مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويفنون

حول بعض مظاهر التجميل الطبيعي عند المرأة بالصحراء المغربية

قبل أن تكتشف مستحضرات التجميل الحديثة، كانت المرأة الصحراوية، تستمد مواد تجميلها من الخلطات الطبيعية التي تصنعها بنفسها من النباتات والأعشاب الطبيعية التي توفرها لها البيئة  الصحراوية، إضافة إلى ما أبدعت من أنواع الزينة كتزيين اليدين بنقوش من الحناء، كما أن للكحل مكانة خاصة لدى النساء الصحراويات، وتكتمل مظاهر أناقتها الخارجية بلباسها المحلفة ، دون أن ننسى مكانة العطور التي كانت تخلطها بنفسها من مجموعة الأعشاب العطرية والتي في الغالب تتكون مسحوق الريحان والمسك الأبيض والقرنفل… إضافة  إلى الحلي بجل أنواعه وأشكاله سواء  قلائد وخواتم وخلاخل  مصنوعة من الخرز والعملات الفضية المزخرفة.

 ويعد الاهتمام بالمظهر الخارجي للمرأة الصحراوية، من الأولويات التي تحظى بالقسط الأكبر من الاهتمام، وتعد ظاهرة “التبلاح”  تقليد صحراوي يتمثل في عملية زيادة وزن المرأة من خلال نظام غذائي خاص قصد تجميلها، إذ تعتبر المرأة الممتلئة في المجتمع الصحراوي أكثر جاذبية وجمالا من غيرها…عكس المجتمعات الأخرى التي تعتبر فيها النحافة معيارا للجمال.

والتبلاح  : هو التباع نظام غذائي خاص، الغاية منه ازدياد وزن الفتاة وفق المواصفات الجمالية لدى المجتمع الصحراوي، وليس هناك اتفاق على سن محددة لاتباع هذا النظام، فالبعض يبدأه في سن السادسة، بينما يؤخره البعض الآخر إلى التاسعة، إلا أن الجميع متفقون على ضرورة العناية بغذاء الفتاة، وعند بلوغ البنت للسن المناسب للتبلاح، تقدم لامرأة متخصصة فيه تعرف ب “البلاحة” مع تزويدها بالمواد الضرورية لإنجاز هذه المهمة، وإذا لم يكن استهلاك البنت للطعام كافيا، فإن البلاحة تلجأ إلى ضربها وتعذيبها، وهذا التعذيب لا ضرر فيه ما دام وسيلة لبلوغ النتيجة المبتغاة، وبعد سنة أو سنتين  تعيد البلاحة البنت إلى أهلها، وقد تشقق جلدها كله، وكلما كانت هذه الشقوق كثيرة (التبطاط)، وتشمل البدن كله، إلا وكان ذلك مدعاة للإعجاب[1].

 فقد كانت السمنة في ثقافة “البيظان” ولا تزال معيارا أساسيا من معايير جمال المرأة، بالإضافة إلى أنها تعبر عن الرفاه المالي أو المكانة الاقتصادية لذويها، وقد شاع في الموروث الحساني عبارات من قبيل: “لمر كلمتها گد گعدتها” أي أن كلمتها تكون مسموعة بقدر سمنتها، و”تگبظ من لخلاگ الِّ تگبظ من لفراش“: وهو ما يعني أن تقدير الناس لها متلازم طرديا مع مقدار حجمها،  والحقيقة أن المرأة في التقاليد القديمة كلما كانت أضخم جسما كانت فرصها للزواج أكبر، فيما كانت المرأة النحيفة مدعاة للمس من كرامة زوجها أو ذويها.[2]

أما آخر مرحلة فيما يسمى التبلاح ، فيدعونها بـ”مفلوتـه“: وهي بلوغ الفتاة للهدف المنشود من حيث اكتساب الوزن المرغوب فيه.

وتلجأ النساء الصحراويات من أجل الاعتناء بجمالهن وبشرتهن، إلى استخدام بعض النباتات والأعشاب المتوفرة في الصحراء، وتعد نبتة النيلة[3]، أهم نبتة تستخدم لتبيض الوجه والجسم بصفة عامة، كما أن للنيلة استخدامات أخرى فهي تستخدم كمادة عطرية، ولصنع حبر الكتابة، وتستعمل أيضا كأفضل صبغة زرقاء.

ومن تقاليد أهل الصحراء،  أن ترتدي العروس ملحفة النيلة، على الجلد مباشرة طوال أسبوع قبل موعد زفافها، وبعد “حمام العروس” تحصل العروس على بياض طبيعي، وتعرف ملحفة النيلة في المناطق الصحراوية المغربية، والموريتانية منذ القدم، ولها فوائد عظيمة في تبييض الجسم، ووقايته من أشعة الشمس، خصوصا في المناطق الصحراوية التي تعرف بمناخها الحار والقاسي، وملحفة النيلة هي عبارة عن ثوب مشبع باللون الأزرق الذي يستخرج من نبتة النيلة.

ملحفة النيلة

والثابت عند أهل الصحراء أنّها تقي الجلد والبشرة من لفح أشعة الشمس الصحراوية الحارقة، وقد أثبتت التجربة احتفاظ الجلد بمستوى حرارة معتدلة عند ارتداء هذه الملحفة، وهي مشهورة في المناطق الصحراوية المغربية خصوصاً، وبدأت تعرف انتشاراً في مناطق أخرى بعدما بات مؤكّداً دورها في المساعدة على تبييض الجسم بطريقة طبيعية.

إذ يكفي ارتداؤها بلفها على الجسم ليوم كامل حتّى تتفاعل مع الجسم الذي يصطبغ بالمادة الزرقاء، وبعد الاستحمام يحصل واضعها أو واضعتها على جسم متفتح وناعم، وإذا نقعنا جزءًا من ثوب النيلة في إناء ماء دافئ مخلوط بالصابون البلدي المغربي وفركنا الجسد، تشهد نساء صحراويات أنهن جربن هذه الخلطة، وبعد استعمالها ثلاث مرات أصبح لون بشرتهن أقل سمرة[4].

وإلى جانب نبتة النيلة، تلجأ نساء الصحراء إلى صنع وصفات طبيعية لتبييض وشد الوجه، كما  يعتنين بجمال الشعر وصحته،  ونذكر منها هذه الوصفات الشائعة بين النساء الصحراويات :

  • وصفة السكلة أو السقلة الصحراوية : وتتكون هذه الوصفة من الحمص المطحون، وكذلك الأرز المطحون، والفول اليابس والمطحون كذلك، يطحن الكل جيدا ثم يغربل وبعدها يضاف إليه ماء الورد الطبيعي، وقد يضاف إليه شيء من العسل الحر وهذا اختياري، ثم يوضع على الوجه لمدة 20 دقيقة، ويستحسن أن تستعمل هذه الوصفة مرة في الأسبوع من أجل الحصول على بشرة بيضاء[5].
  • لخميرة لكحلة أو لخميرة المعطرة: وطريقة صنعها كالآتي: يوضع كأس زيت نباتية على نار هادئة، وتضاف إليه كمية من المسكة الحرة، وتحرك حتى تدوب جيدا ثم يضاف إليها القرنفل المطحون، ومكويريصة، وتدكت وأهرهار وتارة[6]، ثم تحرك جميع العناصر إلى أن تنسجم جيدا، ثم تضاف إليه أنواع العطور الزيتية المتوفرة، من أجل إعطاء الخليط رائحة زكية، ويترك الخليط في إناء زجاجي إلى أن يبرد وبعدها يدهن به الشعر[7].
  • وصفة صحراوية تقليدية ضد تساقط الشعر: تؤخذ قطعة بصل ونقطع بشكل ناعم، مع بضعة فصوص من الثوم مسحوقة، وقليل من زيت جوز الهند، تغلى جميع هذه المكونات لبضع دقائق، ثم تترك حتى تبرد، ويوضع الخليط على فروة الرأس مع تدليك الفروة بشكل ناعم لمدة 15 دقيقة، ثم يغسل الشعر وتكرر العملية مرتين في الأسبوع[8]..

كما تلجأ المرأة الصحراوية إلى صنع عطور طبيعية بنفسها، وانطلاقا مما توافره لها البيئة الصحراوية من أعشاب ونباتات.

  • عطر الرشوش : يتكون من عودان الرشوش المستوردة من موريتانيا، ثم مسك تراب مكة، ثم قليل من عطور زيتية صناعية، ثم يضاف القرنقل، ثم حب تارة، ثم عودان أهرهار[9]، ثم المسكة الحرة، وبعض قطرات مسك الباكستان، ثم السنبل، ثم نبتة الركيطة التي يجب أن تسخن مع المسك قبل طحنها، لأنها نبتة يستعصي طحنها بمفردها، وهذه المواد لا ينبغي أن تطن جيدا، ثم يضاف إليه الماء ويرقد في قنينات من اللازم أن تكون زجاجية، وكلما مر الزمان على عطر الرشوش كلما أخذ اللون البني الغامق، ورائحته زكية طيبة تدوم لفطرة طويلة[10].

دون أن ننسى  طريقة تعطير البيوت الصحراوية في الأعياد والمناسبات،  ومكانة البخور المعطرة في البيوت الصحراوية، وهنا لا نتحدث عن البخور الذي يباع جاهزا في الأسواق، وإنما بخور صحراوي من صنع النساء الصحراويات في بيوتهن وطريقة صنعه كالآتي :

  • البخور الصحراوي: يتكون هذا البخور من عشبة الهرهار، وعشبة الركيطة، وحبيبات تارة، و تيدكت أو المسكة الحرة، والجاوي الأبيض، ثم مكون يسمى جيرت البخور اليابس، والذي يستورد من موريتانيا، ثم يرطب بماء المسك، ثم يفتت، وكذا يستعمل كمكون أساسي عود أطكي الذي ينقع في الماء، ثم تخلط جميع الكمونات المذكورة وتجمع بقليل من ماء عود أطكي، وقليل من الزيوت العطرية، وقد يضاف أيضا قليل من عطر الرشوش ثم يخمر البخور لمدة أسبوع، وبعد ذلك يعرض على أشعة الشمس وبعدها يكون صالحا للإستعمال[11].

دون أن ننسى نبتة الحناء، التي يتم تيبيس أوراقها ثم طحنها وتخلط بشيء من الماء ثم تزين بها النساء الصحراويات أيديهن، على شكل نقوش و زخاريف فنية جميلة، كما ترتبط الحناء بالكثير من الطقوس والعادات المتوارثة عبر العصور، كما هو الشأن بالأعراس والأعياد وجل الأفراح والمناسبات.

 عموما فقد اهتمت المرأة الصحراوية بكل مظاهر الجمال، من لباس وعطور وغيرها….  واهتمت بكل ما يتعلق بوصفات تجميلية طبيعية، التي تتم صناعتها من نباتات وأعشاب التي توفرها لها البيئة الصحراوية،  وذلك من أجل الاعتناء ببياض البشرة وصفائها وحمايتها من أشعة الشمس الحارقة، و قد استطاعت المرأة الصحراوية  السمو بإمكانياتها المتواضعة في نطاق الإبداع وتسخير ما تنتجه الطبيعة من مواد وأعشاب لخدمة جمالها وزينتها، إذ يعتبر حب الجمال والرغبة في تحقيقه هدفا من أهداف المرأة  الصحراوي…

[1] –  معلمة المغرب (3/153) الطبعة الأولى 1435هـ – 2014م دار الأمان الرباط.

[2] – موقع https://www.hespress.com/societe/77649.html

[3] – هي جنس من نباتات محمولة أو معمرة من الفصيلة القرنية، تزرع لاستخدام مادة زرقاء الصباغ من ورقها، وتسمى النيل والنيلج.

[4] –  مقتبس من موقع- https://www.alaraby.co.uk/miscellaneous/2015/10/2

[5] – حسب الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث مولاي لعبادة نصري تحت إشراف د جمال بامي.

[6] –  يعتبر السعد (cyperus rotundus) من النباتات العشبية المعمرة، والتي تتبع إلى فصيلة السعدية، ويتكون من ريزوم رفيع وطويل حرشفي يوجد به عقد على شكل انتفاخات أو درنات.

[7] – حسب الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث مولاي لعبادة نصري تحت إشراف د جمال بامي.

[8] – حسب الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث مولاي لعبادة نصري تحت إشراف د جمال بامي.

[9] –  أهرهار  نوع من الأعشاب نحصل عليه من خلال شجرة تسمى الطرفة.

[10] – حسب الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث مولاي لعبادة نصري تحت إشراف د جمال بامي.

[11] – حسب الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث مولاي لعبادة نصري تحت إشراف د جمال بامي.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق