مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء -1- أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

وبعد:

فقد كانت مدينة مراكش، ولا زالت، حاضرة للعلم والعلماء مذ تأسيسها إلى يومنا هذا، حيث أضحت قبلة لكثير من العلماء والقراء، وكتب التواريخ خير شاهد على هذا.

وأنا أقلب صفحات كتاب ابن عبد الملك المراكشي الموسوم بـ«الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة» خطر ببالي جمع القراء الذين حلوا بمدينة مراكش أو استوطنوها في مرحلة من مراحل عمرهم، وسأذكر تراجمهم كما وردت في كتاب «الذيل والتكملة»، وقد أختصر منها بعض الأشياء، وسأذكر القراء حسب ورودهم في الكتاب، وسميت هذا الجمع بـ«الحلة السيراء فيمن حل بمراكش من القراء (من كتاب الذيل والتكملة لابن عبد الملك المراكشي ت703ه‍)»، وسأُصدّر هذه السلسلة بترجمة لمؤلف الكتاب؛ إذ كان من القراء أيضا، وقد اختصرت ترجمته من مقدمة التحقيق لكتاب الذيل والتكملة(1)، إذ هي أوسع ما وجدت في الباب، والله المستعان.

-1- أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي ت703ه‍ (2)

كان رحمه الله مولعا بالقراءة، وحريصا على اقتناء النسخ الأصلية للكتب، رحل إلى فاس وسبتة وسلا وآسفي وغيرها من مدن المغرب، ودخل الأندلس لكنه لم يجاوز الجزيرة الخضراء، كما رحل إلى تلمسان، كما أنه ولي القضاء بمراكش، قال عنهابن الزبير: «كان، رحمه الله، نبيل الأغراض عارفا بالتاريخ والأسانيد، نقادا لها، حسن التهدي، جيد التصرف وإن قل سماعه، أديبا بارعا شاعرا مجيدا؛ امتدح بعض كبراء وقته وكان مع نقده الإسنادي ذا معرفة بالعربية واللغة والعروض ومشاركة في الفقه. وما تقدمت الإشارة إليه من معارفه أغلب عليه».

اسمه ونسبه:

محمد بن محمد بن عبد الملك بن محمد بن سعيد الأنصاري الأوسي المراكشي.

فهو إذن ينتمي، من جهة أبيه، إلى بيت من بيوت الأنصار الأوسيين الذين عرفت مراكش في عصر ابن عبد الملك عددا منهم.

ولا نعرف متى استقر سلفه بمراكش, ولكننا نأنس من تعلقه بمدينته ومعرفته بخططها وأنساب أهلها وأحوالهم أنه مراكشي عريق.

مولده:

أرخ ابن الزبير ميلاد تلميذه وصاحبه ابن عبد الملك بقوله: «ومولده ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وست مئة». وقد حفظ لنا ابن الحاج النميري رجزا لطيفا قيد به ابن عبد الملك تاريخ ميلاده بدقة ملحوظة تشي بعناية والده بتسجيل الحادث السعيد، قال، وقد سئل عن مولده:

اعلـم بأن مولدي بالحضـرة      مراكش العلياء دار الإمرة

بُعيد هدء قد مضى من لـيلة     في ليل يوم الأحد العاشرة

من شهر ذي القعدة من أربعة     تـتلو الثلاثين وست المئة

شيوخه:

درس ابن عبد الملك على طائفة من الشيوخ، وأخذ عن جماعة من الأساتيذ، بطرق الأخذ المعروفة، وكيفيات التحمل المعهودة، ما بين قراءة وسماع وإجازة، وإذا كان لم يُخصِّص لشيوخه برنامجا حسب العادة المتّبعة في الغالب فإن كتابه «الذيل والتكملة» ينطوي على ما يستخرج منه برنامج خاص بهم. نذكر منهم:

1 – أبو زكريا يحيى بن أحمد بن عتيق، قد قرأ عليه مدة من الزمن بمدينة مراكش حوالي سنة 655 ه‍ وبعدها، أى: منذ كان في السادسة عشرة من عمره، تلا عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع، وقرأ عليه «حماسة» أبي تمام، كما درس عليه النحو في كتاب «الجمل» للزجاجي، ثم في «الكتاب».

2 – أبو القاسم أحمد بن محمد البلوي، قال ابن عبد الملك: «وقرأت عليه كثيرا من الحديث والآداب، وتلوت عليه بعض القرآن برواية ورش، وتدربت بين يديه في علم العروض، وصنعة الحساب، وعمل الفرائض، وأجاز لي إجازة عامة، وكان عدديا مهندسا فرضيا عدلا مرضيا شديد الشغف بالعلم حريصا عليه لا يأنف من استفادته من الصغير والكبير، ولقد ذاكرني بمسائل وأنا ابن ست عشرة سنة أو نحوها، فذكرت له ما عندي فيها، ثم بعد حين وقفت عليها مقيدة بخطه وقد ختمها بقوله: «أفادنيها الطالب الأنجب الأنبل أبو عبد الله ابن عبد الملك حفظه الله»».

3 – أبو الحسن الرعيني، هو أبرز شيوخ ابن عبد الملك، درس عليه مختلف العلوم التي يشير إليها برنامجه، ومنها القراءات وعلوم القرآن، والحديث والفقه وأصوله، وعلم الكلام، وعلوم العربية والآداب وغيرها.

4 – أبو علي الماقري، يعد من أقرب شيوخه إلى نفسه وأكثرهم تأثيرا فيه، وقد روى عنه في «الذيل» من الإفادات والإنشادات والأحاديث ما لم يعرفه إلا من طريقه، وكان هذا الحافظ الراوية الماقري قد أخذ عن طائفة من كبار الشيوخ من طبقة الحافظ أبي الحسن ابن القطان الفاسي، وأبي الخطاب بن واجب البلنسي، وأبي الحسن بن أبي قوة الداني، وأبي علي الرندي، وأبي بكر السلاقي وغيرهم، وكان مقيما برباط آسفي، وقد تردد عليه ابن عبد الملك من مراكش مرات، أخذ عنه ابن عبد الملك قصيدة ابن الحصار في المدني والمكي، وحديث المصافحة، وحديث طعام البخيل، وفهرسة أبي الحسن ابن القطان، وغير ذلك.

5 – أبو الحسين عبيد الله بن عبد العزيز المشهور بابن القاري، كانت له حلقات يدرس فيها بعض كتب القراءات والحديث.

6 – أبو القاسم ابن الطيب الخضراوي، قال ابن عبد الملك: «روى عنه غير واحد من طلبة سبتة، ولقيته بها وجالسته مرات، وحضرت إقراءة، وكان مجودا للقرآن العظيم، من أحسن الناس صوتا به وأطيبهم نغمة في إيراده، ذا حظ صالح من رواية الحديث وعلم الفقه والعربية، شديد القوة الحافظة، استظهر في صغره أوان طلبه جملة وافرة من دواوين العلم».

تلامذته:

أخذ عن ابن عبد الملك جماعة من الطلبة، وروى عنه جمع من العلماء نذكر منهم:

1 ولده محمد أبو عبد الله فقد ذكر ابن حجر في «الدرر» أنه سمع على أبيه العلامة التاريخي تأدب به.

2 – أبو جعفر أحمد بن صفوان المالقي المتوفى سنة 763 هـ، قال ابن الخطيب: «ورحل إلى العدوة، فلقي جملة كالقاضي المؤرخ أبي عبد الله بن عبد الملك .. وقرأ عليهم بمراكش».

3- أبو القاسم عبد الرحمن العزفي مؤلف كتاب «الإشادة»، قال ابن القاضي: «روى عن أبي جعفر بن الزبير، والقاضي بن عبد الملك» وقد ولد سنة 685هـ وتوفي سنة 717 هـ.

4 – القاسم بن يوسف التجيبي صاحب «البرنامج» المتوفى سنة 730 هـ، روى عن ابن عبد الملك كتابه «الذيل والتكملة» كما هو مثبت في نسخة باريس من الكتاب.

مؤلفاته:

  1. الذيل والتكملة لكتابي الموصول ةالصلة.
  2. الجمع بين كتابي ابن القطان وابن المواق على كتاب الأحكام لعبد الحق بن الخراط.
  3. الجامع في العروض.
  4. مقالة في ضبط عنوان الملخص.
  5. مقالة حول كتاب الأربعين حديثا للملاحي.

توفي رحمه الله سنة 703 هـ وقيل غير ذلك.

  • قد اعتمدت في هذا العمل على طبعة دار الغرب الإسلامي بتحقيق د. إحسان عباس، و د. محمد بن شريفة، و د. بشار عواد معروف.
  • (2) مصادر الترجمة: اختصرت ترجمة ابن عبد الملك مما ورد في مقدمة تحقيق كتاب الذيل والتكملة.

ذ.سمير بلعشية

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق