وحدة الإحياءدراسات عامة

قراءات في تجليات رفع الحرج في التكليف وتأصيل المنهج الوسطي في فهم النصوص وتنزيل الخطاب الشرعي

 إسهاما مني في استلهام نصوص شريعتنا الغراء، ومذاهب أئمتنا في فهم دلالاتها، وتنزيلها على مقاصدها، ومعالجة أهم قضايا أمتنا وواقعنا على هدي ديننا، ومناهج علمائنا، وتأصيل فهم سلفنا، ومظاهر الوسطية والاعتدال التي انطلقوا منها في بناء كيان أمة الإسلام، وإقامة حضارته الإيمانية الإنسانية على مبادئ السماحة واليسر، وقيم التوازن والاستقامة والعدل، والأخوة الإنسانية والبذل، أشارك في هذا المنتدى الموقر بهذا العرض المتواضع الذي أحاول فيه التركيز على أهم خصائص هذا المنهج باعتباره منهجا ربانيا عماده واستمداده من الوحي ونصوصه، ومقاصد الشريعة وكلياتها، وفهم الأئمة الراسخين لها مع الدعوة من خلال ذلك إلى اعتماد هذا المنهج، والعمل على نشره ودعمه، وتوظيفه في الدعوة، أملا في إعادة توثيق أواصر القرابة والأخوة بين فصائل الأمة وردها إلى متانتها، ومد جسور التفاهم والوفاق ما بين شبابها وعلمائها وتراثها ورموز دينها وحاضرها ومستقبلها، بعد أن أصاب نسيج الأمة ما أصابه بسبب ما تراكم من الأحداث في السنوات الأخيرة.

ولقد أمسى موضوع العنف، والعنف المضاد، والتطرف والإرهاب، والحديث عنهما هو الزاد اليومي، والشغل الشاغل للإعلام العالمي، مما جعله يحتل الساحة الدولية، ويشغل الحيز الأكبر من اهتمامات الأفراد والجماعات والمجتمعات، على جميع المستويات، وما ذلك إلا لتنامي الشعور بالمخاطر الماحقة التي أمسى يشكلها ويتهدد بها أمن البشرية واستقرارها، وحياتها وحاضرها ومستقبلها.

غير أن الملاحظ في ظروفنا الراهنة أن أكثر وسائل الإعلام وخاصة في بلاد الغرب تمعن في التركيز على لون واحد من التطرف والعنف والإرهاب، وتبالغ في تضخيمه وتفخيمه، وهو ما يكون قد صدر من بعض الحركات والمجموعات المتشددة هنا وهناك ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويحملون أسناء أهله، وينتمون إلى أهل الملة بالولادة والنشأة، ولكنهم يتبنون منهج العنف والتطرف، ويصطنعون لأنفسهم ألوانا من التسميات والشعارات والولاءات التي تصطبغ في ظاهرها بصبغة الدين، وتدعي لنفسها الغيرة على حرماته، والدفاع عن مؤسساته، ولكنها في الواقع تقع ضحية الغلو الزائد والتغرير، وفريسة الجهل بأحكام الشريعة الحنفية السمحة المبرأة مما أمسى يحسب عليها وينسب إليها من هذه الدموية الشنيعة التي شوهوا بها صورة الإسلام بين الدول، وتسببوا بها في كثير من البلايا التي طالت سائر بلاد المسلمين، ومكنت أعداء الإسلام وخصومه من أسلحة جديدة للنيل من سماحته والتنفير منه، وشن الحملات الدعائية عليه وعلى المنتسبين إليه وجميع مرجعياته.

وكل ذلك إنما ساق إليه الجهل بوسطية الإسلام ومنهجه الحنيف، كما قاد إليه سوء الفهم، وربما سوء القصد أيضا، عند طائفة من حدثاء الأسنان، وسفهاء الأحلام، الذين يتأولون النصوص ويحملونها على غير محاملها عند أهل العلم، ودون أن يمتلكوا الحد الأدنى من فقه الشريعة، ومعرفة مقاصدها الكلية، وكيفية تنزيل الأحكام على مقتضياتها الشرعية التي قررها العلماء والأئمة.

ولا يخفى على ما تجره الحماسة الزائدة وغير المنضبطة بفقه الشريعة وروحها من الإقدام على اتخاذ المواقف غير المحسوبة، والاجتراء على إصدار الأحكام المتطرفة على المخالفين دون تبين، على نحو ما فعله من الخوارج حرقوص بن زهير حين واجه الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم غنائم حنين، فيعطي المؤلفة قلوبهم من رؤساء القبائل تأمينا للدعوة من شرهم، فيقول له الخارجي في صفاقة وجه ووقاحة: “هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، اعدل يا محمد فإنك لم تعدل”، نعم، يقول هذا لرسول الله، وهو يرى نفسه أغير منه على العدل وقيم الدين، وهو أستاذ البشرية في ذلك ومعلمها.

وهكذا يفضي الجهل بأهله إلى مثل هذا الاحتقان الذي لا يعرف له موجب، والتطاول الذي لا يعلم له حد، وحينئذ يجد التطرف سبيله إلى الفهم، والغلو طريقه إلى الحكم، والتصلب وسيلته إلى الموقف، وكل ذلك إنما يؤتي ثماره الطبيعية، فيكون سلاطة في اللسان، وشحناء في الوجدان، وتنطعا في العمل، وتحيزا وتميزا عن الجمهور، بقصد تكثير السواد تارة، وبدعوى المفاصلة تارة، وعلى مقتضى مبدأ الولاء والبراء أحيانا، وعلى غير ذلك مما يتوهمون معه احتكار الحقيقة المطلقة، فيفضي بهم هذا التوهم، دون اعتماد مرجعيات من سوى أنفسهم إلى إدانة الأفراد والمجتمعات، وتكفير الحكام والحكومات، وركوب متون أعاصير التطرف، وقيادة حملاته المدمرة في كل مكان.

 من أجل هذا وإسهاما منا في طرح البديل النافع، وتأصيل مبادئ السماحة والوسطية والاعتدال، وإعادة بناء الثقة بمقومات الوحدة، وعناصر القوة في الأمة، والوصول إلى تكوين الرؤية حضارية وثقافية نابعة من قيمنا، نرى لزاما على علماء الأمة وحملة الأقلام والخطباء والدعاة فيها وجميع العاملين في الحقل الإسلامي من حكام ومحكومين ووسائل الإعلام، أن يحشدوا جميع الطاقات من أجل منازلة ما تبقى من هذا الفكر المتطرف ومحاصرته، والعمل على نسف أطروحاته، عن طريق التوجيه والتوعية والحوار الهادئ والمناصحة، والتعريف بحقائق الإسلام الناصعة وفهم السلف الصالح لها، والتركيز على بيان مبادئ الاعتدال ومظاهر الوسطية والسماحة في عقائد الإسلام وأحكامه وشرائعه القائمة على منهاج النبوة وهدي السيرة المطهرة، واستلهام روح الأخوة الإيمانية الجامعة التي تعتمد الرفق والنصح، والتصالح مع الذات، والأخذ بالعفو، والأمر بالعرف، والدفع بالتي هي أحسن، والإعذار إلى الله تعالى بإقامة الحجة، وإبداء النصح، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الحق سبحانه بذلك، وكما قال في مثل هذا الموقف جوابا لمن أنكروا على القائمين بواجب الوعظ، والمعذرين إلى الله تعالى في شأن المنحرفين، حيث قال في سورة الأعراف في سياق عصاة القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (الأعراف: 164).

نعم في ظل هذه الظروف المتأزمة تجب المبادرة إلى إشاعة أنوار الأمل في النفوس لتجاوز هذه الحال، والعمل على اقتلاع جذور اليأس من النفوس، لا فقط من أجل الدفاع عن الإسلام وقيمه السياسية ضد هذه الحملات المسعورة التي تشن عليه، والدعوات المشبوهة التي تسعى إلى إدانته وتشويه سماحته ونصاحته، وزعزعة سلطان عقيدته في قلوب أهله، ولكن بغية إحقاق الحق وتأكيد الحقيقة، حتى يعلم الجاهل، ويرعوي المبطل، وينكشف الباطل، إذ في إبراز وسطية الإسلام المحافظة على وحدة الناس وتقاربهم، والبعد عن التهارش والتهارج، وإثارة الإحن والضغائن بين الأفراد والجماعات والدول، ولا نرتاب في أن الإنسان السوي إذا استجاب لدواعي فطرته السليمة استقام على الوسطية واطمأن إليها، ووجد راحته فيها، ولم يبتغ لنفسه وبني جنسه بديلا عنها، ولكن الاستقامة على هذه الوسطية تفتقر بالدرجة الأولى إلى معرفة أسبابها، وأسبابها تتلخص في معرفة المنهج المؤدي إلى تحقيقها وتحققها، وهو منهج “المحجة البيضاء” الذي رسم الوحي الإلهي معالمه وأقام أركانه فيما شرعه سبحانه في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وعظمة هذا المنهج تكمن في شمولية دعوته وعالمية رسالته وسعة أفقه، والتحقق به والتفاعل معه في سبيل الأمة إلى الرقي في مجالات الحياة، وهو سبيلها إلى مد جسور التواصل مع غيرها من الأمم، وإشاعة روح التعاون والتضامن والتفاهم والتراحم، وهو طريقها إلى الانفتاح والحوار، وطريقها إلى الجمع بين التمكين لها في الأرض، ومحافظتها على القيم والأخلاق وسعادة الدنيا والآخرة. وهذه معالم وسمات من تلك الوسطية نستهل بيانها بعرض مفرداتها لتقريب معانيها ومبادئها انطلاقا من مدلولاتها اللغوية.

الوسط والوسطية في اللغة والأدب المأثور

قال في اللسان: “وسط الشيء ما بين طرفيه. وقال أبو محمد بن بري: اعلم أن الوسط بالتحريك اسم لما بين طرفي الشيء، وأنه قد يأتي صفة وإن كان أصله أن يكون اسما، من جهة أنه أوسط الشيء، أفضله وخياره، كوسط المرعى خير من طرفه، وكوسط الدابة للركوب خير من طرفيها لتمكن الراكب، ولهذا قال الراجز: “إذا ركبت فاجعلاني وسطا”.

ومنه الحديث: “خيار الأمور أوساطها”. ومنه قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾؛ أي على شك، فهو على طرف من دينه غير متوسط فيه ولا متمكن، فلما كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك في مثل قوله تعالى وتقدس: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾؛ أي عدلا” انتهى[1]. ولقد تمدح الشعراء بالوسط، وذكره الرواة في صفات الكمل من الرجال، فجاء في الصحيح في صفته، صلى الله عليه وسلم، أنه كان ربعة من الرجال، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المكلتم.

وقال الشاعر الصحابي كعب بن زهير، رضي الله عنه، في قصيدته المشهورة باسم “بانت سعاد” يصف صاحبته بالاعتدال ورشاقة القوام:

هيفـاء مقبلـة عـذراء مدبرة         لا يشتكى قصر منها  ولا طـول

وقال الشاعر الحكيم ينوه بالتوسط في الأمور وترك الغلو فيها:

تسامح ولا تستوف حقك كلـه           وأبـق فلم يستقص قـط كريم

ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد         كـلا طرفي قصد الأمور ذميم

وقال غيره:

كـن في أمورك كلـها متوسطــا         عـدلا بـلا نقص ولا رجحان

ومن كلام علي، رضي الله عنه،: خير هذه الأمة النمط الأوسط، ويرجع إليهم الغالي، ويلحق بهم التالي[2] وهذا المعنى المستفاد من حديث النبي، صلى الله عليه وسلم[3]، ومن هذه الأدبيات يمكننا أن نقول في تعريف الوسطية بأنها حالة خطابية أو سلوكية محمودة تعصم الإنسان من الميل إلى جانبي الإفراط أو التفريط، وتقيمه على جادة التوازن والاعتدال[4].

الوسطية سمة هذا الدين

وإن الدارس الحصيف النظر، لا يخطئه عند استعراض نصوص الشريعة المحمدية أن يتبين بجلاء أهم مزايا هذا الدين الحنيف، وأخص سماته وأيسرها في الإدراك بحيث لا يستطيع منصف أن ينكرها، فضلا عن أن يتمكن من إثبات الدعوى على خلافها، وهي أنه جاء في شموله وعموم رسالته رحمة للعالمين، وخاتمة للرسالات والهدايات الإلهية، ولكي يقوم به الله تعالى ما حدث من الانحراف عن هدي السماء، ولذلك فقد كان أكمل الأديان، وأقربها إلى فطرة الإنسان، بل إنه هو الفطرة نفسها كما دل عليها قوله تعالى في سورة الروم، الآية: 29 ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، وكما دل عليها أيضا قوله عليه الصلاة والسلام: “كل مولود يولد على الفطرة”، وما استنبط منه من أن الفطرة هي الإسلام، بدليل قوله في الحديث “فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء” الحديث متفق عليه؛ أي حتى يكون الأبوان السبب في تحويل المولود عن فطرته، وصبغه بغير صبغة الإسلام التي جاء في وصفها قوله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 137).

ولما كان الدين الخاتم على هذه الشاكلة في الانسجام مع فطرة الإنسان فقد أقام ربنا، سبحانه وتعالى، بنيانه، وأسس قواعده وأركانه، على نظام من الوسطية متوازن واضح المعالم، جلي السمات والخصائص، يجمع في مبادئه وتشريعاته بين متطلبات الدين والدنيا، وبين العمل للآخرة والأولى، ويلبي أشواق الروح ونوازع الجسد، ويحفظ حقوق الفرد والجماعة، وينظم علاقة الراعي بالرعية، والمسلم بغير المسلم، وكل ذلك مما أحكم الله، عز وج، نسيجه في كليات هذا الدين، وأودعه في كتابه وسنة نبيه، وهدى إلى بيناته الناطقة بحجته، من جعلهم الله، عز وجل، حملة لميراث النبوة، والقائمين بالذود عن حوزة الدين، وتجلية حقائقه للناس ودفع التأويلات الزائغة والشبهات عنه، نهوضا منهم بموجب الاستخلاف في الأرض، وقياما بحق أمانة البلاغ، وأمانة البيان، وهي وظيفة ربانية ناطها الله تعالى بأولي العلم، وجعل المرجعية فيها إليهم، باعتبارهم ورثة كتابه، وحملة دينه الحنيف، وذلك في قوله: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ (آل عمران: 78)، وفي قوله في موضعين من كتابه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 43)، و(الأنبياء: 7)، وكما فصل مهمة العلماء في هذه الوظيفة في قوله، عليه الصلاة والسلام،في الحديث المشهور: “يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”.

وسطية الدين القيم كما بينها القرآن الكريم

قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى: 11)، وقال تعالى في خطاب أهل الكتاب: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ (المائدة: 79)، وقال في آية أخرى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ (النساء: 170)، وقال لنبيه في دعوة أهل الكتاب إلى الوسطية: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (آل عمران: 63)، وقال سبحانه في خصائص هذه الأمة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: 142)، وقال عز شأنه: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (الحج: 76)، وقال في بناء الدين على اليسر: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 184)، وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا. يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 26-28)، وقال عن رسوله، عليه الصلاة والسلام، وأتباعه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ (الأعراف: 157)، وقال سبحانه في قصة هارون: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (القصص: 77)، وقال في وصية لقمان لابنه: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ﴾ (لقمان: 17-18)، وقال في سلوك القصد في النفقة: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ (الإسراء: 26) ثم قال: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ (الإسراء: 29)، وقال في صفات عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان: 67)، وقال في القراءة في الصلاة: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ (الإسراء: 109)، وقال في المأكل والمشرب: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾ (الأعراف: 29).

وسطية الدين القيم كما بينها الحديث الشريف

ولكن كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أقوم الناس على منهج الوسطية الذي أقام القرآن قواعده كما قالت عائشة، رضي الله عنها، في وصفه: “كان خلقه القرآن”، فقد كان مثال الوسطية ذاتا وصفة، وسيرة وحالا.

فحين نزل عليه في أوائل التنزيل الأمر بقيام الليل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ (المزمل: 1-4)، طلب، صلى الله عليه وسلم، أبعد الغايات في ذلك تقربا إلى ربه عز وجل، فقام حتى تفطرت قدماه، وقام معه طائفة من الذين معه، فلما اشتد ذلك عليهم ردَّهم، سبحانه، إلى الوسطية من التكاليف، فقال في آخر السورة: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾.

وفي صيام التطوع عن أنس بن مالك قال: “كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يفطر من الشهر حتى يظن أن لا يصوم منه، ويصوم حتى يظن أن لا يفطر منه شيئا، وكان لا تشاء أن تراه من الله مصليا إلا رأيته، ولا نائما إلا رأيته” رواه البخاري في باب قيام الليل.

وكان يقول: “أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما”. أخرجه البخاري في باب التهجد بالليل وكان يواصل الصيام، وينهي أصحابه عنه، فصاموا معه وواصلوا بوصاله، فنهاهم فلم ينتهوا، فلما رأى ذلك منهم واصل بهم حتى شق عليهم كالمنكل لهم ، ثم قال : “إني لست كهيئتهم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني”، وفي رواية: “إني لست مثلكم”، وأنه قال: “لو تأخر الهلال لزدتكم”. رواه البخاري في باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين. وقال لأصحابه: “من كان منكم مواصلا فليواصل إلى السحر”، فردهم إلى الوسط. وفي الموطأ عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه بلغه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سمع امرأة من الليل تصلي، فقال من هذه؟ فقيل له: هذه الحولاء بنت تويت، لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى عرفت الكراهية في وجهه، ثم قال إن الله تبارك وتعالى لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما لكم به الطاقة”[5]، ورواه البخاري عن عائشة قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: من هذه؟ وذكر تمام الخبر.

وفي الموطأ بسند أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا قائما في الشمس، فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: نذر أن لا يتكلم ولا يستظل من الشمس ولا يجلس ويصوم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صيامه”، قال مالك: ولم أسمع أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر بكفارة، وقد أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يتم ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية”[6].

وعقد الإمام البخاري في صحيحه بابا لما يكره من التشديد في العبادة، فروى من الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “دخل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب فإذا فترت –يعني عن القيام في النافلة- تعلقت فقال النبي، صلى الله عليه وسلم،: لا حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد”.

وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: “قال لي النبي، صلى الله عليه وسلم، ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: إني أفعل ذلك، قال: فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك، ونفِهَت نفسك، وإن لنفسك حقا، ولأهلك حقا، فصم وأفطر، وقم ونم”.

وفي البخاري أيضا في قصة النفر من الصحابة الذين جاؤوا إلى بيوت النبي، صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادته، فلما أخبروا بها فكأنهم تقالوها: وأين نحن من النبي، صلى الله عليه وسلم،؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا و كذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”[7].

وقال صلى الله عليه وسلم: “لا رهبانية في الإسلام”.

وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة في كتاب الطهارة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: نعم وإن كنت على نهر جار”[8]، وفي المسند أيضا والمستدرك من حديث أبي حدرد أنه أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، يستعينه في مهر امرأة، فقال:كم أمهرتها؟ قال: مائتي درهم، فقال: لو كنتم تعرفون من بطحان ما زدتم”[9]، وبطحان: واد المدينة.

وفي البخاري في كتاب الصلاة في باب من شكا إمامه إذا طول، وذكر حديث أبي مسعود الأنصاري قال: “قال رجل: يا رسول الله، إني أتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما رأيته غضب في موضع كان أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فمن أم الناس فليجوز فإن خلفه الضعيف والكبير وذا الحاجة”، ثم ذكر حديث معاذ بن جبل في إطالة الصلاة، وقول النبي، صلى الله عليه وسلم،: “أفتان أنت يا معاذ؟”، وحديث أنس بن مالك أنه قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي، صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه”.

وفي البخاري في باب وجوب الزكاة من أبي هريرة، رضي الله عنه، أن أعرابيا أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولّى قال النبي، صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا”.

وقال البخاري: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاجون أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رد عليه، ليس له أن يتلف أموال الناس. ثم ساق أحاديث وآثار في ذلك، منها قول النبي، صلى الله عليه وسلم،: “خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول”، وقوله: “اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول”.

وفيه من حديث معاذ لما بعثه، صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن داعيا قال: “إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم الزكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم، وتوق كرائم أموالهم” وفي رواية: “وإياك وكرائم أموالهم”.

ومن مظاهر الوسطية في خلقته، صلى الله عليه وسلم، وكمال خلقه ما جاء في نسبه الشريف من أنه كان من أوسط قومه نسبا، أي من خير مكان في نسب العرب[10].

وفي البخاري باب صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، من حديث أنس قال يصف النبي، صلى الله عليه وسلم،: “كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم، ليس بجعد قطط، ولا سبط رجل.

وفيه لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله”.

وفيه من صفاته الخلقية مما وصف به في التوراة قال: ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولون لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيانا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا”.

وفيه أيضا من حديث عائشة قالت: ما خير رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها”.

وفيه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن داعيين: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا” وفي رواية: “وتطاوعا ولا تختلفا”

وفي باب البر والصلة من جامع الترمذي -وقال: حسن غريب- أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: “السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة[11].

وقال: “إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”، وقال : إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى”[12].

وقال: “هلك المتنطعون”.

درس نبوي في عاقبة التشديد ومآل المتشددين

وفي باب الحسد من سنن أبي داود بسنده إلى سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة، فإذا هو يصلي صلاة خفيفة دقيقة كأنها صلاة مسافر أو قريبا منها، فلما سلم قال أبي: يرحمك الله، أرأيت هذه الصلاة المكتوبة أو شيء تنقلته؟ قال: إنها المكتوبة، وإنها لصلاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما أخطأت إلا شيئا سهوت عنه، فقال إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان يقول: “لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديار؛ ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾، ثم غدا من الغد فقال: ألا تركب لتنظر ولتعتبر؟، قال: نعم، فركبوا جميعا، فإذا هم بديار باد أهلها وانقضوا وفنوا، خاوية على عروشها، فقال: أتعرف هذه الديار؟ فقلت: ما أعرفني بها وبأهلها،هذه ديار قوم أهلكهم البغي والحسد، إن الحسد يطفئ نور الحسنات، والبغي يصدق ذلك أو يكذبه، والعين تزني، والكف والقدم والجسد واللسان والفرج يصدق ذلك أو يكذبه”[13].

وسطية المكان

ومن طريف ما يستأنس به في هذا المعنى من الحديث عن وسطية الإسلام، وسطية المكان أو الموقع الجغرافي الذي انطلق منه وأشعت منه أنواره ببعثه عليه السلام، وظل مراكز لدينه تهوي إليه الأفئدة من كل فج عميق، ألا وهو مكة المكرمة موضع مقام إبراهيم والبيت العتيق. أخرج الطبري في تفسيره عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ إن أول ما خلق الله الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها”[14].

وروى الطبري عن قتادة قال: “بلغني أن الأرض دحيت من مكة” وفي رواية أخرى عنه: “كنا نحدث أن منها دحيت الأرض”[15].

وروى الطبري عن ابن عباس –رضي الله عنهما- في قوله تعالى: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ (الأنعام: 93)، يعني أم القرى مكة، “ومن حولها” الأرض كلها”.

قلت: وقد ذهب بعض الباحثين في الإعجاز العلمي إلى أن مكة المكرمة من حيث الموقع هي مركز الكرة الأرضية، وأن نقطة هذا المركز هي موضع البيت، وأن أبعاد أقطار دائرة الأرض من جميع جهات الكعبة المشرفة هي أبعاد متساوية إلى نقطة المحور من هذا البيت العتيق. فإذا صح هذا حقا كان هذا أيضا مظهرا من مظاهر وسطية هذا الدين حتى في منطلقه المكاني وموقعه الجغرافي.

وقال العلامة جمال الدين القاسمي في قوله: ﴿وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ “يعني مكة، سميت بذلك لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ولأنها قبلة أهل القرى كلهم ومحجهم، ولأنها أعظم القرى شأنا، وغيرها كالتبع لها، كما يتبع الفرع الأصل، وفي ذكرها بهذا الاسم المنبئ عما ذكر إشعار بأن إنذار أهلها مستتبع لإنذار أهل الأرض كافة، “ومن حولها” من أطراف الأرض شرقا وغربا”[16].

مظاهر وسطية الإسلام واعتداله في الخطاب الديني

 وإذا كان الخطاب الديني، كما عرفه علماء أصول الفقه باسم الحكم الشرعي، يعني خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع[17]، فإنه ما من حركة أو سكون يقعان من المخاطب بهذا التكليف، إذا تحققت فيه شروطه، إلا وللشرع فيه حكم يتعلق به، أمرا أو نهيا أو إباحة، وصحة أو فساد، وتعتريه الأحكام الخمسة المجمع عليها عند العلماء، وهي الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة. ومن ثم كان هذا الخطاب متوجها بمقتضى الشهادتين إلى كل عاقل بالغ متمكن من الفعل بلغته الدعوة، من بعثة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الساعة.

عالمية الدعوة وعمومية الخطاب

ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن دعوة الإسلام دعوة عامة للبشرية كما قال تعالى مخاطبا لنبيه: ﴿قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ وقال عز شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ وقال: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: “وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة”.

ولما كان الخطاب بالوحي يتعلق بالبشرية كلها عربها وعجمها، في أي زمان أو مكان من أقطار الأرض، فقد يسر الله هذا الخطاب للفهم كما يسره للعمل، فكانت نصوص الشريعة المتعلقة بالعقائد والأحكام والآداب كلها في متناول الأفهام، كما كانت التكاليف التي تفهم من الخطاب داخلة فيما يطيقه المكلفون. وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 17) وقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (البقرة: 285). وقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا﴾ (الطلاق: 7). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: “إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم”.

وعلى ما هو مقرر عند العلماء من أن التكليف بمقتضى كونه التزاما يتضمن في معناه من الكلفة مقدارا من التحمل والمشقة، فقد تقرر عندهم من استقراء نصوص الشريعة وروحها أن الحرج مرفوع عن الأمة فيما فيه من ذلك حرج وعنت، وأن الله تعالى يريد بالأمة اليسر ولا يريد بها العسر، ومن ثم قالوا: إن دين الله يسر وأن المشقة تجلب التيسير.

وقد تتبع علماء الأصول والمنظرون من أعلام الأئمة في تراثنا مظاهر هذا التيسير الذي هو أهم مياسيم الوسطية في هذه الملة الحنفية كما تمثلت في النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة مما سقنا طرفا صالحا منه، واستقرءوا مجالاتها في ضوء الكليات والمقاصد الشرعية، كما تدارسوا مكونات الخطاب التكليفي ومتعلقاته، وانبثاقها في جزئياتها وفروعها عن أصول تلك الكليات والمقاصد، ومراعاتها للمصالح والمفاسد مما جاءت الشريعة لتحقيقه، وقامت الأدلة النقلية والعقلية على اعتباره.

مقاصد الشريعة في التكليف عند أبي إسحاق الشاطبي ووسطيتها

ومن أهم العلماء المنظرين لنظرية المقاصد وفلسفة التشريع في الإسلام، الإمام الجهبذ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي الأندلسي (ت790هـ) صاحب كتاب الموافقات والاعتصام، فقد أفاض في بيان وسطية الإسلام، وجعلها أجلى خصائصه في التكليف، ومما قرره في ذلك من المبادئ في كتاب المقاصد في أول الجزء الثاني من كتاب الموافقات ما نلخصه في رؤوس أقلام.

  1. أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية[18].
  2. أن المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية، فلو فرض اختلال الضروري بإطلاق، لا ختلا باختلاله بإطلاق[19].
  3. أن مصالح الدين والدنيا مبينة على المحافظة على الأمور الخمسة، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. فإذا اعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي وجد مبينا عليها، حتى إذا انخرمت لم يبق للدنيا وجود، أعني ما هو خاص بالمكلفين والتكليف. قال: “وكذلك الأمور الأخروية لا قيام لها إلا بذلك، فلو عدم الدين ترتب الجزاء المرتجى، ولو عدم المكلف لعدم من يتدين، ولو عدم العقل لارتفع التدين، ولو عدم النسل لم يكن في العادة بقاء، ولو عدم المال لم يبق عيش… وهذا كله معلوم لا يرتاب فيه من عرف ترتب أحوال الدنيا، وأنها زاد الآخرة[20].
  4. أن المصالح المبثوثة في هذه الدار ينظر فيها من جهتين: من جهة مواقع الوجود، ومن جهة تعلق الخطاب الشرعي بها… فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعا، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد، ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل، وليكون حصولها أتم وأقرب وأولى بنيل المقصود… فإن تبعتها مفسدة أو مشقة فليست بمقصود في شرعية ذلك الفعل وطلبه.

وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد فرفعها هو المقصود شرعا، ولأجله وقع النهي ليكون رفعها أتم وجوه الإمكان العادي في مثلها، حسبما يشهد له كل عقل سليم، فإن تبعتها مصلحة أو لذة فليست هي المقصودة بالنهي عن ذلك الفعل، بل المقصود ما غلب في المحل، وما سوى ذلك ملغى في مقتضى النهي، كما كانت جهة المفسدة ملغاة في جهة الأمر[21].

  1. أن الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها، صلى الله عليه وسلم، معصوم وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة… وبيان ذلك من وجهين: أحدهما الأدلة الدالة على ذلك تصريحا وتلويحا، كقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، والثاني الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى الآن، وذلك أن الله، عز وجل، وفر دواعي الأمة للذب عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل[22].
  2. أن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية… وإنما البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا﴾ وقال: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ وقال: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم ولا سبيل إلى تطلب تفهمه من غير هذه الجملة”[23].
  3. أن هذه الشريعة المباركة أمية، لأن أهلها كذلك… ويدل على ذلك أمور: أحدها: النصوص المتواترة اللفظ والمعنى كقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ (الجمعة: 2)، ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ﴾ (الأعراف: 158) وفي الحديث: بعثت إلى أمة أمية”، لأنهم لم يكن لهم علم بعلوم الأقدمين، والأمي منسوب إلى الأم، وهو الباقي على أصل ولادة الأم، لم يتعلم كتابا ولا غيره، فهو على أصل خلقته التي ولد عليها، وفي الحديث: “نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا”[24]، فسر معنى الأمية في الحديث، أي ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب… والثاني: أن الشريعة التي بعث بها النبي الأمي، صلى الله عليه وسلم، إلى العرب خصوصا وإلى من سواهم عموما، إما أن تكون على نسبة ما هم عليه من الأمية، أو لا، فإن كان كذلك فهو معنى كونها أمية، أي منسوبة إلى الأميين، وإن لم تكن كذلك لزم أن تكون على غير ما عهدوا، فلم تكن لتنزل من أنفسهم منزلة ما يعهدون، وذلك خلاف ما وضع عليه الأمر فيها، فلابد أن تكون على ما يعهدون، والعرب لم تعهد إلا ما وصفها الله به من الأمية، فالشريعة أمية.

والثالث: أنه لو لم يكن -القرآن- على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا، ولكانوا يخرجون عن مقتضى التعجيز بقولهم: هذا على غير ما عهدنا.. وهذا ليس بمفهوم ولا معروف لنا، فلم تقم الحجة عليهم به، لكنهم أذعنوا لظهور الحجة، فدل على أن ذلك لعلمهم به وعهدهم بمثله، مع العجز عن مماثلته، وأدلة هذا المعنى كثيرة[25].

  1. أن ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها -وهم العرب- ينبني عليه قواعد:

منها أن كثير من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق والحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم –يعني من أمية الأمة المخاطبة به من العرب–لم يصح، وإلى هذا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء في هذا المدعى، سوى ما تقدم وما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخر، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، ذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه تقرير لشيء مما زعموا[26].

… وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 38)، وقوله: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ (النحل: 89)… ولا دليل لهم فيها على ما ادعوا.. فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، كما أنه لا يصح أن ينكر منه ما يقتضيه، ويجب الاقتصار في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه، وتقول على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق[27].

ومنها أنه لابد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن لهم عرف فلا يصح أن يجري في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب[28].

ومنها أنه إنما يصح في مسلك الأفهام ما يكون عاما لجميع العرب، فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني، فإن الناس في الفهم وتأتي التكليف فيه ليسوا على وزان واحد ولا متقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها، وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا، ولم يكونوا بحيث يتعمقون في كلامهم ولا في أعمالهم، إلا بمقدار ما لا يخل بمقاصدهم… فكذلك يلزم أن ينزل فهم الكتاب والسنة، بحيث تكون معانيه مشتركة لجميع العرب، ولذلك أنزل القرآن على سبعة أحرف، واشتركت فيه اللغات حتى كانت قبائل العرب تفهمه.

 ثم قال الشاطبي عن سماحة الإسلام ووسطيته خطابه:

“وأيضا فمقتضاه من التكليف لا يخرج عن هذا النمط؛ لأن الضعيف ليس كالقوي، ولا الصغير كالكبير، ولا الأنثى كالذكر، بل كل حد ينتهي إليه في العادة الجارية، فأخذوا بما يشترك الجمهور في القدرة عليه، وألزموا ذلك من طريقهم بالحجة القائمة والموعظة الحسنة ونحو ذلك، ولو شاء الله لألزمهم ما لا يطيقون، ولكلفهم بغير قيام حجة، ولا إتيان ببرهان، ولا وعظ ولا تذكير، ولطوقهم فهم مالا يفهم وعلم ما لم يعلم فلا حجر عليه في ذلك، فإن حجة الملك قائمة ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ (الأنعام: 150)، لكن الله سبحانه خاطبهم من حيث عهدوا، وكلفهم من حيث لهم القدرة على ما به كلفوا، وغدوا في أثناء ذلك بما يستقيم به منادهم، ويقوى به ضعيفهم، وتنتهض به عزائمهم، من الوعد تارة والوعيد أخرى، والموعظة الحسنة أخرى، وبيان مجاري العادات فيمن سلف من الأمم الماضية، والقرون الخالية، إلى غير ذلك مما في معناه”.

فالحاصل أن الواجب في هذا المقام إجراء الفهم في الشريعة على وزان الاشتراك الجمهوري الذي يسع الأميين كما يسع غيرهم”[29].

قلت: وهذا الاشتراك الذي يسع الأميين كما يسع غيرهم على مستوى الخطاب الشرعي وما يتوجه به من تكاليف هو الذي يجسد هذه الوسطية ويقوم عليه هذا الاعتدال الذي نوهنا به، وصاغه الشاطبي وفصله في هذا الباب.

ثم قال الإمام الشاطبي في مزيد من الاستدلال على جريان الشريعة على مقتضى حال الأميين من العرب الذين خوطبوا بها أولا:

ومنها أن تكون التكاليف الاعتقادية والعلمية مما يسع الأمي تعلقها، ليسعه الدخول تحت حكمها، أما الاعتقادية: فبأن تكون من القرب للفهم، والسهولة على العقل، بحيث يشترك فيها الجمهور، من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدا، فإنها لو كانت مما لا يدركه إلا الخواص لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلابد أن تكون المعاني المطلوبة علمها واعتقادها سهلة المأخذ[30].

وأيضا فلو لم تكن كذلك لزم بالنسبة إلى الجمهور تكليف ما لا يطاق، وهو غير واقع كما هو مذكور في الأصول..

وعلى هذا فالتعمق في البحث فيها، وتطلب ما لا يشترك الجمهور في فهمه، خروج عن مقتضى وضع الشريعة الأمية، فإنه ربما جمحت النفس إلى طلب ما لا يطلب منها، فوقعت في ظلمة لا انفكاك لها منها، ولله در القائل:

وللعقول قوى تستن دون مـدى         إن تعدها ظهرت فيها اضطرابات

قال: ومن طماح النفوس إلى ما لم تكلف به نشأت الفرق كلها أو أكثرها”.

قلت: ومن هذا الطماح الخارج عن الوسطية نبع الغلو في الاعتقاد ونشأ التطرف في الموافقات وأنواع السلوك غير المتوازن… قال الشاطبي:

“ولدقة الأمر فيه وصعوبة الطريق إليه أجرى لنا غلبة الظن في الأحكام مجرى اليقين، وعذر الجاهل فرفع عنه الإثم، وعفا عن الخطأ، إلى غير ذلك من الأمور المشتركة للجمهور، فلا يصح الخروج عما حد في الشريعة، ولا تطلب ما وراء هذه الغاية، فإنها مظنة الضلال ومزلة الأقدام”. ثم قال: في بيان تدرج الشريعة في الخطاب:

“… ولهذا المعنى بعينه وضعت العمليات على وجه لا يخرج المكلف إلى مشقة يمل بسببها، أو إلى تعطيل عاداته التي يقوم بها صلاح دنياه ويتوسع بسببها في نيل حظوظه، وذلك أن الأمي لم يزاول شيئا من الأمور الشرعية ولا العقلية، وربما اشمأز قلبه عما يخرجه عن معتاده، بخلاف من كان له بذلك عهد، ومن هنا كان نزول القرآن نجوما في عشرين سنة ووردت الأحكام التكليفية فيها شيئا فشيئا، ولم تنزل دفعة واحدة، وذلك لئلا تنفر عنها النفوس دفعة واحدة”. ثم قال في التمثيل لبعض مواقف الغلو ومناهج التطرف في مقابل الأخذ بالسياسة الشرعية:

“وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: “مالك لا تنفد في الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق! فقال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن المرتين، وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة”. ثم قال الشاطبي في بيان الحكمة من التدرج في التكاليف: “لأنها إذا نزلت كذلك لم ينزل حكم إلا والذي قبله قد صار عادة، واستأنست به نفس المكلف الصائم عن التكليف وعن العلم به رأسا، فإذا نزل الثاني كانت النفس أقرب للانقياد له، ثم كذلك في الثالث والرابع”.

ولذلك أيضا أونسوا في الابتداء بأن هذه الملة ملة إبراهيم عليه السلام، كما يأنس الطفل في العمل بأنه من عمل أبيه، يقول تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ (الحج: 76)، ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (النحل: 124)، ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا﴾ (آل عمران: 67)، إلى غير ذلك من الآيات.

فلو نزلت دفعة واحدة لكثرت التكاليف على المكلف، فلم يكن لينقاد إليها انقياده إلى الحكم الواحد أو الاثنين، وفي الحديث: “الخير عادة”[31].

ومن هنا كان، عليه الصلاة والسلام، يكره أضداد هذا، ويحب ما يلائمه، فكان يحب الرفق ويكره العنف، وينهى عن التعمق والتكلف والدخول تحت ما لا يطاق حمله، لأن هذا كله أقرب إلى الانقياد، وأسهل في التشريع للجمهور”.

دخول المشقة في التكليف طبيعي ولكنه غير مقصود للشارع، ولا ينبغي أن يكون قصد المكلف                  

قال الإمام الشاطبي: “ويترتب على هذا؛ أي حصول المشقة، أن المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها، وله أن يقصد نفس العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل، أما هذا الثاني فلأنه شأن التكليف في العمل كله، لأنه إنما يقصد نفس العمل المترتب عليه الأجر، وذلك هو قصد الشارع بوضع التكليف به، وما جاء على موافقة قصد الشارع هو المطلوب”.

 وأما الأول فإن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات، فلا يصلح منها إلا ما وافق قصد الشارع، فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع، من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشقة باطل، فهو إذا من قبيل ما ينهى عنه لا ثواب فيه، بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة قصد مناقض”[32].

ونهيه، صلى الله عليه وسلم، عن التشديد شهير في الشريعة، بحيث صار أصلا فيها قطعيا، فإذا لم يكن من قصد الشارع التشديد على النفس، كان قصد المكلف إليه مضادا لما قصد الشارع من التخفيف المعمول المقطوع به، فإذا خالف قصده قصد الشارع بطل ولم يصح”[33].

رفع الحرج وسماحة الإسلام ووسطيته ووضع الشريعة عليها

ومن مظاهر اليسر والوسطية في الخطاب التكليفي للشريعة بناؤه على رفع الحرج كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، ومنها قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: 76)، ولذلك كان الحرج مرفوعا عن المكلف بمقتضى هذه الوسطية، قال الإمام الشاطبي في فصل رفع الحرج: “فصل، اعلم أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين:

-أحدهما: الخوف من الانقطاع من الطريق وبغض العبادة، وكراهة التكليف، وينتظم تحت هذا المعنى الخوف من إدخال الفساد عليه في جسمه أو عقله أو ماله أو حاله.

– والثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد المختلفة الأنواع، مثلا قيامه على أهله وولده، إلى تكاليف أخرى تأتي في الطريق، فربما كان التوغل في بعض الأعمال شاغلا عنها، وقاطعا بالمكلف دونها، وربما أراد الحمل للطرفين على المبالغة في الاستقصاء، فانقطع عنهما”.

فأما الأول فإن الله وضع هذه الشريعة المباركة حنيفية سمحة سهلة، حفظ فيها على الخلق قلوبهم، وحببها لهم بذلك، فلو عملوا على خلاف السماح والسهولة، لدخل عليهم فيما كلفوا به ما لا تخلص به أعمالهم، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ إلى آخرها (الحجرات: 7)، فقد أخبرت الآية أن الله حبب إلينا الإيمان بتيسيره وتسهيله، وزينه في قلوبنا بذلك، وبالوعد الصادق بالجزاء عليه، وفي الحديث: “عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا”[34].

“وقيل لابن مسعود رضي الله عنه: وإنك لتقل الصوم؟ فقال: إنه يشغلني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحب إلي منه”[35].

وجوب التوازن في العمل مع حظوظ النفس المعتادة لها

قال الشاطبي، رحمه الله، فالحق الذي جاءت به الشريعة هو الجمع بين هذين الأمرين تحت نظر العدل، فيأخذ في الحظوظ ما لم يخل بواجب، ويترك الحظوظ ما لم يؤد الترك إلى محظور، ويبقى في المندوب والمكروه على توازن، فيندب إلى فعل المندوب الذي فيه حظه؛ كالنكاح، مثلا، وينهى عن المكروه الذي لا حظ له فيه عاجلا، كالصلاة في الأوقات المكروهة، وينظر في المندوب الذي لا حظ له فيه، وفي المكروه الذي له فيه حظ ؛ أعني الحظ العاجل، فإن كل ترك لحظه في المندوب يؤدي لما يكره شرعا أو لترك مندوب هو أعظم أجرا.

ثم قال الشاطبي، رحمه الله، في خاتمة كلامه في مقاصد الشريعة في التكليف، وكأنه يلخص نتيجة الباب مؤكدا على وسطيتها:

“الشريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطرفين بقسط لا ميل فيه، الداخل تحت كسب العبد من غير مشقة عليه ولا انحلال، بل هو التكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال، كتكاليف الصلاة والصيام والحج والجهاد والزكاة وغير ذلك مما شرع ابتداء على غير سبب ظاهر اقتضى ذلك، أو لسبب يرجع إلى عدم العلم بطريق العمل، كقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ (البقرة: 217) ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ (البقرة: 217) وأشباه ذلك، فإن كان التشريع لأجل انحراف المكلف، أو وجود مظنة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطرفين، كان التشريع رادا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيه، فعل الطبيب الرفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته، وقوة مرضه وضعفه، حتى إذا استقلت صحته هيأ له طريقا في التدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله[36].

“فإذا نظرت في كلية شرعية، فتأملها تجدها حاملة على التوسط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف، فذلك في مقابلة واقع أو متوقع في الطرف الآخر: فطرف التشديد، وعامة ما يكون في التخويف والترهيب والزجر- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدين، وطرف التخفيف، وعامة ما يكون في الترجية والترغيب والترخيص- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التشديد، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك رأيت التوسط لائحا، ومسلك الاعتدال واضحا، وهو الأصل الذي يرجع إليه، والمعقل الذي يلجأ إليه”.

 “وعلى هذا إذا رأيت في النقل من المعتبرين في الدين من مال عن التوسط، فاعلم أن ذلك مراعاة منه لطرف واقع أو متوقع في الجهة الأخرى، وعليه يجري النظر في الورع والزهد وأشباههما وما قابلهما.

والتوسط يعرف بالشرع، وقد يعرف بالعوائد وما يشهد به معظم العقلاء، كما في الإسراف والإقتار في النفقات”[37].

قول الإمام ابن القيم في وسطية أحكام الإسلام وتكاليفه وتوازنها

وقد انتهى الإمام ابن القيم إلى نحو مما انتهى إليه الإمام الشاطبي فقال في إعلام الموقعين: “هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله، صلى الله عليه وسلم، أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون… فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة”[38]..

وقال ابن القيم، رحمه الله، في كتابه إغاثة اللهفان مشيرا إلى نزعة التطرف والغلو في الدين الذي قد يتصور وقوعه على سبيل الإفراط وعلى سبيل التفريط، وكلاهما مما أدانه الشرع الحكيم: “قال بعض السلف: ما أمر الله تعالى بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وتقصير وإما مجاوزة وغلو، ولا يبالي بأيهما ظفر، وقد اقتطع أكثر الناس إلا أقل القليل في هذين الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم جدا الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله وأصحابه”[39].

وقال ابن القيم مؤكدا على هذا الأصل في كتاب الفوائد:

“وضابط هذا كله العدل، وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة، بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به، فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه، ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك، وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك، إذا كانت وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا، وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصا، وأثمرت نقصا”[40]. ومن المعروف –كما يقول الشيخ جمال الدين القاسمي في مقدمة كتابه “الجرح والتعديل”: “ومن المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها أن يوجد فيها الأصيل والدخيل، والمعتدل والمتطرف، والغالي والمتسامح، وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن الوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر، ورغيبة السواد الأعظم، وأول من فتح هذا الباب الخوارج… ثم سرى هذا الداء إلى غيرهم[41].

مظاهر وسطية الأمة في ممارستها الحضارية وحركتها التاريخية

ولقد استطاعت أمتنا في عصورها الزاهرة أن تتمثل منهجها الوسطي خير تمثل، وأن تنشئ على أساسه حضارة زاهية متوازنة متكاملة، فكانت بحق أمة وسطا، وسطا في التصوير والاعتقاد، لا تغلو في التجرد الروحي، ولا في الارتكاس المادي، وإنما تتبع مقتضيات الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد أو جسد متلبس به روح، وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد، وتعمل لترقية الحياة ورفعتها في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها، وتطلق كل نشاط في عالم الأشواق وعالم النوازع بلا تفريط ولا إفراط، بل في قصد وتناسق واعتدال.

وهي أيضا وسط في التفكير والشعور، لا تجمد على ما علمت، وتغلق منافذ التجربة والمعرفة، ولا تتبع كذلك كل ناعق، وتقلد تقليد القردة المضحك، شعارها الدائم “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها كان أولى بها”.

وهي أمة وسط في التنظيم والتنسيق، وفي الارتباطات والعلاقات، لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدالة، ولا تطلقه أيضا كذلك فردا تتحكم فيه الأثرة ويقوده الجشع لا هم له إلا ذاته.

وهي وسط أيضا في المكان في سرة الأرض، وفي أوسط بقاعها، تتوسط بين شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها، وما تزال بموقعها هذا تتوسط الأقطار، وتغدق من عطائها المادي والمعنوي على أهل الأرض قاطبة.

وهذه المظاهر من الوسطية التي أحاطت بالأمة الإسلامية ومنعتها من التردي والذوبان في غيرها على الرغم من المحن التي تعرضت لها، والعواصف الهوجاء التي زعزعت أركان وحدتها وحضارتها، إنما هي ثمرة لرسوخ إيمانها بقيم دينها، وتشربها لروحه الإيمانية التي تسري في كيانها، ولولا هذا الرسوخ في الإيمان بهذا الدين، وهذا التشرب لروح الإيمان به لما أمكنها أن تصمد في وجه كل هذه التحديات التي واجهتها وتواجهها، وذلك هو سبيلها اليوم لتجديد العزم واسترداد مكانتها في القيادة.

الوسطية فقه نفيس

وهكذا ننتهي بعد هذه الجولات إلى أن الوسطية هي القطب الذي عليه مدار الخطاب التكليفي، وأنها هي ميزان التعادل بين شرائع الدين وأحكامه، وأن الوعي بتصاريفها في فهم دلالات النصوص الشرعية من كتاب وسنة ضروري لكل من رام الوقوف على أهم سمات المنهج الرباني في التشريع، ومن كل ما تقرر مما سقناه من نظرات في صميم هذا المنهج ندرك مقدار الحاجة عندنا إلى استثارة هذه المباحث من مكامنها في تراثنا الفقهي والأصولي، لبناء فقه نفيس على هذه المنطلقات، وتأصيل منهج متكامل يتأتى به ترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال في مقاومة ما عرف في الساحة في العهود الأخيرة من تخبط وتهاوش بين الفئات المتمدرسة، وبين الفئات المنتسبة إلى الجيل الماضي بالثقافة والفكر، مما أفضى بها إدارة الظهور لثقافتنا الفقهية والأصولية التي ظلت قادرة على أن تجمع في رحابة صدر وسعة أفق بين الأثر والنظر، وبين الرواية والدراية، كما انتهى بأولئك إلى القطيعة مع التراث الفقهي والأصولي، والجنوح إلى الإقصاء الكامل المتضمن لإدانة هذا التراث، وتوزيع التهم الباردة إلى رموزه في عقائدهم ومحاكمتها، والوقيعة في العلماء. وبلغ التعصب مداه بتبني القول الواحد في الأصول والفروع، والغلو في إلزام الناس به، وإنكار ما عداه، والميل إلى التفرد والتميز في كل شيء عن جمهور الأمة.

ولذلك فالساحة الإسلامية في أمس الحاجة إلى مواجهة هذا التيار ومقاومته، بنشر العلم وبثه وتعميمه، وتجفيف منابع التطرف والغلو، وتوعية الناشئة بفقه الوسطية ومبادئها، وتضمين هذا الفقه وتلك المبادئ في برامج التربية والتعليم، وقنوات البث، وسائر وسائل الإعلام، وفتح الآفاق للحوار الهادف الذي يحترم الرأي المخالف، ويعيره ما يستحقه من المدارسة والنظر في ضوء نصوص الشريعة الصحيحة وكلياتها ومقاصدها، وكل ذلك من أجل تجاوز مواقف الاحتقان والتشنج وفقدان الثقة وسيادة الإرهاب الفكري والعقدي، ولإقامة ومد جسور التفاهم والتواصل والتكامل، وحشد طاقات الأمة للخروج بها من واقع التشرذم والغثائية.

وبين أيدينا من أصول هذا المنهج الذي نرى وجوب الأخذ به تراث نفيس عرضنا لأمثلة منه، هو في حاجة إلى وصله بالحياة الإسلامية علما وعملا، وفكرا وسلوكا، مما يمثل ما سماه سلفنا في الصدر الأول بالنمط الوسط.

حدود النمط الوسط بين الغلو والتسيب

وحدود هذا النمط الأوسط كما تمثله السلف وتلقاه عنهم الخلف، واقعة ما بين الإفراط والتفريط، وما بين الغلو والتسيب، ودين الله كما قال بعض السلف “بين الغالي فيه والجافي عنه”

ومن المأثور من كلام علي، رضي الله عنه، في ذكر النمط الأوسط أنه كان يقول: “خير الناس هذا النمط الأوسط، يلحق به التالي، ويرجع إليه الغالي”[42].

وإنما يعني أهل هذا النمط الأوسط من الصحابة –رضوان الله عليهم- الذين ضربوا أروع الأمثلة في الاتزان والاستقامة على أكمل الهدي، والنمط الأوسط هو منهاج النبوة، وهو فيصل التفرقة بين حد الاعتدال وبين طرفي الغلو والتسيب، وعلى قواعده توطدت أصول التدين التي كان عليها النبي، صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة علما وعملا وسيرة وهديا.

فما أحوجنا اليوم إلى هذا النمط الذي رأينا معالمه وأصوله في نصوص الكتاب والسنة وكليات الدين ومقاصده، لإعادة وصله بحياة الأمة وبثه بين أفرادها ومجتمعاته، وتوظيفه من أجل لم الشتات، ورتق الفتق، وتوحيد الصف، وجمع الكلمة، على مقتضى هذه الآية الكريمة الجامعة في سورة الحجرات التي تفيض بالسماحة، وتجيش بأسمى معاني النبل وقيم العدل والإنسانية، وذلك قوله تعالى: في هذا النداء الرباني: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13). وهي آية فذة تلخص لنا مظاهر الوسطية والاعتدال في الخطاب الشرعي، وتجسد ميثاقا لهذه الأمة، ودستورا يؤصل لدعوتها وعالميتها وإنسانيتها مبدءا وغاية على مقتضى التعارف الذي هو ثمرة التواصل والتعايش، وتبادل الاحترام، ونشر مبادئ التوافق والتراحم والسلام.

قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 103).

ولقد كان سلفنا الصالح من هذا النمط الأوسط الذي نوهنا به وبأخلاقه وشيمه وحسن هديه، عف النفس والضمير، عف اليد واللسان، كثير التجاوز، قد تحول بإيمانه تحولا كاملا من الشقاق إلى الوفاق، ومن الخصام إلى الوئام، ومن الحرب إلى السلام التام، وذلك ما تمثل خير تمثل في فهم للنصوص، وتنزيلها على مقتضياتها في واقع الناس.

صور من سعة الصدر وسماحة الإسلام في عقيدة السلف وفقههم

قال العلامة جمال الدين القاسمي في تفسيره المسمى “محاسن البيان” حيثما وقع في حديث (من فعل كذا فقد أشرك) أو (فقد كفر) لا يراد به الكفر المخرج من الملة والشرك الأكبر المخرج من الإسلام الذي تجري عليه أحكام الردة والعياذ بالله تعالى، وقد قال البخاري[43].

قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرحه: مراده أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيمانا، كذلك المعاصي تسمى كفرا، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به الكفر المخرج عن الملة، فالجاهل المخطئ من هذه الأمة ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركا أو كافرا، فإنه يعذر بالجهل والخطأ، وحتى تتبين له الحجة التي يكفر تاركها بيانا واضحا ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام مما أجمعوا عليه إجماعا جليا قطعيا يعرفه كل المسلمين من غير نظر وتأمل –كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى– ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع”.

ثم قال القاسمي: “وقال الشيخ تقي الدين؛ (يعني ابن تيمية) في كتاب الإيمان: لم يكفر الإمام أحمد الخوارج ولا المرجئة ولا القدرية، وإنما المنقول عنه وعن أمثاله تكفير الجهمية، مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية ولا كل من قال: أنا جهمي كفره، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة ولم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم وإمامتهم ويدعو لهم، ويرى لهم الإتمام بالصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم، بما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا أنه كفر، كان ينكر ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالا مبتدعين، وظلمة فاسقين”. قال انته كلام الشيخ فتأمله تأملا خاليا من الميل والحيف”.

ثم قال: “وقال تقي الدين أيضا: “من كان في قلبه الإيمان بالرسول وبما جاء به، وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع ولو دعا إليها، فهذا ليس بكافر أصلا، والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم، لا علي ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكم المسلمين الظالمين المعتدين، كما ذكرت الآثار عنهم في غير هذا الموضع، وكذلك سائر الاثنتين والسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن، ومن كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرا في الباطن، وإن كان أخطأ في التأويل، كائنا من كان خطؤه. ومن قال: إن الاثنتين والسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفر كل واحد من الاثنتين والسبعين فرقة”[44].

وقال ابن القيم في طرق أهل البدع: “الموافقون على أصل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول، كالخوارج والقدرية والمعتزلة والرافضة والجهمية وغلاة المرجئة، فهؤلاء أقسام:

أحدها الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر، ولا يفسق، ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

القسم الثاني: متمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذاته ومعاشه، فهذا مفرط مستحق للوعيد، آثم بتركك ما أوجب الله عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا إن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى، ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى على ما فيه من البدعة والهوى قبلت شهادته.

الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى، ويترك تعصبا ومعاداة لأصحابه، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا، وتكفيره على اجتهاد” انتهى كلامه.

قال الشيخ القاسمي تعليقا على ذلك: “فانظره وتأمله فقد ذكر هذا التفصيل في غالب كتبه، وذكر أن الأئمة وأهل السنة لا يكفرونهم، هذا مع ما وصفهم به من الشرك الأكبر والكفر الأكبر”[45].

قلت: وقد كان الإمام الطحاوي من رواد هذا المنهج القاصد في تأصيله لعقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها الأئمة الأربعة وسلفهم من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فقال في كتاب العقيدة الطحاوية: “ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، إلا من وجب عليه السيف –يعني في حد- ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة، ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة”[46].

فأين نحن من هذه السماحة اليوم؟! ومتى يعود الغلاة المتنطعون إلى رشدهم، ويأخذون بوسطية الإسلام ومناهج علماء الإسلام في التعامل مع الموافق والمخالف؟

خاتمة

 وبعد، فهذه جولات في موضوع مظاهر الوسطية والاعتدال في الخطاب الشرعي، عرضنا فيها أصول هذا المنهج وقواعده العامة، كما تشهد لها النصوص الشرعية، وما استنبطه الأئمة المجتهدون من معانيها ومبادئها وتطبيقاتها، واعتمادا على استقراء مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية، وأصول التشريع التي استند إليها السلف والخلف في الاستمداد من الوحي والوقوف على هداياته وبصائره.

ونحن من خلال عرضنا لها ندعو إلى تعميق الدرس لها في مكامنها ومضامينها، والتنويه بها استشرافا للمستقبل القريب الذي نرى فيه، بعون الله تعالى، عودة الفقه الوسطي الحضاري إلى ساحتنا، وسيادته في مؤسساتنا ووسائل إعلامنا، وثقافة أمتنا، وتوجهاتنا في مجتمعنا، للخروج بأمتنا من هذه الحال المتأزمة، وردود الأفعال الكارثية التي ابتلى بها عصرنا، والتي أدت فيما أدت إليه إلى فقدان الثقة ما بين فئة من شبابنا وبين رموز أمتنا أحياءً وأمواتا، وجرت فيما جرته إلى فساد ذات البين، وفساد ذات البين، كما جاء في البيان النبوي، “هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين”[47].

ولا نشك لحظة في أن أمثال هذه اللقاءات بين العلماء في مطارحة هذه القضايا، وانتجاع الحلول لها في رصيد الأمة من أحكام دينها وسيرة سلفها وأئمتها، كفيلة بعون الله وتوفيقه أن تصل بالسفينة إلى بر الأمان، وأن تبدد هذه الغاشية ليحل محلها الإخاء وروح الصفاء والوئام، والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط المستقيم.

مصادر ومراجع البحث

  • القرآن الكريم.
  • نصوص حديثية من كتب عديدة.
  • “إرشاد الفحول” للشوكانى، بتصحيح وضبط: أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية؛ بيروت لبنان.
  • “الإسلام وبناء المجتمع” للدكتور محمد عبد المنعم خفاجي، دار الوفاء، الإسكندرية مصر.
  • “أصول الحكم على المبتدعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية” للدكتور أحمد بن عبد العزيز الحليبي “كتاب الأمة”.
  • إطلالة على الإرهاب من شرفة حديثية” للدكتور محمد بن ناصر بن محمد القرني، مكتبة الرشد،1427هـ الرياض.
  • “إعلام الموقعين لابن القيم” طبعة دار الفكر، بيروت، لبنان.
  • “الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية” دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
  • “البدعة: ضوابطها وأثرها السيئ على الأمة” للدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي، الطبعة 4 نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. “البدع والنهي عنها” لمحمد بن وضاح القرطبي، دراسة وتحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة ، ومكتبة الخراز، جدة السعودية.
  • “تسامح الإسلام مع الذات والآخر” للدكتور عباس الجراري، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، سلسلة “جامعة الصحوة الإسلامية” الدار البيضاء: 5 – 7 شعبان 1414هـ.
  • “تسامح الإسلام وتعصب خصومه” للدكتور شوقي أبو خليل، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس: 1428هـ.
  • “ثقافة الحوار في الإسلام من التأسيس إلى التأصيل” لمحمد الكتاني عضو أكاديمية المملكة المغربية، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط ط: 1 /1428هـ.
  • “جامع الإمام الترمذي”، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  • “جامع بيان العلم وفضله” وما جاء في روايته وحمله للحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي.
  • “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، نشر دار الفكر، بيروت: 1408هـ.
  • “الجرح والتعديل” لمحمد جمال الدين القاسمي.
  • “حقيقة الغلو في الدين” لعلي بن عبد العزيز بن علي الشبل، مكتبة الرشد، الرياض.
  • “حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة” لمحمد الصالح العثيمين.
  • “خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل”، لمحمد بنى إسماعيل البخاري، مؤسسة الرسالة، ط. 1 / 1404هـ.
  • “ربحت محمدا ولم أخسر المسيح” للدكتور عبد المعطي الدالاتي، دار الشهادات: 2002م.
  • “سنن أبي داود سليمان بن الأشعت السجستاني”، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر.
  • “السنن الكبرى للبيهقي” تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتب دار الباز، مكة المكرمة.
  • “السياسة الشرعية” للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار الوطن للنشر، الرياض.
  • “صحيح البخاري” بحاشية السندي، طبعة دار الفكر.
  • “صحيح مسلم” بشرح النووي.
  • “ضوابط تكفير المعين” للدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين، مكتبة الرشد، الرياض: 1426هـ.
  • “عيون الأخبار لابن قتيبة” نشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
  • “العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز الحنفي” تحقيق: أحمد محمد شاكر، نشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، الرياض السعودية.
  • “الفوائد لابن القيم” ضبط وتحقيق: الشيخ عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، ط. 4 / 1987م.
  • “في فقه الحوار للدكتور سعد الدين العثماني” منشورات الفرقان، الدار البيضاء:1993م.
  • “الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية” نشر قصي محب الدين الخطيب،               ط. 3/1398هـ القاهرة.
  • “لسان العرب” لابن منظور الإفريقي، نشر دار صادر، بيروت، لبنان.
  • “محاسن التأويل في التفسير” لمحمد جمال الدين القاسمي، طبعة دار الفكر لبنان.
  • “المستدرك على الصحيحين” لأبي عبد الله الحاكم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط. 1 / 1411هـ /1990م.
  • “مسند الإمام أحمد” تحقيق: العلامة أحمد شاكر.
  • “مشكلة السرف في المجتمع المسلم” للدكتور عبد الله بن إبراهيم الطريقي، نشر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والدعوة والإرشاد، السعودية ط. 1 / 1422هـ.
  • “معالم الخطاب الإسلامي الموجه إلى الغرب عبر الإنترنت” للدكتور نور الدين مختار الخادمي، مكتبة الرشد السعودية.
  • “مفهوم التسامح في إطار الرؤية الإسلامية” للدكتور محمد فاروق النبهان، الدار البيضاء 1414هـ.
  • “مفهوم التسامح في البناء الحضاري والإسلامي” للأستاذ مصطفى بن حمزة، الدار البيضاء 1414هـ.
  • “مفهوم التسامح في البناء الحضاري الإسلامي” للدكتور عباس الجراري، الدار البيضاء 1414هـ.
  • “من فقه الاختلاف إلى فقه الائتلاف” لرشيد مادون، سلسلة إلى من يهمه الأمر.
  • “من الحوار مع الذات إلى الحوار مع الآخر” لمحمد أحمد عبد الجواد: 1427هـ، بور سعيد، مصر.
  • “منهج التلقي والاستدلال بين أهل السنة والمبتدعة” لأحمد بن عبد الرحمان الصويان، 1422هـ السعودية.
  • “مقالات في المنهج” لسلمان بن فهد العودة، المجموعة الأولى والثانية،مكتبة الرشد، ط. 2، الرياض.
  • “المذهب المالكي ومنهج الوسطية والاعتدال” ندوة كلية الآداب بالقنيطرة، المغرب، 2005م.
  • “الموافقات في أصول الشريعة” لأبي إسحاق الشاطبي، شرح: فضيلة الشيخ عبد الله دراز، مكتبة التوفيقية، القاهرة، مصر.
  • “الموطأ للإمام مالك” برواية يحيى بن يحيى الليثي، الطبعة 4/1425، بيروت، لبنان.
  • “هكذا فهم السلف الصالح” لأحمد الشامي، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، ط.1/1421هـ.
  • “هكذا كانت أخلاقهم” لجمال هريدي، مكتبة الرشد: 1426هـ، السعودية.
  • “الوسطية مرتكز راشد لحوار الثقافات” للدكتور حامد بن أحمد الرفاعي، دار العلم، جدة.
  • “الوسطية الإسلامية استقامة والتزام” للدكتور محمد الحبيب التجكاني، الدار البيضاء 1414هـ.
  • “الوسطية في الفكر الإسلامي” للدكتور مجدي محمد مسرور باسلوم، دار الكتب العلمية بيروت، لبنان: 2004م.

الهوامش

  1. لسان العرب” لابن مظور، 7/427 – 428.
  2. عيون الأخبار” لابن قتيبة 3/326.
  3. كما أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، 10/209. والهيثمي في مجمع الزوائد 1/26، والحافظ بن عبد البر في كتاب بيان العلم وفضله قال:”يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
  4. مفردات القرآن” للراغب الأصفهاني،
  5. الموطأ، كتاب صلاة الليل: 79- 80 رقم الحديث 260.
  6. الموطأ، باب ما لا يجوز من النذور في معصية الله، 290 رقم الحديث 1029.
  7. البخاري في صحيحه 5/1952 رقم الحديث 4786.
  8. مسند أحمد: 6/221 وسنن ابن ماجة كتاب الطهارة: 48.
  9. مسند أحمد: 3/448 ومثله في المستدرك للحاكم وصححه: 2/178.
  10. لسان العرب، 6/4833 – 4834.
  11. جامع الترمذي، باب: 66.
  12. أخرجه البيهقي بسند ضعيف: السنن الكبرى 3/18 الحديث:45.
  13. سنن أبي داود 4/276 حديث: 4904.
  14. تفسير الطبري: جامع البيان، 3/8.
  15. نفسه: 5/271 -272.
  16. محاسن التأويل 6/629.
  17. انظر إرشاد الفحول للشوكاني 10-11.
  18. الموافقات 2/6.
  19. نفسه، 2/12.
  20. نفسه، 2/13.
  21. نفسه، 2 /21 -22.
  22. نفسه، 2/48 -49.
  23. نفسه، 2/54.
  24. أخرجه البخاري في صحيحه 2/675، رقم الحديث 1814 ومسلم في صحيحه، 2/761 رقم الحديث 1079.
  25. الموافقات 2/59-60.
  26. نفسه، 2/66 – 67.
  27. نفسه، 2/68.
  28. نفسه، 2/68 -69.
  29. نفسه، 2/72 -73.
  30. نفسه، 2/74.
  31. أخرجه ابن حبان في صحيحه 2/8 الحديث 310.
  32. الموافقات، 2/110.
  33. نفسه، 2/113.
  34. نفسه، 2/116.
  35. نفسه، 2/123 – 124.
  36. نفسه، 2/134.
  37. نفسه، 2/143.
  38. إعلام الموقعين 3/14- 15.
  39. إغاثة اللهفان 1/116.
  40. الفوائد، 158.
  41. الجرح والتعديل،41.
  42. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/100 حديث 34498.
  43. صحيح البخاري 2 كتاب الإيمان 21 باب كفر دون كفر.
  44. كتاب الإيمان للشيخ ابن تيمية، 190.
  45. محاسن التأويل 3/219/- 221.
  46. العقيدة الطحاوية: 68.
  47. رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. سنن أبي داود 4/280 حديث 4919 والترمذي 4/664 حديث 2510.
Science
الوسوم

الدكتور عبد الهادي حميتو

• عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق