مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

شواهد ابن عقيل -الحلقة الأولى-

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا على ما قدّم وأخّر، والصلاة والسلام على نبيه الكريم، سيدِنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، فهذه حلقات أعرض فيها للشواهد الشعرية التي أورَدها ابن عقيل في شرحه على ألفية ابن مالك، وأحاول بما يبلغُه الوُسع أن أُبين منهج ابن عقيل في استشهاده بها وكيف أثبَتها في خلال شرحه، مع ما يَعتوِرها من مباحث أصول النحو التي قررها العلماء في هذا الشأن، ولا سيما مبحث السماع عن العرب، فإنه مناط ما نحن بسبيله من أمر الشواهد الشعرية؛ لأن أصوله قائمة على الرواية والمشافهة عن العرب في زمن الاحتجاج، ولا يخفى ما في ذلك من الخلاف الذي انْبَنَى على الاحتجاج بالشواهد التي لم يُعلم قائلوها، أو التي وردت فيها أكثرُ من رواية، مع كَوْنِ هذه الرواية مُسقطةً للاحتجاج بهذا الشاهد مُوهِيَةً لحجة القائلين به من العلماء على اعتبار القاعدة: ما تطرّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

وما أكثر ما تجد ذلك في شواهد ابن عقيل!

لذلك أحببت أن يكون هذا الكلام الذي أورِده ههنا مُجليا عن بعض ما تقدم معك، فإنه قد حسُن ألا أُغفل من هذا ما لا بد من ذكره مما هو مُتصل بالشاهد الذي يُساق لأجل تقرير القاعدة أو التمثيل لها، وذلك أن يكون للشاهد خبر به يُعرف وجهُ الاستشهاد به. على أنه لا مناص من عرض ذلك ومقارنته مع ما وقع في كتب النحاة المتقدمين، مع بيان ما إذا كان هناك شاهد للمسألة أقوى وأصح، فاطَّرَحوه وعمدوا لما اختُلف في شأنه. ثم نحرص على عرض منهج النحاة في ذكر شواهدهم، ولِمَ عمدوا إلى إيرادِ الشاهد على المسألة فتقاذفوه بينهم حتى لا يكادُ مُتأخرهم يخرج عن شيء مما قال به متقدمهم، ولِمَ جعلوا للشِّعر -مع ما اكتنفه من اختلاف الرواية ووُقوعه إليهم غُفلا من اسم صاحبه- حَظًّا لا يَبلُغه القرآن الكريم بقراءاته، ولا يَجُوزُهُ حديث أفصحِ الوَرى قاطبةً سيدِنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم لِمَ لَمْ يتخذوا لأنفسهم منهجا يعتمدونه في احتجاجهم بهذه الشواهد الشعرية، ولِمَ زهدوا في ذكر أصحابها مع العلم بهم غالبا، ولِمَ أثبتوا ما فيه أكثرُ من رواية على الوجه الذي به يكون ناصرا لمذهبهم، هذا مع اختلال الشعر وصحة القرآن والحديث، ومع عِظَمِ مَؤونة مُعالجة الشعر بعد الذي عَلِموه من وصوله إليهم مختلفَ الرواية منحولا بعضُه، وخِفَّتِها إذا هم نظروا في شواهد القرآن والحديث.

وما تقدم معك إنما نَقصره على ابن عقيل لاشتغالنا بشواهده، فننظر أَجَعَلَ لنفسه منهجا مستقلا أم كان من الذين أقرّوا النحاة المتقدمين على ما هم عليه، فكان ما جاء به مُعادا من القول مَكرورا.

على أنّا إذا أردنا مقارنة ذلك إنما نَخُصُّ سيبويه بالذكر بِقَدْرِ ما خُصَّ به، فإنه المُعتمد عند أئمة هذا الشأن، وعليه المُعول في تأصيل الأصول وعَقد الأبواب والفصول، ألا تَرى إلى مَن جاء بعده من العلماء كيف لا يكاد يخلو كتاب له من ذكره والإحالة على كتابه؟ هذا مع كثرة احتفالهم بشواهده وتخريجهم لها وعَرض ما معهم عليها، بل واقتصارهم على ما اختاره من الشواهد لحديث عهده بالعرب المُحتج بها، وروايته عنهم، ولهذا كثر الخلاف حول شواهده، فكأني به أرسَلها العِرَاكَ بين أفواه النحاة بعده، فلا يَجوزُها نحويٌّ إلا بعد عرضها وإيراد الخلاف فيها والقول عليها بما استقر عليه رأيه.

وشواهد ابن عقيل قد نَيّفت على ثلاثمائة وتسعين شاهدا، رأيت أن أعرضها ههنا تِباعا في حلقات، أخرّجها بذكر مَظانِّها من كتب أهل هذا الشأن، والترجمة لأصحابها المعروفين ونسبة كل شاعر إلى قبيلته وعصره، لنعلم أكان ممن يُحتج بهم أم لا، ثم نعربها مع الاهتمام بوجه الاستشهاد بها وموضعه من كل شاهد، وبيان الخلاف فيها إن كان، مع ذكر ما يحضرنا من خبرها إن كان وراءه فائدة، وإلا فلا نحشو الكلام بما لا غُنية فيه.

والحمد لله حمدا كثيرا، أسأله أن يُعين فيما نحن فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق