مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

الاسم المعرف بـ(ال) الواقع بعد اسم الإشارة

من الأسماء ما لا ينعت ولا ينعت به كالضمير مطلقاً، لبُعدها من المتمكنة وتوغلها في شبه الحروف، ومنها ما يُنْعَتُ به ولا يُنْعَتُ كـ(أي)، ومنها ما ينعت ولا ينعت به كالعلم، ومنها ما ينعت به وينعت كأسماء الإشارة لشدة شبهها بالأسماء المتمكنة؛ فمن النعت به قوله تعالى: (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) [الأنبياء:63]، وقوله: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) [القصص:27]، وأما نعتهُ فيشترطُ فيه شروط نص عليها ناظر الجيش بقوله(1): «إن اسم الإشارة بالنسبة إلى نعته مخصوص بأحكام ثلاثة:

أحدها: أن لا يفرّق نعته عند تعدده، فلا يقال: مررت بهذين الطويل والقصير.

ثانيها: أن لا ينعت إلا بما هو مصحوب (أل) ولا ينعت بغيره كالمضاف إلى ما فيه (أل) نحو: هذا غلام الرجل.

ثالثها: أنه ينعت بالجامد المحض نحو: مررت بهذا الرجل، هذا إذا جعلنا الرجل نعتا..

وهذه الشروط مبثوثة في كتب النحاة، ونص عليها كثير منهمْ:

قال سيبويه  (ت:180هـ) في «كتابه»: «واعلم أن المبهمة توصَف بالأسماء التي فيها الألف واللام والصفات التي فيها الألف واللام جميعا. وإنما وُصفتْ بالأسماء التي فيها الألف واللام؛ لأنها والمبهمة كشيء واحد، والصفات التي فيها الألف واللام هي في هذا الموضع بمنزلة الأسماء وليست بمنزلة الصفات في زيد وعمرو إذا قلتَ مررتُ بزيد الطويل، لأني لا أريد أن أجعل هذا اسما خاصا ولا صفة له يُعرف بها، وكأنك أردت أن تقول: مررت بالرجل، ولكنك إنما ذكرت هذا لتقرب به الشيء وتشير إليه»(2).

وقال أبو عليّ الفارسيّ  (ت:377هـ) في «إيضاحه»: «وأما المبهمة فتوصف بأسماء الأجناس التي فيها الألف واللام نحو: مررت بهذا الرجل. وقد تقام الصفة مقام الموصوف فتقول: مررت بهذا الطويل. وأحسن من ذلك أن تكون صفة مقصورة على جنس كالعاقل، والكاتب، والضاحك، ولا يوصف المبهم بالمضاف لا تقول: مررت بهذا ذي المال، وأنت تريد الصفة»(3).

وقال ابن مالك  (ت:672هـ) في «تسهيل الفوائد»: «من الأسماء ما ينعت به وينعت كاسم الإشارة، ونعته مصحوب (أل) خاصة»(4).

وقال ابن هشام  (ت:761هـ): «ولا يوصف اسم الإشارة أبدا إلا بما فيه (أل)» (5).

ومعنى ذلك أنه لا يوصف بالمضاف، فلا يقال: مررت بهذا ذي العلمِ مثلا. قال أبو العباس المبرّد (ت: 285هـ) في «مقتضبه»: «إن المبهمة معارف بأنفسها فَلَا تكون نعوتها معارف بغَيْرهَا؛ لِأَن النَّعْت هُوَ المنعوت فِي الْحَقِيقَة لَا تَقول: مَرَرْت بِهَذَا ذِي المَال على النَّعْت كَمَا تَقول: بِهَذَا الرجل وَرَأَيْت غُلَام هَذَا الرجل»(6).

وقال ابن جني  (ت:392هـ) في عدم جواز إعراب (بَعْلِي) نعتا من قوله تعالى: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا) [هود:72] ما نصه: «فإن قلت: فهل تجيز أن يكون “بعلي” وصفًا “لـ”هذا”؟ قيل: لا؛ وذلك أن هذا ونحوه من أسماء الإشارة لا يوصف بالمضاف، ألا تراهم لم يجيزوا مررت بهذا ذي المال، كما أجازوا مررت بهذا الغلام؟ وإذا لم يجز أن يكون “بعلي” وصفًا لـ”هذا” من حيث ذكرنا لم يجز أيضًا أن يكون عطف بيان له؛ لأن صورة عطف البيان صورة الصفة، فافهم ذلك»(7).

وفي «المساعد» لبهاء الدين بن عقيل  (ت:769هـ) ما لفظهُ: «قال النحَّاس: وأجمعوا على أنه لا ينعت بالمضاف، وحكى عن الكسائي: هذا عبد الله قائم، فتأوله قوم على النعت، وأنكره الفرّاء وقال: من قال: هذا الرجل عاقل، لم يقل: هذا غلام الرجل عاقل. ووجه ذلك: أن المراد بيان جنسه، والإضافة بغير من الجنسية، لأن المضاف ليس بجنس، فكل من كان رجلاً ليس بصاحب الرجل ولا أخي الرجل، قاله الفراء»(8).

اختلاف النحاة في إعرابه:

جرى خلاف بين النحويين في إعراب الاسم المحلَّى بـ(ال) الواقع بعد اسم الإشارة، هل يعرب نعتا كما تظهر من بعض النصوص التي سردناها؟ أو عطف بيان (بدلا)؟

المذهب الأول: أن هذا الاسم يعرب نعتاً، جامداً كان أو مشتقا، نحو: مررتُ بهذا الرجل، ومررتُ بهذا العالِم، وممن نصوا على ذلك ابن الحاجب  في «الكافية» وقال بعد تعريف النعت: «ولا فصل بين أن يكون مشتقّا أو غيره إذا كان وضعه لغرض المعنى عموما مثل: (تميميّ)، و (ذي مال)، أو خصوصا مثل: (مررت برجل أيّ رجل)، و(مررت بهذا الرّجل) و(بزيد هذا) »(9).

وما منع كثيرا من النحاة من إعراب (الرجل) نعتا هو اشتراطُهم الاشتقاق في الوصف، قال ابن الحاجب  في شرحه: «إن معنى النعت: أن يكون تابعا يدل على معين في متبوعه، فإذا كانت دلالته كذلك، صح وقوعه نعتا، ولا فرق بين أن يكون مشتقا أو غيره، لكن، لما كان الأكثر في الدلالة على المعنى في المتبوع هو المشتق، توهم كثير من النحويين أن الاشتقاق شرط حتى تأولوا غير المشتق بالمشتق»(10).

وقال الرضي : «اعلم أن جمهور النحاة شرطوا في الوصف الاشتقاق، فلذلك استضعف سيبويه: مررت برجل أسد، وصفًا، ولم يستضعف: بزيد أسدا، حالا، فكأنه يشترط في الوصف، لا الحال، الاشتقاق، وفي الفرق نظر، والنحاة يشترطون ذلك فيهما معا، والمصنف لا يشترطه فيهما، ويكتفي بكون الوصف دالا على معنى في متبوعه، مشتقا كان، أو، لا… »(11).

ويتأكد إعرابهُ نعتاً إذا كان الاسم مشتقًّا نحو: مررتُ بهذا العالمِ، قال أبو حيان : «وإذا أتبعت اسم الإشارة بذي (أل)، فإما أن يكون جامدًا، أو مشتقًا إن كان مشتقًا فيضعف الوصف به نحو: مررت بهذا العالم، ولا خلاف أنه وصف»(12).

وقال ابن الحاجب : «وإنّما التزم وصف باب (هذا) بذي اللاّم للإبهام، ومن ثمّ ضعُف (مررت بهذا الأبيض) وحسُن (مررت بهذا العالم)».قال الرضي في تفسير قوله: «قوله: (ومن ثم ضعف)، أي من جهة أن المراد من وصف المبهم تبيين حقيقة الذات المشار إليها، ضعف: بهذا الأبيض، لأن الأبيض عام، لا يخص نوعا دون آخر، كالإنسان والفرس والبقر، وغيرها، بخلاف: هذا العالم، فإن (العالم) مختص بنوع من الحيوان فكأنك قلت: بهذا الرجل العالم»(13).

وفي «التمهيد»: «إن كل نعت لا بد فيه من ضمير يعود على المنعوت ليربطه به إلا أسماء الإشارة فإنها لا توصف إلا بالجوامد نحو: مررت بهذا الرجل، وإن وصفت بالمشتق فعلى أن يكون قائما مقام الجامد نحو: مررت بهذا العاقل – تريد بهذا الرجل العاقل – فحذفتَ الموصوف وأقمتَ الصفة مقامه؛ ولهذا يقلُّ مجيء المشتق نعتا لأسماء الإشارة»(14).

المذهب الثاني: أن هذا الاسم يعرب عطف بيان أو بدل، ويتأكد إعرابهُ كذلك إذا كان الاسم جامداً، نحو: (مررتُ بهذا الرجل)، قال ابن مالك : «ولا ينعت إلا بمصحوب (أل)، وإن كان مصحوب (أل) جامدا محضا كمررت بذلك الرجل، فهو عطف بيان لا نعت لأنه غير مشتق ولا مؤول بمشتق»(15)، ثم شدّد النكير على الذين يمنعون إعرابه عطف بيان، وقال: «وأكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضا في أنه نعت، ودعاهم إلى ذلك اعتقادهم أن عطف البيان لا يكون متبوعه أخصَّ منه، وهو غير صحيح، فإن عطف البيان يقصد به في الجوامد من تكميل المتبوع ما يقصد بالنعت في المشتق وما جرى مجراه، فلا يمتنع أن يكون متبوع عطف البيان أخصَّ منه، كما لا يمتنع أن يكون المنعوت أخصَّ من النعت.

وقد هُديَ أبو محمد بن السيد إلى الحق في هذه المسألة، فجعل ما يتبع اسم الإشارة من الرجل وغيره عطف بيان وكذا فعل ابن جني. حكاه أبو علي الشلوبين. وهكذا ينبغي؛ لأن اسم الجنس لا يُراد به – وهو تابع اسم الإشارة – غيرُ ما يراد به وهو غير تابع له، فلو كان نعتا حين يتبع اسم الإشارة لكان نعتا حين يتبع غيره كقولك: رأيت شخصا رجلا، وأنت لا تريد إلا كونه رجلا لا امرأة ولا خلاف في امتناع كونه في هذه الصورة نعتا فيجب أن لا يكون في غيرها نعتا وإلا لزم عدم النظير، أعني: جعلَ اسم واحد نعتا لبعض الأسماء دون بعض مع عدم اختلاف المعنى»(16).

وقال أبو حيان : «وإذا أتبعت اسم الإشارة بذي (أل)، فإما أن يكون جامدًا، أو مشتقًا …، وإن كان جامدًا نحو: مررت بهذا الرجل، فسيبويه يسميه نعتًا، والكوفيون يسمونه الترحم، وبعضهم يجعله عطف بيان، وهو قول الزجاج، وابن جني وابن السيد والسُّهيلي، واختيار ابن مالك»(17).

ونصُّ السّهيلي  في «نتائج الفكر»: «وكذلك المبهم عندي أيضاً لا ينعت إنما يبين بالجنس الذي يشير إليه، كقولك: هذا الرجل، فالرجل تبيين لـ ” هذا ” أي: عطف بيان، وتبيينه بالجنس الذي يشير إليه آكد من تحليته بالنعت»(18).

*   *   *

وقد وقف ابن عصفور  موقفًا وسطًا، وجوز الوجهين، وقال في «شرح الجمل»: «أَجَازَ النحويون في مثل: (مَرَرْت بِهَذَا الرجل) أن يكون الرجل نعتا وعطف بيان؛ فمن حمله على عطف البيان فسبب ذلك جموده، ومن جعله نعتا لحظ فيه معنى الاشتقاق، وجعل قوله: (الرجل) بعد (هذا) بمنزلة الحاضر المشار إليه، فإن قيل: فقد زعمت أن عطف البيان أخصُّ من النعت، وقد أجزتَ في (الرجل) وهو معرَّف بالألف واللام أن يكون عطف بيان على (هذا) والمشارُ أعرفُ مما فيه الألف واللام فالجواب: إن الألف واللام لما كانت للحضور ساوى المعرف بها المشارَ في التعريف وزاد عليه بأن المشار لا يعطي جنس المشار إليه، والرجل يعطي فيه الألفُ واللام الحضورَ، ويُعطي أن الحاضرَ من جنس الرجال، فصار المشار إليه إذنْ أعرف من (هذا).

فإن قيل: فإذا قدرته أعرف من (هذا) فكيف أجزتَ أن يكون نعته، والنعتُ لا يكون أعرف من المنعوت؟ فالجوابُ: إنك إذا قدرته نعتاً فلا بد أن تكون الألف واللام للعهد كما تقدم في بيان معنى النعت، وكأنك قلت: مررتُ بهذا الرجل، وهو الرجل الذي بيني وبينك فيه العهدُ، ولا تجعل الألف واللام على ذلك إذا قدرته عطفَ بيانٍ، بل تجعلها للحضور، وهذا الذي ذكرته هو معنى كلام سيبويه»(19). وقد ناقشَ كلامه هذا ناظر الجيش في «التمهيد» فارجع إليه.

الخلاصة:

ويتلخص مما سبق أن الاسم المعرف بـ(أل) بعد اسم الإشارة يجوز إعرابه نعتاً أو عطف بيان (بدل)؛ لكن الأحسن أن يعرب عطفَ بيان إذا كان جامداً، أو نعتاً إذا كان مشتقاًّ، إذ من قواعدهم المقررة ومقالاتهم المحررة «أنَّ شأن المشتق أن يجري نعتا على ما قبله وشأن الجامد أن يجري عطف بيان»(20).

وقد نظم هذه المسألة أحدهم بقوله:

وإن أتاك اسم معرف بـ(ألْ)

بعد إشارة فنعت أو بدلْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) تمهيد القواعد (7/3363)

(2) الكتاب (2/7)

(3) الإيضاح العضدي (ص:279)

(4) تسهيل الفوائد (3/320)

(5) أوضح المسالك (4/27)

(6) المقتضب (4/219)

(7) المحتسب (1/325)

(8) المساعد (2/419)

(9) المحتسب (1/325)

(10) نقلا عن: شرح الكافية للرضي (2/289)

(11) شرح الكافية للرضي (2/289)

(12) ارتشاف الضرب (4/1934)

(13) شرح الكافية للرضي (2/317)

(14) تمهيد القواعد (7/3350)

(15) شرح التسهيل لابن مالك (3/320)

(16) شرح التسهيل لابن مالك (3/321) وتمهيد القواعد (7/3363)

(17) ارتشاف الضرب (4/1934)

(18) نتائج الفكر (ص:168)

(19) شرح الجمل (1/272)

(20) تمهيد القواعد (7/3362)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق