مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

المَلامِح الكُبْرَى لِلْهَدي النَّبَوي فِي صِيَام رَمَضَان

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الباحث: د. محمد اليولو 

      مما لا يختلف فيه الناس أن هدي النبي ﷺ في صيام رمضان هو أكمل هدي، بلغ فيه أعلى درجات الكمال، فعلى كل مسلم أن يبذل وسعه في الاقتداء به ﷺ فيه، مصداقا لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) ([1]).

      ولهذا أفردت هذا المقال لتسليط الضوء على بعض الملامح الكبرى لهديه ﷺ في صيام رمضان الأبرك.

فأقول وبالله التوفيق:

      كان النبي ﷺ قبل دخول رمضان يتلهف مقدمه، وينتظر قدومه على أحر من الجمر، فيتحرى رؤية هلاله، حيث كان يصومه إما برؤية محققة ـ وإلا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً كما ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين» ([2]).

     وكان من هديه ﷺ في رمضان أنه يكثر من أعمال الخير والبر فيه:كالصدقة، و قراءة القرآن ومدارسته، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلَرَسُولُ الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة » ([3]).

      وكان من هديه ﷺ أنه يعجل فطره ويؤخر سحوره، ويقول:«إنا معشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة» ([4]).

وكان من هديه ﷺ أنه يفطر على رطب، أو تمر، أو ماء، ويقول: « تسحروا ولو بجرعة من ماء» ([5])، ويدعو ﷺ بقوله: « ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله»([6]).

     وكان من هديه ﷺ أنه يحي ليالي رمضان بصلاة التراويح، وقد وصفت عائشة رضي الله عنها حاله تلك فقالت: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة»([7])، وحديثها الآخر قالت رضي الله عنها : «كان رسول الله يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين»([8]).

      وكان من هدي الرسول ﷺ في رمضان الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان  حيث بينت عائشة رضي الله عنها اجتهاد النبي ﷺ في هذا الشهر الفضيل فقالت: « كان رسول الله إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر»([9])، وفي رواية عند مسلم: «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره»([10]). و« إنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، فلمّا كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين»([11]).

       ومع كل ما ذكرناه مما يحمله هذا الشهر الفضيل من أعمال تعبدية فإن النبي ﷺ لم يشغله ذلك كله عن تدبير شؤون المجتمع المسلم والقيام على أموره؛ حيث كان شهر الصيام عند النبي ﷺ وعند أصحابه الكرام رضي الله عنهم شهر جد واجتهاد، ودفع للأخطار المحذقة بالمسلمين، حيث كان أول لواء عقده النبي ﷺ لعمه حمزة بن عبد المطلب ضي الله عنه في شهر رمضان إلى سيف البحر([12])، ثم أرسل عددا من السرايا في رمضان منها: سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله عنه إلى الميفعة([13])، وسرية عصماء بنت مروان([14])، وسرية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى أم قرفة سنة ست([15])، كما أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم العزى([16])، وأرسل عمرو بن العاص رضي الله عنه  لهدم سواع([17])، وأرسل سعد بن زيد الأشهلي رضي الله عنه  لهدم مناة لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان([18]).

      كما كان أول لقاء للنبي ﷺ مع المشركين في رمضان في غزوة بدر الكبرى، ثم في غزوة فتح مكة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «غزونا مع رسول الله في رمضان غزوتين يوم بدر والفتح ، فأفطرنا فيهما »([19])، وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : « كنا نغزو مع رسول الله في رمضان»([20])، كما بعث سرايا وبعوث عدة في رمضان([21]).

  الخاتمة

      وختاما فهذه هي الملامح الكبرى للهدي النبوي في رمضان على وجه الإيجاز والاختصار، فعلى الصائمين الاقتداء به ﷺ في هذا الشهر الفضيل بقدر الوسع والطاقة، وعليهم أن يحذروا الشيطان وأعوانه، الذين يسعون بشتى الوسائل لإفساد هذه العبادة العظيمة على الناس، ويفرغونها من مضامينها الإيمانية، وعلى المسلم أن يقضي وقته في الطاعة: كقراءة القرآن الكريم، والمحافظة على صلاة الجماعة، وصلاة التراويح جماعة في المساجد، وفعل الخيرات،  مبتغيا في ذلك وجه الله سبحانه وتعالى؛ حتى ينال الجزاء الأوفى، وهو غفران الذنوب، وحتى يصدق فيه قول الحبيب ﷺ: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»([22]).

     فأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا هذ الشهر الكريم، وأن يجعل ما سطرناه  في حقه في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

 ****************

لائحة المصادر والمراجع:

1- الجامع الكبير: لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 1996م.

2- السنن الكبرى: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د.عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1،  1411هـ/1991م.

3- صحيح ابن حبان بترتيب إبن بلبان:للأميرعلاء الدين علي بن بلبان الفارسي (ت739هـ): تحقيق: شعيب الأرنؤوط.  مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط2/1414هـ 1993م.

4- صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، ط1، 1423هـ/2002م.

5- الطبقات الكبرى: لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري البغدادي، دار صادر، بيروت.

6- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الفكر، بيروت، 1412هـ.

7- المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المعروف بابن البيع، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 ،1411هـ/ 1990م.

8- مسند أحمد بن حنبل: للإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال  الشيباني المروزي(ت 341هـ):  تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عادل مرشد. مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ط1/ 14116هـ ـ 1995م.

9- المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله : لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، ط1، 1427هـ/2006م.

10- المعجم الكبير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360هـ). تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. مكتبة ابن تيمية ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.

11- المغازي: لأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي، مطبعة السعادة، مصر، 1367هـ/1948م.

*************

 

هوامش المقال:

([1])  الأحزاب: 21.

([2])  رواه البخاري ومسلم.

([3])  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: بدء لخلق، باب: ذكر الملائكة (ص: 796)(3220).

([4])  أخرجه  ابن حبان في صحيحه (5 /68)(1770)، والطبراني في الكبير (11 /199)( 11485) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2 /275)( 2609) وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.

([5])  أخرجه ابن حبان في صحيحه (8 /254)(3476) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.  

([6])  أخرجه الحاكم في المستدرك (1 /584)(1536)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

([7])  أخرجه البخاري في كتاب: صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (ص: 483)(2013).

([8])  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: باب ما يقرأ في ركعتي الفجر(ص: 261)(1170).

([9])  أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الاعكتاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان (1 /526)(1174).

([10])  المصدر السابق (1 /526)(1175).

([11])   أخرجه أحمد في المسند (14 /155)(8435)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في العَشْرِ التي في وسط رمضان (2 /259)(3334)، قال الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري. أبو حصين: هو عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي، الكوفي. أبو صالح: هو ذكوان المدني السمان».

([12])  الطبقات الكبرى لابن سعد (3 /9).

([13])  المصدر السابق(2 /119).

([14])  المصدر السابق (2 /25)

([15])  المصدر السابق (5 /187)  

([16])  المصدر السابق (2 /135)

([17])  المصدر السابق (2 /135)

([18])  المصدر السابق (2 /136)

([19])  أخرجه الترمذي في جامعه كتاب:  الصوم، باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الإفطار (2 /85)(714) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

([20])  أخرجه ابن حبان في صحيحه (8 /325)( 3558).

([21])  انظر مثلاً : المغازي للواقدي  (1/ 9، 174، 39) ، والطبقات لابن سعد  (2/ 6، 27، 91) .

 ([22])  صحيح مسلم ،كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح(1 /343)(760).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة أبوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق