مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

ملامح الخطاب الصوفي في الغرب الإسلامي

واحتراما للتوجه الرئيس للبحث، كان لزاما علينا استدعاء تعريفات صوفية الغرب الإسلامي بشكل أخص، وبمجرد أن يذكر صوفية المغرب إلا ويتطرق إلى الذهن اسم ابن عجيبة والذي يرى التصوف بأنه: ” علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، أو تصفية البواطن من الرذائل وتحليتها بأنواع الفضائل، أو غيبة الخلق في شهود الحق مع الرجوع إلى الأثر، أوله علم ووسطه عمل وآخره موهبة “[26]

فتعريف ابن عجيبة للتصوف يحيط بأغلب معاني الصوفية، إن لم نقل كلها وذلك بألفاظ بليغة موصلة للدلالة المقصودة، فمن حيث المعنى يؤكد هذا التعريف أن التصوف علم وعمل وأخلاق، ثم أخيرا هبة من الله وتوفيق من الخالق ، ولذلك فهو تعريف يسد مسد كل باقي التعاريف ولعل سبب ذلك أن ابن عجيبة تأخر عن الباقين وبالتالي فحظه من العلم يكون أكبر بحكم التراكم ولذلك جعلناه محل الخلاصة .

بعد هذه المقدمة النظرية سنمضي قدما إلى بسط الكلام عن تاريخ التصوف فيالغرب الإسلامي وتسليط الضوء على حقب طويلة، حيث يجده الدارس أنه خضع لتطور مستمر مما أكسبه ثيمة وطابعا ميزه عن نظيره في المشرق الإسلامي. وعندما نمعن النظر في كل حقبة من تاريخ تصوفنا التليد نلفي أن هنالك رافدا طغى تأثيره على الروافد الأخرى مما جعل لكل طور سمة معينة.

وسنحاول تتبع قدر الإمكان أهم القنوات التي أثرت في التصوف المغربي، منذ نشأته الأولى، مع الوقوف على تلك الادعاءات التي ترجعه إلى حقبة الدولة المرابطية[27]، وبالضبط مع بداية افول نجمها، ولكن الأمر ليس كذلك، فالتصوف لم يكن ظهوره مرتبط بالأزمات.

وقد تأثر وتشبع – التصوف المغربي – بعدة قنوات مشرقية، باعتبار المشرق منطلق التصوف، وهذه حقيقة لا يتمارى فيها اثنان، وكان هذا التأثر عن طريق الرحلات سواء للحج أو لطلب العلم على كبار مشايخ المشرق الإسلامي.

ينضاف إلى هذا تأثير كل من العدوتين – إفريقيا والأندلس -، فقد كان لها الفضل الكبير على التصوف المغربي، سيما بعدما حل بعض المتصوفة بأغمات قادمين من القيروان.

وإن أغلب الدارسين والباحثين يعزي ظهور الفكر الصوفي في المغرب الإسلامي إلى عدة عوامل نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.

1- الاحتكاك بالمشرق الإسلامي

إن التفاعل المغربي المشرقي الذي شمل مجالات وميادين جمة من خلال علاقات متينة ساهم في توطيد الفكر الصوفي في الغرب الإسلامي، من ذلك مثلا رحلة الحج ورحلة طلب العلم ورحلة التجارة.

فبديهي إذن أن يكون المشرق الإسلامي مصدر تأثير مباشر باعتباره – المشرق – منطلق التصوف[28]،  ” فطبقا لوحدة الظاهرة الصوفية في العالم الإسلامي، لا سبيل لإنكار التلاقح الروحي بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه “[29].

ولا شك في هذا، فالتصوف بالمغرب الإسلامي جزء لا يتجزأ من التصوف الإسلامي المشرقي، وقد تم هذا التلاقح عن طريق الحج والرحلات العلمية، فقد كان المغاربة يذهبون المغاربة لأداء مناسك الحج وعند العودة منه يكونون قد تشبعوا بأفكار وتعاليم وسلوكيات صوفية وتحملوا مؤلفات لها صلة بالتصوف سيعملون على نشرها فيما بعد.

وقد ساعد على سيادة التوجه الرقائقي، كذلك أن معظم أقطاب التصوف بالمغرب، كانوا من العلماء العاملين، الذين زاروا مهد الوحي وفضاء الرسالة، لأداء فريضة الحج، فوقع احتكاك بعلماء المشرق فقرة الحج.

ومن ثم، تعميق المعرفة الشرعية، بل إن بعض الباحثين[30] يذهب إلى أن التصوف تسرب إلى المغرب صحبة حجاج الأماكن المقدسة، وطلاب العلم من المغاربة في الديار المشرقية، وبغض النظر عن دقة هذا الحكم، فهو يعكس انشغالا بقصة البداية قضية النشأة، والواقع أن التصوف في المغرب، قد مر بمراحل وقطع أشواطا من الترقي في السلوك الصوفي، من الطبيعي أن يبدأ بتقليد المشارقة أولا، قبل أن يؤسس لنفسه تصورات خاصة به، تميزه عنما هو سائد في المشرق.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية
Science

ذ. علي المطهري

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية أصول الدين؛ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق