القسم الثاني: ضبط المنظومة.

كنت قد قدمت في القسم الأول من هذا المقال تقديما موجزا تناولت فيه: التعريف بالمحدث علي بن سليمان الدمناتي، ومنظومته في مصطلح الحديث، وفي هذا القسم الثاني قمت بإخراجها، وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

 وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد

قال الشيخ الإمام العلامة الهمام عمدتي، ومولاي، وملجيء، ومأوي سيدي أبي الحسن علي ابن سليمان الدمناتي رضي الله عنه وعنا به أمين.

الحمد لله الذي نبأنا      *** بما لسان حبه أنبأنا

صلى الله على آله الرب القدير *** كما الكل بذلك جدير

يا طالب الأخبار خذها بفرح *** مبينا ومسقط كل حرج

محتمل الصدق لذاته وضد     *** ذا خبر وهو للإنشاد نِدْ

يعنى به الحديث علما انتما     *** معرفة السند متن هل سما

فمتنه ألفاظه التي جلت      ***   سند رواته التي تلت

أصحه عن مالك عن نافع   *** وقيل غير ذا الأمر دافع

وليس حكم بكصحة علا     *** كالمتن حكما لسواه يجتلا

باب: المتواتر وأخبار الآحاد والمشهور والعزيز والغريب

وما روى العدد دون حصر *** فمتواتر وعلما يدري

وبه فوق اثنين مشهورا وإن *** هما عزيز واحد غريب جن

ففي الثلاث آحاد قُبِلتْ أو *** رُدت فتوجب لا علما قد رووا

فصل في الصحيح، والحسن، وزيادة الثقة، والمحفوظ، والشاذ، والصالح، والمضعف، والضعيف

فآتي الصحيح ما له عدل نقل *** قد تم ضبطه بالإسناد اتصل

من غير علة ولا الشذوذ إن   *** يخف ضبطه فقط فذا حسن

وما يزيد من روا ذين قبل    *** إن لم يخالف عددا أو من عدل

إلا فراجحه محفوظ ومــــــــــــــــــــا  *** قابله شدَّ وصالحا سما /190/

ما دون ذا ثم يلي المضعف   *** ضعُف والقوة فيه أعرف

إن انتفى شيء مما قد قيلا  *** غير العدالة ضعيفا جُعلا

عشرون والواحد ذا القبول قرَّ *** فاحفظ تفز يوم المفَرِ بالمقر

فصل في المرفوع، وبما يرد به المردود منها

مردوده بالسقط طعن غفلته *** وسوء حفظ كذب وتهمته

وغلط فحش فسق بدعته *** وهم مخالفته جهالته

فصل في الموقوف، والمسند، والمتصل

مرفوعنا المسند والمتصل *** ما ينتمي لفاعل ينفصل

كخير رسل الله والمتصل *** خص بما ليس انقطاع يحصل

فصل في مفهوم شرط اتصال، وفيه تسعى ألقاب: الموقوف، والمقطوع، والمعلق، والمرسل الواضح، والمعضل، والمدلس، والمرسل الخفي، والموصول

إن ذوه قد سقط موقوف وإن *** صاحبه والمرسل والتابع عن

مقطوعه ومبدأ معلق *** واثنان صاعدا ولا تنسق

فمعضل إلا فهذا المنقطع *** إن يتضح بعدم اللقا يقع

إلا مدلس بعمد وبلا *** عمد فمرسل خفي انجلا

وأيها يبدو له وجه وصل *** فذلك الموصول حيثما حصل

فصل في مفهوم العدل وتمام الضبط، وفيه سبعة ألقاب: المبهم، والمهمل، والموضوع، والمنكر، والمعرف، والمختلط

مبهمه ما لم يقيده بسنده *** ومتنه واجب تقييد ورده

مهمله الذي لراو اتفق     *** كاثنين شيخا فسمى وما فرق

موضوعه مروي من يكذب عمده *** وربما سمى هبه بلا قصد

متروكه من روى من به اتهم *** ومنكر مروي كافر وسم

وفاسق وغالط ومن غفل *** ذو بدعة بفحش كل قد نقل

وقيل ما خالف عدلا يعرف *** وما روى ذو العدل فالمعرف

وما روى سيء حفظ مختلط *** إن كان فاحشا كما ذاك فرطْ

فصل في مفهوم شرط انتفاء الشذوذ، وفيه ثمانية ألقاب: المدرج، والمزيد في متصل الإسناد، والمنقلب، والمقلوب، والمضطرب، والمصحف، والمحرف، والمفرد

مزيد مدرجه ما في سند ***  ومتنه ما ليس منه يعتمد

وإن يسن بالمتن غير ما طلب *** من غير فصل فذاك المنقلب /191/

إن سند متن وراو وأُبْدِلا *** مقلوبه مضطرب تبدلا

سند ومتنه المصحف *** بالنقط حرف الشكل ذا المحرف

وإن هما والبعض أو واحدها *** خالف أو جا وحده مفردها

فصل في مفهوم شرط فَقْدِ العلة، وفيه لقب واحد المعلل

وما به قد قدح خفي يعقل *** بنظر ذلك فالمعلل

فهذه خمس وعشرون لقب *** ضعيفة لا منكر الموضوع جب

كذاك متروك ثلاثها يجب *** طرح الجميع حيثما وصف صحب

وما يكون من جميعها جبر *** فحكمها كحكم جابر أثر

تواتر الصحيح والحسن أو*** مضعف الضعيف صالح حكوا

وحيثما كثر طرق ما نزل *** إلى الذي قبيله قالوا انتقل

فصل في المتابع والشاهد والاعتبار

إن شُورك الراوي بشيخ هَبْ علا *** متابع والمتن معنى ماثلا

فشاهد إلا فَفَرْد وطلب *** لمثل ذا فهو اعتبار قد لُقِبْ

فصل في الواضح، وغريب اللفظ، والمشكل

وكلها الواضح إن معنى ظهر *** إلا بلفظه غريبه اشتهر

إلا بمعناه فذاك المشكل *** ومتشابه المعاني يشكل

فصل المحكم، ومختلف الحديث، والناسخ والمنسوخ، والمرجح، والموقف

وكلها ست فأما محكم *** ما لم يعارض بسواه يحكم

إلا وأجمع فذا مختلفه *** إلا مرجح وإلا موقفه

إن عدم التاريخ إلا أخر *** ناسخ المنسوخ ضد زاخر

فصل في العالي، والنازل، والموافقة، والمساواة، والمصافحة

إن رواة قلت بأي من سند *** ومتنه بغيره قد اتحد /192/

أقلها العالي وضد نازل *** مطلق علو للنبي واصل

ونسيبه الذي قد انتهى *** إلى إمام كأئمة النها

وإن بلا طريقة قد اتصل *** لشيخه فتي الموافق البدل

لشيخ شيخه المساواة استوى *** سند راو بالذي الشيخ روا

وذا المصافحة إن مصنف  ***  أيده النزول مثلا يعرف

فصل في المؤنن، والمعنعن

ووصلها بأن  ذا المؤننُ *** وإن تصل بعنْ فذا المعنعن

والحمل عن وصل إذا يطلق *** وما عرى عن مثل ذا فالمطلق

فصل في الأقران، والمدبج، والأصاغر عن الأكابر، والعكس، والسابق، واللاحق، وحكم المجحود، والمنسي

إن يتفق روا بسن ذي اللقا *** الأقران ما دبج إن يتفقا

أخذ كليهما عليهما وإن *** عن دونه الأصغر عن أكبر عنْ

وعكسه لاحق وسابق *** موت لذلك بعد ذا الموافق

وكل مجحود يرد إن جزم *** إن شك أو نسي فاقبله تؤم

فصل في المسلسل، والمتفق، والمفترق، والمؤتلف، والمختلف، والتشابه

إن تتفق اسم الرواة والأب *** واختلفت أشخاصهم فاللقب

متفق مفترق وإن بخط *** وقد تخالفت بشكل أو بنقط

مؤتلف مختلف إن بسُمَا *** والأب خالف وبالعكس سُما

تشابها كزاد بالمسمى وأب *** وقد تخالفو الذي وصف النسب

أو مطلق بكل أو مسلسل *** مكرر اللفظ بكل يحصل

فصل بآداب الحديث، وسن التحمل، ولمن تقبل روايته، ومن لا، وبروايته /193/ بالمعنى والتزكية

واطلب وعَلِمَن بصدق نية *** بكل حال حسن لهيئة

مثل طهارة الجميع كالجنان *** وكل الأركان كالأعضب اللسان

ورتبن وبينَنْ بالقول خط *** وجد في ممدوح شَرْعنا فقط

فليحملن مميز وإن بدون *** خمس وإلا لا بسن قد يكون

فصح حمل كافر وفاسق *** ولم يود سوى عدل صادق

وإن يكن عبدا أو أنثى متحد *** زكاه عارف وإن هو اتحد

وليرو عارف لمعنى إن حفظ *** من دون لفظه الذي به لفظ

فصل بشرط الصحيحين

شرط الصحيحين الصحيح قد سبق *** وشهرة الراوي بأي من طبق

إن عنه عدلان فصاعدا حسن     *** إن واحد كفى فرد من طعن

ومن له عن تابع عناية           *** بالضبط والإتقان في الرواية

كذلك الاجتماع بالزمان      *** زاد البخاري ذاك في المكان

ورد مسلم لذا وإن يصب     *** فشرط جعفي له حق يجب

ومن يقل شرطهما العدلان  *** لكل راو رد فالقولان

حاصل ما ذكرت نقل عياض  *** موافقا عليه ما فيه اعتراض

قلت وما استقرأ منه ابن حجر *** من البخاري لا لفي لما اعتبر

فصل فيما ينبغي للمحدث طلبه، والتعديل، والتجريح، ومراتبهما

فاطلب وفاة من رووا أو مولدا *** وطبقاتهم  حلى وبلدا

سمى كنا ومن سماه واسم الأب *** وكنية كنية زوجة لقب

من تتفق أسماؤهم كنى لقب *** من كثر له كذلك النسب

لحرفة قبيلة وبلد *** ووطن ورحلة للبلد /194/

مولى بإسلام وحلف وعِرق *** أعلى وأسفل أخا أختا بحق

والعرضُ والأسباب والتصنيف باب *** إعلالا إطراقا إسناد الصواب

تزكية كذاك هب أجملُهُ *** والضد إن بينه أكمله

وذا مقدم على التعديل *** إذ هو أصلنا إلى التبديل

فصل في مراتب الجرح، ومراتب التعديل

أسوأ تجريح بصوغ أفعلا *** بأي ذم وكفعال تلا

كمثل دجال وأدناه نحا *** كلين سيء حفظ ينتحلا

أعلى الذي عدل صوغ أفعلا *** بأي مدح كُرِرَن وصفا حلا

عن مثل فعال فثبت متقن *** أدناه مشعر بذم فطن

فصل في الإجازة بأنواعها، وحكمها، وصيغ الأداء

مسند غير الصحب خذه بِوِلا *** مرتبا لدى اصطلاح من علا

قراءة الشيخ فسمع ناوله *** مع الإجازة لخاص سأله

به فعامة فعامة بخاص *** فعامة فلفلان ابن اختصاص

مناول إعلامه الوصية *** وجازة فمنعت الإجازة

أو عامة أو لابن سيولد *** مطلق من يأتي الجميع يجحد

إذن الرواية فشرط صحة *** بأربع أخر كالوصية

وشرط ملفوظ بها المشافهة *** كذا الكتابة بما قد أرسله

فصل في صيغ الأداء

ضع صيغ الأدا مرتبا على *** مراتب مضت بحكم من دلا

حدث أنبأ كذلك أخبرا *** بيا تكلم ونا إن كثرا

أو مفعول وثان ثالث *** ذا اللفظ مرويا فنعم الوارث /195/

وبالختم قال رضي الله عنه وعنا به

الحمد لله وفي شرط شرف *** برمضان سابع العشرين طَفْ

ثم صلاته سلامه على *** محمد وآله ما قد علا

كمل بحمد الله تعالى، وحسن عونه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، تمت وبالخير عمت.

خاتمة:

يمكن القول إن هذه المنظومة للمحدث أبي علي الدمناتي دليل على عناية المغاربة بعلم الحديث رواية ودراية، وازدهار مجالس الحديث وتدريسه في المساجد والمدارس والزوايا وغيرها، فازداد طلب العلم على فنون الحديث، مع الإقبال على حفظه وفهمه والتأليف فيه، فأنجبت لنا هذه الحركة العلمية المتوجهة محدثا لوذعيا ألا وهو العالم أبو الحسن الدمناتي.

*****************  

لائحة المصادر والمراجع:

1. إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع، عبد السلام ابن سودة، تحقيق محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى1417هـ-1997م.
2. أجلى مساند الرحمن في أعلى أساند، لعلي الدمناتي، الناشر: المطبعة الوهبية-مصر، سنة 1298هـ.
3. الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، العباس السملالي، راجعه عبد الوهاب ابن منصور، المملكة المغربية- الرباط، الطبعة: الثانية، 1420هـ-1999م.
4. الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر 2002م.
5. جواهر الكمال في تراجم الرجال، محمد الكانوني، تحقيق: علال ركوك، والرحالي الرضواني، ومحمد السعيدي، الناشر: جمعية البحث والتوثيق والنشر، ط1: 2004م.
6.  السعادة الأبدية في التعريف بمشاهير الحضرة المراكشية لعبد الله بن محمد بن الموقت المراكشي، مراجعة تعليق: أحمد متفكر، الناشر: المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، ط3: 1432هـ/2011م.
7. سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال فهرس الشيوخ، عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة، تنسيق وتحقيق، محمد حجي، دار الغرب الإسلامي-بيروت، الطبعة: الأولى، 1417هـ-1997م.
8. فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، عبد الحي الكتاني، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي-بيروت، ط2: 1982م.
9. المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر (اينولتان 1850-1912)، لأحمد توفيق، الناشر: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ط3: 1432هـ/2011م.
10. المختصر من كتاب نشر النور والزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، عبد الله مرداد أبو الخير، اختصار وترتيب وتحقيق: محمد سعيد العامودي وأحمد علي، الناشر: عالم المعرفة- جدة، ط2: 1406ه-1986م.
11. معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب، عبد الحفيظ الفاسي، اعتنى به عبد المجيد خيالي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، ط1: 1424م.
12. معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف سركيس، الناشر: مطبعة سركيس بمصر: 1346هـ-1928م.
13. معجم المفسرين “من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر”، عادل نويهض، الناشر: مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت-لبنان، ط3:1409هـ-1988م.
14. معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين، لعبد الرحمن ابن زيدان، تحقيق حسن الوزاني، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1: 1430ه-2009م.
15. هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل باشا الباباني، والناشر: وكالة المعارف بإسطنبول، 1951–1955م.

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري