مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الزاهي في أصول السنة لابن القرطي(ت355هـ)

كتاب «الزاهي في أصول السنة» أو كما سماه مؤلفه«الشعباني الزاهي لما ينضاف إلى الاختيار من ألفاظي»، من أنفس ما أنتجته المدرسة المالكية بمصـر بعد المختصـرات الثلاثة لعبد الله بن عبدالحكم، فمؤلفه أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المعروف بابن القُرْطِي(ت355هـ)، آخر من انتهت إليه رئاسة المالكية بمصر في وقته، وأحفظهم لمذهب مالك، مع التفنن في سائر العلوم، من الأخبار والتاريخ والأدب، إلى التدين والورع، وقد جمع كتابه هذا لبيان ما تمس حاجة المسلم إلى معرفته من أمور الديانة، مما ورد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد افتتحه بمقدمة نفيسة في وجوب الحرص على طلب السنن والآثار، وتجنب الكذب في الروايات والأخبار.

وإن كان ابن شعبان لم يُفصح في هذه المقدمة عن السبب الداعي إلى تأليف الكتاب كما جَرَت عادة كثير من المصنفين؛  فإنه بالمقابل رسم المنهج الذي سار عليه في تأليفه فقال رحمه الله:«ثم جعلت كتابي هذا أبوابا من كل صنف ونوع من أصناف العلم وأنواعه بابا بابا، ليقرب على من التمس صنفا من الأصناف، أو نوعا من الأنواع؛ ما قصد له من ذلك الصنف أو النوع…» إلى أن قال:«واستفتحت ذلك بأبواب الطهارة، ثم أبواب الزكاة، ثم أبواب الصيام، ثم أبواب الحج، ثم أبواب جهاد العدو ثم أبواب الصلاة على الجنائز، ثم ما يتبع ذلك مما قدمت ذكره حتى يأتي ذلك على آخر الكتاب».

ويقوم هذا المنهج على التأصيل للمسألة المبوَّب لها، من القرآن أو من السنة؛ ما يبين فضلها، وما يحصل من الثواب على فعلها، ثم ذكر ما تحتويه من فروع فقهية على مذهب الإمام مالك رحمه الله، والتزم المصنف عدم الدخول في اختلاف فقهاء المذهب إلا نادرا؛ بل يكتفي بإيراد القول المختار الذي اطمأن إليه، وإن كان مخالفا لما عليه المذهب كما في مسألة المساجد المبنية حيث لا يجوز بناؤها من الطرقات والفحوص ـ جمع فَحْص، وهو ما استوى واتسع من الأرض ـ وحيث مراسي السفن، إذ قال:«ولو كان مسجدا مبنيا في فحص واسع وأراد الإمام أن يتزيد له من الفحص ما لا يضر بالسالكين لم يمنع عند مالك، ومنع في قول ربيعة وهو الأصح عندي»، ثم بين علة ما ذهب إليه، ولعل مخالفاته هاته كانت سبب انتقاد بعض أئمة المذهب له كأبي الحسن القابسـي الذي كان يقول فيه:«إنه لين الفقه، وأما كتبه ففيها غرائب من قول مالك، وأقوال شاذة عن قوم لم يشتهروا بصحبته، ليست مما رواه ثقات أصحابه».

 وقد كان ابن شعبان يقصد بكتابه هذا أن يستفيد منه كل طبقات الناس على اختلاف مداركهم وتباين درجاتهم في الفهم والمعرفة، فالتزم فيه أسلوبا ميسرا يقوم على عبارات وألفاظ تقريرية نظير ما يوجد في كتب الآداب والفضائل، مع العناية بشرح الألفاظ وتفسيرها بما يتناسب مع مقصوده في الكتاب، وهذا ما جعل لكتابه ميزة بين كتب الفقه المالكي كما تدل على ذلك عبارات العلماء في الثناء على الكتاب ومؤلفه، فقد وصفه عياض، وابن فرحون، وغيرهما بالكتاب المشهور في الفقه، وشهدوا لصاحبه بالتفنن في التأليف، ويدل على ذلك ذيوع مؤلفاته، ومنها كتاب «الزاهي»، حيث كان له حضور كبير في المؤلفات الفقهية المالكية من بعده، فقد نقل عنه العدد الكثير من العلماء الذين جاؤوا بعده، أمثال أبي الوليد ابن رُشد الجد(ت520هـ) في كتابيه «البيان والتحصيل»، و«المقدمات الممهدات»، والقاضي عياض(ت544هـ) في «إكمال المعلم»، وابن العربي المعافري(ت543هـ) في «المسالك في شرح موطأ مالك»، فضلا عمن جاء بعدهم.

ومن أسف أن كتاب الزاهي لم يصلنا كاملا، بل وصلت منه نسخة ناقصة الآخر، تقف عند باب سكنى المطلقات، وعلى أساسها تم طبع الكتاب بتحقيق الدكتور أحمد عبد الكريم نجيب، وصدر عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، سنة 1433هـ/2012م.

ثم صدرت بعدها طبعة أخرى عن دار التوحيد للنشر بالرياض بعنوان:«الزاهي في أصول السنة على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله» بتحقيق محمد فريد زريوح.

الكتاب: الزاهي في أصول السنة. 

المؤلف: أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان(ت355هـ).

مصادر ترجمته: ترتيب المدارك(274/5)، والديباج المذهب(178/2)، وسير أعلام النبلاء(78/16)، وتاريخ الإسلام(88/8).    

الناشر: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، ط1/1433-2012م.

قال القاضي عياض في ترتيب المدارك(275/5):«وألف كتابه الزاهي الشعباني، المشهور في الفقه».

إعداد: ذ.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق