مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب مالك

  هذا كتاب لمتأخري متأخري المالكية في مصر، فمَنبته وأصله مصري، والفرع كذلك، ولفهم هذا يقال: إن بلغة السالك هو حاشية أو حواش كتبها العلامة: أبو العباس أحمد بن محمد الصاوي ـ نسبة إلى صاء الحجر قرية في إقليم الغربية بمصر ـ على: أقرب المسالك، والشرح الصغير عليه، كلاهما للعلامة: أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد المالكي الأزهري الدردير (ت:1201هـ)، أطلق عليه الصاوي مالكا الصغير، لبراعته في الفقه المالكي، ونهوضه به في وقته.

  فالعلامة الصاوي، والدردير كلاهما مصري، وإذا أضفنا إليهم العلامة: أبو الضياء وأبو المودة معا خليل بن إسحاق الجندي (ت:776هـ)، كان هذا الثلاثي مصريا قحا، وذلك أن الشيخ الدردير إنما لخص في أقرب المسالك ما اقتبسه ولخصه من مسائل شرحه الكبير على مختصر خليل.

  وقد ألف الشيخ الصاوي كتابه هذا بناء على طلب من لا يستطيع رد طلبه وهو: الشيخ صالح السباعي، كما قال في مقدمته.

  وقد توخى العلامة الصاوي في حاشيته ان ينتفع بها من اطلع عليها، كما جاء في مقدمة كتابه: «لينتفع بها ـ إن شاء الله تعالى ـ أمثالي من القاصرين ـ وهذا من تواضعه رحمه الله وإلا فمبلغه في العلم عال ـ »، وقد اعتمد رحمه الله في تحرير مادة كتابه على من تقدمه من مشائخ المذهب المالكي، كالعلامة الدسوقي في حاشيته على  مختصر خليل، وأبي محمد الأمير في مجموعه، وأبي الحسن الصعيدي في حاشيته على شرح الخرشي لمختصر خليل، والشيخ بناني والرماصي وغيرهم.

  ثم إنه سلك في ذكر الأعلام الذين ينقل عنهم منهجين: فمنهم من يصرح باسمه كاملا، كبعض من قدمت، وبعضهم يشير إليه بصورة بعض حروف اسمه، منهم: الشيخ بناني، يشير إليه بصورة: «بن»، والشيخ: مصطفى الرماصي بصورة: «ر»، والشيخ: محمد الحطاب ب: «ح»، والشيخ: عبد الباقي ب: «عب»، والعلامة: إبراهيم الشبرخيتي ب: «شب»، وهذا كله للاختصار، وتقريب الصورة إلى ذهن الطالب المبتدئ.

  وأما من لم يكثر النقل عنهم، فإنه يذكرهم بأسمائهم كما نبه على ذلك في المقدمة، ثم بدأ كتابه بالبسملة والحديث عليها وعلى مفرادتها كما هي عادة كثير من المؤلفين، ثم تحدث عن موضوع الفقه، الذي هو أفعال العباد.

  والمنهج العام الذي اتبعه الشيخ في حاشيته المذكورة، يغلب عليها الطابع الفقهي عامة، مع استطرادات يقتضيها المقام، إلى فنون من العلم أخرى لا يستغني عنها الطالب، لأنها تضيء جوانب المسألة، خاصة ما يتعلق بالمباحث اللغوية والبلاغية، وهي قضية اعتنى بها سلفنا أيما اعتناء، وذلك راجع إلى أن الفقه أو غيرَه من علوم الإسلام، يصعب إدراك مراميها، ويندر التمكن من نواصيها إن لم يشد الطالب المبتدئ في علوم الآلة، التي تمكنه من التبحر والفهم عن مؤلفيها، وعليه فإن في كتب هذه الفترة غلبة هذه الطريقة، لكن بعضهم قد يطول استطراده، حتى يظن أن الكتاب في النحو وليس الفقه.

  ومن منهجه في حاشيته، قوله بعض إيراد نص أقرب المسالك: حاصل ما قاله المصنف والشارح، ثم يسوق المسألة، مستدلا لها وفاقا أو اعتراضا بأقوال أعلام المذهب المالكي المتقدمين، كابن القاسم وأشهب وابن رشد وغيرهم على امتداد خط المذهب المالكي.

  وإذا ساق الأقوال في المسألة يختمها أحيانا بقوله: وحاصل الفقه أن…، فيذكر صور المسألة، وإذا احتاجت المسألة زيادة تنبيه، عقده في آخر المسألة، ليستجمع بها جوانبها ويحررها، فيعترض وينتصر ويقوي ما ظهر له موافقا لأصول المذهب وقواعده.

  وربما احتاجت المسألة إلى مناقشة ومباحث أصولية، فيعرض لها بنفس قوي، وأسلوب سلس سهل، وربما كان لفظ المتن ـ أقرب المسالك ـ مطلقا فيقيده، أو غامضا فيشرحه، أو عاما فيخصصه، أو مبهما فيبينه، أو موهما فيقوِّمه، أو مشكلا فيوضحه. وفي الكتاب بعض الاستدلالات بنصوص من القرآن والسنة، وهي ليست بالكثيرة، لكن باعتبار الكتاب حاشية فهي كافية؛ لأن مبنى الحواشي الاختصار والإيجاز قدر الإمكان.

  وبقي أن أشير إلى أن أسلوب الشيخ في كتابه سهل غير عسر، وواضح غير غامض، وألفاظه ليست وحشية يصعب فهمها، إلا أنه يجب التذكير بأن لغة الفقه لابد فيها من جفاء نسبي، وليس عيبا فيها؛ إذ طبيعة الفقه كذلك، وقليل من متأدبي الفقهاء من يستطيع أن يخرج عن لغة الفقه إلى لغة الأدب، والعكس أيضا صحيح.

– اسم الكتاب: بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك.

– المؤلف: الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الصاوي المالكي، ت: 1241هـ.

– طبعات الكتاب: طبع بمكتبة مصطفى بابي الحلبي بالقاهرة، وبدار المعارف، وبالدار السودانية للكتب بالخرطوم.

– مصادر ترجمة المؤلف: اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة، لمحمد البشير الأزهري (ص:64)، الأعلام للزركلي (246:1)، معجم المؤلفين (111:2)، وكتب عنه الأستاذ: محمد عبد الحليم عبد الحميد كتابا بعنوان: مناقب الإمام الصاوي.

إنجاز: د.سعيد بلعزي.

Science

الدكتور سعيد بلعزي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق