبْهَتْ فَالْعَلْمْ أَبَّاتْهــَـــــا

وْشَبْهَتْ فَالْكَرْمْ أَخُّوتْهـَا

 

وقال فيها محمد فاضل"شيخاني " بن الشيخ محمد بن أخيها الشيخ احمد الهيبة وسبط أخيها الشيخ محمد الأغظف متبركا أيضا:

 

يَا الشَّيْخَه جَيْتَكْ زَايْرَكْ

زِيَّارَه حَقِيقِيـَّــــــــــــــهْ

مَانَلاَّ مَانِي خَايْنـَـــــــكْ

مَادَامَتْ ذِي الْفَنِيـــَّـــــهْ

 

بالإضافة إلى هذا فقد كانت رحمها الله ذات حياء وتواضع لاسيما لإخوتها فقد كانت تنزلهم منزلة أبيها وكانت من أحب بنات الشيخ ماء العينين إليه وكانت مكاشفة بالمغيبات فكأنها تنظرها دون حجاب وكان لها يقين واعتصام بالله متين لا تنظر الأمور إلا منه في السراء والضراء ولا ترجو ولا تخاف غيره فأعطاها الله من الزهد والورع والحلم والكرم وسائر محاسن الأخلاق ما لا تسمع وصفه الأقلام والأوراق وظلت محافظة على هذه الصفات من مكارم الأخلاق ساعية كما هو دأبها فيما يرضي الخلاق10.

وبالرجوع إلى كتاب الشيخ النعمة الفواكه نقرا من نصائح الشيخ ماء العينين لبناته قوله، يخاطب إحدى بناته وهي الشيخة يحانيذو، تركت التطيب والتزين واشتغلت بالعبادة: " يا بنيتي لا تفعلي ذلك فقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتطيب ويتجمل وكانت نساءه كذلك إن الله إذا انعم نعمة على عبده يحب أن يرى أثرها عليه فتجملي يا بنتي وتطيبي ولا يبقى عندك شيء من الحلي إلا وجعلته وليس فعلنا ذلك رياء ولا سمعة بل إنما هو شكر لله تعالى"11.

ومما كتب عن والدتها هند بنت عبد الله 12 أنها أشتهرت بالتدريس والتأليف وتخرج على يدها مجموعة من العلماء والعالمات ومن تأليفها كتاب "الدر الأسمى في أسماء الله الحسنى "ّ،  ونظم في فروع الشيخ خليل وهو رجز في 400 بيت، وبعض الألغاز الفقهية.

فقد وردت بعض الأخبار عن السيدة يحانيذو في مخطوط " كتاب إثبات علماء الصحراء على ما للنسب من محاسن غراء " لصاحبه ماء العينين أمربيه بن الشيخ سيدي محمد بن عبد العزيز. أورد صاحبه ترجمة للشيخة يحانيذو بنت الشيخ ماء العينين يقول عنها : " ولدت هذه العالمة التقية الحافظة العفيفة الذاكرة الكريمة المحسنة المضيافة الورعة الفاضلة الشيخة يحانيذو يوم الأحد 3 صفر الخير عام 1304 هـ/ 1886 م والمتوفاة رحمها الله بمدينة تزنيت عشية الخميس 17 ذي الحجة عام 1388هـ/ 1968 م ونقل جثمانها إلى الزاوية المعينية بأيت رخا بجانب ضريح والدتها13.

ضريح الشيخة يحانيذو

 

وقد رثاها أبن أختها السيد ماء العينين يحجب عند وفاتها قائلا :

 

رزئنا بفقد الشيخة اليوم والأمـــــــــــــــــــــــــر                لخالقنا صبرا بنا يحمل الصبــــــــــــــر

فسحت سحاب الحزن فورا بفقدهــــــــــــــــــــا                 وفي كل قلب صب من فقدهــــــــــا جمر

هي الشيخة العظـــــــــــــــمى يحانذ كم لهـا                  مزايا على فقــــــــــــدانها خسف البــــــدر

 

وقد استرسل في رثائها مظهرا تبحرها في العلم قائلا :

 

يحانذ بحر في العلوم وفي الفـــــــــــــــــــــدى               وفي البشر والإحســـــــان في كل ذا وتـــر

يحانذ غير الوجه منها مدى المــــــــــــــــــدى               سيبقـــــــى لنا والله ما طلع الفجـــــــــــــــر

يحانذ إن ماتت فــــــهذي خصـــــــــــالـــــــها               مخلدة والحمـــــــــــــد لله والشكــــــــــــــــر

فقد طاب منها الفعــــــــــــل والقول دائمـــــــا               كما طـــــــاب فيها الصيت في الناس والذكر

لها جانــــــــــب في الله رخو وجانـــــــــــــب                شديد على الأعداء مســــــــلكه وعـــــــــــر

 

ومن جملة الذين رثوها مقدم الزاوية المعينية هناك الأديب الصوفي السيد عبد الرحمان بن متالي الذي قال :

 

نعم الروض روض الشيختيــن                 يحانذ وهنـــــــــد النعمتيـــــــــن

فزوج القطب ماء العينين هند                  يحانذ بنتها من ماء عيــــــــــــن

إذا زرتم يحانذ قـــد تلـــــيكــم                  فهند زر ضريح الشيختين

إذا همتـــك أو ضاقت أمــــــور                 فزره تنل مرادك مرتيـــــن

نموذج واحد من نساء بصمن تاريخ العلم ونشرن نوره يوضح مدى التأثير الايجابي الذي طبعته في قلوب الكثير من أهل الصحراء، على أمل الاستمرار في البحث والتنقيب عن نماذج أخرى في مقالات قادمة إنشاء الله.

 

أدو الشيخ ماء العينين شيخاني

باحثة في المركز          

 


1المعسول" محمد المختار السوسي ج3 ص:404

2 الجأش الربيط في النضال عن مغربية شنقيط وعربية المغاربة في مركب وبسيط ص/37

3 خليل النحوي : بلاد شنقيط المنارة والرباط، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1987 ص/289.

4  نفسه، ص/512

تعرف عند العامة والخاصة باسم  حانة منت الشيخ ماء العينين   5

  6 السراج المنير لمقاصد الشيخ ماء العينين في التفسير تأليف الدكتور محمد ماء العينين الشيخ الطالب الأخياردار الكتب العلمية بيروت لبنان ص /33  

7 في إفادة الأقربين في التعريف بذرية الشيخ ماء العينين ت.العلامة السيد ماء العينين بن الحضرامي بن الشيخ محمد لمين ص 51

8 في إفادة الأقربين في التعريف بذرية الشيخ ماء العينين ت.العلامة السيد ماء العينين بن الحضرامي بن الشيخ محمد لمين ص 48

9 قصيدة شعرية بالعربية والحسانية قالها الأستاذ محمد الإمام بن محمد سداتي بن الشيخ احمد الهيبة في مدح الشيخة يحانذ

 ماء العينين يحانيذو معلمة المغرب الملحق ج  4 ماء العينين النعمة علي ص/61610

كتاب الفواكه  لكاتبه الشيخ النعمة ابن الشيخ ماء العينين11

 12 المدارس العلمية في الصحراء ومساهمتها في أغناء الثقافة المغربية للدكتور محمد الظريف ص/164 من سلسلة ندوات مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية الرباط 11/12/مارس2002 

13 اثيات علماء الصحراء على ما للنسب من محاسن غراء لصاحبه ماء العينين امربيه بن الشيخ سيدي محمد بن عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق