مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

مزايا المذهب المالكي

  • المزية الثالثة: أصول وقواعد المذهب المالكي:
  • أصول المذهب :
  • الأدلة العامة:

والمقصود بها مجموع الأدلة التي تشكل مصدر الأحكام الشرعية، وتتميز أصول المذهب المالكي بسعتها وثرائها واستنادها على العقل والنقل، وهذه الأصول إجمالا هي:

  • القرآن الكريم:

1- نص الكتاب العزيز: وهو ما لا يقبل تأويلا نحو قوله تعالى:
﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ {البقرة/196}﴾.

2- ظاهره: وهو ما يقبل التأويل نحو قوله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ ([32])، فهو ظاهر في إحلال البيع، وتحريم الربا.

3- دليله: وهو مفهوم المخالفة، وهو دلالة الكلام على نفي الحكم
الثابت للشيء المذكور عن المسكوت عنه، لعدم توافر قيد من قيود المنطوق. مثل قوله تعالى : ﴿ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ {النساء/25}﴾، فإنه يدل على تحريم الزواج بالإماء في حال عدم الإيمان.

4- مفهومه: وهو فحوى الكلام أو مفهوم الموافقة : وهو دلالة اللفظ على ثبوت حكم الشيء المذكور للمسكوت عنه، لاشتراكهما في علة الحكم المفهومة بطريق اللغة. كقوله تعالى: ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء/23}﴾، ففيه دلالة على تحريم الضرب من باب أولى.

5- وتنبيهه: وهو التنبيه على علة الحكم. مثل قوله تعالى : ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ {الأنعام/145} ﴾.

  • السنة النبوية:

  ومن السنة أيضا مثل هذه الخمسة فهذه عشرة.

ثم: 11– الإجماع، 12– والقياس، 13- وعمل أهل المدينة،
14- والاستحسان، 15- وسد الذرائع، 16- وقول الصحابي،
17- والاستصحاب. ومن أصوله أيضا مراعاة الخلاف والمصلحة المرسلة.

ونُشير إلى أن المالكية قد اختلفوا في عدد هذه الأصول،  فجعلها القرافي تسعة عشر، وهي الكتاب والسنة، وإجماع الأمة وإجماع أهل المدينة، والقياس وقول الصحابي، والمصلحة المرسلة والاستصحاب، والبراءة الأصلية والعوائد، والاستقراء وسد الذرائع والاستدلال والاستحسان، والأخذ بالأخف والعصمة وإجماع أهل الكوفة وإجماع العترة، وإجماع الخلفاء الأربعة([33]).

وذكر صاحب “المعيار الجديد” أن عِدَّتها ستة عشر دليلا، ففي بيان أدلة المذهب إجمالاً قال: “فائدة: قال أبو الحسن: ذكر لي الشيخ راشد عن شيخه أبي محمد صالح أنه قال: الأدلة التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر: نص الكتاب وهو العموم، ودليل الكتاب وهو مفهوم المخالفة، ومفهوم الكتاب وهو المفهوم بالأولى، وتنبيه الكتاب وهو للتنبيه على العلة، مثل قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ {الأنعام/145} ﴾.

ومن السنة مثل هذه الخمسة، والحادي عشر الإجماع، والثاني عشر القياس، والثالث عشر عمل أهل المدينة، والرابع عشر قول الصحابي، والخامس عشر الاستحسان، والسادس عشر الحكم بسد الذرائع، واختلف قوله في السابع عشر وهو مراعاة الخلاف، فمرة راعاه، ومرة لم يراعه الشيخ”([34]).

هذه الأصول تشكل المرتكزات العامة التي استند إليها المالكية في الاستنباط والتخريج، وتتميز بكثرتها في المذهب المالكي، وبعضها يختص بها المذهب مثل عمل أهل المدينة، وبعضها توسع النظر فيه وعلى أساسه كالمصالح المرسلة، وإن وردت في المذاهب الفقهية الأخرى، غير أن المذهب المالكي كان أصرح وأوضح في مراعاته للمصالح باعتبارها المقصد العام للشريعة، والمقصد الخاص لكل حكم من أحكامها، وخاصةً في أبواب المعاملات والعادات([35]).

وهذه الأصولُ يعتمدها الفقيه مُرتبةً بحسب مراتبها التشريعية، فقد قال القاضي عياض: “الالتفات إلى مأخذ الجميع – أي الفقهاء – في فقههم، ونظرهم على الجملة في علمهم؛ إذ تخصيصه في آحاد النوازل لا يدرك صوابه إلا المستقل بالعلم. وحسب المبتدئ أن يلوح له بتلويح يفهمه، وهو أنَّا قد ذكرنا خصالَ الاجتهاد ثم ترتيبَها على ما يوجب العقل، ويشهد له الشرع:

تقديم كتاب الله عز وجل على ترتيب أدلته في الوضوح من تقديم نصوصه. ثم ظواهره، ثم مفهوماته. ثم كذلك السنة على ترتيب متواترها ومشهورها وآحادها، ثم ترتيب نصوصها وظواهرها ومفهومها. ثم الإجماع عند عدم الكتاب، ومتواتر السنة. وعند عدم هذه الأصول كلها القياس عليها، والاستنباط منها؛ إذ كتاب الله مقطوع به، وكذلك متواتر السنة، وكذلك النص مقطوع به، فوجب تقديم ذلك كله. ثم الظواهر. ثم المفهوم؛ لدخول الاحتمال في معناها. ثم أخبار الآحاد عند عدم الكتاب والمتواتر منها. وهي مقدمة على القياس لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على الأصلين. ثم القياس آخرا عند عدم هذه الأصول”([36]).

 والمتأمل في هذه الأصول يجدها تجمع بين العقل والنقل، والنص والاجتهاد مما يطبعها بطابع المرونة والسعة والتجديد.

  • الأدلة الخاصة:

قال أبو العباس الهلالي: “الذي تجوز به الفتوى أربعة أشياء: أحدها: القول المتفق   عليه في المذهب. ثانيها: القول الراجح وهو ما قوي دليله. ثالثها: المشهور، وهو ما كثر قائله. رابعها: القول المساوي لمقابله حيث لا يوجد في المسألة رجحان”)[37](.

وهكذا فالذي تجوز الفتوى به، هذه الأربعة:

  • القول المتفق عليه في المذهب: “والمراد بالاتفاق: اتفاق أهل المذهب، وبالإجماع: إجماع العلماء”)[38](.
  • القول الراجح: قال اللقاني: “اعلم أن كلمتهم قامت على تعين الإفتاء والعمل بالراجح”[39]. ومفهومه أنه ما قوي دليله من مذهب الإمام مالك.
  • المشهور: قال ابن فرحون: “وقد اختلف التأخرون في رسمه فقيل: المشهور ما قوي دليله،وقيل: ما كثر قائله، حكاهما ابن بشير وابن خويز منداد”([40]). والمرجع في تحديد مدلوله للمجتهدين، وقد عرف أن “مذهب ابن القاسم في المدونة هو المشهور ما لم يعارضه قول مالك”)[41](.

وقد عبر فقهاء مشهود لهم بالاجتهاد بالعمل به واعتماده في فتاواهم، كما قال الشاطبي: “أتحرى ما هو المشهور والمعمول به، فهو الذي أذكره للمستفتي”)[42](.

وقال ابن عرفة: “فالذي يُفتى به هو المشهور أو الراجح، ولا تجوز الفتوى ولا الحكم بغير المشهور ولا بغير الراجح”)[43](.

 لكن عندما تقتضي المصلحة العدول عن المشهور يتم ذلك كما قال اللقاني: “لشيوخ المذهب المتأخرين كأبي عبد الله بن عتاب، وأبي الوليد بن رشد، وأبي الأصبغ بن سهل، والقاضي أبي بكر بن زرب، والقاضي أبي بكر بن العربي، واللخمي ونظرائهم، اختيارات وتصحيحات لبعض الروايات والأقوال عدلوا فيها عن المشهور، وجرى باختيارهم عمل الحكام والفتيا لما اقتضته المصلحة، وجرى به العرف، والأحكام تجري مع العرف والعادة. قاله القرافي في القواعد وابن رشيد في رحلته وغيرهما من الشيوخ”)[44](.

ونفس الأمر قرره ابن هلال بقوله: “و إذا تقرر هذا فأبو المودة خليل جرى على قاعدته من إتيانه بالمشهور، إذ لا يفتي بغيره . و بالمشهور أفتى ابن أبي زيد وغيره، و كذلك ابن الحاج في نوازله، غير أن المفتي المتأهل له الفتيا بغير المشهور على وجه الاجتهاد والاستحسان لموجبه من المصلحة بحسب الوقائع واعتبار النوازل والأشخاص “)[45](. قال عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي الشنقيطي المغربي المالكي:

“وقدم  الضعيف إن جرى عمل       به لأجل سبب قد حصل

يعني: …يشترط في جريان العمل بالضعيف الجاري به عمل فاس مثلا، لجلب مصلحة أو درء مفسدة”)[46](.

 وفي هذا الكلام تنصيص على الحكم التبعي الذي يراعي فيه المفتي ظروف الواقع وما يحيط بصاحب النازلة من أوضاع خاصة.

4- القول المساوي لمقابله، حيث لا يوجد في المسألة رجحان: “يتصور القول المساوي لمقابله إما في قولين راجحين أو قولين مشهورين، أن يكون كل من القولين راجحا ومشهورا. ويكون كلا القولين متعارضين في الحكم كأن ينص أحدهما على الوجوب، والآخر على الندب، أو أحدهما بالحلية، والآخر بالحرمة. وفي هذه الحالة نص العلماء على ثلاث طرق للترجيح:

أ- فإما أن يختار المفتي أو القاضي أي قول أراد، وهذا ليس على إطلاقه…

ب-أن يخير المفتي المستفتي في أن يختار قولا من الأقوال المتساوية بعد عرضها عليه.

ج- التوقف، والدعوة إلى الصلح في باب القضاء”)[47](.

  • قواعد المذهب:

 القاعدة الفقهية هي “حكم كلي مستند إلى دليل شرعي، مصوغ صياغة تجريدية محكمة، منطبق على جزئياته على سبيل الاطراد والأغلبية”([48])، فالقاعدة الفقهية قانون يضبط أحكام عدد كثير من المسائل، والقواعد الفقهية تمثل “فلسفة الفقه الإسلامي وقمته وعصارته، وهي تبلور العقلية الفقهية القادرة على التجميع والتأصيل، كما تكشف أيضا عن الملكة العلمية، والطاقة الذكائية والحفظية التي استطاع-ويستطيع- بها الفقهاء المسلمون أن يصوغوا مسائل الفقه وفروعه المتكاثرة في قوالب وأطر جامعة حافظة…وكل ذلك حفاظا على هذه الشريعة الإسلامية، وحرصا على أن يخضع لها كل ما تعج به الدنيا من الأحداث والنوازل الصغيرة والكبيرة، الفردية والجماعية”([49]) . قال محمد الروكي: “الجزئيات محكومة بالكليات، والفروع تابعة لأصولها، فإذا حصلنا الكليات وضبطنا الأصول؛ ملكنا الهيمنة على الجزئيات والفروع بامتلاك أزمتها…وهذا الفكر التقعيدي لا تقتصر الحاجة إليه في النظر إلى التراث وتقويمه فقط، بل حتى في توظيفه وتنزيل المستخلص منه على الواقع”[50].

وهذه القواعد والكليات “يمكن الاحتكام إليها والاستمداد منها فيما لانهاية له من القضايا والحوادث والمشاكل التي تجد وتتكاثر في كل يوم وفي كل مكان، مما ليس له حكم خاص به وصريح فيه”[51]. لذلك يفزع الفقهاء عندما يستفتون في نوازل كثيرة إلى كليات الشريعة وقواعدها.

وقد ألف علماء المذهب في هذا العلم مصنفات كثيرة نذكر منها:

  • “أصول الفتيا”لمحمد بن الحارث بن أسد الخشني(ت361هـ).
  • “أنوار البروق في أنواء الفروق”لأحمد بن إدريس القرافي(ت684هـ).
  • “القواعد الفقهية” لأبي عبد الله محمد بن محمد المقري(ت875هـ).
  • “إيضاح المسالك”لأحمد بن يحيى الونشريسي(ت914هـ).
  • “الكليات الفقهية”لأبي عبد الله محمد ابن غازي المكناسي المتوفى في بداية القرن العاشر الهجري.
  • “تكميل المنهج في أصول المذهب المبرج”للشيخ ميارة الفاسي المتوفى سنة1072هـ.
  • نماذج من القواعد الفقهية:
  • الأمور بمقاصدها.
  • إذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر للأكبر.
  • إذا تقابل مكروهان أو محظوران، أو ضرران ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما.
  • التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.
  • التصرف في الأموال منوط بالحق والنفع.
  • الجهالة تبطل العقد.
  • درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
  • لا ضرر ولا ضرار.
  • يتحمل الضرر الخاص لرفع الضرر العام.
  • المشقة تجلب التيسير.
  • من الأصول:المعاملة بنقيض المقصود الفاسد أو من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه[52].
الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق