مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

ملامح الخطاب الصوفي في الغرب الإسلامي

وقد بدأت قصة التصوف في بلاد المغرب إلى القرنين الخامس والسادس الهجريين وبالضبط إلى واقعة إحراق كتب الصوفية وبالذات كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي إبان حكم المرابطين وذلك لما يشتمله من تأويل للآيات والأحاديث مما يتماشى مع فكر غريب عن فكر فقهاء المالكية المرابطين ، وكل ذلك بطلب من الأمير يوسف بن تاشفين .

فقد جاء في التشوف للزيات أنه : ” لما أفتى الفقهاء بمراكش بإحراق كتاب الإحياء للغزالي أحرق بصحن جامع السلطان ”  [31]

ولقد كان لمثل هذه السياسات نتائج عكسية غير مرجوة تعزز مكانة أهل التصوف مما أكسبهم شعبية فيما بعد أيام الموحدين.

ينضاف إلى ذلك أيضا السلسلة الرجالية الممتدة من المشرق إلى المغرب عبر ثنائية الشيخ والمريد والعالم والمتعلم، ويشهد لذلك قول أبو مدين شعيب : ” وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن رب العالمين ”  [32]

ومن القصص التي تذكر في شأن تفاعل المشارقة مع المغاربة في مجال التصوف قصة أوردتها زكية زوانات منقولة عن ابن مبارك اللمطي :  ” وذلك أنّه كان شيخٌ مِنْ رَكْبِ الحجيج ، وكان من بلاد المغرب ، وكان يعتني كثيرا بلقاء الصالحين ويحبّهم ، ويُفَتِّش على الذي يربح على يديه . فكان هذا دأبه إذا طلع إلى المشرق وإذا رجع . فالْتقى بمصر مع بعض الصالحين ، فأعطاه أمانة وقال له الرجل : الذي يطلبها منك هو صاحبك . فما زال يطوف على الصالحين الذين يعرفهم واحدا واحدا حتّى قدِم لبلده ودخل داره ، وبقى ما شاء الله ، فلقيه ذات يوم جاره فقال له : أين الأمانة التي أعطاكها فلان بمصر ؟ فعَلِمَ أنّ جاره هو صاحب الوقت ”  [33]

2- فضائل إفريقية على التصوف بالمغرب

تعد إفريقيا بمثابة القناة الثانية التي تأثر بها التصوف المغربي، وذلك عبر حاضرة القيروان التي ترددت فيها أصداء المدارس الصوفية المشرقية، ويكفي شرفا أن حل بها ذو النون المصري ردحا من الزمن بحثا عن الصلحاء، واستوطنها كذلك العديد من الصلحاء الزهاد، وقد عرفت عبادا ونساكا من القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي.

ويعتبر الزاهد إسماعيل بن عبيد الأنصاري، الذي تصفه المصادر بأنه كان من أهل الفضل والعبادة والنسك والإرادة[34]، أهم الأعلام الصوفية العالمين العاملين الذين أسهموا بنصيب وافر في نشر التصوف في بقاع الغرب الإسلامي ولا ننسى التابعي أبي يزيد اللخمي ت: 172هـ، الذي كان زاهدا قانتا، وكان يوصي فيما يوصي بكتاب الله عز وجل.

والمطلع لكتب التراجم يجدها ضمت بين دفتيها أسماء عديدة لزهاد كثر، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الزاهد عبد الخالق المعروف بالقتاب، والزاهد عبد الملك بن أبي كريمة، وحمدون بن عبد الله العسال، وغيرهم كثير.

والذي يهمنا نحن، هو أن معظم هؤلاء الصلحاء هاجروا من إفريقية صوب المغرب الأقصى، بل منهم من استقر به المقام به – المغرب الأقصى – مساهمين في نشر مبادئ التصوف، ومن الشخصيات التي حازت قصب السبق في نشر التصوف في المغرب الإسلامي نجد ابن سعدون القيراوني صاحب عدة تآليف، ينضاف إلى هذه الشخصية، شخصية عبد العزيز التونسي، الذي كان يحث تلامذته من المصامدة على قراءة كتاب ” رعاية حقوق الله ” للمحاسبي، ونحو ذلك من علوم التصوف.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7 8 9الصفحة التالية
Science

ذ. علي المطهري

طالب باحث في سلك الدكتوراه، كلية أصول الدين؛ المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق