مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

الصوفي ابراهيم الأمغاري

إبراهيم بن أحمد بن عبد الله بن حسين الأمغاري، كنيته أبو احسان وأبو سالم.

     ينتهي نسبه إلى جده: أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر اسحاق أمغار الصنهاجي الذي كان برباط تيط انفطر (عين الفطر) قرب أزمور. وقد اختلف المؤرخون في نسب بني أمغار: يعتبرهم البعض علويين حسنيين أو حسينيين كابن العظيم الزموري، ومحمد بن جعفر الكتاني ومحمد بن علي الدكالي… في حين لا يقر آخرون بشرفهم، ويكتفون بالإشارة إلى صلاحهم وتقواهم، كابن الزيات، وصاحب مفاخر البربر، وابن مرزوق وابن قنفد…

     لقيه: “طير الجبل” لم يرد في الصفوة[1] ولا في باقي المصادر التي اعتمدت عليه، ورددت مقالته بالنص [2]وورد عند ابن المؤقت في السعادة الأبدية[3] فقد قال قال بعد ذكر اسمه ونسبه ” المعروف عند العامة بطير الجبل (ويطلق هذا اللقب كذلك على ابن مشيش دفين جبل العلم)، ويرمز بخلوته الاختيارية بجبل كيك، والتي ما زالت من أهم المزارات إلى الآن[4].

     لم تذكر المصادر تاريخ ولادته، في حين قال الافراني بأن وفاته كانت سنة اثنتين وسبعين وألف عن سن عالية، (يقال إنه ناف على المائة[5] ويؤكد ذلك وجود عبد الله بن حسين المتوفى سنة 976 هـ/1568م وأحمد بن موسى السملالي المتوفى سنة 971 هـ/1563م من بين شيوخه فإذا أخذنا بعين الاعتبار سنه عند أخذه عن الشيخ الأخير، قدرنا تاريخ ميلاده بعيد منتصف القرن العاشر للهجرة/منتصف القرن 16م.

     نشأ في بيئة صوفية محضة بزاوية تامصلوحت التي أسسها جده عبد الله بن حسين، بتوجيه من شيخه عبد الله الغزواني . وقد حدثنا ” ابن عسكر” عما كانت عليه الزاوية من ازدحام الزوار، وما كان يقدم لهم من طعام[6]عندما ولي أمرها أحمد بن عبد الله والد المترجم له. وقال عنه: (ناهيك به فضلا وكرما وسخاوة نفس ونزاهة فعل وعلو همة…صحبته مدة مديدة ، وحمدت صحبته، وشكرت أفعاله الجميلة)[7].

     في سير الأولياء  حلقات ترويها كتب المناقب والطبقات، يتم فيها تسليط الأضواء على الولي منذ طفولته أو صباه تعظيما لمكانته وتلميحا إلى مقامه. فقد انتبه الجزولي إلى الصبي عبد العزيز التباع ورافقه خلال زيارته القصيرة لمراكش إلى بيت والده بحي القصور، وأوصاه به خيرا[8]، وأثار انتباهه الصبي عبد الكريم الفلاح، فجز خصلات من شعر رأسه[9]، على عادة الجزولين مع التائبين، وللتباع نفسه موقف مشابه مع أبي عمرو المراكشي عندما حمله إليه والده، وهو صغير السن. “فعمره وثمره” كما قال[10] …أما ابراهيم الامغاري فقد باركه ابن موسى عند زيارته لعبد الله بن حسين بالزاوية في بعض قدماته على السلطان الغالب بالل، وتنبأ بمقام عال في التصوف وكان أكثر وضوحا من سابقيه بتحديد المكان الذي سيشهر فيه أمره (كيك)[11].

     وعلى كل فقد اتيحت الفرصة  للشيخ أحمد بن موسى لمحاثة المترجم له، وتيقينه، إذ إنه إلى جانب عبد الله بن حسين من شيوخه في التصوف.

في حين أخذ باقي العلوم على عدد من الشيوخ، ذكرت المصادر ثلاثة

منهم:

  • احمد المنجور المتوفى سنة 995هـ/1587م.
  • عبد الله بن طاهر الحسني المتوفى سنة 1045هـ
  • وأبا مهدي عيسى بن عبد الرحمن السجستاني المتوفى سنة 1062 هـ/1651 -1652 م[12].

في حين لم تذكر له رحلة علمية. ويبدو انه درس طويلا بمراكش فشيخاه الأخيران من أبرز علماء المدينة في عصرهما[13].

     وعرفت المدينة في هذه الفترة اضطرابات وعد استقرار بسبب المواجهات بين أبناء المنصور حول الحكم: زيدان، وأبي فارس، والشيخ المأمون. فلا يكاد يستقر بها أحدهم حتى يسقطه الآخر وزاد الموقف احتداما دخول ابن أبي محلي المدينة وطرد زيدان منها. واستعانة هذا الأخير بأبي الحاحي الذي استردها وسلمها له بعد معركة فاصلة بجبل جليز على أبواب مراكش، لذلك كان زيدان يخاف على نفسه من التفاف الناس حول شيوخ التصوف وخاصة وأن التجارب قد اثبتت خطورة ذلك (نموذج: الدلائيين بالأطلس المتوسط والسملاليين با يليغ…) فكان شديد المراقبة لزوايا المدينة التي تقلص نشاطها واشهرها الغزوانية والفلاحية، والقسطلية…وهكذا فعندما اشتهر امر ابراهيم الامغاري، وتوسم الناس فيه الخير فاجتمعوا عليه وتلمذوا له، امر زيدان بالقبض عليه فخرج عليه فخرج من المدينة إلى “كيك” من بلاد سجستانة[14].

     ولم ترد في المصادر تفاصيل عن هذا الخروج، ومن الوثائق التي تشير اليه رسالة قاضي تارودانت التامانارتي لمحمد بن أبي بكر يخاطبه فيها يمثل ما خاطب به هو بودميعة السملالي، وينهاه من منازعة أهل تافيلالت، وما يهمنا منها انه يخاف عليه أن يكون كالذي استزلهم الشيطان بالخروج على أولى الأمر. قال (…فاستعظموا ذلك منكم واشفقوا عليكم ان تكونوا مثل من استنزله وأبي كانون، حال ذلك بينهم وبين ما هم فيه من الهداية والإرشاد والتعليم والمواساة والأخذ بأيدي الضعفة والقاهم في مهواة الهوان….)[15]. فنعته بالضلال، وجعله في مستوى ثائرين على الوضع هما أبو محلي وأبو زكرياء الحاحي، فلا يبعد أن يكون نشاطه أخطر مما ورد في المصادر. لذلك اختار لزاويته منطقة جبلية محصنة “كيك” تاركا زاوية تمصلوحت في السهل، حيث اسرته وعصبيته ومريدو والده وجده. فأضيفت إلى الزوايا الأمغارية بتيط، وابرزو  وتمصلوحت، وكان ذلك قبل سنة 1037 هـ/1627 م تاريخ وفاة زيدان. وقد شاع ذكره، وانتشر أمره، فقصده المريدون من مختلف الجهات وخاصة قبيلة سجتانة وحسب الافراني فإنه (اجتمع لديه في يوم، ثلاثون ألف رجل وتسعة آلاف امرأة)[16].

     وقد جرى على عادة جده ووالده في الاطعام والعطاء الوفير، ساعده على ذلك غنى المنطقة بمراعيها ومزارعها وغللها ومواشيها وما كانت تحمله اليه قبائلها من هدايا واعشار. وكان يفصل بينهم افراد وقبائل فيما يطرأ من منازعات شخصية وجماعية حول المياه والمراعي…وينهض كذلك بدور المرشد والمربي والمدرس، فعظمت مكانته، ولم تكد تمر أربع سنوات على وفاة زيدان، حتى سعى السعديون إلى مصالحته، فأقره الوليد في ذي القعدة من سنة1041 هـ/1631م هو حفدة عبد الله بن حسين على عوائده المعروفة، وأبقى لهم التصرف في اجنتهم، ودعا إلى احترامهم وتوقيرهم[17].

     وستستمر هذه العناية والاحترام بظهائر التوقير والأنعام على الأمغاريين عموما بما في ذلك ابراهيم بن أحمد وزاوية “كيك”[18].

[1] الصفوة، ص 149-151.

[2] سنذكرها في الأخير.

[3] 2/ 109.

[4] في الأدب الشعبية ما يفيد تعود العامة على اختيار القاب لصلحائهم تتصل ببعض صفاتهم أو أحوالهم أو مذهبهم، فأبو العباس السبتي مثلا:  هو (مول البلاد) والجزولي هو (صاحب الدليل). والغزواني (مول القصور).

[5] الصفوة ص 151 كانت وفاته قبل منتصف جمادى الأولى من 1072 وهو التاريخ الذي تسلم فيه ابنه محمد الوافي ظهير تقديمه على الزاوية وتمتيعه بما كان يتمتع به والده.

[6] قدر عدد الحاضرين في موسم الزاوية باثني عشر ألف ونيف وخمسمائة ذبح لهم بين يوم وليلة 700 من الغنم 200 من البقر و 20 من الابل.

[7] الدوحة 107.

[8] ممتع الأسماع 34-35.

[9] اظهار الكمال 272 والاعلام 8/ 176-177.

[10] شمس المعرفة 52 مخ خاصة والأعلام للتعارجي 1/ 331.

[11] تقول الرواية أن الصبي كان يدرج بين يدي جده فطلب الجد من الشيخ أن يدعو له فقال: ان الدجاجة (كانت بالقرب منهم) تقول في قرقرتها كيك –يحكي صوتها- فهل عندكم موضع بهذا الاسم: قال الجد: نعم فقال الشيخ أن هذا الصبي سيظهر أمره ويعلم سره بذلك الموضع (الصفوة 150،   – المناقب 127 الأعلام للتعارجي، 1/ 181).

[12] الصفوة 151.

[13] انظر في ترجمتهما الصفوة: عبد الله بن طاهر، ص 3-4. والسجتاني 111-112.

[14] الصفوة 150.

[15] ايليغ قديما وحديثا، ص 147.

[16] الصفوة 150.

[17] مراسلات مخزنية (مجموعة تمصلوحت) عند باسكون.

[18] هناك في المراسلات المذكورة أعلاه ظهائر توقير وانعام على حفدة عبد الله بن حسين الأمغاري منها تبرع السلطان لابراهيم بن أحمد (المترجم له) بنوبته من ساقية الباشا، والأذن له في بيعها أو هبتها أو التصرف فيها.

Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق