مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

نور الحب: مدخل لتبديد ظلام التطرف

مقدمة:

   ما زال التطرف والإرهاب يشكلان تهديدًا كبيرًا للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، هذه القوى المدمرة لا تتسبب بإزهاق أرواح الأبرياء فحسب، بل تقوض نسيج التعايش السلمي بحد ذاته، من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى التأكيد على أهمية الحب بين الناس كقوة نورانية تبدد ظلام التطرف، وفي هذا المقال، سوف نستكشف كيف يمكن لأساس الحب أن يعزز التعاطف والتفاهم والتراحم، وفي النهاية يبني عالما أكثر انسجامًا وتلاحما.

ولادة الحب:

   كل حياة تبدأ بفعل الحب، فالطفل عندما يطل على هذا العالم، إنما يطل من نافذة الحب المشترك بين والديه، وهي بمثابة شهادة على قوة التلاحم والتساكن والتراحم، إذ إن ولادة طفل ترمز إلى الأمل والبراءة، وإمكانية تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا، والسؤال المحير هنا إذا كانت الحياة تبدأ بالحب وتنتج لنا الحب، فلماذا انتشرت الكراهية والبغضاء وعدم التسامح بين الناس؟

    لقد وقع خلل في ميزان الحياة الذي يجمع الناس فيما بينهم، وفُقد التوازن في تحديد ما هو جميل، وكل ما هو أزكى وأرقى في العلاقات الإنسانية، لذلك فمدخل محاربة التطرف وخطاب الكراهية هو الرجوع إلى الأصل، أصل الحب الذي ولدنا من أجله وبين أحضانه وكبرنا في ظله، ونموت في كنفه.

التطرف: نقيض الحب:

   تزدهر بذور التطرف والإرهاب بغياب الحب والرحمة وحب الخير للغير، وتتغذى هذه البذور بالكراهية وتسقى بالإيديولوجيات المشوهة لمناهج الأخذ من الوحيين (القرآن والسنة)، فينتج عن ذلك تقسيم المجتمعات، وإشعال نار الفتنة، لأن المتطرفين يستغلون كل أدوات الإغراء والحيل (العاطفة، الذكاء، السذاجة، المال…)، للتلاعب بالأفراد الضعفاء، وتشويه تصوراتهم، وتحريف ما نشؤوا عليه من حب وتقدير وسماحة، إلى كراهية وعنف وقتل، ولا يخفى على أحد ما لهذه التحريفات من نتائج كارثية، والتي تديم حلقة الدمار والمعاناة والشعور بالخوف وعدم الآمان.

أهمية الحب:

   الحب هو قوة تتجاوز الحدود وتوحد الناس، وترجع بهم إلى ذلك الجمال الأولي المبني على الخير والاحسان، يقول أحد الصوفية: “حين تعثر على الجمال في قلبك ستعثر عليه في كل قلب” إن الحب  يشجع التعاطف والتفاهم والقبول، فهو نور يضيء القلب، ويعلمنا احتضان اختلافاتنا والاحتفاء بإنسانيتنا المشتركة من خلال تعزيز الخير والاحسان وكل القيم الجمالية داخل كياننا أولا ومن تم العائلات والمجتمعات، كما يمكننا من تحدي جذور التطرف والإرهاب وتقويض قوتهم وتأثيرهم.

الحب يولد التراحم والتفاهم:

   عندما يختبر الأفراد الحب، يصبحون أكثر انسجامًا مع احتياجات الآخرين واهتماماتهم، إن الحب يشعل رقة في القلب وهو ما يولد التعاطف مع الغير والنظر إليه بكونه نسيج واحد يجمع الانسانية كلها، وفي حالة وقوع اختلاف أو سوء تفاهم يمكّننا من فهم وجهات النظر من حولنا، ويُعيننا على تبصر أصل الصراعات الدائرة بين الأفراد والمجتمعات، فمن خلال الحب يمكننا كسر الحواجز، وبناء جسور التفاهم، وتنمية الشعور بالتعاطف الذي يرفض العنف والتعصب.

تكوين مجتمعات قادرة على الصمود:

   يعمل الحب كعامل محفز لبناء مجتمعات مرنة تقف في وجه التطرف، عندما يتغلغل الحب في النسيج الاجتماعي، يكون الأفراد أقل عرضة للاستسلام لجاذبية الإيديولوجيات المتطرفة من خلال تعزيز الحب وتعزيز العلاقات القوية، نخلق بيئات أقل عرضة للتكتيكات الانقسامية التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، إن الحب يغذي الانتماء والشمولية والشعور بالمسؤولية المشتركة، وكلها تشكل الأساس لمجتمع قوي لا يخضع لابتزاز المتطرفين.

التربية والتعليم:

   يتطلب الترويج للحب كقوة لمواجهة التطرف نهجًا شاملاً يبدأ بالتربية على قيم الحب والجمال، فالتربية تلعب دورًا حيويًا في رعاية الحب، وسقي القلب بمعاني الرحمة والتسامح مع الغير، كما أن التعليم يعزز التفكير النقدي ويمكن من تقدير المخاطر، ويقوي لدى المتعلم الموازنة بين مختلف الخطابات، فهو يشجع الأفراد على تفكيك الخطابات المتطرفة، ويساعد على التشكيك منها ودحضها، و يحث على البحث عن خطاب بديل متسم بالمحبة والمرونة وقدر كاف من مساحة الاشتراك.

 إن التربية على يد شيوخ تشربوا معاني الحب والسلام، يعطي للروح متنفسا كبيرا للعيش بأمن وسلام، ويمكن من الاستمتاع بالحياة كلها طمأنينة وارتياح، كما أن التعليم يزود الأفراد بالأدوات اللازمة لمقاومة التطرف، ويسهم بنشاط في خلق مجتمع سلمي.

 

خاتمة:

   بينما نواجه خطر التطرف والإرهاب، من الضروري أن ندرك القوة التحويلية للحب، فهو يمكننا من تنمية التعاطف والتعاطف والتفاهم الذي سيؤدي في النهاية إلى تفكيك قوى الانقسام، ويبدد قوى الظلام التي ابتلي بها عالمنا، إن التأكيد على أهمية الحب في جميع جوانب حياتنا، يمكننا من إنشاء مجتمعات قادرة على الصمود، وتعزيز التعايش المشترك، وبناء مستقبل يتم فيه وضع التطرف والإرهاب في سجلات التاريخ. دعونا نختار الحب باعتباره النور الهادي الذي يقودنا إلى عالم خالٍ من الكراهية والعنف.

Science

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق