مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

أبو العباس أحمد بن محمد بناني كلاّ (تـ 1306ھ)

حورية بن قادة: باحثة مساعدة بمركزالإمام الجُنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة   

لله تعالى في كل عصر رجال، اصطفاهم لحضرته، واجتباهم لمعرفته، وآثرهم بمحبته، واختصهم بولايته، فهم خواصه بين خلقه، يغذوهم في رحمته، يحييهم ويميتهم في عافيته،… فهم صفوة الله تعالى، التي صفيت من الأكدار، ومنارات كل عصر، ومصابيح الهدى في كل مصر.

ولقد حبا الله تعالى كل قرن بنخبة من أقطاب الولاية وشموسها، يُعدون من أعظم مفاخر الأمة المحمدية، ومنهم شيخ الجماعة، الإمام في علوم المعقول في عصره، المبرز فيها على جميع أقرانه من أهل عصره، الحديثي الكامل، الأصولي الفاضل، العلامة المحقق، المشارك المدقق، المسن البركة، شيخ الجماعة في وقته، أبو العباس سيدي أحمد بن أحمد بناني.[1] المشهور بـ “كَلاّ” لكثرة جريانها على لسانه في التدريس.[2]

كان- رحمه الله- علامة عصره، وفريد دهره، تفسيرا وحديثا، وأصولا ومنطقا وبيانا، مواظبا على التدريس والإفادة، والتحقيق والإجادة، وغالب قراءاته- في آخر عمره- إما بغير مطالعة أو بمطالعة يسيرة.[3]

شيوخه وتلامذته:

   أخذ- رحمه الله- عن جُلّة من الشيوخ، منهم:

– الوليد العراقي، وعبد السلام بوغالب، وغيرهما…، وتخرج به جماعة من الأعيان منهم:

– جعفر الكتاني الذي حضر مجلسه في الأصول والبيان والحديث، وقرأ عليه أوائل الكتب الستة الحديثية، و”الموطأ” و”شمائل الترمذي” وأجازه بها وبغيرها بالقول إجازة تامة بجميع مروياته، كما أجازه أشياخه بالقول، وفي ذلك يقول جعفر الكتاني: «وقد حضرت مجلسه في الأصول والبيان والحديث، وقرأت عليه أوائل الكتب الستة الحديثية و”الموطأ” و”شمائل الترمذي”، واستجزته فيها وفي غيرها، فأجازني بالقول إجازة عامة في جميع مروياته، وقال لي: “دخلت على شيخي وعمدتي مولاي الوليد العراقي وهو مريض في غير مرضه الذي توفي فيه، فقلت له: أجزني يا سيدي، فقال لي: ما أجازني أحد من أشياخي إلا بالقول… قال: فقلت له: أجزني به أنت أيضا. ففعل… قال: وسيدي الوليد يروي عن الشيخ الطيب ابن كيران وسيدي حمدون ابن الحاج وسيدي إدريس بن زيان العراقي، وهم عن الشيخ التاودي».[4]

– كما تتلمذ عليه عبد السلام بن محمد الأمراني، وأحمد بن الفاطـمي الشبيهي، والكامل بن عبد الله العلوي.[5]

تصوفه ومكانته العلمية:

 كان مترجمنا عاملا بطريقة الشيخ القطب أبي العباس التجاني، أحزابا وأورادا وأذكارا، ويعطيها لمن طلبها منه، أخذها عن سيدي الحاج عبد الوهاب ابن الأحمر، وسيدي محمد بصري المكناسي، وهما عن الشيخ- رضي الله عنه-، وفي ذلك قال العلامة أحمد سكيرج متحدثا عن فضله في الطريقة التجانية: «…كان- رحمه الله- في الطريقة التجانية من أفاضل المقدمين، كثير الذكر والتلاوة، مسموع الكلمة بين جماعة الإخوان، يُقصد لأخذ الطريقة والعلوم من كل مكان، ملازما الزاوية في غالب الأوقات، معظّما عند كل كبير وصغير، يتبرك به كل من رآه في الجلوس والمسير، فقيه عصره، وفريد مصره، شيخ الجماعة في زمانه، وفريد عصره وأوانه، ومن إليه المرجع في الفروع والأصول، ما زالت تمطر قبره رحمات المولى، كما كان- رحمه الله تعالى- متخلقا بشيم أفاضل الأشراف، طالبا للعلوم بين الخصوص والعموم، حتى تقلد من الفنون بخير قلادة، فتصدر للتدريس والإفادة…، ومازال ذا جد واجتهاد في طاعة الله آناء الليل وأطراف النهار، ونفع العباد…».[6]

وقال فيه العلامة الحجوجي الفاسي: “… فقيه علامة مشارك، ولاسيما في علوم اللسان والمعقول والحديث والأصول، قد انتهت إليه الرياسة في ذلك بفاس ونواحيها، وأخذ عنه أعلامها وجُل أشياخنا، وأدركتُه وهو شيخ هرم لا يقدر على الدرس، نعم صليت وراءه بالزاوية التجانية إذ لم يتأخر عن الإمامة فيها في الفجر وغيره، إلى أن عجز آخر عمره، وقد أثنى عليه أشياخنا كمحمد الوزاني، والحاج محمد جنون، ومحمد القادري وغيرهم…، وكلهم يروي عنه سماعا وإجازة، وكان على كبر سنه لا يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا، أخبرني عمي وكان قد حج معه سنة نيف وتسعين أنه كان يراه قائما متهجدا بكلام الله وهو في المركب، والأمواج تلعب بهم، وربما سقط في الركعة الواحدة عدة مرات بميد البحر…”.[7]

وأثنى عليه العلامة ابن سودة بقوله: “الشيخ الإمام، المشارك، الأصولي البياني، شيخ الجماعة في وقته، له سند عال، تخرج عليه عدة من فطاحل العلماء…”.[8] كما حج مترجمنا وزار وحصل له هناك ظهور واشتهار…[9]

وفاته:

طال عمره- رحمه الله- حتى كبر سنه، ووهن عظمه، وأصيب في بصره فصار لا يبصر شيئا، ويمشي إلى الزاوية التجانية وغيرها بقائد، إلى أن توفي قرب شروق شمس يوم الجمعة ثامن جمادى الأولى عام ستة وثلاثمائة وألف، وصُلِّي عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد القرويين، وحضر جنازته جم غفير من الناس…[10]

الهوامش:

 

[1]– سلوة الأنفاس، محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، تحقيق: عبد الله الكامل الكتاني، وحمزة بن محمد الطيب الكتاني، ومحمد حمزة بن علي الكتاني، دار الثقافة، الدار البيضاء، د.ط، 36/3.

[2] – معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1483/5.

[3]– سلوة الأنفاس، محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، 36/3.

[4]– المصدر السابق، 37- 36/3.

[5]– ترجمته في: إتحاف أعلام الناس 3/121، وإتحاف المطالع، 8/2777.

[6]– كشف الحجاب، العلامة سكيرج، 4/3.

[7]– الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط1، 1427ھ-2006م، 634/2.

[8]– إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1417ھ-1997م، 302/1.

[9]– شجرة النور الزكية، محمد بن محمد مخلوف، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1428ھ-2007م، 486/2.

[10] – سلوة الأنفاس، محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني، 37/3.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق