ديباجة:استقل النبي صلى الله عليه وسلم بالفتوى في حياته الشريفة، وقلما فوض أمرها إلى بعض أصحابه، وما كان من ذلك فلعله على سبيل التمرين على الاجتهاد والاستنباط[1].ولما توفي صلى الله عليه وسلم، تولى الصحابة-رضوان الله عليهم- رجالا ونساء أمور الفقه والفتوى، معيارهم الأوحد؛ من يملك العلم ويستطيع استنباط الحكم الشرعي.فكانت من السبعة المكثرين؛ عائشة رضي الله عنها، التي قال عنها القاسم بن محمد: " كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هلم جرا، إلى أن ماتت يرحمها الله "[2].ومن المتوسطين؛ أم سلمة رضي الله عنها. ومن المقلين؛ صفية، وحفصة، وأم حبيبة، وأم عطية، وليلى بنت قائف، وأسماء بنت أبي بكر، وأم الدرداء الكبرى، وغيرهن كثير[3].وعلى السَّنن نفسه صارت التابعيات من النساء؛ فكان منهن: هجيمة بنت حيي الأوصابية– وهي أم الدرداء الصغرى- وعمرة بنت عبد الرحمن وحفصة بنت سيرين...ولقدقرر أهل العلم في أبواب شروط المفتي وصفاته، أن الذكورة ليست شرطا في الفقه ولا الفتوى، وإنما شرطها "أن يكون مكلفا مسلما، ثقة مأمونا، متنزها من أسباب الفسق ومسقطات المروءة.ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط"[4]. فمتى ما تحققت تلك الشرائط في رجل أو امرأة، كان مؤهلا للفتوى.وعلى الرغم مما ذكرناه، فإن عددا من التساؤلات تحتف بإسهام النساء في الفقه؛ منها: طبائع التكوينات العلمية التي تلقتها النساء الفقيهات في المراحل التاريخية المختلفة. وسمات المشاركات الفقهية لهن؛ أكانت اجتهادا، أم تقليدا ونقلا.ثم طبائع الموضوعات التي عنين بها على مر التاريخ. وكذا أسباب قلة ما وصلنا من تصانيف فقهية نسائية؟وهي قضايا تفتقر في دراستها إلى خطوة أولى؛ تتمثل في الإحاطة بسير النساء الفقيهات وتراجمهن، ومن ثم استنباط أجوبة علمية لتلك الإشكالات وغيرها.وعليه؛ فسيكون عملنا في سلسلة "نساء فقيهات" كشفا عن نسوة حفظت المصنفات عنايتهن بالفقه والفتوى، مع البحث في حقيقة ذلك.[1] ينظر: أصول الإفتاء وآدابه، محمد تقي العثماني، ص:29.وقدجمع نجم الدين ابن قاضي عجلون من أفتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلمفي قوله:لقد كان يفتي في زمان نبينا ... مع الخلفاء الراشدين أئمةمعاذ وعمار وزيد بن ثابت ... أبي بن مسعود وعوف حذيفةومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء، وهو تتمةوأفتى بمرآه أبو بكر الرضى ... وصدقه فيها وتلك مزية.ينظر: الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، نجم الدين الغزي، تحقيق: خليل المنصور (1/118).[2] تاريخ دمشق، ابن عساكر، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي (49/165).[3] ينظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، تحقيق: أبو عبيدة مشهور (2/18،19).[4] أدب المفتي والمستفتي، ابن الصلاح، تحقيق: موفق عبد الله عبد القادر، ص:86.