مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةدراسات عامة

أثر العلوم العربية الإسلامية في أوربا المسيحية

 إنجاز: عبد الغني زيدان

مركز ابن البنا المراكشي

تقديم

يهدف هذا المقال المقتضب إلى تسليط الضوء على قضية انتقال التراث العلمي العربي إلى ديار الغرب، و يبرز أيضا أهم أشهر النقلة الذين كان لهم الدور البارز في عملية نقل العلوم و المعارف الإنسانية؟ كما يبين أبرز الوجهات و الطرق والمعابر التي انتقل عبرها هذا العلم، وكيف استفاد الغرب منه، وكيف كانت نظرة العلماء الغربيين إلى أثر علوم العرب في نهضة الغرب؟.

1- العوامل المساهمة في نقل العلوم الاسلامية

عديدة هي العوامل و القضايا التي تظهر انتقال وتمثل العلوم العربية الإسلامية من طرف أصحاب الضفة الأخرى. و يمكن تلخيصها في مسألتين:

المسألة الأولى: متعلقة بتوهج نور العلم عند العرب المسلمين في الوصول لبعض الاكتشافات والاختراعات التي أبانت عن مرحلة ازدهارهم و رقيهم الحضاري، وهذا  الفضل كله راجع إلى مكانة العلماء الكبار الذين أبانوا عن قدراتهم الإبتكارية في مختلف الميادين العلمية من رياضيات و فلك وطب وفيزياء…إلخ.

المسألة الثانية: الاهتمام الذي أظهروه اتجاه علوم الأقدمين من الحضارة الأخرى، فقد كانت رؤيتهم لعلوم الأوائل مبنية على البحث و النقد و تحقيق الأخطاء و دحضها معتمدين التحليل الموضوعي و الشجاعة العلمية.

2- أهمية و مكانة العلوم الإسلامية في عيون بعض المستشترقين

يعتبر البروفيسور ومؤرخ تاريخ العلوم العربية الأستاذ “فؤاد سيزكين” أن أول من أخذ المبادرة في أخذ وتمثل العلوم العربية و الإسلامية وذلك من زاوية التدوين التاريخي هو “هاينرخ شبيرجس” وذلك لأهمية مقالاته العديدة  في هذا المجال. يرى “شيبرجس” أن بداية المرحلة الثانية من أخذ الطب العربي كانت في الشطر الأول من القرن 12م وذلك في طليطلة، أما بداية المرحلة الثالثة من أخد الطب العربي في الغرب وكانت أكثر تطورا لعملية الترجمة في طليطلة وذلك في الشطر الثاني من القرن 12م، وفي خلال هذه الفترة أيضا ترجم كتاب “القانون في الطب” لابن سينا على يد “جيرهارد الكريموني”[1] وكان لهذا العمل أهمية عظمى لعملية أخذ الطب العربي الذي أصبح في الغرب قانونا لأسس الطب العلمي.

أما المجال الذي تم فيه عرض قضية الأخذ والتمثل عرضا شاملا هو مجال الجغرافيا و الكرتوغرافيا، فلقد بلغت فيه البيئة الثقافية العربية الإسلامية مستوى متميزا، انتشرت العديد من الترجمات لجداول عربية للأماكن في القرن 13م. أتت المرحلة العظمى من التمثل التي وصلت إليها أوروبا في ميدان الجغرافية الرياضية العربية مع العالم “روجر باكون[2] الذي يعتبر  أول عالم واضع لقوانين المنهج التجريبي، و هو أول عالم رياضي و جغرافي قام بتصميم خريطة تراعي درجات الأطوال و العروض.

في سنة 1834 قام “جان جاك سيديو”[3] وابنه “لوي أملي” بنشر الترجمة الفرنسية للمخطوطة في باريس من الكتاب العربي الضخم لأبي الحسن المراكشي في ميدان علم الفلك التطبيقي والآلات الفلكية، و قد كان هذا الحدث في ظل عصر الرومانسية يشهد تقسيما زمنيا يخالف الحقائق التاريخية، وتلا بعد هذا العمل بعشر سنوات دراسة قام بها سيديو الابن حول كتاب المراكشي نفسه.

 لقد خاض سيديو الأب والابن معركة حقيقية إذ استمرت عقودا وذلك من أجل بناء موقف للعلماء يكون منصفا تجاه البيئة الثقافية العربية الإسلامية، وهذه المعركة التي خاضها سيديو الأب والابن من حسن حظهم كانت داخل سياق دعم بمجهودات العالم الدؤوب “جوزف توسن رينو”[4] التي نتجت بإبداع واقتناع في مجالات عدة من جغرافيا و فلك وفي الآثار الإسلامية.

كما قد لعبت أعمال “فرانتس فوبكه” أيضا ودراساته المكتوبة باللغة الفرنسية في وضع أساس متين للتدوين التاريخي للرياضيات العربية و الإسلامية فإن هذه الأعمال المكثفة والواسعة لهؤلاء المستعربين الكبار كـ جان جاك سيديو ولوي أملي سيديو وجوزف توسن رينو وفرانتس فوبكة إذ فتحت آفاق مدهشة ما كان يمكن تصورها حتى ذلك الزمن أمام البحث المستقبلي في مكانة العلماء العرب والمسلمين.

3- المراحل الأولى لانتقال العلوم الإسلامية إلى الغرب الأوربي.

لقد تمكنت أوروبا بواسطة الجسور المفتوحة التي ساهمت فيها السفن الإسبانية و الإيطالية، و زيارة الحجاج إلى بيت المقدس، و تجارة التجار، على نقل التراث العربي المادي و المعنوي، و العمل على نشره داخل كل المجالات الحيوية، فنهضت بفضله المجتمعات الغربية اقتصاديا و علميا و ثقافيا.

إن أشهر منطلق معروف في هذه الطريق هو ذلك المنطلق من شبه الجزيرة الإيبيرية، الذي أصبح معظمها واقعا تحت السيطرة العربية خلال 20 سنة بعد الغزو عام 711م، فالعلوم التي كان يشتغل بها الفاتحون خلال المائة وخمسين سنة التالية كانت إلى حد بعيد هي نفسها المعتنى بها في وسط العالم الإسلامي، و قد انطلقت الموجة الأولى من ترجمة المؤلفات العربية وتقليدها من المناطق المسترجعة في إسبانيا حيث ظل تأثيرها مقتصرا على المناطق المجاورة، لكن الموجة الكبيرة لم تبدأ إلا في بدايات القرن 12م، إذ جاء هذا القرن بالعديد من الترجمات من العربية إلى اللاتينية و كان من أوائل رواد هذه الحركة آدلارد من باث[5] Adelard of Bath.

من بين أهم الأعمال التي ترجمت في إسبانيا المسيحية في ذلك الزمن إلى اللاتينية نجد كتاب “الجامع في حساب النجوم” لمحمد بن جابر بن سنان البتاني[6]. وفي هذا القرن بالذات (ق 12م) وصلت عملية ترجمة المؤلفات العربية و الإغريقية من اللغة العربية إلى اللاتينية والعبرية إلى مستوى عال، في نفس الوقت الذي كانت فيه العلوم في البيئة الثقافية العربية الإسلامية مستمرة في تقدمها في جميع المجالات.

خاتمة:

لقد ورث الغرب عن العرب العلوم و الثقافة العربية، كما ورث العرب علوما من حضارة الإغريق و الهنود و المصريين و جل حضارات الشرق القديم، لكن من باب الاجحاف حين نسمع في حق العرب والمسلمين بأنهم لم يتجاوزوا حد نقل التفوق العلمي للحضارة الإغريقية في مرحلتها الهيلينة، و الحال أن هؤلاء لم يتداركوا في اجتهاداتهم طابع التأمل النظري، بحيث أن العلم الإغريقي في أصله لم يكن علما إغريقيا صرفا و المدرسة الإسكندرية خير شاهد على ذلك.

إن العرب المسلمين هم من أسسوا منهج الملاحظة و التجريب و اعتمدوا عليهما في تجاربهم العلمية، و قد استفاد الغرب من هذا المنهج، حيث نجد كل العلماء من أمثال “روجي باكون” Roger  Bacon و ” ماجنوس” Mangus و “فيتلو” Vitellio و “دافنشي” Davinei  و “غاليليو” Galileo اعتمدوا في أبحاثه على الطرق التجربية في الكيمياء و الطبيعة و الحساب و الجبر و الجيولوجيا و علم الاجتماع. و هذا راجع بالأساس إلى فضل العرب عليهم.

المراجع المعتمدة:

1- شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه.

2- العلوم و التقنية في العالم الإسلامي، فؤاد سيزكين.

3- العلوم الإسلامية و قيام النهضة الأوربية، د. جورج صليبا.

[1] – جيراردو الكريموني أو جيرارد من كريمونا  508 – 583 ه‍ / 1114 – 1187م ، واحدا من أهم علماء مدرسة طليطلة للمترجمين التي أنعشت العلوم الأوروبية في العصور الوسطى في القرن الثاني عشر، عن طريق نقل المعرفة العربية واليونانية واليهودية في علوم الفلك والطب وغيرها من العلوم، وجعلها متاحة لكل شخص يقرأ ويكتب في أوروبا.

[2] روجر بيكون Roger Bacon، (1214– 1294)، ويعرف أيضاً باللقب باللاتينية Doctor Mirabilis أي (المعلم البديع)، كان فيلسوفاً إنچليزي وراهب فرانسيسكان الذي شدد على أهمية التجريبية أو الإمبريقية ويـنسب له أحياناً أنه كان أحد أوائل الأوروبيين المنادين بالطريقة العلمية الحديثة المستلهمة من أعمال العلماء المسلمين.

[3]جان جاك أمانويل سديو Jean Jacques Emmanuel Sédillot (1777 – 1832)  هو مستشرق فرنسي. تعلم العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، و تولى التدريس فيها مدة. له دراسات في العلوم الرياضية عند العرب. اشتهر بكتابه ” تاريخ العرب العام” (جزءان) ترجم إلى اللغة العربية.

[4] جوزيف توسان رِينُو: Joseph Toussaint Reinaud)‏ (1210 – 1284 ه‍ / 1795 – 1867 م) هو مستشرق فرنسي. أخذ العربية عن دي ساسي. له تاليف في ميدان الآثار الإسلامية والحروب الصليبية والفيلولوجيا العربية.

[5] أديلار الباثي (1070 – 1150 م) فيلسوف إنكليزي كتب باللاتينية. كان من أوائل مترجمي المؤلفات العربية وناشري الثقافة العربية الإسلامية في أوربة الغربية.

[6] – محمد بن جابر بن سنان البتاني ولد سنة (240هـ – 854م) نسبة إلى مسقط رأسه  “بتان” ” والمُلقب ب “بطليموس العرب“، عالم فلك ورياضيات عربي مسلم، وهو أحد نوابغ العلم في وقته. كان من أوائل العلماء المسلمين الذين وضعوا الرموز في تسهيل العمليات الرياضية. ويعتبره العالم الفرنسي جيروم لالاند أحد العشرين فلكياً الذين اسهموا في تطوير علم الفلك.

Science

ذ. زيدان عبد الغني

باحث مركز ابن البنا المراكشي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق