مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة محمد المكي البطاوري الرباطي (1355هـ) وجهوده في العناية بالحديث الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.

تميز العهد العلوي الزاهر بنهضة علمية ومن ذلك العناية بالحديث من خلال نشر أصوله المعتبرة، وتدريس فنونه في المدارس والمعاهد والمساجد، حيث أصدرت مراسيم شريفة وتوصيات ملوك الدولة العلوية بالاعتناء بهذا الفن النبوي الشريف، واستحداث كراسي علمية خاصة بتدريس الحديث، وشرح كتب السنة المعتبرة من الصحاح، والسنن، والمسانيد وغيرها.

كما أولت الدولة العلوية عنايتها الخاصة بالعلماء المتخصصين في علوم الحديث، وشجعتهم، ومهدت لهم سبل نشره، وبذله بين عموم الناس، فاشتهر منهم أعلام كبار  على رأسهم العلامة الحافظ شيخ الجماعة بالرباط سيدي المكي البطاوري.

ولأهمية جهوده في النهضة العلمية الحديثية في العهد العلوي، خصصته بهذا المقال متناولا فيه ترجمته، ومؤلفاته الحديثية، وجهوده في الحديث في العهد العلوي.

أولا: ترجمة البطاوري[1]:

اسمه، نسبه، كنيته، مولده:

هو العلامة سيدي المكي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عبد القادر بن سعيد أبو حامد البطاوري، المحدث الحافظ شيخ الجماعة بالرباط، أصله من مدينة شرشال بالأندلس، ثم انتقل أسلافه منها إلى الرباط، وهو من ذرية الشيخ مهدي بن عيسى الغبريني التونسي الفقيه الشهير. [2]

ولد في شهر ربيع الأول عام 1274هـ، وتربى في بيت البطاوريين،  وهو بيت مجد ووجاهة ونباهة[3].

نشأته وشيوخه:

نشأ مترجمنا في أسرة مرموقة معروفة بالعلم، حيث قرأ القرآن أولا على والده أبي عبد الله، وبعد وفاته انتقل إلى كتاب الأستاذ المؤدب الشاعر محمد بن أحمد الرغاي الرباطي، وعنه تلقى مبادىء الحساب وبعض علوم الآداب، وحفظ عدة متون[4].

ثم شرع في قراءة العلم على عدة شيوخ فضلاء منهم:

قاضي الرباط محمد بن إبراهيم الرباطي (1297هـ)، وعن عمه الشيخ التهامي بن علي البطاوري (1300هـ)، وعن القاضي الشيخ أحمد مُلين الرباطي(1301هـ)، وعن الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله لُبَريس الرباطي (1307هـ)، وعن الشيخ محمد بن أحمد دينية الرباطي (1309هـ)، وأخذ عن الشيخ إبراهيم بن محمد التادلي علامة الرباط (1311هـ) وهو عمدته، وعن الشيخ عمر بن محمد عاشور (1314هـ)، وعن الشيخ محمد بن عبد الرحمن البريبري الرباطي (1326هـ) ، وعن الشيخ أحمد بن محمد بناني قاضي الرباط (1340هـ)، إلى غير هؤلاء من الأشياخ، وأجازه الشيخ علي بن سليمان البوجمعاوي (1306هـ) صاحب حواشي الكتب الستة إجازة عامة[5].

تلاميذه:

اشرأبت النفوس والقلوب للنهل من علوم الحافظ سيدي محمد المكي البطاوري، وتزاحم عليه  طلاب العلم من كل فج عميق، ومن بين هؤلاء:

عبد الرحمن بن عبد الله لُبريس، الأندلسي الرباطي (آخر 1307هـ) [6]، ومحمد بوجندار الرباطي (1345هـ)[7]، ومحمد بن عبد السلام السايح  (1367هـ)[8]، و محمد المدني ابن الحسني الحسني الرباطي (1378هـ)[9]، ومحمد بن اليمني الناصري الرباطي أصلاً نزيل المدينة المنورة (1391هـ)[10]….وآخرون.

ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه غير واحد من العلماء منهم:

حلاه بنسودة بقوله: “شيخ الجماعة بالرباط من غير مدافع…أعلم أهل الرباط وأعلاهم قدرا وجاها ومنزلة في عصره، له المشاركة في جل العلوم، ناظم ناثر، حاز قصب السبق في ذلك”[11]

وقال عنه أيضا: “العالم العلامة الجليل حامل راية التحقيق بالرباط وشيخ الجماعة به، المحصل المشارك المدرس، له اليد الطولى في الأدب والحديث والتفسير وعلوم الآلة”[12].

وقال فيه عبد الحي الكتاني :”شيخ الجماعة بالرباط العلامة الدراكة الأكبر صاحب التآليف العديدة التي قاربت المائة”[13].

وفاته:

توفي رحمه الله عام أربعة وخمسين وثلاثمائة وألف ببلدة الرباط[14].   

ثانيا: جهوده في الحديث:

ويمكن إبراز جهود العلامة سيدي محمد المكي البطاوري في عنايته بالحديث الشريف من خلال الآتي:

 أ – عنايته بقراءة كتب الحديث وأخذ الإجازة عليها:

أولى العلامة البطاوري عنايته الخاصة وحرصه الشديد على قراءة كتب الحديث النبوي، والسعي إلى أخذ الإجازة فيها حال الانتهاء من سماع أصولها على الشيوخ المتقنين .

 سمع كتاب الموطأ، والشمائل الترمذية بشرحه، وصحيح البخاري بالقسطلاني، على شيخه سيدي إبراهيم التادلي الرباطي[15].

مع أخذه الإجازة في رواية صحيح البخاري من شيخه التادلي المذكور عن شيوخه إلى مؤلفه أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري[16].

ب- عنايته برواية فهارس وأثبات العلماء:

ومن حرص العلامة البطاوري في الحفاظ على سلسلة الإسناد متصلة إلى كتب الحديث النبوي؛ سعيه إلى العناية برواية فهارس وأثبات العلماء التي تحوي جملة من كتب الحديث التي سمعوها من شيوخهم متصلة إلى أصحابها.

حيث أجازه أئمة أعلام بما في أثباتهم وبرامجهم وعلى رأسهم العلامة علي بن سليمان البجمعوي أجازه بثبته (أجلى المسانيد ) [17]، ومن طريق البطاوري يرويه الحافظ عبد الحي الكتاني[18]، وأيضا العلامة البناني أجازه بثبته المسمى: (المجد الشامخ فيمن اجتمعنا بهم من أعيان المشايخ) [19].

ج- عنايته بإقراء وتدريس كتب الحديث وإجازة الطلبة فيها:

اشتغل العلامة البطاوري بالتدريس والإفادة والإقراء والنفع سنوات من عمره، وكان آية في تلقين العلم وإملائه على الطلبة، حيث كان يخصهم بأفانين المعارف التي كان يدرسها بالزاوية التهامية، وبضريح المولى المكي، وما كان يمليه من أحاديث بالمجالس الحفيظية[20].

ومما درسه من كتب الحديث وعلومه وانتفع به طلبة العلم : كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس، والشمائل المحمدية لأبي عيسى الترمذي، ومختصر الصحيح لابن أبي جمرة، والأربعين النووية، وألفية العراقي في المصطلح بشرحه المسمى: معراج الراقي إلى ألفية العراقي[21].

وشرع في إسماع المسلسل بالأولية، وأوائل الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني، ومسلسلات السيوطي الصغرى[22].

وكانت له عناية بتدريس صحيح البخاري؛ حيث مكث في تدريسه سبع سنوات، وختمه فيها سبع مرات كما أفاد تلميذه الغازي بن محمد سباطة الرباطي قال:” رويت الصحيح عن جمع من الأئمة الأعلام منهم: شيخنا الفقيه العلامة المشارك النفاعة القاضي سابقا بالحضرة الرباطية الشريف سيدي الحاج المكي البطاوري أجازني بخط يده، وقرأت جميعه عليه رواية مع جماعة من الأعلام من أوله إلى آخره سبع مرات في سبعة أعوام بضريح الولي الصالح مولانا المكي الوزاني …” [23].

وكان رحمه الله آية في جودة التدريس  والتفنن في طرقه قال المولى عبد الحفيظ العلوي:” ذاك رجل لا تسمح به هذه الكف لهذه الكف، أملى بدارنا العامرة بالرباط املاءات حديثية ما طرق سمعي منذ عقلت مثلها، ولا رأى بصري من أملى مثلها “[24].

2: جهوده في الحديث تأليفا:

رزق العلامة البطاوري رحمه الله طاقة عجيبة في التأليف في شتى العلوم، وقدرت مؤلفاته بنحو ستين كتابا ومما وقفت له من تآليف في علوم الحديث الآتي:

1-تقييد في ختم الموطأ[25].

2- شرح البيقونية في مصطلح الحديث[26].

3- شرح ألفية العراقي في مصطلح الحديث[27] سماه:  معراج الراقي إلى أليفة العراقي في المصطلح[28].

4- تقييد على الموطأ[29]. قال الجراري:”هو عبارة عن هوامش وتقريرات وضعها في نسخته التي كتبها بخط يده في ثلاثة مجلدات ضمت طررا مفيدة …لو قدر لها أن تجمع لجاءت حاشية أو شرحا”[30].

5-الدروس الحديثية في المجالس الحفيظية[31]. وهي عبارة عن الدروس التي أملاها العلامة البطاوري بين يدي السلطان عبد الحفيظ العلوي.

6-طرر وهوامش على نسخة من مختصر الإمام البخاري لابن أبي جمرة[32].

7- شرح نظم ابن فرح الأشبيلي في المصطلح[33].

الخلاصة:

وخلاصة القول يعد العلامة سيدي محمد المكي البطاوري الرباطي من العلماء المعتنين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد العلوي، حيث أسهمت جهوده في نشر الحديث،  وترك آثارا وجهودا بارزة فيه، من خلال :

1- عنايته بقراءة كتب الحديث وأخذ الإجازة عليها.

2-  عنايته برواية فهارس وأثبات العلماء المعتنين بالحديث النبوي الشريف.

3- عنايته بإقراء وتدريس كتب الحديث وإجازة الطلبة فيها.

4- عنايته بالتأليف في الحديث وعلومه.

والحمد لله رب العالمين

***********************

هوامش المقال: 

[1]   من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع لابن سودة(2 /475)، شيخ الجماعة العلامة محمد المكي البطاوري الجراري (ص:10_167)، من أعلام الفكر المعاصر الجراري (2 /214)، سل النصال لعبد السلام ابن سودة (ص:80-81)، معلمة المغرب(4 /1261-1262)، معجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي المسمى: رياض الجنة (ص: 181-181)، تعطير البساط بذكر تراجم قضاة الرباط بوجندار(ص: 46-47)، معجم المطبوعات للقيطوني (ص:34-35)، الأعلام للزركلي (7 /110) التأليف ونهضته بالمغرب للجراري(1 /251).

[2]    سل النصال (ص: 80-81). الأعلام للزركلي (7 /110).

[3]   شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 10).

[4]   شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 10).

[5]    سل النصال (ص:80).

[6]   سل النصال (ص:80).

[7]    تعطير البساط بذكر تراجم قضاة الرباط بوجندار(ص: 47).

[8]    سل النصال (ص: 133).

[9]    شيخ الجماعة محمد المكل البطاوري (ص: 24)، وسل النصال (ص: 80)

[10]    سل النصال (ص: 211)

[11]    سل النصال (ص: 80).

[12]    اتحاف المطالع (2 /475).  

[13]    فهرس الفهارس (2 /1172)

[14]    سل النصال (ص:80).

[15]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 12).

[16]     شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 13).

[17]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 21)

[18]    فهرس الفهارس (1 /177).

[19]   شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 21)

[20]   ينظر: التأليف ونهضته بالمغرب للجراري(1 /251). 

[21]   شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 31 -104).  

[22]    معجم الشيوخ للفاسي (ص: 184)

[23]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 27)

[24]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري(ص: 32)

[25]   حققه: د. جَمال القديم، مراجعة: د. عبد اللطيف الجيلاني.طبع ضمن  منشورات مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء-الرباط،، ط1، 1430هـ/2009م.

[26]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 69 ).

[27]    اشيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 71).

[28]    سل النصال (ص: 81)

[29]    . شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 75).

[30]    . شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 75).

[31]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 90)

[32]    شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري (ص: 75)

[33]    معجم الشيوخ (ص: 181).

********************

لائحة المصادر والمراجع:

  1. إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع: عبد السلام ابن سودة، ت: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م.
  2. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين المستشرقين: لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ط15، 2002م.
  3. التأليف ونهضته بالمغرب في القرن العشرين، عبد الله الجراري: مكتبة المعارف بالرباط، الطبعة الأولى1406هـ/ 1985م.
  4. تعطير البساط بذكر تراجم قضاة الرباط : محمد بوجندار. طبعة حجرية بدون تاريخ.
  5. سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال: عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة ، دار الغرب الإسلامي. ط1، 1417هـ – 1997م. 
  6. شيخ الجماعة العلامة محمد المكي البطاوري الرباطي: عبد الله الجراري، مطبعة النجاح الجديدة ، الدارالبيضاء، ط1، 1398هـ/1978م.
  7. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات: لمحمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني. ت: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي بيروت، ط 2، 1402 / 1982مـ.
  8. معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة : عبد الحفيظ الفاسي، ت: عبد المجيد خيالي: دار الكتب العلمية، ط1، 1424هـ/2002م.
  9. معجم المطبوعات المغربية: إدريس بن الماحي الإدريسي القيطوني، تقديم عبد الله كنون، مطابع سلا، 1988م.
  10. معلمة المغرب: الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1410هـ/1989م.
  11. من أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا: عبد الله الجراري، مطبعة الأمنية، الرباط، ط1، 1391هـ/1971م.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق