مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

مظاهر التماسك والانسجام من خلال كتاب نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للإمام البقاعي «المتشابه اللفظي في سورة آل عمران» «الحلقة الثامنة عشرة»

الموضع الثامن من المتشابه اللفظي: « أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ»

السورة

رقم الآية بداية موضع الاستشهاد

نهاية موضع الاستشهاد

آل عمران

[الآية 49]

« أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ»

«وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين»

المائدة

[الآية: 110] وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى» «بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِين »

تتحدث الآيتان عن موضوع واحد، وهو ما منَّ الله به على نبيه عيسى عليه السلام من الآيات والمعجزات، من خلقه الطين كهيئة الطير ونفخه الروح فيها، وإبرائه الأكمه والأبرص، وإحيائه الموتى بإذن الله، ففي قوله تعالى« أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين»؛[آل عمران:49]  «أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ» فتح همزة «أن» لتقدير باء الجر بعد “رسولا”؛ أي رسولا بهذا المقال لما تضمنه وصف “رسولا” من كونه مبعوثا بكلام، ومعنى«جئتكم» أرسلت إليكم من جانب الله، ونظيره قوله تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ» [الزخرف: 63] وقوله: «بآية» حال من ضمير «جئتكم» لأن المقصود الإخبار بأنه رسول لا بأنه جاء بآية،وشبه أمر الله إياه بأن يبلغ رسالة بمجيء المرسل من قوم إلى آخرين وذلك سمي النبي رسولا، والباء في قوله: «بآية» للملابسة أي مقارنا للآيات الدالة على صدقي في هذه الرسالة المعبر عنها بفعل المجيء، والمجرور متعلق بــ«جئتكم» على أنه ظرف لغو، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرا في موضع الحال من «جئتكم»، لأن معنى«جئتكم» : أرسلت إليكم، فلا يحتاج إلى ما يتعلق به، وقوله: «أَنِّي أَخْلُقُ» بكسر الهمزة استئناف لبيان آية، وقرأه الباقون بفتح همزة «أني» على أنه بدل من «أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ»[1]

والخلق هنا مستعمل في حقيقته أي: أقدّر لكم من الطين كهيئة الطير، وليس المراد به خلق الحيوان، بدليل قوله فأنفخ فيه، والكاف فِي قوله: كهيئة الطير بمعنى مثل، وهي صفة لموصوف محذوف دل عليه «أخلق»، أي شيئا مقدرا مثل هيئة الطير، وفي قوله تعالى « وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِين»[المائدة:110] ذلك أنه قال هنا «فَتَنْفُخُ فِيها» وَقَالَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ «فَأَنْفُخُ فِيهِ»، ذلك أن الضمير في سورة آل عمران عاد إلى الطير، والضمير في هذه السورة قيل أنه عاد إلى الهيئة، وقيل يعود  إلى ما تقتضيه الآية ضرورة، أي بدلالة الاقتضاء، وذلك أن قوله: «وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير» يقتضي صورا أو أجساما أو أشكالا [2] وكذلك الضمير المذكر في سورة آل عمران [49] يعود على المخلوق الذي يقتضيه «أَخْلُقُ»،وجعله الزمخشري في «الكشاف» عائدا إلى الكاف باعتبار كونه صفة للفظ هيئة المحذوف الدال عليه لفظ هيئة المدخول للكاف[3] وكلّ ذلك نَاظر إلَى أن الهيْئة لَا تصلح لأن تكون متعلّق «فَتَنْفُخُ»، إِذ الهيئة معنى لَا يُنْفَخُ فيها ولا تكون طائرًا، وتوجيهها هنا أن الضمير جرى على التأنيث فتعين أن يكون المراد «وإذ تخلق»، أي تقدر هيئة كهيئة الطير فتكون الهيئة طائرا، أي كل هيئة تقدرها تكون واحدا من الطير، وقال هنا «وإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى» ولم يقل: «وَتُحْيِ الْمَوْتى»كما قال في سورة آل عمران [49] ، أي تخرجهم من قبورهم أحياء، فأطلق الإخراج وأريد به لازمه وهو الإحياء، لأن الميت وضع في القبر لأجل كونه ميتا، فكان إخراجه من القبر ملزوما الانعكاس، السبب الذي لأجله وضع في القبر، وقد سمى اللَّه الإحياء خروجا في قوله:«وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ» [ق: 11]»[4]

ومع هذا الاتحاد في موضوع هذه الآيات وأغراضها فبينهما تشابه في أغلب ألفاظهما، إلا أن هنالك اختلافات بتقديم وتأخير ونحوه أيضا ، ففي قوله تعالى« فَأَنفُخُ فِيهِ » تذكير الضمير، وقوله تعالى «فَتَنفُخُ فِيهَا » تأنيثه، ذلك أن الكاف في قوله تعالى« كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» بمعنى«مثل» وهي صفة لموصوف محذوف دل عليه«أخلق» أي شيئا مقدرا مثل هيئة الطير،[5] قال الزمخشري:« «وأَنِّي أَخْلُقُ» نصب بدل من «أَنِّي» قَدْ جِئْتُكُمْ أو جرّ بدل من آية، أو رفع على: « أنى أخلق لكم»، وقرئ: «إِني»، بالكسر على الاستئناف، أي أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير، «فَأَنْفُخُ فِيهِ» الضمير للكاف، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير، فيكون طيراً فيصير طيراً كسائر الطيور حياً» [6] أما قوله تعالى:«فَتَنفُخُ فِيهَا» الضمير للكاف لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى عليه السلام وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ولا من نفخه في شيء.[7]

أما وجه إضافة «بإذني» في آية المائدة إلى ضميره سبحانه وتعالى، وإضافته إلى اسم الجلالة ظاهرا في آية آل عمران «بِإِذْنِ اللّهِ» النكتة في ذلك أن الضمير في الأولى راجع إلى الكاف وهو بمعنى المثل، والمثل مذكر، وفي الآية الثانية راجع إلى الكاف من حيث هي في المعنى صفة، فَروعِيَ في الأولى الجانب اللفظي وفي الثانية الجانب المعنوي، قال ابن الزبير الغرناطي:« وعودة الضمير على اللفظ وما يرجع إليه أولى، وعودته على المعنى ثان عن ذلك، وكلا التعبيرين عال فصيح، فعاد في آية آل عمران على الكاف لأنها تعاقب مثل وهو مذكر فهذا لحظ لفظي، ثم عاد في آية المائدة إلى الكاف من حيث هي في المعنى صفة، لأن المثل صفة في التقدير المعنوي، فحصل مراعاة المعنى ثانيا على ما يجب، وجواب ثان: وهو أنه قد ورد قبل ضمير آية آل عمران من لدن قوله تعالى: « وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ » [آل عمران:44] إلى قوله: « فَأَنْفُخُ فِيهِ» نحو من عشرين ضميرا من ضمائر المذكر، فورد الضمير في قوله« فَأَنْفُخُ فِيهِ » ضمير مذكر ليناسب ما تقدمه، ويشاكل الأكثر الوارد قبله،أما آية العقود فمفتتحة بقوله تعالى: « اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ»[المائدة:110] وخلقه الطائر، ونفخه فيه من أجل نعمه تعالى عليه لتأييده بذلك، فناسب ذلك تأنيث الضمير ولم تكثر الضمائر هنا ككثرتها هناك، فجاء كل من الآيتين على أتم مناسبة » [8]

ووجه تكرير«بإذني» في آية المائدة أربع مرات مع وجازة الكلام و تقارب الألفاظ، وفي آية آل عمران مرتين؛ أن آية آل عمران إخبار وبشارة لمريم بما منح لابنها عيسى عليه السلام وبما قاله عليه السلام لبني إسرائيل تعريفا برسالته، وتحديا بمعجزاته وتبرؤا من دعوى استبداد أو انفراد بقدرة في مقاله: « أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ» إلى قوله تعالى « إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ »[آل عمران:49]  إلى ما بعده، ولم تتضمن هذه الآية غير البشارة والإعلام، وأما آية المائدة فقصد بها غير هذا، وبنيت على توبيخ النصارى وتعنيفهم في مقالهم في عيسى عليه السلام فوردت متضمنة عده سبحانه إنعامه على نبيه عيسى عليه السلام على طريقة تُجاري العتب، وليس بعتب تقريرا يقطع بمن وقع في العظيمة ممن عبده، ولذلك تكرر فيها ما تكرر مع الآيات قوله تعالى: «بإذني» وتكرر ذلك أربع مرات عقب أربع آيات مما خص به عليه السلام من خلق الطير والنفخ فيه فيحيا، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى وهي من الآيات التي ضل بسببها من ضل من النصارى وحملتهم على قولهم بالتليث تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ»[المؤمنون:91] فأعلم الله سبحانه وتعالى أن تلك الآيات بإذنه، وأكد ذلك تأكيدا يرفع توهم حول أو قوة لغير الله سبحانه، فآية آل عمران بشارة وإخبار لمريم، وآية المائدة واردة فيما يقوله سبحانه لعيسى عليه السلام توبيخا للنصارى كما بينا فلما اختلف القصدان اختلفت العبارتان.[9]

الموضع التاسع من المتشابه اللفظي:« إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ه»

السورة

رقم الآية بداية موضع الاستشهاد

نهاية موضع الاستشهاد

آل عمران

[الآية 51] «إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ» « هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم»

مريم

[الآية: 36] «وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ »[مريم:36] «هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم»

الزُّخرُف

[الآية: 64] إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ «هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم»

في هذه الآيات الثلاث الأمر بإفراد الله تعالى وحده بالعبادة ذلك أن قوله تعالى« إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ه» إن مكسورة الهمزة لا محالة، وهي واقعة موقع التعليل للأمر بالتقوى والطاعة كشأنها إذا وقعت لمجرد الاهتمام ولذلك قال« رَبِّي وَرَبُّكُمْ» فهو لكونه ربهم حقيق بالتقوى، ولكونه رب عيسى ورسالته تقتضي تقواه طاعة رسوله، وقوله: «هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» الإشارة إلى ما قاله كله؛ أي أنه الحق الواضح فشبهه بصراط مستقيم لا يضلّ سالكه ولا يتحير. [10]

ومن الفروق بين هذه الآيات مايلي:

جاء قوله تعالى: «وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم»[مريم:36]  بواو العطف، وخلت منه الآيتان الباقيتان، ويدخل فيها مسألتان؛ المسألة الأولى:المعطوف عليه هو قوله«قول الحق» في الآية التي قبلها، وخرجه الزمخشري على أن معناه: ولأنه ربي وربكم فاعبدوه، كقوله تعالى:« وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً » وهذا قول الخليل وسيبويه. [11]

وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض معطوفا على والزكاة، أي «وأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ» وبِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ انْتَهَى، وهذا في غاية البعد للفصل الكثير، وأجاز الكسائي أن يكون  في موضع رفع بمعنى الأمر« إنّ الله ربِّي وَرَبُّكُمْ».[12]

أما المسألة الثانية فبينها ابن الزبير الغرناطي بقوله:« فورد هنا مورد الجمل التي كأنها مفصولة مما قبلها مع الحاجة إليها، واتصال ما بعدها بما قبلها فلم يكن بد من حرف النسق، ليحصل منه أنه كلام غير منقطع بعضه من بعض ولا مستأنف، بل هو معطوف على ما تقدمه من كلام عيسى عليه السلام، فلم يكن بد من حرف النسق لإحراز هذا الالتحام، إذ لم يكن ليحصل دون حرف النسق حصوله معه فقيل: «وإن الله ربى وربكم» وهو حكاية قول عيسى متصلا من حيث معناه بقوله: « وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا» فالوجه عطفه عليه مع الحاجة إلى ما توسط الكلامين فهذا وجه ورود الواو هنا ولم يعرض في آية آل عمران فصل بين الآية وما قبلها يوهم انقطاعا فيحتاج إلى الواو فهذا وجه دخولها في هذه الآية»[13]

كما أن السر في زيادة ضمير الفصل في الآية الثانية بخلاف الباقيتين، قال بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي  في كتابه« كشف المعاني في المتشابه من المثاني »موضحا ذلك: « أن آية آل عمران ومريم تقدم من الآيات الدالة على توحيد الرب تعالى وقدرته وعبودية المسيح له ما أغنى عن التأكيد، وفي الزخرف: لم يتقدم مثل ذلك، فناسب توكيد انفراده بالربوبية وحده» [14] وقال الغرناطي:« وأما زيادة الضمير الفصلي في سورة الزخرف، فيحرز بمفهومه معنى ضروريا دعا إليه ما تقدم في الآية قبله، وذلك ما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: « وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّون »[الزُّخرُف:57]» إلى ما يتلو هذه ففي التفسير أنه لما نزل قوله تعالى: «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُون»[الأنبياء:98]الآية تعلق بها الكفار وقالوا قد عبدت الملائكة وعبد المسيح وأنت يا محمد تزعم أن عيسى نبي مقرب، وأن الملائكة عباد مقربون، فإذا كان هؤلاء مع آلهتنا في النار فقد رضينا وجادلوا بهذا فأنزل الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون»[الأنبياء:101] وهذا مبسوط في كتب التفسير فلما كان قد تقدم في سورة الزخرف ذكر آلهتهم وقولهم: آلهتنا خير أم هو؛ يعنون المسيح ناسبه ما أعقبه به من قوله تعالى حاكيا عن المسيح عليه السلام: «إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ» فكأنه قد قيل: هؤلاء غيره فأحرز «هو» هذا المعنى ولم يرد في آية آل عمران وآية مريم من ذكر آلهتهم ما ورد هنا، فلم يحتج إلى الضمير المحرز لما ذكرناه [15]

ـــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، 3/250.

[2] نفسه،7/102.

[3] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،  أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله 1/364.

[4] التحرير والتنوير 3/97.

[5]نفسه 3/250.

[6] الكشاف 1/364.

[7] نفسه1/691.

[8] ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان،1/83-84.

[9] نفسه 1/83-84-85.

[10] التحرير والتنوير3/253.

[11] الكشاف 3/17.

[12] البحر المحيط في التفسير،أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين الأندلسي،المحقق: صدقي محمد جميل، دار الفكر – بيروت 7/261.

[13] ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، 1/86.

[14] كشف المعاني في المتشابه من المثاني، أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي، بدر الدين، تحقيق: الدكتور عبد الجواد خلف، دار الوفاء- المنصورة، الطبعة: الأولى، 1410 هـ / 1990 م ص: 129.

[15]ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، 1/85-86.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق