مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

ملامح الخطاب الصوفي في الغرب الإسلامي

وبسبب تقولب التصوف بقوالب كثيرة، ذهب البعض إلى أنه قد دخلت عليه عناصر  أجنبية رأوها بعيدة كل البعد عن روح الإسلام وجوهره المنحصر في القرآن والسنة، فقد قاد ذلك البعض – سواء من داخل دائرة الإسلام أو خارجه كالمستشرقين – إلى الجزم بأن  منشأ التصوف ومصدره يرجع إلى عناصر خارجية دخيلة على الإسلام، ويقصد هنا في المقام الأول المؤثرات الهندية والفارسية، إلى جانب أخرى يونانية ومسيحية وفلسفية وهرمسية وغنوصية… وغير ذلك من المؤثرات غير الإسلامية[6].

وعودا على بدء فإنا نؤكد أن الاعتناء بالتصوف قديم فقد تناوله بالدرس والتحليل العلماء والمؤرخون العرب والمسلمون مثل الطوسي[7] والكلاباذي والقشيري[8] وغيرهم كما ألف فيه الفلاسفة كابن سينا[9] والغزالي[10] وابن خلدون[11] وغيرهم وتجادل فيه الفقهاء وعلماء الكلام، إضافة إلى جهود المستشرقين أمثال: ماسينون[12]، ونيكلسون[13]، وغيرهما.

فلم يستقر هؤلاء على قول موحد، حيث تباينت آراؤهم واختلفت تصوراتهم حول مفهوم التصوف، ومن تم فغير مجد التطرق إلى جرد كل تعاريف التصوف وتتبع مفاهيمه وإشكالاته في تفاصيلها الدقيقة، فهي كثيرة ومتشعبة غير أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، حيث يبدو لزاما معرفة التصوف قبل الحديث عنه إذ الحكم على الشيء فرعه عن تصوره .

فبمجرد أن نشرع في البحث عن مصطلح التصوف فإننا نجد تضاربا كبيرا في الأقوال حول أصله اللغوي، حيث يقال إن أول من عرف عليه لقب صوفي هو أبو هاشم الكوفي المتوفى سنة 120هـ، غير أن الحكيم الطوسي نقل عن الحسن البصري المتوفى سنة 110هـ أنه قال ” رأيت صوفيا في الطواف، فأعطيته شيئا، فلم يأخذه، وقال: معي أربعة جوالق فيكفيني ما معي ”

وبالنسبة لنا كباحثين لا نسلم بتدليل هذه النقول على المراد بحيث أن المصطلحات تتطور عبر الزمن بحيث تتغير الدلالة بين اللفظ والمعنى بحيث يعبر الكاتب عن معنى قديم بمصطلحات عصره المتداولة فيحتمل أن يروج لفظ الصوفي في زمن الطوسي بحيث كان يقرن بأشخاص ذوي صفات وسمات معينة وعند نيته التعبير عن شخص يحمل نفس السمات في رواية البصري استعمل نفس المصطلح مما لا يلزم منه وجود مصطلح الصوفي أيام الإمام البصري .

وبالرجوع إلى كتب اللغة وبعض القواميس التي يعتد بها نجد أن ابن فارس أورد بأن مادة : ” صوف: الصاد والفاء أصل واحد صحيح، وهو الصوف المعروف، والباب كله يرجع إليه، يقال كبش أصوف وصوف وصائف وصاف، كل هذا يكون كثير الصوف، فأما قولهم صاف عن الشر، إذا عذل فهو من باب الإبدال، يقال صاب إذا مال “.[14]

وهي عند ابن منظور : ” وصاف السهم عن الهدف يصوف ويصيف عدل عنه ….، ومنه قولهم صاف عني شر فلان وأصاف الله عني شره “.[15]

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية
Science

ذ. علي المطهري

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية أصول الدين؛ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق