مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

نسيم الفجر في استمرار ليلة القدر للعلامة محمد الحسن الحجوي الثعالبي (1291ـ1376 هـ). «تقديم وتحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم

 


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،

وعلى آله وصحابته الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور*

الجزء الأول

هذا الجزء سأتناول فيه قسم التقديم، مع النصف الأول من قسم التحقيق.

إن للعلامة الحجوي أجوبة كثيرة ومختلفة، سواء تعلق الأمر بالفقه، أو الأصول، أو السيرة، أو الحديث، أو التربية،  أو التاريخ،   أوغير ذلك من  العلوم، فقد كان  هذا البحر الزاخر، والطود العظيم، وكوكب الإفهام،  ترد عليه أسئلة فيجيب عليها، وهي على نوعين:

الأولى يجيب بها على مايقع وينزل من أحداث ووقائع لعامة الناس.

والثانية: يجيب بها عما يشكل على بعض الطلبة، أو العلماء في فهم بعض القضايا العلمية. ثم يعود إلى الجواب، فينقحه ويعطيه عنوانا مناسبا له. ومن هذا القبيل هذه الرسالة المشتغل على إخراجها الموسومة بـ: “نسيم الفجر في استمرار ليلة القدر”.

ولأجل تحقيق هذا الغرض قسمت العمل عليها إلى قسمين: خصصت الأول منهما للتقديم، وتناولت فيه التعريف بالمؤلف والرسالة. وأما القسم الثاني فخصصته للنص المحقق.

 القسم الأول: التقديم.

 أولا: التعريف بالمُؤَلِّف [1].

نسبه ومولده.

هو محمد بن الحسن بن العربي بن محمد بن أبي يعزى بن عبد السلام بن الحسن بن محمد-فتحاـ الحجوي الثعالبي الفاسي[2].

ولد بفاس يوم رابع رمضان 1291 عند نداء صلاة الجمعة الموافق لـ: 22 شتنبر 1874 بدار جده بحي جرنيز قرب الحرم الإدريسي[3].

نشأته وتربيته.

نشأ في كنف والديه وتربى تربية متكاملة،  أسهمت فيها جدته لأبيه إسهاما متميزا ، سواء من حيث الحنو والعطف، أو من حيث الدين والأخلاق،  وبث روح النشاط المؤدي إلى الإقبال على العلم والتحصيل،  حتى إنه يقول عنها: “فمرآة أخلاقها وأعمالها، في الحقيقة أول مدرسة ثقفت عواطفي، ونفثت في أفكاري روح الدين والفضيلة، فلم أشعر إلا وأنا عاشق مغرم بالجد والنشاط، تارك لسفاسف الصبيان متعود على حفظ الوقت…”

كما أن والده الحسن بن العربي كان له كبير الأثر في تربيته وحياته؛ فيصفه بأنه أول من ألقى دروسا في العقائد مستمدة من القرآن، مع العلم أن الفقه، والتاريخ، والسير، والشمائل، كان أغلب على ثقافته؛ ويرى المترجم أن هذه الفنون التي تلقاها عن والده هي الجديرة أكثر من سواها بتهذيب أخلاق أبناء المسلمين، ولا تستقيم تربيتهمدونها كيف لا؟ وهي تمثل عقيدة المسلم الصحيحة، وفقه دينه، وسيرة نبيه، وتاريخ أمته.

ويذكر الحجوي أنه استفاد من والده الابتعاد عن خلط العقيدة الإسلامية بالخرافات والأوهام،ودربه على التفرقة بين اليقينيات المعتقدة بالدليل، وبين الظنيات المجتهد فيها استدلالا واستنتاجا، والتي يقابل فيها فكر المخالف بالاحترام والاعتذار، وبين ما هو موهوم يطرح، ولا يفسد به جوهر العقل النقي. كما حذره من تغليب العواطف على المصالح، وكان يحضه على حفظ القرآن، وأشعار العرب وأمثالها، والأحاديث الصحاح، والوقائع والعبر التاريخية، وتطبيقها على الأحوال الوقتية[4] .

دراسته وتحصيله:

كان للجو الأسري العلمي والتربوي الذي ترعرع فيه الحجوي، كبير الأثر في أن ينطبع في نفسه حب العلم والتعلق بتحصيله والاشتغال به، ولذلك أُدخل الكُتّاب لحفظ القرآن الكريم، وهو ابن سبع سنوات فأتقن الكتابة، والقراءة ،والتجويد، والرسم، والحساب، ومبادئ الدين، والعربية، ودروس الأخلاق، وقد مكنه ذلك من حفظ القرآن الكريم، والتفرغ إلى التلقي عن نخبة من أهل العلم مشاهير وأفذاذ[5].

 شيوخه:

وقد ذكر في  “مختصر العروة الوثقى” شيوخه، وبين ما أخذ عنهم من  علوم، أذكر منهم ما يلي:

أبو عبد الله محمد بن التهامي الوزاني الأصل الفاسي الديار(ت1311هـ)[6]

 أبو محمد جعفر بن إدريس  الكتاني(ت1323هـ)[7]

أبو عبد الله محمد فتحا بن محمد بن  عبد السلام جنون المستاري(ت1326هـ)[8].

 أبو العباس أحمد بن الخياط الزكاري(ت1343هـ)[9]

أبو العباس أحمد بن الجيلاني(ت1352هـ)[10]

آثاره العلمية:

خلّف محمد بن الحسن الحجوي آثارا علمية  نحو مائة عنوان[11] تتراوح ما بين الأبحاث، والكتب، والتقاييد،والرسائل، في مواضيع علمية مختلفة منها التام وغير التام، ويرجع أصل تأثره بهذا النو ع من التأليف إلى بعض مشايخه الذين كانوا يكتبون عن كل مذاكرة تجري بينهم في أي مسألة علمية  مثل: شيخه أحمد ابن الخياط (ت1343هـ) الذي كان كلما جرت مذاكرة في مسألة ما، أو وُجه إليه سؤال، أو حرر مبحثا في الدرس إلا وقيَّده وَدوَّن ما تحرر لديه فيه[12], وهو نهج سار عليه الحجوي في كثير من كتاباته غير أنه أجاد وأفاد في أكبر كتبه وهو “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي” الذي قال عنه مؤلفه: أصله محاضرة ألقيت بفاس في ربيع الآخر 1336، ثم أكملت كتابا ضخما شرّق ذكره وغرَّب .

وقال عنه الأستاذ عبد الله الجراري: “إذ لو لم يكن له غيره لكفاه”[13]

وفاته:

وافته المنية عشية يوم الأحد فاتح ربيع الأول عام  1376هـ الموافق لـ: .عام,1956م.

ثانيا: التعريف بالرسالة: نسيم الفجر في استمرار ليلة القدر

وهي جواب عن سؤال ورد من أحمد سكيرج، ذكر أنه رأى محمد بن الحسن الحجوي في نومه وأخبره بأن ليلة القدر ارتفعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم. فأجاب هذا الأخير عن سؤاله، ثم نقحه وسماه: “نسيم الفجر في استمرار ليلة القدر”.

وتاريخ تأليفها: كان تاريخ السؤال في 23 ربيع الأول عام 1354هـ وكان الفراغ من الإجابة عليه من مؤلفه في الرباط أواخر ربيع الأول من العام المذكور.

واعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على النسخة المحفوظة بالخزانة الوطنية تحت رقم: 113ح/7، بخط مؤلفها رحمه الله. وهو في مجموع من ص: 107 إلى ص: 111مسطرته 21، مقياسه 180/240. مكتوب بخط مغربي حسن.

النص المحقق

سؤال

الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

في 23 ربيع الأنور عام 1354هـ

حضرة سيدنا الأخ الذي حبه في القلب رسخ، وقَدَم جده في المعارف رسخ، بل أبق مجده لأعلى المعالي شمخ، شيخ الإسلام أبا مهدي سيدي محمد الحجوي زادك الله بسطة في العلم والجسم، وسلامة في الإدراك والفهم، وأطال عمركم لنفع البلاد والعباد، وبلَّغكم في الدارين غاية بلوغ المراد، والسلام عليكم وعلى كل من هو منكم وإليكم عن خير سيدنا أيده الله.

وبعد؛ فقد كان وصلني كتابكم عن تهنئنا لكم بالموسم الشريف مولد منبع النور عليه السلام، وفرحنا بما أخبرتمونا به من اشتياقكم لنا، فها نحن نتشوق ليوم زيارتكم لنا، فيكون يوم عيد، وليلته ليلة قدر في هذا الشهر السعيد، فإن الجلوس معكم يزيد في العمر، وبمذاكرتكم تنتعش الأرواح، وبشهادة الله إني لمُعترف بفضلكم في كل المحافل والمجالس، وإن الجم الغفير لشهيد بما تتلوه من آياتكم الحكمة التي منها افتخار المغرب بكم، ومثلكم من إذا حضر في المجالس تعنُو  له الأكابر من غير أن يكابر في هذا مكابر حفظ الله الأمة فيكم، ولا زلتم مفخرة، وغيركم من حساد فضلكم مسخرة آمين.

 هذا وقد رأيت صبيحة يومنا هذا رؤيا شبه يقظة مما كنت من قبل فيه أحب كثرة النوم، فأرى في حضرة المرائي أحسن المرائي واستفيدوا منها مالا أستفيده/2/ يقظة، وذلك إني رأيت نفسي  أتذاكر مع سيادتكم في تعيين ليلة القدر، وما قيل فيها، فكان آخر المذاكرة، إن قلت: لي أنها قد ارتفعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال بذلك جماعة من الأكابر، وقد ورد بذلك حديث صحيح، وكأنك أردت أن تقول صحيح البخاري، فاستيقظتُ قبل أن استوفي مقام تلك المذاكرة حقها، وكان في عزمي أن نبسط الكلام في ذلك بما يرجع لسورتها الشريفة بكون الآيات المشتملة عليها لا تدل بجوهر لفظها على الرفع، بل هي مطلقة، حيث تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم إلا أن ما قيل من أن جبريل عليه السلام لم ينزل بَعْدَ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا التنزل إنما كان قيد حياته صلى الله عليه وسلم على القول بأن الروح هو جبريل، فإن كان عند السيادة ما يفيدنا الرفع، فنحن متشوفون إليه، وما في الصحيح من كونه صلى الله عليه وسلم خرج ليعلم الأصحاب بها،  فتلاح فلان وفلان فيها، ولذلك لم يعينها، فإنه لا يدل على الرفع، ولقد كنتُ أيام اشتغالي بالرياضيات، وحب المنامات حفظت في رؤيا ما يعين هذه الليلة المباركة من ليالي رمضان هذين البيتين ولم أقف عليهما عند أحد.

فائدة عن الفتى ابن عربي      في ليلة القدر لكل طالب

وهي في ليلة جمعة بدت        من بعد نصف رمضان انفردت

ثم عثرت بعد ذلك على أبيات مضمنها ما هو في البيتين المذكورين، فكانت شبه يقظة كما رأيت اليوم، ولله في خلقه شؤون، نسأله أن يديم سعادتكم، وعلى الأخوة والمحبة والسلام. في التاريخ صدره كتبه خديم الحضرة المحمدية عبد ربه أحمد سكيرج[14] أمنه الله.

يتبع….

 

هوامش المقال:

[1] من مصادر ترجمته:الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي (1 /10)، مختصـر العروة الوثقى (ص21)، الأعلام (6 /96)، إتحاف المطالع لابن سودة (2 /560)، التأليف ونهضته بالمغرب للجراري (1 /138)

[2] مختصر العروة الوثقى له (ص: 2.)

[3] الفكر السامي (1 /10)

[4]الفكر السامي(1/ 10ـ 11ـ 12ـ 13) بتصرف

[5] انظر الفكر السامي(1/ 13)

[6] مختصر العروة الوثقى له (ص: 04)

[7] مختصر العروة الوثقى له (ص: 04)

[8] مختصر العروة الوثقى له (ص: 04)

[9] مختصر العروة الوثقى له (ص: 04)

[10] مختصر العروة الوثقى له (ص: 04)

[11]ذكر مؤلفاته في خاتمة مختصر العروة الوثقى له (من ص: 70 إلى ص: 78 )

[12] الدراسات القرآنية بالمغربص: 201

[13] التأليف ونهضته (ص: 138)

([14]) هو: أحمد بن الحاج العياشي سكيرج الأنصاري، الفاسي مولدا ودارا،العلامة المشارك المطلع المدرس القاضي الناظم الناثر، له مؤلفات منها: “كشف الحجاب عمن تلاقى مع التجاني من الأصحاب”، و”رفع النقاب بعد كشف الحجاب”، و”الرحلة الحبيبية الوهرانية “، و “رياض السلوان في تراجم من اجتمعت بهم من الأعيان”. اتحاف المطالع (2 /498)، الأعلام (1 /190).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة أبوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق