وحدة الإحياءفنون

الرحلة الحجازية الصغرى لأبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن ناصر الدرعي (ت 1239هـ/1823م)

 إن الحديث عن الرحلة هو حديث عن فن قديم في التراث العربي الإسلامي، وعن أوسع مجالات المعرفة وأكثرها خصوبة وثراء وانفتاحا، فنص الرحلة حقل منفتح على أصناف متعددة من المعارف.. ينهل منه الفقيه والمؤرخ والجغرافي والأديب وعالم الاجتماع، وهو في النهاية وجه من وجوه التراث الذي يعكس بصدق حركية المجتمع العربي ونمط تفكيره وأسلوب حياته وعلاقاته، وأنماط الإنتاج فيه وعناصر الصراع والتلاقي والتطور التي تتحكم في مساره ونوعية الثقافة السائدة فيه.

والرحلة، وإن كانت كلاما في الجغرافيا، بحيث يجتهد الرحالة في وصف “المسالك والممالك” وكل ما يمر به من الوديان والجبال والسهول والمشاهد الطبيعية المختلفة، والمعالم التاريخية والعمرانية التي يقف عندها، فهي تتطرق، بالإضافة إلى ذلك، إلى قضايا متعددة تتصل بالتاريخ والفكر واللغة والسياسة والدين، مما يوسع مجال الاستفادة من نص الرحلة كحقل معرفي منفتح على مجالات متعددة.

ولسنا في حاجة إلى التأكيد على ولع المغاربة الشديد بالرحلة إلى شبه الجزيرة العربية فإن اهتمامهم بها كان يتجاوز في القديم اهتمام الأندلسيين[1]. وكانت رحلتهم غالبا إلى الحجاز، وهو منتهى سفرهم كما يقول ابن خلدون[2]. وهذا ليس غريبا، فالحجاز بلد مقدس، وأرضه مهبط الرسالة المحمدية الخالدة، وتحضنه تربتة أشرف الخلق جميعا، والبيت الذي يتجه إليه المسلمون في صلواتهم، ويطوفون به في حجهم، وقد كانت زيارة البيت الحرام أمنية كل عالم مغربي، وفي ذلك أنشد الفقيه الأديب محمد الطاهر بن عبد السلام (ت 1190هـ) هذه الأبيات:

  دائما عيني تراعي          أن ترى خير البقاع

 وفؤادي ذو اشتياق          وهيام وارتياع

يا ربوعا زادك الله         ارتفاعا في ارتفاع

من قضى لي بافتراق      هو يقضي باجتماع

إن لي شوقا عظيما         مؤذنا لي بانصداع

هل يوفي الله قصدي       وأرى خير البقاع[3]

وإذا كان الغرض من الرحلة في الأساس هو تأدية فريضة الحج، وما يصحب ذلك عادة من زيارة قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، والأماكن المقدسة التي لها مكانة خاصة في نفس المسلم، فإن للرحلة أغراضا أخرى تتفرع عن هذا الباعث الديني، وتتمثل في طلب العلم، ولقاء العلماء، وتبادل الإجازات، وزيارة مراكز العلم، وحضور مجالس الدرس، واقتناء الكتب، والتعرف على البلدان والأمصار والاستمتاع بجمالها وطبيعتها، والوقوف عند معالمها التاريخية وأحوالها العمرانية ومظاهرها الاجتماعية[4]. وقد عكست رحلة الناصري – موضوع هذه المداخل– هذه الأغراض كلها.

ويسجل الباحثون أن عددا ضخما من نصوص الرحلات الحجازية قد تعرض للضياع والتلف لأسباب مختلفة، وأن جل ما بقي منها لا يزال مخطوطا، يركن في رفوف الخزانات العامة والخاصة، ينتظر من يزيح عنه ستار الإهمال والنسيان.

وتحتفظ الخزانة المغربية بعدد مهم من هذه الرحلات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • الرحلة المقدسة، لمحمد بن محمد المرابط الدلائي (ت 1099هـ)، وهي رحلة منظومة في بحر الكامل على روي الدال، رتبها المؤلف على منازل الحاج الفاسي إلى المدينة المنورة، توجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 3644د.
  • الرحلة الحجازية، لأبي علي الحسن بن مسعود اليوسي (ت 1102هـ)، جمعها ولده محمد العياشي، توجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع تحت رقم: 1418ك.
  • المعارج المرقية إلى الرحلة المشرقية، لمحمد بن علي الرافعي الأندلسي التطواني (كان حيا عام 1110هـ)، توجد نسخة منها بخزانة محمد داود بتطوان[5].
  • هداية الملك العلام إلى بيت الله الحرام، والوقوف بالمشاعر العظام وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام، لأحمد بن محمد الجزولي التملي، الملقب بأحزي (ت 1127هـ)، توجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: ق 190.
  • الرحلة الناصرية الكبرى، لأبي العباس أحمد بن ناصر الدرعي (ت 1128هـ)، طبعت على الحجر بفاس في سفر يشتمل على جزأين.
  • نسمة الآس في حجة سيدنا أبي العباس، ، لأحمد بن عبد القادر بن علي الحسني الفاسي (ت 1133هـ)، توجد نسخة منها ضمن مجموع بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 14185.
  • رحلة القاصدين ورغبة الزائرين، لعبد الرحمن بن أبي القاسم الغنامي، توجد نسخة منها بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم ك 5656.
  • الرحلة الحجازية، لمحمد الشرقي بن محمد الإسحاقي، الموجود منها محفوظ بخزانة القرويين بفاس تحت رقم: 258.
  • الرحلة الحجازية، لأبي مدين محمد بن أحمد الروداني (ت 1157هـ)، توجد نسخة بخط مؤلفها بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم : ق 297.
  • بلوغ المرام بالرحلة إلى بيت الله الحرام، لعبد المجيد بن علي المنالي الزبادي (ت 1163هـ)، توجد نسخة منها بالخزانة العامة تحت رقم ك 398.
  • الرحلة الحجازية، لمحمد بن الطيب الصميلي الشرقي، نزيل المدينة المنورة (ت 1170هـ)، توجد منها نسخة وحيدة بخزانة جامعة ليبزيك بألمانيا تحت رقم 746[6].
  • احراز امعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام، وزيارة القدس الشريف والخليل، والتبرك بقبر الحبيب، لمحمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي (ت 1214هـ)، توجد نسخة منها بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم 12037.
  • الرحلة الحجازية، لأحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي (ت 1214هـ)، توجد نسخة منها بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم: 12037.
  • الرحلة الحجازية، لأحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي (ت 1214هـ)، توجد نسخة منها ضمن كناشة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: ج 88.
  • الرحلة الحجازية الكبرى، لمحمد بن عبد السلام بن ناصر، أو الناصري، الدرعي (ت 1239هـ)، توجد نسخة منها بالخزانة الحسنية تحت رقم 5658[7].
  • الرحلة الحجازية الصغرى، هي موضوع هذه المشاركة.
  • الرحلة الحجازية، لعبد الرحمن بن محمد بن زيدان المكناسي (ت 1365هـ)، توجد قطعة منها بالخزانة الحسنية تحت رقم 12381.
  • الرحلة المعينية المحررة إلى مكة والمدينة المنورة، لمحمد ماء العينين بن محمد العتيق الشنقيطي (ت 1376هـ)، توجد نسخة مصورة على الشريط بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 80.

وقد اتجه القصد في هذا البحث إلى التعريف بإحدى هذه الرحلات وإبراز قيمتها العلمية والتاريخية، والإشارة هنا إلى الرحلة الحجازية الصغرى لمحمد بن عبد السلام بن ناصر، أحد علماء المغرب المشهورين في القرن الثالث عشر الهجري، وهي رحلة – في نظري– جديرة بالدراسة والتحقيق، لما تضمنته من إفادات علمية، ومعلومات تاريخية مفيدة، ونصوص أدبية نادرة، وعدد من الأجوبة المختلفة عن النوازل والقضايا الفكرية والعقيدة التي سئل عنها ابن ناصر خلال رحلته إلى بيت الله الحرام.

ولتحقيق هذا الغرض قسمت الموضوع إلى ثلاثة مباحث وخاتمة.

المبحث الأول خصصته للتعريف بصاحب الرحلة.

المبحث الثاني عرضت فيه مضمون الرحلة

المبحث الثالث تطرقت فيه إلى قيمة الرحلة من الناحية العلمية والتاريخية، والخاتمة سجلت فيها بعض النتائج التي استخلصت من خلال قراءتي لنص الرحلة.

المبحث الأول: صاحب الرحلة

هو أبو عبد الله محمد (فتحا) بن عبد السلام بن محمد الكبير بن محمد بن ناصر الدرعي التمكروتي، أحد كبار شيوخ الزاوية الناصرية بتمكروت[8].

ولد  بدرعة في بيت علم وتصوف، اشتهر منه كثير من العلماء نذكر منهم: الحسين بن محمد بن ناصر (ت 1091هـ)، وأحمد بن محمد بن ناصر (ت 1129هـ)، صاحب الرحلة الناصرية الكبرى، وأبو عبد الله محمد المكي بن موسى بن ناصر (ت 1170هـ)، وأبو المحاسن يوسف بن محمد بن ناصر، وولده سليمان بن يوسف بن ناصر (ت 1230هـ) الذي ألف في ترجمة والده سابق الذكر فهرسة سماها: “إتحاف الخل المعاصر بأسانيد أبي المحاسن يوسف بن محمد الكبير بن ناصر، أو “البدور الطالعة السنية في الحديث المسلسل بالأولية”.

لا نعرف شيئا عن ولادة بن ناصر ولا عن نشأته، وكل ما تذكره المصادر التي ترجمت له هو أنه نشأ بدرعة، وحفظ القرآن وهو في سن التاسعة، وتلقى العلم على شيوخها، ثم رحل إلى فاس وأقام بها في السنوات السبعين الهجرية فدرس على علمائها، فعلا كعبه وصار نادرة علماء البيت الناصري في الفقه والحديث، وأوسعهم رواية، وأجسرهم قلما، وأعلاهم إسنادا وقد عرف بالفضل والعدالة فحلاه العلماء بأوصاف جليلة، منها: الإمام، الفقيه، المحدث الجليل القدر، الشهير الذكر، خاتمة الحفاظ بالمغرب[9]

من شيوخ ابن ناصر الذين أخذ عنهم نذكر:

  • محمد بن قاسم جسوس الفاسي (ت 1182هـ)، قرأ عليه صحيح البخاري وشمائل الترميذي والحكم العطائية بجامعة عقبة بن صوان بفاس.
  • أبو زيد عبد الرحمن المقري النحوي، أخذ عنه التفسير وغيره..
  • أبو محمد عبد الله السوسي، لازمه في شرح مختصر خليل.
  • أبو حفص عمر بن عبد الله الفاسي (ت 1188هـ)، درس عليه النحو والمنطق والأصول والبيان.
  • أبو الحسن محمد بن الحسن البناني (ت 1194هـ)، درس عليه الحديث.
  • أبو عبد الله محمد التاودي بن سودة (ت 1209هـ)، قرأ عليه ألفية بن مالك وبانت سعاد وصحيح البخاري ومواضع من التفسير، وقد ظل على علاقة وطيدة به بعد رحيله من فاس إلى بلدته درعة.
  • أبو زيد عبد الرحمن بن إدريس المنجرة الفاسي (ت 1179هـ)، درس عليه القراءات والتفسير.
  • أبو العلاء إدريس بن محمد العراقي (ت 1183هـ)، درس عليه الحديث، خاصة البخاري والجامع الكبير للسيوطي، وكان حامل لواء الحديث في عصره، لازمه الناصري طويلا.
  • أبو عبد الله محمد بن الحسن الجنوي السماتي (ت 1200هـ)، درس عليه الفقه والحديث.
  • أبو عبد الله محمد الحضيكي الجزولي (ت 1189هـ)، درس عليه السيرة والحديث.
  • أبو العباس أحمد بن عبد الجليل الشرايبي، قرأ عليه الحوفية في الفرائض، ومنية ابن غازي، ونظم التلمساني، وتلخيص ابن البنا، والقلصادي في الحساب وغيرهم كثير ذكرهم في كتابه المزايا، وكل هؤلاء أجازوه إجازة عامة، أوسعها إجازة العراقي في ذي القعدة عام 1182هـ)[10].

رحل ابن ناصر إلى الحج مرتين لأداء فريضة الحج ولقاء العلماء واقتناء الكتب النفيسة، الأولى

كانت سنة 1196هـ/1781م في عهد السلطان محمد بن عبد الله. كتب خلالها الرحلة الحجازية الكبرى، واتصل فيها بجماعة من العلماء، وأجازوا له، وقد أثبت إجازاتهم في رحلته وفهرسته، وكان أكبر شخصية لقيها في هذه الرحلة الحافظ محمد مرتضى الزبيدي شارح إحياء علوم الدين للغزالي وواضع كتاب تاج العروس.

وقد رحب به أيما ترحاب، وأحله منزلة رفيعة، وأجاز له نظما ونثرا، وأهداه عدة كتب من خزانته، وقال في إجازته نظما:

وقد سألت ربنا سبحانه            له على ما قصد الإعانة

حتى يصير حافظ الزمان         وعالما لعلمه الرباني[11]

والرحلة الثانية كانت سنة 1211هـ/1796م، وكتب خلالها رحلته الحجازية الصغرى، وقد دوَّن في رحلتيه ارتساماته وانطباعاته عن ظروف ركب الحجاج المغاربة يوم خروجه من فاس قاصدا البيت الحرام.

نال ابن ناصر حظوة كبيرة لدى السلطان المغربي أبي الربيع سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي (ت 1238هـ/1822م)، وقد عهد إليه بمبالغ مالية كبيرة قصد تفريقها على العلماء والفقراء والطوائف الدينية وأصحاب الزوايا والشرفاء بمصر والحرمين الشريفين.

وقد اتسمت ثقافة الرجل بالتنوع، حيث كان متضلعا في علوم وقته كالحديث والتفسير والأصول والمنطق واللغة والفقه الذي برع فيه، حتى إنه كان يجنح في بعض القضايا إلى الاجتهاد والإفتاء بما يخالف مذهبه، دون التقيد بنصوص المذهب المالكي الذي كان يأخذ به ويدافع عنه.

ترك ابن ناصر جملة من الكتب نذكر منها:

  • رحلتاه الكبرى والصغرى.
  • المزايا فيما أحدث من البدع في أم الزوايا[12]، انتقد فيه البدع المنتشرة في عصره خاصة ما وقع منها في الزاوية الناصرية وبلدته تمكروت، كالالتجاء إلى الأضرحة والأولياء عند الخوف من مكروه أو لطلب تحقيق رغبة، والتعلق بالخرافات والشعوذة كالتبرك بشجرة معينة، والتهاون في العبادات، والتساهل في المعاملات المخالفة للشرع، وقد رد على منتحلي هذه البدع بالدليل الشرعي والحجة والبرهان العقلي.
  • قطع الوتين من المارق في الدين، أو الصارم البتار فيمن أفتى ببيع الأحرار[13]، رد فيه على بعض الفقهاء “ممن ينتمي للعلم وليس من أهله”، الذين أفتوا بجواز بيع الأولاد عند المجاعة.
  • المستصفى في حلية السكر المصفى[14]، أجاب به عمن قال بحرمة السكر المستورد من بلاد الروم.
  • الدر النفيس في تفسير القرآن بالتنكيس[15]، ناقش فيه مسألة تفسير القرآن على غير ترتيب بادئا من الأسفل إلى الأعلى.
  • شرح أربعين حديثا في ترك الظلم[16]، شرحها بأمر جامعها شيخه محمد بن محمد الجوهري المصري (ت 1215هـ)، ويتحدث الناصري عن ذلك في مقدمة كتابه هذا فيقول: “…ووهب لنا منها نسخة وكتب بخطه على ظهرها: أجزتكم بها، وأرجو أن تشرحوها إذا وصلتم، مع ذكر سندها وبيان رتبها والاقتصار على بيان المعاني مع الاختصار ما أمكن[17]“، وأشار إلى ذلك في رحلته الصغرى فقال: “وممن اجتمعت عليه، واستفدت منه من علماء البلد (طرابلس) الشيخ المسن البركة أبو إسحاق إبراهيم بنور… وقد جرى ذكر شيخنا الجوهري الخالدي الأزهري المصري، ولا زال بقيد الحياة، وذكر الأربعين حديثا له في الظلم، وشرحناها بإذن مؤلفها وإن شرحنا بلغ طرابلس وقرأ به الشيخ أبو إسحاق مرتين”.
  • كناشة[18].
  • فهرسة.
  • تقاليد وإجازات[19].

وتتفق المصادر على أن وفاته رحمه الله كانت يوم 12 صفر 1239هـ/18 أكتوبر 1823م)[20].

المبحث الثاني: مضمون الرحلة

إن الرحلة الصغرى التي دونها محمد بن عبد السلام بن ناصر من نوع الرحلة الحجازية، التي كان يقوم بها العلماء إلى بلاد الحجاز بقصد أداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المقدسة، ولقاء العلماء والنهل من ثقافتهم، فقد كانت الرحلة “تعين على تبادل الأفكار واحتكاك الأنظار[21]“، وقد أفصح المؤلف  عن هذا القصد في مقدمة رحلته بقوله: “الحمد لله مثير العزم لتكحيل العينين بمشاهدة الحرمين، والتردد بتلك المعاهد لأداء النسكين، وملء الوطاب من زيارة حبيبه ومصطفاه إحدى الحسنيين، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره ما هلل مهلل حي على الفلاح، ونادى مناد الركب الركب هلموا إلى النجاح..

كيف وقد جعل الله البيت مثابة للناس وأمنا، وأكرمه بالنسبة إليه تشريفا ومنا وجعل الطواف به حجابا من النار، وسببا لسكنى الفراديس بدار القرار[22]…”.

يبدأ الناصري في تدوين رحلته بالإشارة إلى الباعث له على ذلك، وهو نشر العلم وتعميم فوائده، فيقول: “أما بعد، فقد آن الشروع، بعد استخارة المولى الكريم والتعرض  لنفحات وجوده العميم، بعد أن هتفت بي هواتف التيسير، وزايلتني عوائق التعسير، لتقييد ما عن لي في سفري لتك الديار، وما عاينته بتلك الأمصار والقفار، خدمة للعلم الشريف، ورغبة في نشره، وعلى قدره المنيف، تتميما للفوائد، وإلى الله تعالى المقاصد[23]“.

ثم ينتقل ليتحدث عن آداب السفر، وما ينبغي للحاج المرتحل أن يتحلى به من جميل الصفات وحسن الأخلاق، بعدها ينتقل إلى عالم الرحلة والسفر انطلاقا من بلدته درعة يوم السبت 4 جمادى الأولى سنة 1211هـ، قاطعا مجموعة من الجبال والقرى ليصل إلى فاس مركز انطلاق الركب المغربي، الذي يجتمع فيه الحجاج القادمون من الجهات المغربية المختلفة على ما جرت به العادة، ويبدأ الرحيل منها يوم 14 جمادى الثانية وصولا لتازة منها إلى الأراضي الجزائرية، وفي 30 رجب وصل الركب مدينة بسكرة، ثم منها لتوزر بتونس، ثم منها للحامة أو مدينة الحمامات، ومنها لقابس التي لم يدخلوها بسبب انتشار الوباء بها، ثم منها إلى مدينة طرابلس عشية يوم الاثنين 29 من شعبان، ومنها لتاجور، ثم لمصراته وبرقة إلى ابن غازي، وفي 2 شوال ارتحل الركب قاصدا ريف مصر قرب كرداسة، ومنها إلى الانبابه ثم القاهرة، ومنها للبركة ثم لعقبة آيلة ثم منها إلى الحجاز.

وبعد أداء مناسك الحج، تبدأ رحلة العودة انطلاقا من المدينة المنورة يوم 14 محرم من سنة 1212هـ/1797م في اتجاه الينبع ومنها إلى القاهرة، ثم رحل الحجاج منها يوم 9 جمادى الأولى متوجهين للمنصورة، ومنها للأقصر، ثم لعفونة، ثم لابن غازي، وفي 3 رجب ارتحل الركب تاركين طريق الساحل متوجهين لمصراته، ثم منها لتاجور، ثم طرابلس في 12 شعبان، وفي صبيحة 9 رمضان ارتحل الركب في اتجاه قابس، ومنها عبر الطريق الصحراوي إلى القيروان التي وصلوها في 25 رمضان، ثم منها لمدينة زغوان، ثم تونس يوم 29 رمضان وفي صبيحة 9 شوال ارتحل الركب في اتجاه مدينة الكاف، ثم منها إلى القسطنطينية، ومنها إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى البليدة، ثم سار الركب إلى مدينة وجدة، ومنها إلى تازة التي وصلوها يوم 23 ذو القعدة، ومنها وصل الركب إلى مدينة فاس يوم 27 ذو القعدة، ثم منها إلى مكناس عاصمة المغرب آنذاك، ومنها ارتحل ابن ناصر متوجها إلى مسقط رأسه بدرعة التي وصلها يوم عاشوراء من عام 1213هـ/1798م.

يبدو مما سبق ذكره أن ابن ناصر كان حريصا على تسجيل تواريخ المراحل التي قطعها في رحلته منذ انطلاقتها إلى رجوعه إلى بلدته بدقة، مع ضبط الوقت الذي يصل فيه إلى المناطق التي زارها، مما يخفي لديه حسا توثيقيا دقيقا.

ويتضح من مضمون الرحلة أن صاحبها اهتم كثيرا بتدوين القضايا الفقهية والأجوبة على بعض المسائل المرابطة بالعقيدة، ولهذا الاهتمام ما يبرره في طبيعة التكوين الثقافي لابن ناصر، أو ارتباط بنوعية الثقافة السائدة في تلك الفترة، وهي الثقافة الدينية وما يتصل بها من لغة وتفسير وأدب، فلا غرابة إذن أن نجده يطرح العديد من هذه القضايا ويناقشها بإيراد النصوص والأدلة وأقوال المذاهب مع التركيز على المذهب المالكي.

ويلاحظ المتتبع لهذه الرحلة تنوع المضمون، وتعدد اهتمام المؤلف بين ما هو تاريخي واجتماعي وسياسي واقتصادي، مع ما يصحب ذلك من انتقادات لبعض الظواهر التي عايشها في بعض البلدان التي كان يمر بها، ومن جملة القضايا أو الظواهر التي أثارها ابن ناصر في رحلته:

الصراع الذي دار بين برغل، أحد القراصنة الأتراك، الذي احتال على سكان طرابلس للاستيلاء عليها، وبين يوسف القرمنلي، وقد استطاع هذا الأخير أن ينتصر عليه، ويبسط نفوذه على طرابلس التي عم فيها الأمن والاستقرار والرخاء في عهده[24].

  • المكوس التي كانت تفرض على الحجاج في مصر من قبل ولاة الغزو المماليك، وكان الإفرنج من النصارى يتولون قبضها، وهذا الحدث استنكره المؤلف بشدة[25].
  • ولفت ابن ناصر الانتباه إلى ظاهرة الفوضى والازدحام بين الحجاج، ففي معرض حديثه عن منطقة الالزم بالحجاز التي نزل بها يوم الأحد 16 ذو القعدة 1211هـ، أشار إلى الازدحام الشديد على مائه القليل، وصور انتشار جثث الموتى من الحجاج على الأرض، وفي ذلك دلالة على ما كان يتلقاه الحاج من المتاعب والأخطار والأهوال، ويقول الناصري: “ونزلنا ضحوة الازلم، ووقع الازدحام مائة الضنين الخبيث، وليحذر من هذا المكان، ولاسيما زمان المصيف، فقد وجدنا داخل البنذر وخارجه من موتى السنة الماضية ما لا يكاد يحصى كثرة، نسأل الله تعالى العافية، ولا انتدب –عياذا بالله– أحد لدفنهم ومواراتهم، الكل يقول نفسي نفسي، فلا حول ولا قوة إلا بالله[26]“.
  • ومن الظواهر الخطيرة التي أشار إليها ابن ناصر كثيرا في رحلته، ظاهرة الصعلكة واللصوصية في ربوع الأماكن التي كان يقطعها الركب خاصة من أعراب البوادي، وكان الركب المغربي أكثر عرضة للسرقات والأغارات الليلية، لما كان يحمله معه من الزاد الضخم نظرا لبعد المسافة المؤدية إلى الحجاز، وهذا يفسر استعانة الحجاج بالجنود والفرسان للحماية من اللصوص[27].
  • وتعرض ابن ناصر للحديث عن العادات والتقاليد السلبية في بعض المناطق، وعلى سبيل المثال: ظاهرة ترك الحجاب والتبرج، وعدم الاغتسال من الحيض والجنابة عند نساء عين ماضي بالجزائر، يقول ابن ناصر: “ولا زال نساؤهم –عياذا بالله– على عادتهم المذمومة من عدم الحجاب، التبرج ظاهرات في الركب للبيع والشراء لا يغتسلن من حيض ولا جنابة، أن هو إلا التيمم، يزعمون أن ماءهم يضر بهم[28]“.
  • وتحدث ابن ناصر عن عادة الكرم التي عرفتها جميع البلدان التي مر بها الركب واستقبال الحجاج بالهتاف، وضيافتهم والإحسان إليهم في جو حماسي ديني، وهذه العادة نوه بها المؤلف كثيرا.
  • وتطرق الرحالة إلى جانب آخر يتعلق بالماء وندرته، وتحدث عن ملوحته وزعاقته وأماكن تواجده، والكمية المطلوبة في السفر، وبعده أو قربه من القعر…
  • وتحدث كذلك عن المنتوجات المتبادلة في البيع والشراء، وأنواع العملة الرائجة، ونمط الحياة الاقتصادية. فأغلب المنتوجات كانت من الشعير والسمن، والصوف، واللحم، والعسل، والخليع والتمر.
  • وتطرق في مواضع كثيرة من الرحلة إلى الظروف الطبيعية الصعبة التي كان يواجهها الحجاج في طريقهم كالجفاف والقحط والفيضان، وهبوب الرياح الحارة الهوجاء، والتيهان في الطريق، والأوبئة وهجوم الجراد، وكلها ظواهر طبيعية كانت تؤدي في بعض الأحيان إلى هلاك الحجاج ومرضهم، بالإضافة إلى ذلك، نجده يتكلم عن غلاء الأسعار وقلة المؤونة في بعض البلدان، ومن الأمثلة على ذلك ما وقع للحجاج بقابس من أهوال، ويصور الناصري ذلك فيقول: “فبتنا على غير ماء بالذياب، ومحرثة واسعة طيبة على طرق السبخة، ثم منها (بياض) فتاه الركب يسارا وما اجتمع، فتلاحق إلا بعد عناء، فوردنا آبار الزهانيات في السبخة زعاقا نتجرعه ولا نكاد نسيغه، أفسد بطون الأدميين والدواب، فلما صدرنا عنها بنحو فرسخين نزلنا على غير ماء، ثم منه لقرب الحامة بموضع يقال له البشمة، وهذه المراحل السالفة من أصعب ما يكون في العطش، لا سيما في زمن الحر، ثم منه للحامة فسوقنا بالمحتاج من العلف والتمر وغيرهما، والركب سائر لم ينزل مع ما عليه البلد من شدة الغلاء، وصح لدينا هنا أن الوباء بقابس وغيرها من القيروان وتونس[29]“.
  • وصور ابن ناصر في رحلته ما كان يتعرض له الحجاج من أمراض ومتاعب صحية بالغة تبعث على الشفقة، ولم يفلت هو نفسه من هذه الأمراض، فبعد وصوله إلى ابن غازي في طريق العودة أصابه مرض البواسر من شدة البرد، فضاقت به الأرض، واشتد عليه الخطب، وكاد يعاين الهلاك، فقال بجد وهمة يطلب الخلاص:

أشيخ زروق هذا ابن ناصرات بسرعة     لمن أمكم يرجو الخلاص من الضر

         فقد حل من قواه واختل دينه       وطالت به الإسقام والضرب في البر[30]

وفي موضع من الرحلة يتحدث عما نزل به بسبب كثرة الأمطار وشدة البرد من المرض، انتفخ به فمه وقاح، وتساقطت أسنانه، ومنع من الطعام، إلا ما كان من حليب الناقة، وظل يعاني من ذلك مدة زادت على شهر، حتى اختل كلامه ولم يقدر عليه، وفي كل ذلك يحمد الله على ما أصابه في سير الأسفار وقطع المفاوز القفار[31].

ولم يغفل ابن ناصر الحديث عن الجوانب العمرانية والمآثر التاريخية التي شاهدها والأضرحة والزوايا التي زارها، والمدن والعواصم العربية التي أقام بها، فلم يتردد في وصفها بدقة وإبداء الإعجاب بها، وأحيانا يستطرد الكلام حولها بإيراد النصوص من خاصة كتاب “الروض المعطار في خبر الأقطار” لابن عبد المنعم محمد بن عبد الله الحميري (ت 726هـ).

وتعرض في حديثه إلى الناحية الاجتماعية، فتحدث عن طباع الناس وسلوكهم وأخلاقهم وقد استنكر بشدة ما عليه بعض الأتراك في البلاد الإسلامية كتونس والجزائر من غلظة وسوء الأخلاق والمعاملة، وقد عاين منها الشيء الكثير، خاصة بمدينة تلمسان والجزائر، فجاء بقصيدة طويلة لسعيد بن عبد الله التلمساني التي هجا فيها قائد تلمسان ابن زاغو وصور فيها أخلاق الترك وما أوقعوا في المدينة من فساد، ويطلب منه أن يتدخل ليجعل حدا لهذه التصرفات المشينة والأعمال المخالفة لدين الله وشريعته:

   وأكثر شيء أفسدته أكفهم           تلمسان خير العرب علما وإيمانا

وكانت لهم لما أرادوا فسادا          أراذل منها كالبطارق أعوانا

   فمنهم قرين السوء فتى بلادهم        وود العباد الترك كانوا ولا كانا

 فقل لابن زاغو للضلال أئمة         تدبر لحاد الله ما قال مولانا[32]

ويعلق الناصري على هذه القصيدة فيقول: “وألسنة الشعراء حداد، ولعل الوصف الذي وصف كان في سفلة الترك ورعاعهم، وقد شاهدنا بعضهم في سفرنا هذا في أزقة الجزائر، يتجاهرون بشرب الخمر، ويعربدون في الأزقة، وربما أوقعوا على الناس بالإذاية القولية والفعلية من غير أن ينتدب بعض أرباب دولتهم إلى منعهم خصوصا ما شاع عن البحرية منهم، وكذا حالتهم بتونس، يتشكى الناس، خصوصا الغرباء منهم، من ظلمهم، إذ لا يمر راكب  بموضوع ديوانهم بالسوق إلا نزل، وإلا ناله منهم ظلم كبير[33]“.

  • كما تطرق الناصري للحديث عن قوافل العبيد التي كانت تساق من بلاد الفزان لتباع في أسواق طرابلس وبنغازي بليبيا[34].
  • وتطرق الناصري إلى الناحية العلمية، فذكر الشيوخ الذين التقى بهم، والكتب التي وقف عليها، والإجازات التي تبادلها مع أقرانه من العلماء، مما جعل نص الرحلة غنيا بالمعلومات والإفادات النادرة.
  • تعرض الناصري بالانتقاد لطرق التدريس عند بعض العلماء، وهي ظاهرة لفتت انتباهه ولم يسكت عنها، وذلك كانتقاده لأحد العلماء بالمسجد العتيق المشرف على البحر بمدينة الجزائر، قال: “وجدته يدرس في اللعان من المختصر، فما قام ولا قعد في تصويره وإعطاء حق تقريره، وإنما ينظر من الخرشي والزرقاني، ويبدل العبارة بغيرها فلا حول ولا قوة إلا بالله”[35].

المبحث الثالث: قيمة الرحلة

قدمنا في المبحث السابق صورة عن الرحلة الصغرى، وذلك بالإشارة بإيجاز إلى أهم القضايا التي استقطبت اهتمام الناصري فدونها في رحلته، وفي هذا المبحث سنحاول أن نبرز قيمة هذه الرحلة من الناحيتين العلمية والتاريخية.

1. الناحية العلمية

تعتبر الرحلة ذات قيمة علمية هامة بما تضمنته من الحديث عن مظاهر متعددة في هذا الجانب، وإن كان المضمون الديني هو الطابع الغالب عليها، وقد حاولت أن أرصد هذه المظاهر العلمية بما يؤكد هذه القيمة، ورتبتها على المستويات الآتية:

أ. الأجوبة عن مسائل مختلفة

تسجل الرحلة كثيرا من الأجوبة التي أجاب بها ابن ناصر عن الأسئلة التي وجهت إليه في نوازل وقضايا مختلفة وهو في طريقه إلى الحج أو عند عودته، وقد تنوعت هذه الأجوبة لتشمل نواحي متعددة من المعرفة: اللغة، التاريخ، والعقيدة، والعمران، الفقه الذي أخذ نصيب الأسد، وذلك بحكم ثقافة الرجل الدينية ومركزه العلمي كفقيه متضلع من الفقه المالكي، وقد تتبعت هذه الأجوبة التي بلغت أزيد من تسعين جوابا، فوجدتها تشكل مصدرا علميا ذا أهمية كبيرة في مجال الإفتاء والتشريع، بما تتضمنه من اجتهادات صائبة وآراء متفتحة سديدة، وسنورد فيما يلي نماذج من القضايا التي سئل عنها ابن ناصر[36].

  • حكم من قصر صلاة المغرب جهلا وصلى بعدها العشاء والصبح في وقتهما.
  • حكم من طلق زوجته بالخلع على إسقاط نفقة الحمل، فلما وضعته طالبته بنفاسها وعقيقتها.
  • صفة تنفل الرسول، صلى الله عليه وسلم، في السفر.
  • حكم من اكترى على زاده أو علف دابته على أن يأخذ كل يوم قدرا معلوما، فأخذ أياما وترك ما بقي مجموعا إلى آخر المسافة.
  • حكم من باع سلعة من شخص وقبض الثمن، ثم بعد أيام ادعى المشتري الغلط بإعطاء أكثر مما اشترى به.
  • حكم الحائز لملك عشر سنين فأكثر حيازة معتبرة شرعا، فلما قيم عليه البينة ادعى أن الملك دخل بيده بالهبة والصدقة.
  • الوقف في قوله تعالى: ﴿ ولا تستعجل…﴾ من سورة الأحقاف: (35).
  • استعمال الحجاج الزئبق لطرد القمل.
  • حديث: “لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ولا من النساء”.
  • من أعطاه أهل البلد بعض حريمها فأحياه بغرس النخيل وغيره أيفتقر إلى إذن الإمام أم يطيب له بغيره.
  • حديث التنزل كل ليلة كيف يتصور، مع أن ثلث الليل يختلف باختلاف أعراض البلاد، إذ زوال مكة أسبق من زوال المغرب بنحو ثلاث ساعات، كما حرره أهل الميقات، والغروب كذلك، فيلزم منه بالضرورة التخالف في نصف الليل وثلثه.
  • قاعدة من “ملك أن يملك” هل يعد مالكا.
  • عن قول الفقيه المغربي المجاور للحرم النبوي السيد محمد الجلاني السباعي: أن السمسار المحرم بالحج لا يأخذ بيده مخيطا ولا محيطا وقت البيع، فإن فعل افتدى.
  • الأكل على ظهر الكعبة.
  • نسبة أبي الحسن الشاذلي واتصاله بعلي بن أبي طالب.
  • من مرض من الحجاج فأوصى بدفع ماله إن هلك لفلان من الحجاج ليبلغه لورثته، فلما هلك نوزع من قبل شيخ الركب وقاضيه، قائلين للوصي أما أن تتجر به لليتامى أو تدفعه لمن يتجر به، إذ هو أحظى لهم.
  • جواز اتخاذ الكلب للحراسة كما كان النبي شعيب يفعله.
  • المسافر هل يستحب في حقه إقامة صلاة العيد بخطبته.
  • أي الموصولة لماذا توارد عليها معرفتان الصلة ولزومها الإضافة.
  • من لزمته فدية الحج لموجب فذبح للمساكين شاة وأكل معهم، أيبطل كونها فدية فيعيدها.
  • من خرج من الدار بالجمال المشتركة بينه وبين بعض الفاسيين على عادتهم في الكراء لرعيها، فلما رجع من المرعى زعم أن جملا تلف له، لا يدري ما وقع به، والحالة أنه لا خوف بالمكان ولا نهب.
  • حكم الصلاة في مساجد طرابلس العتيق التي انحرفت قبلتها كبيرا.
  • دفع الزكاة لرب زاوية يقيم بها الضيوف والطلبة.
  • مناقشة الفقيه التونسي صالح الكواش في قوله: إن البحر يرخص ركوبه لصاحب الميد ولو أدى إلى قطع الصلاة ثلاثة أيام.
  • المراعى في القوت إذا أراد المسافر إخراج الزكاة عن أهله.
  • معنى “دون” في قوله صاحب دلائل الخيرات: لا منتهى لها دون علمك.
  • تعلق السمع والبصر بجميع الموجودات، مع أن الجميع للانكشاف.
  • وجه عموم تعلق العلم دون القدرة والإرادة.
  • السلام بعد مفارقة المجلس هل له سند في السنة؟.
  • صاحب كتاب أسد الغابة” هل هو صاحب كتاب “النهاية في غريب الحديث”؟
  • عن الميزان في الآخرة لمن لم يكن له عمل صالح إلا اعتقاد الشهادتين والتلفظ بهما مرة في عمره.
  • مناقشة المؤلف للشيخ محمد الطيب بن كيران الفاسي في مجلس السلطان المولى سليمان في لفظ “عوان” الوارد في حديث: “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم”.

ب. نصوص أدبية نادرة

تضمنت الرحلة نصوصا أدبية نادرة في غاية الأهمية، منها:

قصيدة بائية في ستين بيتا من البسيط نظمها أمير تونس حمودة بن عبد العزيز التونسي، يمدح فيها سلطان المغرب المولى محمد بن عبد الله بن إسماعيل، وقد سمعها الناصري من الأديب أبي العباس أحمد العربي لما التقى به بطرابلس، وهذه بعض أبياتها[37].

تأبى لي الريب؟ نفس عممت شرفا                 وهمة ضربت فوق السها طلبا

لقد ذهب لنيل المجد في طرق                     ترد سالكها مستوحشا عطبا

حتى تبوأت والأيام تعكسني                     من المعالي علي زعم العدا رهبا

قل للزمان تقلب كيف شئت                     وصل فقد وصلت بنفسي للعلا سببا

لي في ابن مولاي إسماعيل معتقد              أن سوف يترك نبع الدهر لي عزيا

في أوضح الناس مهما افتخروا نسبا            وأشرف الناس مهما انتموا نسبا

وأكرم الخلق أفعالا وأخصبهم                  عقلا وأكملهم في فطنة أدبــا

جود يفيض وبأس يرتمي شرارا                كالسيل منسكبا والسيف منسحبا

تألق العزم والثالث مواهبه                     وكل نجم هوى في أفقه وخبا

الذي سمعت أذناه صوت جدا                   وخير ما ملكت كفاه ما وهبا

يأتي الأحاديث عنه كل شارقة                 أغني أفاد أعني أباد سبا

أعزهم منعة في أرض ملك                  أتاك والأمن من أقصى الذي طلبا

نصرت ربك تسعى في كرامته              وكيف لا تغلبن من ينصر الصلبا

إلى أن يقول:

إن قصرت كلماتي أوعيت مدحي           ففيك ما يفحم الأشعار والخطبا

لا زلت تغلب من ناداك من ملك            فتلك الأرض والدنيا لمن غلبا

قصيدة دالية في خمسة وخمسين بيتا من البحر الكامل في رثاء السلطان محمد بن عبد الله وتعزية ابنه اليزيد، من نظم الأديب محمد المرتضى الزبيدي، هذه بعض أبياتها[38]:

وجدي يجد وحسرتي تتجدد                وسهام حزن نافذ لا ينفذ

ومصيبتي ذهب بكل جلادتي              وذهبت لا أقوى ولا أتجلد

وأسى أقام وإنني من قتله                ما كنت أعلم ما المقيم المقعد

مالي أرى بعد النباهة والتقى            بين المعالم باهتا أتبلد

يهنيك سيل الدمع قد بلغ الزبا            واتقد في الجوف القوي والكبد

كبد مفتتة وجسم ناحل                  ومدامع تجري وقلب مكمد

يا دهر بع رتب المعالي كلها             مات الشريف ابن الشريف محمدا

ملك الملوك الصالحين وحرزهم         بيت القصيد الملتجى والمقصد

الصالح البر التقي والأروع             الورع الولي العابد المتجهد

الحازم اليقظ الذكي اللين               الخشن الرضى النمتمر المتاسد

ملك المغاربة سيد الصيد الحجا        حج من قصي والكريم الأمجد

ابن النبوءة والمروءة من نما           وزكا وطاب عراسه والمحتد

خرجوا به تقلوا المعالي بعده            اليوم عهدكم فأين الموعد

وبكت قلوب كالحديد لفقده              فرأيت كيف  يذوب ثم الجلمد

لا زالت الرحمات تغشى روحه        يجري بها أبدا عليه سرمد

ياءال مولانا الشريف ويا بني         حسن ومن لهم العلا والسؤدد

القائلين الفاعلين المطمعين             المعطلين نار حرب توقد

هذه الخلافة ما تعدت بينكم           فارعوا المعروف المهيمن وأحمد

قصيدة في مدح السلطان أبي الربيع سليمان، من نظم أبي الحسن علي بن الطيب المدعو المقرف الفاسي، خاطب بها السلطان المذكور لما ظلل عليه برداء من حر الشمسس بدرس البخاري أو الإحياء – الشك من الناصري – هذه بعض أبياتها[39]:

ظللتني إذ رأيت الشمس قد لفحت            وجها وخلصتني من ذلك الوهم

فصار وجهك لي شمسا مظللة              وتهت في حسن ذاك المنظر البهج

وذاك أقوى دليل يستدل به                على رضاك على ما في من عوج

فداك روحي لقد قلدتني سنا             ما أن تقابل بالأرواح والمهج

أظلك الله تحت العرش واتصلت        لك البشائر بالتمكين والبلج

قصيدة من نظم الشيخ المكودي في استدعائه الإجازة من شيخه أبي العباس أحمد بن المبارك اللمطي، هذه بعض أبياتها[40]:

إليك أبا العباس تحدو الركائب                وتغدو خفافا راقصات نجائب

نجائب أعرتها الأهلة شكلها                 عليها بدور زايلتها السحائب

وجدتك كالدنيا وعلمك شمسها               فما عنك لي إلا إليك مذاهب

تكلفها سير الرياح ظلامة                  وتزعجها طورا إليك النجائب

فلما حططت الرحل كالسدة التي          تزاحمها في اللثم منها الثواقب

وفي العلم بحرا لا يكدر صفوه          وقد ملئت العبا والحقائب

وذكرك قد جال المشارق كلها           وأنت بأقصى الغرب ناء وحاقب

وأصبح أصل الدين يزهو بطيبه        على عتبري الطيب والطيب راغب

وعلم أصول الفقه قد مسه العنا          فكن شافعيه نائب فهو غائب

وللنحو من بعض الوجوه ابتسامة       ولحظ قريب زايلته المعايب

دلائل إعجاز البيان مثيرة              بأنك شيخ الكل والكل نائب

ومالك الفقه لا تزال تروضه           ومالك قهرا وذو الملك غائب

ومطلع شمس الزهى اطلع نوره       عليك وزاحت عن سناك الغياهب

فأصبحت كشافا لكل ملمة             يلم بها الكشاف والكشف آيب

قصيدة في واحد وثمانين بيتا للأديب أبي عبد الله محمد الورغي التونسي، نظمها لما نادى أمير تونس علي باي على الخمر وشدد العقاب على مستعملها وقطعها قطعا كليا من أربابها هذه بعض أبياتها[41]:

طالع اليمن مقبل في ازدياد             سالم الكون من قبول الفساد

فتح الوقت منه للأنس بابا              إلى باب عليه سعد يناد

فاطو عن جانب التوقي بساطا         وانض طلق العنان نحو المناد

واطرح النصح من ثقيل تعني           ربما كان واحد الحساد

إلى أن يقول:

كم عيوب على الملوك تعايت           وهو يحمي عظيمها في اتناد

قال للخمر مرة خبريني               عنك في المنتهى والمياد

قال الخمر ستر ما شاء خير           لو سها عنه باحث ذو انتقام

كنت في غربة بأرضك مالي         من مواليك غير خصم معاد

لا يلني من الأنام خليل              غير رهط صحبتهم في المياد

عشت بهم في المذلة دهرا          في اجتراس من أمة الأعاد

فاستلمت النفوس منهم بلهو         يوهم الغر يقظة في الرقاد

فإذا الهزل عندهم أصبح جدا       وإذا الناس كلهم في قياد

إلى أن يقول:

قال أخطأت ما حديثك          هذا غير ضرب على حديد براد

لم يغادر من الحماقة شيئا      من رأى العقل أسوة في العباد

ج. الكتب التي وقف عليها 

ذكرنا في ترجمة الناصري أنه كان شغوفا بجمع الكتب واستنساخها وبذل النفيس في الحصول عليها، وكان ذلك من بين أغراض هذه الرحلة، ويعبر الناصري عن هذا الميل الشديد للكتب في كتابه المزايا فيقول: “ولقد كنت في وجهتي للحرمين مرتين –لا حرمنا الله من العود– أبحث كل البحث عن الكتب بالحرمين ومصر وطرابلس وتونس، فأجد ذلك مختلا متلاشيا، دخلت عليه داخلة التضييع وتوسيد الأمر لغير أهله، وما رأيت من جمع الآلاف من الدواوين في كل فن، لا سيما الحديث والتفسير واللغة وفنون الأدب، مثل ما جمع شيخنا المرتضى رحمه الله ورضي عنه[42]“.

وقد سجلت الرحلة جملة من النفائس التي وقف عليها الرحالة بالخزانات الخاصة، نذكرها كالتالي:

  • شرح العلامة داود الشاذلي لحزب البحر للشيخ أبي الحسن الشاذلي، وجده عند الأديب أبي العباس أحمد بن العربي بطرابلس.
  • نسخة من صحيح البخاري في مجلد بخط الحافظ أبي علي حسين بن محمد الصدفي شيخ القاضي عياض، وجدها عند أبي العباس أحمد المعروف بأبي الطبل بطرابلس، اشتراها بثمن بخس في عدة كتب بمدينة اسطنبول، وقد رغب الناصري في اقتنائها، عرض على صاحبها 100دينار ذهبا فامتنع فحزن لذلك وقال: “يأبى الله إلا ما أراد، وما هي إلا مضيعة بهذه البلدة[43]“. ويصف الناصري هذه النسخة فيقول: “تداولتها الأيدي بالأندلس ومصر في سالف القرون، وعليها من سماعات العلماء، عياض فمن دونه إلى ابن حجر، العجب، وكتب عليها الحافظ السخاوي ما نصه: “هي الأصل الذي يعتمد عليه ويرجع عند الاختلاف إليه، ولقد اعتمد عليها شيخنا الحافظ أبو الفضل ابن حجر حالة شرحه للجامع الذي سماه فتح الباري، وعليها أيضا ما نصه لكاتبه ابن العطار في الشيخ الإمام الحافظ أبي علي حسين بن محمد ابن عيسى الصدفي كاتب هذا البخاري، وهو شيخ القاضي عياض صاحب كتاب الشفا رضي الله عنهم:

قد دام بالصدفي العلم منتشرا                وجل قدر عياض الطاهر السلف

ولا عجب إذا أبدى لنا دررها              لدر مظهره إلا من الصدف

وقلت أيضا في سيدنا ومولانا قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة الكناني الشافعي أدام الله أيامه وأعز أحكامه، وقد حملت له هذه النسخة لمجلسه بالصالحية في العشر الأول من رجب الفرد سنة اثنين وثمانمائة فنظر فيها وقال: لو كتبت نسخة واضحة بخط حسن وقوبلت على هذه النسخة لكانت أحسن، فإن كاتبها رجل جليل القدر رضي الله عنه:

رأى البخاري بخط الحافظ السخاوي              قاضي القضاة أن النسل والسلف

فمال واسطة العقد الثمين له                     ولا عجيب بميل الدر للصدفي

وموجب قول ابن جماعة ما ذكر أن خط الصدفي أندلسي رقيق غير منقوط، إلا أنه يشكل المشكل على عادته وعادة بعض الكتاب نعم، عليها تصحيحات واختلاف الروايات ورموز وتخريجات لا ينتفع بها إلا الماهر في الفن المتدرب على الروايات[44]“.

لقد ظل الناصري مهتما بهذه النسخة الفريدة إلى أن أخبر السلطان المولى سليمان والتمس منه العمل للحصول عليها، فسارع السلطان بإرسال من اشتراها من أبي الطبل بألف مثقال، إلا أن القدر حال دون ذلك، ويروي الناصري هذا الحدث في كتابه المزايا فيقول: “ثم حملتني الغيرة والمحبة على أن بلغت خبره لإمامنا المنصور أبي الربيع سليمان بن محمد أدام الله ملكه وأنجح أمره، فوجه إليه حسبما شافهني به ألف مثقال أو ريال –الشك مني– فأجابه من هو بيده أنه يقدم به لحضرته، وما منعه إلا فتنة الترك فيما تونس والجزائر، ثم لما طال الأمد أعاد الكتب بذلك، وإلى الآن لم يظفره الله به، وقد داعبته ذات مرة قائلا في شأن سماع الصدفي المذكور: وماذا لمبلغ هذه الخصلة؟ فوعدني – ووعد الملوك تحقيق– إنه إن ظفر به خرج منه فرعا وأعطاني أحدهما على اختياري[45]“.

  • شرح زروق لرسالة ابن أبي زيد القيرواني بخطه، وجده بمصراته عند أولاد أبي عامر[46].

– أسفار من الكمال للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي في تراجم الكتب الستة.

– تأليف محمد بن أبي بكر الرازي مقررا على مؤلفه وعليه بخطه سنة 664هـ، وهو عبارة عن أسئلة قرآنية تفسيرية تزيد على إثني عشر ألف سؤال، وقد جاء الناصري بفقرات منه.

– تأليف لابن العماد في أسئلة قرآنية وحديثية وفقهية وغير ذلك، نقل منه فقرات.

– رسائل للشيخ زروق كتب بها لبعض محبيه من أهل الآفاق، نقل منه فقرات، كل هذه الكتب وجدها بخزانة أبي الطبل سابق الذكر[47].

– وقف بخزانة الفقيه أبي عبد الله محمد بن بدر الدين من ذويه الإمام الفكوني على جملة من النفائس منها:[48].

– مسالك الإمام ابن العربي على موطأ مالك في جزأين.

– تهذيب ابن زروق لتهذيب البرادعي في مجلدين ضخمين.

– شرح الخطابي لسنن أبي داود في سفرين.

– كشف الظنون ع، أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة في مجلد كبير ضخم.

– كتاب المعلم للمازري.

– كتاب الأكمال للقاضي عياض.

– حواشي أبي يحيى الفكوني على المدونة.

– ووقف بقسمطينة عند الشيخ أبي الحسن علي الونيسي على كتابين من تأليف كمال الدين أبي الفضل جعفر بن ثعلب الشافعي: أولهما الطالع السعدي الجامع أسماء الفضلاء والرواة بأعلى الصعيد في مجلد كبير، والثاني الإمتاع بأحكام السماع في مجلد.

د. العلماء والشيوخ الذين التقى بهم في الرحلة

كان من بين أغراض الرحلة التي قام بها ابن ناصر الدرعي لقاء العلماء والجلوس إليهم والاستفادة من علمهم وإفاداتهم وتبادل الإجازات معهم، وسنذكر فيما يلي الشخصيات العلمية الذين التقى بهم على ترتيب مراحل الرحلة[49].

– أبو محمد عبد الله الصديق.

– أبو زيد عبد الرحمن بن التاودي برادة.

– المقداد بن عبد اللطيف الجمني.

– أبو عبد الله محمد بن بكر المالكي.

– أبو إسحاق إبراهيم بنور.

– أبو العباس أحمد بالعربي.

– أبو العباس أحمد أبو الطبل.

– محمد السكلاتي.

– محمد بن عبد الكريم العسوس قاضي المالكية.

– السيد علي البرشيمجي مفتي الحنفية.

– الحاج محمد بن بكر أفندي قاضي الحنفية.

– محمد بن محمد الرمشاني.

– عبد المومن بن سليمان المخرومي.

– أحمد بن كاتب المفتي.

– عثمان الشامي.

– أحمد جمال الدين الشافعي.

 –الشيخ البيلي.

– الشيخ عبد العليم.

– محمد أقهار المراكشي.

– الشيخ سليمان البجيرمي.

– عمرو بن صالح الرميح.

– أبو عبد الله محمد بن عبد اللطيف الجمني.

– أبو فضل الطاهر بن مسعود القسمطيني.

– صالح الكواش.

– أبو عبد الله محمد بن بدر الدين الفكوني.

– أبو الحسن علي الونيسي.

– أبو عبد الله الطيب بن كيران.

– أبو عبد الله محمد الهواري الفاسي.

– الشريف أبو العباس أحمد بن الطاهر قاضي مكناس.

– أبو عبد الله محمد بن المهدي السجلماسي قاضي زرهون.

2. الناحية التاريخية

يعتبر نص الرحلة عموما وثيقة تاريخية مهمة يستفيد منها المؤرخ ودارس التاريخ، فقد يسعى الرحالة إلى تسجيل تواريخ الرحلة منذ انطلاقها ومراحلها، ويتحدث عن المعالم التاريخية التي زارها، ويدون الأحداث التي عايشها عن قرب أو سمع عنها، ويصور الجوانب العمرانية للبلدان التي يمر بها أو يقيم بها مدة من الزمن، ويتعرض للعادات والتقاليد التي عاينها، ويتكلم عن أمور تتعلق بالجانب السياسي والدبلوماسي، وغيرها من الجوانب التي تشكل مادة خصبة لدارسي التاريخ.

وبالنسبة لرحلة الناصري فقد طفحت بجملة من الأحداث التاريخية التي تفيد في دراسة الفترة التي عاصرها في كل بلد مر به أو أقام فيه، ومن بين الأحداث التي سجلها في رحلته:

  • كتاب السلطان المغربي أبي الربيع سليمان العلوي إلى الناصري، وهو بمدينة تازة، يعين له فيه كيفية صرف صدقة الحرمين ومصر على العلماء والأشراف والطلبة والفقراء[50]، على عادة ملوك المغرب في إرسال الهدايا إلى الحرمين الشريفين ومصر وبلاد الشام، وقد كان والد السلطان المذكور المولى محمد بن عبد الله يرسل الهبات إلى المشرق، ومثال على ذلك، أنه بعث مع ولده الأمير المولى عبد السلام في ركب الحجاج المغربي صلة مهمة إلى الأشراف بالحرمين، وتوجد وثيقة صادرة عن السلطان بتاريخ 1204هـ/1789م، تحدد ما يدفع من الصرة المغربية لهؤلاء الأشراف على اختلاف فروعهم، ومما جاء في هذه الوثيقة: “الحمد لله وحده، هذا زمام هدية الحرمين الشريفين المتوجهة مع ولدنا الأرضى سيدي عبد السلام، أصلحه الله ورضي عنه، وقدر الهدية المذكورة: ألف سبيكة من المذهب، وقد أمرنا أن يفرق ذلك على ما هو مذكور مبين بالكناش، حتى يتوصل كل ذي حق إلى حقه إن شاء الله، وكتب في جمادى الأولى عام أربعة ومائتين وألف، القسمة الأولى: للسادات الشرفاء أهل مكة والوادي وجدة والطائف مئتان من السبائك، القسمة الثانية: للسادات الشرفاء أهل المدينة المنورة، ومن بينه وبين المدينة مرحلة واحدة مئتان من السبائك، القسمة الرابعة: للسادات الشرفاء أهل بدر ورابغ وخليص والصفرا والحديدة…مئتان من السبائك أيضا[51]…”.
  • ولم يبين الناصري مقدار الهبة السلطانية التي تكلف بها، وإنما اكتفى بالإشارة إلى أنه لما وصل مصر أنفذ ما بعث به السلطان من الصدقة للعلماء وأرباب الطوائف من الوفائيين والبكريين والعمرانيين وطلبة الأزهر وغيرهم، وأنه أخذ من كل من قبض صدقة دسكرة بخطه وخاتمه بما قبض[52].
  • ولما استقر الناصري بمكة وأدى فريضة الحج وتحلل من مناسكه، سمع أمير مكة غالب الشريف بقدوم الصدقة من المغرب، فبعث إليه بعض خواصه في أبهة يطلب منه أن يسلمه الصدقة ليفرقها بنفسه، مبررا ذلك أنه يعرف المستحق لها من غيره، وأن أهل مكة أعرف بشعابها، فرفض الرحالة طلبه، وأجابه بأنه غير مأمور بدفع الصدقة إليه، وكان ذلك ليلا، حسبما صرح به في الرحلة، قال الناصري: “فعند ذلك بعثت في الحين للشرفاء والعلماء والمؤذنين والفراشين وسدنة الكعبة ففرقتها معتمدا على مكتوب الإمام بخطه، نصره الله، معينا لكل فريق ما يأخذ، بعد دفع دسكرته، أي خطه وطابعه، شاهدا على ذلك علماء المذاهب الأربعة، فما أصبح وبيدي مما عين لهم دائق، فقضى أهل مكة العجب من رد أمر أميرهم[53]…”.
  • دخول الشيخ الناصري المدينة المنورة يوم عاشوراء من عام 1212هـ عند عودته من مكة، وإقامته خمسة أيام في بيت أحد العلماء المغاربة المجاورين للحرم النبوي الفقيه الزاهد محمد الجيلاني السباعي، وقد اجتمع عنده كثير من علماء المدينة، ذكر منهم: الشيخ عثمان الشامي، والشيخ أحمد جمال الدين الشافعي، وقد كان الشيخ الجيلاني ذا مكانة سامية في الحجاز، وهو الذي قاد مقاومة جهادية ضد حملة نابليون الفرنسي على مصر في عدد كبير من المؤمنين المجاهدين المخلصين الذين وفدوا عليه من كل مناطق الجزيرة.
  • وقد سجلت نصوص الرحلات إلى الجزيرة العربية أسماء عدد من المغاربة الذين رحلوا إلى المشرق واستقروا بالحجاز وأصبحوا مجاورين للحرمين الشريفين، وقد ذكر منهم الرحالة الشهير ابن بطوطة في رحلته “تحفة النظار” عددا كبيرا، كالفقيه الزاهد أبي الحسن علي ابن رزق الله، الولي الصالح أبو العباس الغماري، والفقيه أبي يعقوب يوسف، وغيرهم كثير[54].
  • هلاك ربع الحجاج في الطريق بين المدينة وآبار الغنم في النصف الثاني من محرم 1212هـ بسبب الرياح الحارة والعطش، وغلاء الأسعار، “فما يكاد الريال الكبير يعلف بغلة[55]“.
  • وقوع حالات السرقة والنهب في طرق الأعراب بين آبار السلطان والمويلح، ووقوع صدام كبير بين الحجاج وهؤلاء الأعراب هلك بسببه الكثير، ونهبت به أموال كثيرة، وكان من بين الحجاج الذين تعرضوا للنهب بهذا الموضع زوجة شيخه الفقيه محمد التاودي بن سودة الفاسي، نهب متاعها “ولم يبق لها دانق[56]“.

موت الأمير أحمد بن السلطان المولى سليمان ببندر العقبة في أواخر محرم من عام1212هـ، وذلك بمرض أصابه في بطنه، وكان صغيرا دون البلوغ، ودفن بفم البندر حيث ضريح الشيخ إبراهيم اللقاني[57].

فرض مكوس باهضة على الحجاج من قبل أبي قاسم باي، وقد قدر الناصري مبلغ المكوس المفروضة على الحجاج المغاربة ب 700 ريال، وبالمدينة المنورة ب 11 ريالا، وقد انتقد هذه الظاهرة بشدة، واعتبرها من الظلم والعدوان “لا أربح الله تجارته، ولا أعاد على المسلمين سنته[58]“.

وقوف ابن ناصر بمصراته على دينار ودرهم من متخلف الفقيه محمد بن عامر، يرجعان إلى عهد هشام بن عبد الملك، مكتوب في وسط الدينار من إحدى الجهتين “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وبدائرته محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون”، وفي وسطه من الجهة الأخرى “الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد. محمد رسول الله” وبدائرته باسم الله: ضرب هذا الدينار سنة ست ومائة. وفي وسط الدرهم ” الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد. وفي دائرته محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون” وفي وسطه من الجهة الأخرى “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وفي الدائرة “باسم الله”: ضرب هذا الدرهم أواسط سنة ثلاث عشر ومائة” والجميع بخط كوفي[59].

كل هذه اللقطات التاريخية قد تفيد الباحث في التعرف على ملامح العصر الذي عايشه الرحالة الناصري، والوقوف على مظاهره الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، مما يجعل النص مصدرا تاريخيا مهما يرصد الدارس من خلاله مظاهر الحياة والبيئات في المشرق والمغرب.

خاتمة

بعد قراءة نص الرحلة، وتتبع مراحلها، وتفحص مادتها التي تمس جوانب عديدة من حياة البلدان والمجتمعات، والتي تتفق جميع نصوص الرحلة على إيرادها والاستئناس بها غالبا، نختم بتسجيل بعض الملاحظات على هامشها، وهي كالتالي: إن الرحلة الناصرية تزخر بالمعلومات والأخبار والإفادات في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية والعمرانية والتاريخية، وقد اعتمد الرحالة في تسجيلها على ذاكرته أحيانا، وعلى المشاهدة والمعاينة أحيانا أخرى، وعلى الرجوع إلى المصادر الدينية والتاريخية واللغوية والمناقبية تارة أخرى، وقد عرض هذه المادة في أسلوب واضح سهل لا تكلف فيه ولا عناء.

إن نص الرحلة جاء مقتضبا، حيث كان صاحبه شحيحا في تصوير الأحداث والوقائع، ووصف البلدان والمسالك، والحديث عن المجالات التي تخص الجانب الاجتماعي والسياسي والدبلوماسي، وإعطائها حقها من العناية والاهتمام، وإنما كان يضع الإشارات، ويرسل اللقطات، ولا يغوص في معالجة الحدث، مما جعل النص قصيرا لا يتجاوز 174 صفحة من الحجم المتوسط، وهو حجم –في تقديري– صغير بالمقارنة مع نصوص الرحلات الأخرى، ولذلك سميت رحلته “الرحلة الصغرى”.

أغفل ابن ناصر جوانب هامة في تاريخ المجتمع العربي الإسلامي في الفترة التي عايشها، ولم يذكر تفاصيل الأحداث الخاصة بالتواجد الأجنبي بمصر، وأثر الحملة الفرنسية على السكان من الناحية النفسية والاجتماعية، وصدى هذه الحملة في البلدان التي زارها، خاصة، إذا علمنا أنه أقام في مصر مدة شهرين، واستنكر خلالها المكوس التي كانت تفرض على المسلمين من قبل النصارى هناك.

بالرغم أن صاحب الرحلة كان شحيحا في معالجة الأحداث وتصويرها بالشكل الكافي إلا أننا نجده لا يتردد في التعليق وإبداء انتقاده ورفضه لكل ما يراه مجانبا للصواب أو مخالفا للحقيقة كانتقاده لعادات النساء الجزائريات بعين ماضي، ومنعه تلقين الأوراد الناصرية لصبي تونسي بتوزر لم يتجاوز عمره عشر سنين، ورغم إلحاح أمه، لأنه لم يتمكن في ديانته” فدعونا الله له بالتوفيق، ورجع كأمه في طائفته، فلم تقدر لنا الإجازة على الشرط الذي طلبوه[60]“. وانتقاده لأصحاب الرحلة كالعبدري وغيره في قولهم: إن أهل برقة لا يعرفون السرقات الليلية، ويثبت عكس ذلك من خلال معاينته المباشرة لما وقع لهم من سرقات في أحد الليالي، يقول الناصري: “وأين قول أهل الرحل: أهل برقة لا يعرفون السرقة الليلية، وقد وقع بالطلعة ونحن بالجبل الأخضر ما هو أكثر من هذا من سرقات الليل، ولعل ذلك كان في القديم، وفي زمن العبدري فمن بعده، وأما اليوم فقد تكاسبوا في البيوعات، وراموا الاختلاسات والسرقات، إلا أنهم أخف من أهل الحجاز والجريد[61]“. وانتقاده ومخالفته لرأي أبي زيد الدباغ صاحب كتاب “معالم الإيمان”، الذي ذهب فيه إلى أن مدينة القيروان لم تعرف الدمار والنهب وسبي النساء منذ أن دعا عقبة بن ناقع وأصحابه لها بالخير وذهاب الظلم والخراب عنها، وقد اعتمد في ذلك على رأي العالم التونسي ابن ناجي أن الأعراب نهبوا القيروان، وسبوا حريمها، ودخلوها بعد ذلك بالسيف، ولم يبق بها دار إلا دخلت، حتى لم يبق بها أنيس، وتفرق أهلها في البلاد بعد هلاك أكثرهم وتبديد معظمهم، ولإثبات هذه الفكرة جاء الناصري بما نظمه بعض الشعراء في خراب القيروان، أمثال: أبي الحسن بن فضال القيرواني المعروف بالحلواني، وابن رشيق القيرواني، وأبي علي حسن بن رشيق القيرواني[62].

إن نص الرحلة رغم صغر حجمه، وشحاحة متنه، يشتمل على إفادات علمية، وأخبار تاريخية، ومعلومات عن الحياة الإجتماعية والدينية، وأوصاف عن المآثر العمرانية، ما يجعله جديرا بالتحقيق والدراسة.

مصادر البحث

  • إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، عبد الرحمن بن زيدان، الرباط 1347هـ/1929م.
  • الإتحاف الوجيز بأخبار العدوتين، المهدى لمولانا عبد العزيز محمد بن علي الدكالي، تحقيق: مصطفى بوشعراء، الخزانة الصبيحية، سلا 1406هـ/1986.
  • الإحسان الإلزامي وتطبيقاته في المغرب، محمد الحبيب التجكاني، مطبوعات وزارة الأوقاف المغربية، 1410هـ/1990.
  • أدب الرحلة بالمغرب في العصر المريني، الحسن الشاهدي، منشورات عكاظ، 1990، الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، عباس بن إبراهيم المراكشي، تحقيق: عبد الوهاب بنمنصور، المطبعة الملكية، الرباط 1983.
  • تاريخ الأدب الجغرافي، كراتشوفسكي، ترجمة: صلاح الدين هاشم، القاهرة 1963.
  • تحفة النظار (الرحلة)، ابن بطوطة، دار التراث، بيروت (د. ت).
  • التيارات السياسية والفكرية بالمغرب خلال قرنين ونصف قبل الحماية، إبراهيم حركات، الدار البيضاء، 1405هـ/1985.
  • الحركة الفقهية في عهد السلطان محمد بن عبد الله، أحمد الأمين العمراني، مطبوعات وزارة الأوقاف، 1417هـ/1996.
  • الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية، محمد الأخضر، الدار البيضاء 1977.
  • الرحلة الحجازية الصغرى، محمد بن عبد السلام الناصري، مخطوط بخزانة مؤسسة علال الفاسي، رقم: ع 457.
  • طلعة المشتري في النسب الجعفري، أحمد بن خال الناصري، طبعة حجرية.
  • شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن مخلوف، دار الكتاب العربي بيروت (د.ت).
  • الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي، المدينة المنورة، 1396هـ.
  • فهرس الفهارس والإثبات، عبد الحي الكتاني، دار الغرب الإسلامي، 1402هـ/1982.
  • المزايا فيما أحدث من البدع بأم الزوايا – محمد بن عبد السلام الناصري، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، رقم: 3548د.
  • مقدمة ابن خلدون، دار الكتاب اللبناني، ط 2، بيروت 1961.
  • معجم المطبوعات المغربية، إدريس بن الماحي القيطوني، مطابع سلا – 1988.

(انظر العدد 21 من مجلة الإحياء)

الهوامش

  1. تاريخ الأدب الجغرافي، لكراتشفسكي، 1/382.
  2. مقدمة ابن خلدون، 805.
  3. الإتحاف الوجيز بأخبار العدوتين، للدكالي، 121- 122.
  4. راجع: ادب الرحلة بالمغرب، لحسن الشهادي، الفصل الثاني عن دوافع الرحلة وبواعثها، 1/63- 106.
  5. تحدث عنها الزميل الأستاذ مصطفى الغاشي في مجلة الدارة، العدد 1، السنة 25- 1420هـ، 181/200.
  6. راجع في تحليلها بحث الأستاذ محمد الفاسي في مجلة المناهل، عدد 6/89/98.
  7. راجع في قيمة هذه الرحلة: التيارات السياسية والفكرية بالمغرب، إبراهيم حركات، 211/212، وقارن مع الحياة الأدبية في المغرب، لمحمد الأخضر، 372- 375.

– ما يزال نص الرحلة مخطوطا، وقد تعددت نسخه وتفرقت في الخزانات العامة والخاصة، ومن بين هذه النسخ:

–  نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط تحت رقم: 121- في 127 من الحجم المتوسط.

– نسخة أخرى بنفس الخزانة تحت رقم 147- من ص: 5 إلى 205 من الحجم المتوسط.

– نسخة بخزانة مؤسسة علال الفاسي بالرباط تحت رقم 457، وهي النسخة المعتمدة في هذا البحث، تقع هذه النسخة في 147 صفحة من الحجم المتوسط كتبت بخط مغربي مقروء، بمعدل 17 سطرا في كل صفحة وقد تم الفراغ من نسخها على يد أحد أفراد الأسرة الناصرية محمد المكي بن الحسن الناصري عشية الثلاثاء 3 محرم من عام 1226هـ.

  1. الحياة الأدبية، 386.
  2. لم يرتض عبد الحي الكتاني الوصف الأخير، وعقب على ذلك بأن الحفظ نسبي وعلى حسب الزمان والمكان، فوصفه بحافظ صقعة، وأكد أنه كان من أشهر تلاميذ الحافظ إدريس العراقي بالمغرب – فهرس الفهارس 2/847.
  3. فهرس الفهارس 2/844.
  4. نفس المصدر 2/847.
  5. توجد نسخة مخطوطة منه بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم: 3548د.
  6. فرغ من تأليفه في منتصف شعبان عام 1208هـ، توجد نسخة مخطوط بالخزانة العامة تحت رقم: 1097د.
  7. طبع على الحجر بفاس عام 1326هـ.
  8. توجد نسخة منه بالخزانة العامة تحت رقم: 2210هـ.
  9. توجد نسخة منه بالخزانة العامة تحت رقم: 137ق- وتوجد نسخة من كتاب الجوهري بنفس الخزانة تحت رقم: 1247د.
  10. نقلا عن الحركة الفقهية لأحمد العمراني 2/294 – الهامش 88.
  11. توجد نسخة منها بالخزانة العامة تحت رقم 3289 ك.
  12. توجد نسخة منه بالخزانة العامة تحت رقم 88 ج ضمن مجموع.
  13. أنظر ترجمته في المصادر التالية: رحلتاه الكبرى والصغرى – كناشته– طلعة المشتري للناصري 2/162، فهرس الفهارس للكتاني 2/843- 848، إتحاف أعلام الناس لابن زيدان 4/45- 170، الإعلام للمراكشي 5/184- 194، شجرة النور الزكية 381، معجم المطبوعات المغربية 346، الحركة الفقهية 2/284- 304…
  14. الفكر السامي، للحجوي 2/164.
  15. الرحلة الصغرى، 2.
  16. نفسه.
  17. الرحلة الصغرى، 70- 71.
  18. نفس المصدر 110.
  19. نفس المصدر .103
  20. الرحلة 39- 40- 41- 47- 86- 87- 88- 93- 169.
  21. الرحلة الصغرى 47.
  22. الرحلة 66.
  23. الرحلة 115.
  24. الرحلة 115- 116.
  25. الرحلة 162- 167.
  26. الرحلة 167.
  27. الرحلة 87
  28. الرحلة 160.
  29. الرحلة 5- 10- 16- 17- 37- 48- 50- 53- 55- 57- 62- 63- 68- 79- 82- 86- 97- 112- 113- 118- 119- 144- 145- 148- 152- 155- 156- 171.
  30. الرحلة 72- 75.
  31. الرحلة 30- 33.
  32. الرحلة 34- 35.
  33. الرحلة 130- 132.
  34. الرحلة 79-75.
  35. الرحلة 101- 102 وقارن مع الإعلام 5/193.
  36. الرحلة 80.
  37. الرحلة 80- 81.
  38. الرحلة 36- 37.
  39. الرحلة 85.
  40. الرحلة 124.
  1. الرحلة 153.
  2. الرحلة 14- 35- 64- 71- 72- 75- 79- 81- 91- 92- 107- 110- 128- 129- 144- 152- 153- 171- 172.
  3. الرحلة 36.
  4. التحاف أعلام الناس 3/228.
  5. الرحلة 99.
  6. تحفة النظار، لابن بطوطة، 148- 149.
  7. الرحلة 108.
  8. الرحلة 108.
  9. الرحلة 109.
  10. الرحلة 109.
  11. الرحلة 85.
  12. الرحلة 64.
  13. الرحلة 112.
  14. الرحلة 137- 141

Science
الوسوم

د. عبد الخالق أحمدون

أستاذ التعليم العالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق