مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

ملامح الخطاب الصوفي في الغرب الإسلامي

 ولا ننسى فضل ابي الفضل ابن النحوي الذي أقام مدة ليست بالقصيرة في سجلماسة وفاس، بل يعود له الفضل الكبير في نشر كتاب الإحياء لصاحبه الغزالي حجة الإسلام، والدفاع عنه. وكل هؤلاء اختاروا أغمات مكانا لإقامتهم، ونشر دعوتهم.

  • إسهام الموحدين:

أسهمت دولة ابن تومرت في بعث الفكر الصوفي في الغرب الإسلامي، كون المهدي 527 هـ انتقل من تارغة التي تقع في سوس المغرب إلى المدرسة النظامية لطلب العلم على يد حجة الاسلام أبي حامد الغزالي فتشبع بأفكاره الصوفية ثم عاد بها إلى المغرب لينشرها بشكل متواز مع فكره الأشعري .

أيضا ينضاف إلى ما سبق إعطاء الموحدين العقل مكانته التي يستحقها بعد أن عانى هذا الأخير من سنوات طويلة من التعطيل بسبب جمود فقهاء المالكية المرابطين، وما فعله الموحدون يتماشى مع الفكر الأشعري الذي يتخذ من العقل وسيلة لإدراك صفات الله وإثبات وجوده تعالى والمحاجة عن النبوات وما إلى ذلك..

كما رفعوا أيضا الحظر عن الكتب والمؤلفات والمتون الصوفية التي كانت ممنوعة زمن المرابطين فصارت تدرس في الكتاتيب والحلق العلمية… ككتاب إحياء علوم الدين للغزالي وكتاب الرسالة القشيرية للإمام القشيري فبدأ التصوف ينتشر ويسود في الأوساط العلمية والفقهية المغربية .

ويرى بعض الباحثين أن العقلانية المجردة والمفرطة التي جاء بها فكر ابن تومرت جعلت الحياة جافة من الروحانيات والعرفانيات مما صير الناس متعطشين لكل شيء روحاني فلم يكن غير الفكر الصوفي، وبهذا يكون الفكر التومرتيأحد عوامل انتشار الفكر الصوفي .

وفي نفس الاتجاه يحدو دارسون آخرون إذ يرون ان الفكر الأشعري الذي جاء به الموحدون وهو فكر تجويزي بامتياز يجوز عقلا كرامة الولي تصديقا بمعجزة النبي ولا ينفيها كما فعل المعتزلة ساهم بهذا القول في انتشار الفكر الصوفي الطرقي منه خاصة.  [35]

  • تأثير الحصون والرباطات

انتشرت القلاع والحصون والثكنات والرباطات بالسواحل والثغور بهدف الدفاع والدود عن حياض الأراضي الإسلامية وصد الهجمات البحرية التي كانت تشنها الأساطيل البرتغالية والاسبانية، فكانت هذه الأماكن بمثابة خلوات وزوايا وتكايا صوفية للعبادة والذكر والتفرغ من الدنيا.

واستغل قواد الحرب هذه الخصيصة وسعوا إلى نشر التصوف لكسب المزيد من المريدين الذين سيشكلون في نفس الوقت مجاهدين وجندا ، وبهذا انتشر التصوف بين صفوف الناس وساد يقول الطاهر بونابي : ” أن الحركة الصوفية التي شهدت المغرب في القرنين السادس والسابع الهجريين 12 و13 للميلاد هي نتاج عمل الرباط والرابطة ” مما يؤكد ما سبق طرحه من ان الحصون لعبت دورا طلائعيا في نشر الفكر الصوفي في شمال إفريقيا عامة وفي المغرب الأقصى خاصة.

وفي الأخير خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:

  • إذا كان العقل وحده يكفي لإثبات الأشياء والحقائق، فهناك مواضيع وحقائق لا يكفي العقل فيها وحده، مما يجعل الحاجة دائمة إلى – القلب والوجدان -، في إدراك ما غاب وما عجز عنه العقل، الشيء الذي يعطي للتصوف المكانة العليا في الوصول إلى حقائق الأشياء، عن طريق الكشف والإلهام والتجليات، المنطبة بالكتاب والسنة.

خاتمة

يتبين لنا من خلال هذا العرض السريع أن التصوف بالمغرب الإسلامي ظهر وظهور الدعوة الإسلامية به، أي منذ القرون الهجرية الأولى.

فالتصوف المغربي نهل من مجموعة من القنوات، تأتي على مقدمتها القناة المشرقية، فإليه يعود الفضل كله في تشكل ملامح التصوف المغربي.

فرغم أننا بصدد الحديث عن أثر التصوف في المشرق وانتقاله إلى هذه الرقعة – المغرب الإسلامي – إلا أننا ننبه إلى أن أساس التصوف المغربي تمثل في التمسك بالتوجه السني المعتدل بعيدا عن الانزياح الغنوصي والتطرف والمغالاة [36] الشيء الذي كان له دور كبير في ترسيخ التصوف الرقائقي، إلى جانب العامل السياسي كان له تأثير ملحوظ في انتعاش تصوف رقائقي مرغوب، وإبعاد آخر غير مرغوب، أو بالأحرى إظهار الأول وكتمان الثاني، وقد كان صوفية المغرب على وعي بهذه القضية، فحرصوا على إخفاء بعض الحقائق الصوفية، والتركيز على ما يخدم الحياة الدينية المباشرة لعامة الناس، أي إحياء الأخلاق الفاضلة، وتزكية النفوس من خلال تخليتها من الرذائل وتحليتها بالفضائل وقد أثر هذا التوجه الرقائقي العام على اهتمامات متصوفة المغرب الذين ” ابتعدوا عن التصوف الفلسفي ” [37] الذي كان شائعا في الأندلس.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية
Science

ذ. علي المطهري

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية أصول الدين؛ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق