وحدة الإحياءدراسات عامة

قراءة في الكتابات المقاصدية المعاصرة

تعد مقاصد الشريعة من أهم المباحث وأدقها، ولذلك لم ير الشاطبي إمكان النظر فيها إلا لمن كان “ريان من علم الشريعة أصولها وفروعها، منقولها ومعقولها، غير مخلد إلى التقليد والتعصب للمذهب، فإنه إن كان هكذا خيف عليه أن ينقلب عليه ما أودع فيه فتنة بالعرض وإن كان حكمة بالذات[1].” لذلك اقتصد المتقدمون في بحث هذا الموضوع. أما المعاصرون فقد توسعوا في بحثه، حتى بات من المتعذر ملاحقة ما يؤلف من كتب وما ينشر من دراسات.

ولكن، لما كان هذا المبحث دقيقا، ومضمونه هاما، والكتابة فيه غزيرة، فإنه يحتاج إلى تقويم، خاصة بعد أن كتب فيه المؤهلون ومن دونهم. لذلك فقد جعلت وجهتي جمع بعض ما كُتب، ومحاولة فهمه، ورصد الاتجاهات الكبرى فيه. وقد تبين بعد البحث أنه من الممكن تصنيف ما كتب إلى ثلاثة اتجاهات، وهي الاتجاه المدرسي والاتجاه الحداثي والاتجاه المجدد.

ولئن كانت هذه القراءة مهتمة بتحليل وتقويم ما أنتجه الفكر الإسلامي المعاصر في مجال مقاصد الشريعة، والوقوف عند أصول النظر التي يستند إليها أصحاب هذه الاتجاهات. فإنها تسعى ضمنا إلى تقديم منهج لقراءة النص الشرعي من أجل استجلاء مقاصده وتوظيفها في مجال التشريع وغيره.

ارتبطت إثارة موضوع المقاصد في هذا العصر بالإصلاح. فقد أثر عن محمد عبده أنه دعا تلاميذه إلى الاهتمام بالموافقات للشاطبي فتداعى بعضهم لدراسته، أما في تونس فإن أهم ممهدي الحركة الإصلاحية في تونس الأمير أحمد باشا[2] الذي أنشأ المدرسة العسكرية، وجلب لها المدرسين من جنسيات مختلفة، وأشرك معهم الشيخ محمود قبادو 1228ﻫ مدرس اللغة العربية والتربية الدينية، وجعل الإشراف لشاب من نبغاء المماليك هو خيرالدين 1890م فانقدحت شعلة مذهب إصلاحي[3]، وجد في فضاء جامع الزيتونة من يحتضنه.

اهتدى خيرالدين في إطار الإصلاح السياسي والقانوني والإداري الذي باشره إلى مقاصد الشريعة. ورأى أن ما تهدف إليه الشريعة من عدل ورقي بالإنسان والمجتمع ينبغي السعي إلى تحقيقه في الواقع. وبذل هذا الأمير جهده في تحقيق هدفه غير أن عوامل الضغط المانعة[4] من الإصلاح لم تمكنه من الوصول إلى غرضه، ولكن لم يمنعه ذلك من تحقيق بعض الإنجازات التي مهدت لمن جاء بعده من المصلحين كإنشائه المدارس وإصداره الدوريات…

وممن سار معه في هذا الاتجاه ابن أبي الضياف 1874م، والشيخ سالم بوحاجب 1924م الذي كان “أول المنددين بما أصبح عليه متأخرو الفقهاء من التمسك بالظواهر والإعراض عن تحقيق المناط، وصار من أشهر الدعاة إلى مراعاة مقاصد الشريعة وتطبيقها على الأحوال الحاضرة[5].” وترجم ذلك بوقوفه إلى جانب خير الدين وزملائه المصلحين من أساتذة جامع الزيتونة مثل محمد السنوسي 1900م ومحمد الخضر حسين 1958م الذي دعا إلى فتح باب الاجتهاد، فثار ضده المقلدون وطالبت النظارة العلمية لجامع الزيتونة الحكومة بتعطيل مجلته “السعادة العظمى[6]“.

 ثم جاء ابن عاشور الذي أدرك أن سبب قصور العقل الإسلامي هو إهمال المقاصد. ولذلك اعتمدها مدخلا لإصلاح التعليم، مادة ومنهجا، من خلال كتابه “أليس الصبح بقريب”. كما اعتمدها مدخلا لإصلاح المنظومة التشريعية من خلال كتابه “مقاصد الشريعة الإسلامية”.

وظهر قبل هؤلاء محمد العزيز جعيط 1886 الذي دعا إلى البحث في أسرار التشريع[7]، فكانت الاستجابة إلى دعوته من خلال ذلك الجيل من أبناء الزيتونة الذي اهتموا بكشف المصالح الراجعة للأفراد والمجتمع. ولعل تأليف ابن عاشور لكتاب “مقاصد الشريعة الإسلامية” كان تحقيقا لذلك الأمل. وقد فتح الباب لما جاء بعده من مؤلفات في هذا الموضوع.

انتهيت بعد الاستقراء إلى تقسيم هذه الكتابات إلى ثلاثة اتجاهات كبرى وهي الاتجاه المدرسي والاتجاه الحداثي والاتجاه المجدد. ولئن كان من الممكن أن تتقاطع التسميات والأوصاف من حقل معرفي إلى آخر، فإن ما عنيناه بهذا التصنيف هو تسمية الناس بما ارتضوه لأنفسهم؛ لأنه من آداب التخاطب أن ينادى الإنسان باسمه بل بأحب أسمائه إليه.

وبناء على ذلك فإن هذا التصنيف خال من الأحكام المسبقة؛ لأنه انطلق من واقع صادق عليه أصحابه، وما ينبغي الانتباه إليه أن التصنيف في الأبحاث العلمية وسيلة منهجية للسيطرة على الموضوع المدروس من جهة. وتيسير تناوله من جهة أخرى؛ لأنه من المتعذر الإتيان على كل ما كتب في المقاصد. وقد جمع محمد كمال الدين إمام بعضها في كتاب تجاوز ستمائة صفحة، وتجاوز عددها الألف[8]، فلابد من تحديد الاتجاهات الكبرى لهذا الاهتمام بالنظر إلى المنطلقات والمضامين والأهداف والنتائج.

1. الاتجاه المدرسي

تمثل الكتابات المدرسية أكثر ما كتب في هذا الموضوع ولئن أردت الالتزام، عند الحديث عن كل صنف، ببيان تصوره لمقاصد الشريعة ثم تحديد خصائص هذا التصور. فإنني سأتجاوز هذا التمشي عند المدرسيين؛ لأنهم لا يملكون تصورا خاصا، وإنما يكررون ما انتهى إليه المتقدمون. ويمكن تحديد خصائص الكتابة المدرسية في النقاط التالية:

أ. اختلال إطار التناول: اهتم المدرسيون بالمقاصد في إطار بحثهم للمصلحة المرسلة أو الاستصلاح، وجعلوا المصلحة شاملة للمقصد أو مساوية له أحيانا[9].

ولا يخفى خلل هذا التصور لأن المقاصد تعم المصالح المعتبرة والمرسلة، بل العمل بالمصلحة المرسلة يُعيَّر بمعيار المقاصد. ولأن المصالح المرسلة هي “ما لم يشهد الشرع باعتباره ولا بإلغائه بدليل خاص”، أما المقاصد فيشهد لها ما لا ينحصر من الأدلة[10]. ويتأكد سوء تصور المسألة من خلال اهتمامهم بالاختلاف في حجية المصالح المرسلة؛ لأنه إذا كان ذلك معلوما، فإن المقاصد محل اتفاق حتى عند المترددين في العمل بالمصلحة كالشافعية، ولذلك يرى الغزالي أن المصلحة إذا كانت معبرة عن مقصود الشارع فلا خلاف في الاعتماد عليها[11]. فكيف تكون المقاصد المتفق عليها جزءًا من المصالح المرسلة المختلف فيها؟ ثم كيف تكون المقاصد جزءًا من المصالح المرسلة وهي شرط للعمل بها، ومعيار للتأكد من سلامتها؟

إن الخلل في إطار التناول هو خطأ منهجي كما قال طه عبدالرحمن[12]، وله نتائجه التي تظهر في تساؤل محمد سليمان الأشقر، بعد أن تناول المقاصد ضمن الحديث عن المصلحة المرسلة، عن مدى شرعية القوانين التي يستند في وضعها إلى المصلحة؟ وانتهى إلى أن “الأحكام التي تبنى على مجرد المصلحة المرسلة ليست أحكاما شرعية، فلا يثبت بها وجوب شرعي ولا تحريم شرعي ولكنها أحكام وضعية[13]“؛ لأن الدين اكتمل ولا مجال للزيادة فيه. وضرب لذلك مثال قوانين المرور.

ويثير هذا التصور المختل عدة أسئلة منها: هل أن الإكمال الوارد في الآية مقصود به أصول القضايا أم تفاصيلها؟ إذا كان المقصود الأصول فلابد من الاجتهاد، واعتبار الأحكام الناتجة عنه شرعية؛ لأن المجتهد كشف عنها انطلاقا من تلك الأصول. وإذا كان المقصود هو التفاصيل، فإن الواقع يكذبه لوجود حوادث كثيرة لا نص فيها؛ لأننا “نعلم قطعا أنه لم يرد في كل حادثة نصّ ولا يتصوّر ذلك أيضا، والنصوص متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى[14]“.

وإذا كان الأمر كذلك فماذا يطلق على هذه الأحكام؟ وماذا يترتب عن مخالفة قوانين المرور إذا أُزهِقَت روح أو أُتلف عضو؟ أليس في ذلك تفويت لمقصد شرعي وهو حفظ النفس؟ فماذا تسمى الإجراءات التي تتخذ لحمايتها؟ فهل يعقل أن نَترُكَ اليوم البحث في تنظيم الحياة بسن القوانين في مجال المرور وغيره؟ أليس في وضع التنظيمات على أساس الحق والعدل تحقيق مقاصد الشرع؟

 ثم أليست تلك القوانين ثمرة للاجتهاد الذي يعتبر دليلا من أدلة الفقه. ثم إذا كانت المصلحة المرسلة دليلا شرعيا في نظره فكيف يقول “الأحكام التي تبنى على مجرد المصلحة المرسلة ليست أحكاما شرعية؟[15]” والحال أن “الحكم الذي نأخذه بطريق المصلحة أو الاستحسان أو غير ذلك من ضروب المآخذ الاجتهادية يعتبر حكما شرعيا[16]“. ولكن الفكر المدرسي المصاب بالذهول الاصطلاحي والمعرفي لا يستطيع تصور ذلك، ولذلك كانت قراءته معبرة عن أفقه المعرفي الذي لا يرقى إلى ما تقتضيه مقاصد الشريعة التي يبحث فيها.

 ب. غياب الإضافة: رغم كثافة الكتابة المدرسية، فإن أصحابها لم يضيفوا شيئا لما ذكره السابقون، بل بيّن بعضهم عدم إمكان الإضافة إلى ما تم التوصل إليه[17]؛ لأن الأوائل لم يتركوا للأواخر سوى بعض نواحي التكميل والتتميم والتعليق[18]. ويردد البعض منهم جملا اعتبروها قواعد تبرر عدم إمكان الإضافة، منها “ليس في الإمكان أبدع مما كان”.

ولذلك اعتبروا الوفاء للسلف لا يتم إلا بالمحافظة على ما توصلوا إليه، وغلب على هذه الكتابات الاكتفاء بتبسيط العبارة دون القدرة على تفعيل المقاصد من خلال توضيح الرؤية أو معالجة القضايا المعاصرة. ولا شك أن اعتماد هذه المقولات وغيرها هو من باب كلمة حق أريد بها تبرير نزعة فكرية قائمة على التقليد، حتى اعتبرها الزركشي “من الكلمات العقم التي لا ينبغي إطلاق مثلها إلا في حق الصانع الذي لا يصنع أحد صنعته[19]“.

ج. صراع النقل والعقل: لئن انتهى الفكر الإسلامي منذ القديم إلى أن “العقل كالأس والشرع كالبناء، ولن يغني أس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس[20]“؛ فإن بعض المدرسيين يذهبون إلى التقليل من شأن العقل ويصفونه بالجهل والإخفاق[21]. ويعالجون العلاقة بين العقل والنقل بأسلوب سجالي. ويقيمون صراعا وهميا بينهما، ويحكمون بسلامة النقل مهما كانت طبيعته، وإخفاق العقل مهما كانت رجاحته، ويمنعون الاجتهاد لوضع القوانين المنظمة للحياة بدعوى أن لا تشريع إلا من الله[22].

وما ينبغي أن يعلمه المدرسي أن التشريع جاء من الله قطعا، ولكن في شكل قواعد عامة وأحكام كلية، تاركا للعقل مجالا واسعا للملاءمة بين هذه القواعد والحياة المتطورة، ولذلك اتجه المسلمون إلى وضع التنظيمات في مختلف المجالات[23].

د. سوء التأويل: لئن كان المتقدمون يرون معرفة الاختلاف من علامات الفقه حتى قالوا “لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالماً باختلاف الناس، فإنه إن لم يكن كذلك ردّ من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه[24]“؛ فإن بعض المدرسيين يعمد إلى توظيف النص في تأكيد أفهام ونفي غيرها، ويمكن أن نلاحظ ذلك في دراسة “مقاصد الشريعة في فرض الحجاب” للسوسوة ففي إطار تأكيده على ضرورة الالتزام ما يسميه بـ”الحجاب”، يؤول النصوص الشرعية بما يجعلها دالة على ضرورة الأخذ بذلك الفهم الذي وإن كان مجرد رأي لصحابه فإنه يضفي عليها صبغة دينية، مما يجعل المخالف له ليس مجرد مخالف لرأي بشري، بل مخالفا لأمر إلهي، ولا يخفى الفرق بين الأمرين.

ولا شك أن تحرير محل النزاع كفيل بإزالة كثير من الاختلافات وسوء التفاهم؛ إذ المقصد من اللباس هو الستر ويمكن أن يتم بأشكال مختلفة، ويمكن أن يسمى خمارا أو جلبابا ولكن لا يمكن أن يسمى حجابا؛ لأن القرآن استعمل هذا اللفظ في معنى خاص وهو الستار الذي ضربه الله على نساء النبي صلى الله عليه وسلم. لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيء إِلَّا أَن يُوذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَاْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُوذِي النَّبِيء فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ (الأحزاب: 53) وعقب الله، سبحانه وتعالى، على ذلك كله بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْألوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمُ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ﴾ (الأحزاب: 53).

 فالخطاب موجه إلى نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان الحكم المستفاد خاصا بهن. ولكن السوسوة لم ينقل إلا آراء من ذهب مذهب التعميم بناء على أن العبرة بعموم اللفظ[25]، والحال أن اللفظ غير عام. ثم أنه لم ينقل شيئا لمن يرى أن هذا الحكم خاص بنساء النبي كقول القاضي عياض 544ﻫ: “فَرْضُ الحجاب مما اختص به أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم[26]“، وكقول ابن عاشور: “هو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهن، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين وَرَعًا وهم متفاوتون في ذلك على حسب العادات[27]“.

ﻫ. القراءة التجزيئية: يفيد النظر في الحِكَمِ التي قدمها السوسوة لفرضية الحجاب، كما يسميه، الاشتغال بالجزئيات دون التمكن من تمثل الكليات؛ أي أنه لم يستطع الارتقاء إلى الفهم الكلي المعبر عن المقصد الشرعي وهو الستر. وراح يسرد الحكم الجزئية دون أن يتمكن من تحديد المقصد الذي يؤلف بينها. لأن المقاصد ليست هي مجرد الحكمة أو الأثر من القيام بالفعل، ولكنها الأغراض التي يراد تحقيقها. وهي في جملتها قضايا كلية بالضرورة.

 ولكن المدرسيين “قصروا في بيان ما هدى إليه القرآن والحديث من سنن الله تعالى في الأمم، والجمع بين النصوص التي وردت في ذلك، والحث على الاعتبار بها، ولو عُنُوا بذلك بعض عنايتهم بفروع الأحكام، وقواعد الكلام، لأفادوا الأمة بما يحفظ دينها ودنياها[28].” ونقد الفاسي هذه الظاهرة فقال: “وبعضهم خرج عن الموضوع إلى محاولة تعليل كل جزء من أجزاء الفقه أخذا للمقاصد بمعناها الحرفي[29]“.

وينبغي علينا تحقيقا للإنصاف؛ أن نبيّن أنه لا يمكن دائما وصف الكتابة المدرسية بالسلبية؛ لأن بعض المعاني التراثية مستنبطة من معاني النصوص التي لا تحتمل التأويل[30]. فهناك ما يقبل التغيير وهناك ما لا يقبل التغيير[31]. كما أنه لا يمكن وصف المدرسي بأنه غير عقلاني لمجرد الاستناد إلى ما توصل إليه السلف؛ لأنه لا سبيل إلى بناء المعرفة البشرية دون الارتكاز على ما سلف من نماذج معرفية. ولذلك فإن الحداثي نفسه يرتكز إلى ما توصل إليه الآخر الحضاري، ويتصور العقلانية كما يتصورها السلفي على أساس أنها ملكة ثابتة مطلقة ومستقلة تخترق الزمان والمكان.

 وعمل الفريقين من خلال الاستناد إلى السلف هو من مقتضيات عمل العقل البشري ومن آليات اشتغاله. ولكن المطلوب إضافة إلى ذلك هو التحلي بقدر من الروح النقدية التي تسمح بالتمييز بين ما هو ثابت ينبغي المحافظة عليه، وبين ما هو متغير ينبغي تطويره. وهذا من سمات الاتجاه المجدد الذي يؤمن بضرورة تأسيس الإبداع على الأصول الذاتية وليس على أصول الآخر كما يفعل الحداثي بالمفهوم الغربي[32].

2. الاتجاه الحداثي

  • التصور: سأقدم نموذجين للكتابات الحداثية:

الأول: تجديد التراث المقاصدي عند حسن حنفي. لا يختلف الحداثيون عن غيرهم في الرغبة في تحقيق الإصلاح. ولذلك يسعى حسن حنفي إلى إيقاظ “الأمة واستئناف نهضتها الحديثة وطرح البدائل أمام الناس، والاحتكام إلى جماهير الأمة وتجاوز الحلول الجزئية والنظرات الفردية إلى تصور كلي وشامل لوضع الأمة في التاريخ وتحديد دورها مع نفسها ومع غيرها[33]“.

ويمكن أن يتحقق هذا الطموح بوضع تصور نظري يعبر عن فهم النص وتحليل معناه للكشف عن منطق الوحي، إن هذا المسلك يؤسس في نظر حنفي لفهم مستنير للإسلام، يدافع عن مصالح الناس، ويحقق مقاصد الشريعة[34]. لئن تناول حسن حنفي مقاصد الشريعة في مواضع عديدة من مؤلفاته، فإن هذا الموضوع حظي بعناية خاصة في كتابه “من النص إلى الواقع” ومنه نستطيع الوقوف على قراءته لمقاصد الشريعة.

وما يمكن ملاحظته أن حنفي استقى تصوره للمقاصد من “الموافقات” للشاطبي، ولئن لم يخرج في مستوى الشكل عما انتهى إليه، فإنه في مستوى المضمون اجتهد في ترتيب الكليات وإعطائها معاني جديدةً. أما الترتيب فهو يخضع لنسق عقلي، تكون بمقتضاه الحياة أو النفس في المرتبة الأولى وفيها يدخل النسل الذي يضمن استمرار الحياة. ويقتضي ذلك حمايتها من الحروب والأمراض والفقر وكل ما يهدد الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية بما في ذلك التصحر والتلوث. ثم يليها ثانيا؛ العقل لأن الحياة المقصودة هي الحياة العاقلة، ولأنه من دون العقل لا يتم فهم الشريعة ولا يصح التكليف.

 ثم ثالثا تأتي القيمة ويعني بها الدين وهو المبدأ الكلي الذي يدركه العقل، ثم رابعا الكرامة المعبر عنها بالعرض الفردي والجماعي، وهو الأرض بالنسبة إلى الفلاح، والكرامة بالنسبة إلى الأمم المغلوبة والشعوب المحتلة، وأخيرا تأتي الثروة الوطنية وهي المقوم المادي للحياة المعبر عنه بالمال الذي لا يقتصر على ما في الحافظة أو الجيب أو اليد، بل يشمل مقدرات الأمة تحت الأرض وفوقها.

وهكذا أضفى حنفي على الكليات الخمس معاني جديدة، وكسا بعضها بمصطلحات حديثة؛ أي أنه حافظ على الهيكل وغير الأمثلة؛ لأن الأمثلة الفقهية، في نظره، تتغير بتغير العصور، وتبقى المقاصد ثابتة. وقد مكنه هذا المنهج من جعل الكليات شاملة لحقوق الإنسان الفردية والجماعية[35]. غير أن ذلك لم يرض نصر حامد أبا زيد فاعتبر عمل حسن حنفي مجرد تلوين، وقدم قراءة مغايرة فما هي ملامحها؟

الثاني: المقاصد الكلية عند نصر حامد أبي زيد؛ تقوم قراءة نصر حامد أبي زيد على ثلاث كليات يرى أنها مستوعِبة لجميع جزئيات الشريعة، كما أنها مستوعِبة لما انتهت إليه جهود علماء أصول الفقه قديما[36]. وبناء على هذا كانت وِجْهَتُه الاختزال بدل التوسع الذي اتجهت إليه أغلب الكتابات المقاصدية المعاصرة. وتتمثل الكليات الثلاث المقترحة في:

ـ العقلانية: تعبِّر العقلانية عن أهم خاصية في الإسلام زمن النزول، وهو مفهوم نقيض للجاهلية التي كانت سائدة يومئذ، ويؤكد هذا المعنى الاستعمال اللغوي أولا والاستعمال القرآني ثانيا. أما في اللغة فإن لفظ العقل يقابله الجهل، على خلاف ما ساد في بعض الكتابات المعاصرة من أن “الحاكمية” هي نقيض الجاهلية.

وأما القرآن فقد أشار في أكثر من نص إلى هذا اللفظ وهو يعني به ما يناقض العقلانية. وكما كانت صفة الجاهلية مذمومة فإن نقيضها ولا شك ممدوح. ولهذا مدح الله عدة صفات تعبر عن العقل كالحِلْمِ والصبر… ونهى عن بعض الصفات كالجهل والعصبية باعتبارها نمطا من السلوك العدائي غير المتعقل، وقد أتى الإسلام نقيضا لها على جميع المستويات ليؤسس العقلانية في الفهم وفي العلاقات الإنسانية. ومن هنا ندرك سبب تركيز القرآن على “العقل” و”اللب” و”الفكر” و”الفؤاد”، ومخاطبته دائما للذين يعقلون ويتفكرون؛ لأن “الجاهلية” نابعة من عصبية العرق والدم والانتماء القبلي، وهو ما لم يقبله الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولذلك رد على المتفاخرين بقوله “دعوها فإنها منتنة[37]“، أو في قوله “لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم[38]“.

ويندرج في إطار هذا المبدأ الكلي مفهوم الوطن والمواطنة، التي تعني اشتراك مجموعة من الناس في العيش المشترك على رقعة جغرافية معينة، ويتساوون في الحقوق والواجبات بناء على تساويهم في أصل الكرامة الإنسانية، وهو العقل الإنساني بصرف النظر عن كل الاعتبارات العارضة كالجنس واللون والعرق والدين…”.

ـ الحرية: تتصل هذه الكلية اتصالا وثيقا بكلية العقل. لأن العقل هو أساس الحرية. ولما كان المنهج الاستقرائي هو المعتمد لتحديد المقاصد فإن المتأمل يلاحظ أن النصوص التي يمكن الاستشهاد بها لإثبات “الحرية” مبدأ كليا في الإسلام في غاية الكثرة.

ـ العدل: يمثل العدل مبدأ كليا للوجود الإنساني، ويظهر ذلك من خلال النصوص الكثيرة من القرآن والسنة التي تنفي الظلم عن الله وتدعو الناس إلى العدل وعدم التظالم، وقد انعكس ذلك التوجيه على الفكر الإسلامي بمختلف مدارسه.

ومما يمكن ملاحظته في خاتمة هذا التصور أن الاستقراء الذي قام به علماء أصول الفقه قديما أفاد أن الكليات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال مراعاة في كل ملة[39]، ومعنى ذلك أنها حازت اتفاق مختلف العقول البشرية في كل العصور؛ لأنها منظومة جامعة لمقومات “الاجتماع الإنساني”، التي من دونها لا يستقيم “العمران البشري” على صراط الفطرة الإنسانية السوية[40].

 فلماذا لا نقول إن الكليات الخمس تستوعب ما اقترحه أبو زيد وغيره. فمكان “العقلانية” الطبيعي في المبدأ الكلي المعروف بمقصد حفظ العقل. وأما الحرية فقد جعلها ابن عاشور من المقاصد العامة للشريعة[41]، مما يبين أن اقتراح أبي زيد لا يتضمن أية إضافة في هذا المجال.

ولعل أبرز الجديد في هذا التصور هو غياب كلية حفظ الدين وكلية حفظ النفس وكلية حفظ العرض. وإذا كان من غير المتصور أن يدعو نصر حامد أبو زيد إلى الحذف والاستبعاد لمقصد حفظ النفس فإن النتيجة الوحيدة لهذه القراءة “الجديدة”… ستكون استبعاد مقصدي العرض والدين[42]. وإذا كان من الممكن إدخال حفظ النفس في كلية حفظ العقل بدلالة الالتزام، فكيف يمكن تصور الغفلة عن الدين والعرض؟

ولئن لم يجزم المتقدمون بالحصر في الكليات الخمس حتى صرح بعضهم أن هذا ما جرت به العادات، مما فتح المجال لبعض المعاصرين فاقترحوا كليات أخرى، فإنه لا يمكن أن تُخْتَزَلَ ويَتِمَ الإعراض عن أهمها؛ لأن الدين الذي نفاه أبو زيد يعد “أعظم الأشياء ولذلك يُهْمَلُ في جانبه النفس والمال وغيرهما[43]“.

ويرى محمد عمارة أن التجديد المطلوب اليوم ليس اللحاق بركب الحضارة الغربية كما يريد أبو زيد؛ لأن اللحاق بالركب هو أمنية المهزوم. أما نحن، فإننا نجادل ونماري في أن “الآخر”، المنتصر ماديا، هو “المتقدم”، بالمعنى الحقيقي والمتكامل والمتوازن للتقدم. فللتقدم مفاهيم متعددة، وللحضارات فيه مذاهب شتى، ومذهب الإسلام في التقدم، متميز عن “المذهب الباطني”، الذي يسعى إلى “فناء الخلق في الحق”، وعن “المذهب المادي والوضعي”، الذي “يضع الخلق على عرش الحق”، ومن ثم فإن مهمة المشروع الإسلامي ليست “اللحاق بالركب”، وإنما النهوض لقيادة ركب حضاري متميز، يجسد نموذجا حضاريا يكون فيه الخلق خلفاء للحق[44]“.

  • الخصائص: يمكن حصر خصائص القراءة المقاصدية الحداثية في أمرين: الأول نظرتهم للنصوص الشرعية. الثاني: اهتمامهم بالمنهج.

الخاصية الأولى: نظرتهم إلى النصوص الشرعية؛ يعد النص منطلقا أساسيا للبحث المقاصدي عند كل الاتجاهات المعاصرة في الفكر الإسلامي. غير أن تصور النص يختلف من اتجاه إلى آخر. ولئن كان الحداثيون لا يختلفون عن المدرسيين في اعتبار النص محوريا في الثقافة الإسلامية[45]، فإنهم يقفون معهم على طرفي نقيض على مستوى تصور طبيعة النص وعلاقته بالعقل والواقع. فما طبيعة هذا التصور وما أثره في الدلالة على المقاصد؟

يرى أبو زيد أن القرآن نص لغوي ينتمي إلى بنية ثقافية محددة، وتم إنتاجه طبقا لقوانين تلك الثقافة التي تعد اللغة نظامها الدلالي المركزي[46]. ويرى آخرون أن النص الديني هو “مجموع الكتابات المدونة التي انعقد الاتفاق على أنها مصدر شرعي لاستخراج الأحكام والفتاوى[47]“، ويجعل هذا المفهوم النص شاملا لكل مدونة الفكر الإسلامي كأقوال الصحابة والخلفاء وأفعالهم. ويرى حنفي أن النص هو الواقع؛ لأن النص تجريد للواقع وتعميم للجزئيات مثل القانون العلمي، فالنص واقع والواقع نص[48]. ورغم اختلاف العبارة، فإن الاتفاق حاصل بين الحداثيين على أمرين:

الأول: إن النص عندهم مجرد عبارة لغوية، وإطار لا يعبر بذاته، ولا يحمل في ذاته معنى موضوعيا يلتقي الجميع في فهمه، وإنما يتحدد معناه بالإطار الثقافي الذي تتم فيه قراءته؛ لأنه نشأ في الشعور تحت ضغط واقع معين[49].

الثاني: أن الوحي تشكل من خلال حركة الواقع، وأن الشريعة “صاغت نفسها مع حركة الواقع الإسلامي في تطوره[50]“؛ أي تشكّلت تدريجيا بممارسات القضاة واجتهادات العلماء[51]. ولذلك ليست “نصوص الوحي كتابا أنزل مرة واحدة مفروضا من عقل إلهي ليتقبله جميع البشر، بل مجموعة من الحلول لبعض المشكلات اليومية… وكثير من هذه الحلول قد تغيرت وتبدلت حسب التجربة[52]“. وليس للوحي وجود سابق قبل نزوله؛ لأن الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص في نظر أبي زيد يطمس حقيقة تشكل النص في الواقع والثقافة، ويعكر إمكان الفهم العلمي له[53].

 إن الواقع هو الأصل، منه تكون النص القرآني، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، ومن خلال حركته بفاعلية البشر تتجدد دلالته. ولذلك فهو منتج ثقافي تشكل من بقايا النصوص الدينية السابقة، وليست له أية خصوصية وهو من مكونات الموروث الإسلامي، وهو مجرد شعور من النبي لا وظيفة له إلا تزكية ما يقتضيه الواقع ويؤيده العقل؛ لأنه “لا سلطان إلا للعقل، ولا سلطة إلا لضرورة الواقع[54]“، فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا[55]. ولذلك فهم يتعاملون مع نصوص الشريعة كما يتعاملون مع الأمثال العامية والأغاني الشعبية.

ولاشك أن من كانت هذه نظرته لنصوص الشريعة لا ننتظر منه مقاصد للشريعة؛ لأن المقاصد تؤخذ من الوحي وهذا التصور أفقد الوحي كل خصائصه.

الخاصية الثانية: اهتمامهم بالمنهج: إن ضمور المنهج نظريا وعمليا في القراءة المدرسية يقابله اهتمام بالغ في القراءة الحداثية؟ فما هي المناهج التي تم توظيفها في فهم النصوص الشرعية؟ وإلى أي مدى توفرت الكفاية في استعمالها؟

المنهج اللغوي هو الذي يعتمد السمات البيانية والنحوية مدخلا لفهم النص وقراءته بهدف الوصول إلى مقصد صاحبه. ولئن ركز الحداثيون على هذا المدخل، فإنهم لم يكونوا أول من اهتدى إليه، حيث عكف المتقدمون[56] على هذا المسلك؛ لأن “لسان العرب هو المترجم عن مقاصد الشارع[57]“. وإذا كان الحداثيون مسبوقين باعتماد المنهج اللغوي، فبم تتميز قراءتهم؟ وما هي النتائج التي توصلوا إليها؟

لئن ذهب الحداثيون إلى ضرورة اعتماد اللغة مدخلا لفهم النصوص، فإن بعضهم[58] اعتبرها مدخلا وحيدا للكشف عن المعنى بمعزل عن سياقها القرآني، وأدى به ذلك إلى عدم التفريق بين اللفظ الذي أعطاه الشرع معنى محددًا واللفظ الذي بقي على أصله فيمكن أن يعرف معناه من معاجم اللغة، كما أدى إلى إهمال السياق الذي يرد فيه اللفظ. وذهب البعض الآخر منهم إلى تجاوز الدلالة اللغوية والاستعانة بالسياق؛ لأن الكلام مهما كانت طبيعته إنما يفهم بوضعه في الإطار التاريخي الذي قيل فيه. غير أن ذلك دفعهم إلى اعتبار دلالات النصوص خاصة في مجال الأحكام والتشريع مجرد شاهد تاريخي أسقطه تطور الواقع الاجتماعي[59]. كما ذهب فريق ثالث منهم إلى اعتبار اللغة مجرد مدخل شكلي للولوج إلى عالم النص أي أن النص ليس إلا منطلقا ليعبر القارئ عما يريد هو لا ما يريده قائله. وهو ما يعبر عنه باللعب الحر الذي أفضى إلى أن يقول من شاء ما شاء، بل القارئ عندهم لا يدرك ذاته إلا من خلال تيهه[60]. ودفع ذلك الطالبي إلى القول “كل منا يتعامل مع النص بالطريقة التي يراها”[61]؛ لأن “النص مقدس والتأويل حر[62]“.

وما ينبغي التأكيد عليه في هذا المقام هو أن الإقرار بتعدد معاني النص القرآني، لا يعني بحال الانفكاك من ضوابط الفهم، وتحميل اللغة ما لا تحتمله من المعاني؛ لأن من النصوص ما هو بين بذاته ولا يحتمل التأويل، ولأن المقاصد ليست منفكة عن النصوص أو خارجة عن إطارها؛ إذ لا مقصد دون دليل[63]. ولأن التأويل الذي يتمسكون به ليس إلا “إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل في ذلك بعادة لسان العرب[64]“. ولأن دلالة الألفاظ على المعاني وضعية فينبغي الالتزام بالدلالة التي وضع اللفظ لها، حتى يتحقق المقصود وهو إرادة تفهيم المعنى من خلال اللفظ الذي يدل عليه بالوضع اللغوي أو الشرعي[65]. ولذلك يرى الباقلاني أن من بحث عن المعاني في غير الألفاظ فهو “يدعو الشُّبهةَ إلى نفسِه من هاهُنا وثَمَّ. ومَن كان هذا سبيلهُ فليسَ له دواءٌ سِوى السكوتِ عنه وتركهِ وما يختارهُ لنفسِه من سُوءِ النظرِ وقلَّةِ التَّدبُّر[66]“.

 المنهج الأنثروبولوجي[67]: استعمل بعض الحداثيين هذا المنهج في دراستهم للنصوص الشرعية في إطار التعرف على مقاصد الشارع. وركزوا على مبدأ التدرج في التشريع الذي يتأسس على قاعدة النسخ ليحددوا اتجاه التطور في التشريع وهذا هو المقصود بالمغزى عند نصر أبي زيد، والسهم الموجه عند محمد الطالبي، إن رؤيتهما تقتضي الأخذ بالتوجه العام للنصوص دون التمسك بالجزئيات؛ لأنها في نظرهم ظرفية ومعبّرة عن اللحظة التي ظهرت فيها، ولذلك يتم تجاوزها حرصا على تحقيق المغزى.

 ويعد النسخ آلية مهمة لتحقيق ذلك، لاسيما وقد مارسها النص نفسه زمن التشريع، وليس هناك ما يمنع تكررها مادام النص يخضع في تشكله وتطوره لحركة الواقع. ويبرر المنصف بن عبد الجليل[68] هذا التوجه بالاختلاف الحاصل بين المسلمين في النسخ[69] مما ينبئ أن المسألة خاضعة للاجتهاد وليس للتوقيف من الشارع، ولذلك ليس هناك ما يمنع استمرارها عملا بمبدأ التدرج من جهة، ومراعاة لأحوال العصر من جهة أخرى. ولهذا يميز المنصف بن عبد الجليل بين النص ومشروع النص، إيمانا منه بأن تكوين النص لا زال مفتوحا بناء على اعتبار النسخ اجتهادا؛ فكما اجتهد المتقدمون في نظره يمكن للمعاصرين الاجتهاد[70]. وهذا من أخطر الآراء التي تتداولها كتب الحداثيين.

وحتى يزول الإشكال لابد من تحرير مصطلح النسخ. يمكن تمييز اتجاهين في تصور النسخ. يرى المتقدمون أن النسخ “اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية”[71] مما يجعله شاملا لتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته. أما المتأخرون من علماء الأصول فيرون أن النسخ هو “رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخ عنه[72]“.

وهذا ما يفسر اختلاف العلماء في تحديد عدد الآيات المنسوخة إلى الاختلاف في الاصطلاح. فالمتقدمون الذين توسعوا في فهم النسخ بما يجعله شاملا لتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته، كانت النصوص المنسوخة عندهم كثيرة، ومن اعتبره رفعا للحكم فقط كما هو الحال عند المتأخرين كانت النصوص المنسوخة عندهم قليلة، فزاوية النظر هي التي تعتبر في تحديد عدد النصوص المنسوخة، وليس هناك ما يدعو إلى الشعور بالتناقض ووقوع الفوضى في فهم النصوص.

وقد تنبه المتقدمون إلى إمكانية حصول الإشكال بالنسبة إلى من لم يدرك تطور المصطلح، فقال ابن العربي: “إن علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمون التخصيص نسخاًً؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم مسامحة، وجرى ذلك في ألسنتهم، حتى أشكل على من بعدهم، وهذا يظهر عند من ارتاض بكلام المتقدمين كثيراً[73]“.

ولذلك فإن قلة اطلاع بعض الحداثيين على ما يتصل بالموضوع، ونتيجة عدم التوظيف السليم للمنهج الأنثروبولوجي جعلتهم يستشكلون الأمر، ويرون في اختلاف العلماء في تحديد النصوص المنسوخة علامة على أن المسألة موكولة إلى الاجتهاد، ومن ثم يمكنهم مواصلة إبطال أحكام بعض الآيات حسب ما يؤدي إليه نظرهم. القائم على تاريخية الوحي. وتحولت بذلك قراءاتهم إلى مذبحة للتراث والاستهتار بالأحكام الشرعية باسم المقاصد تارة، وباسم العقل تارة أخرى[74].

المنهج التاريخي: يساعد المنهج التاريخي على إرجاع النص المقروء أو الحدث المدروس إلى اللحظة التي ظهر فيها، وذلك بغرض ربطه بها من أجل فهمه ومعرفة الأسباب التي أدت إلى صدوره[75]. وهذا أمر بديهي جرت عليه عقول الناس منذ القديم، وأكده القرآن الكريم عندما جعل لكل أمة ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (المائدة: 48) مراعاة منه لتغير الظرف الزماني والمكاني، وتبدل حال الناس وتطور الحضارة. ومنه أدرك العلماء أن معرفة سبب النزول تعين على فهم الآية… ولكن إذا كان الوعي التاريخي ضروريا لفهم النصوص وإدراك حقيقة الوقائع، فكيف فهمه الحداثيون وكيف طبقوه؟

إن إعمال المنهج التاريخي عند الحداثيين يجعل النص الشرعي منتجا ثقافيا “والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عاماً[76]” مما ينفي الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق له، ويؤول إلى نفي إلهية النص القرآني، لأن القول بإلهية النصوص، حسب رأيهم، يعني أن البشر لا يستطيعون فهمها[77].

وبناء على هذا ينبغي قراءة النصوص الشرعية قراءة ناسوتية بإخضاعها لتصورات البشر ومناهجهم، ومنها المنهج التاريخي الذي يقتضي، حسب فهمهم، ظرفية ما ورد فيها من معان. ولهذا يؤيد نصر حامد أبو زيد الطاهر الحداد 1934م وقاسم أمين 1908م في أن أحكام القرآن وخاصة منها المتعلقة بالمرأة ليست نهائية؛ لأنه إذا كانت النصوص تناسخت خلال عشرة أعوام في المدينة، فكيف تستسيغ العقول رفض مبدأ التاريخية؟[78].

إن نفي التاريخية بالمعنى الذي يقصده الحداثيون، نفاه القرآن نفسه عندما اعتبر الرسالة خاتمة وموجهة لكل الناس، وأن أحكامها ثابتة ومطردة ومحققة لمصالح الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم الجغرافية أو اللونية وغيرها. ولا يتنافى ذلك مع كون القرآن نزل في ظرف معين وبلغة المخاطبين معالجا بعض مشاغلهم؛ لأن بشرية الغاية لا تنفي إلهية المصدر. كما أن استهداف الشريعة لمقاصد معينة تمثل حكمة التشريع وقيمه النبيلة، تقتضي فهم التاريخية على أساس أن مختلف التطبيقات ارتبطت بظروفها في إطار تحقيق تلك المقاصد، وعلى المعاصرين أن يتعاملوا مباشرة مع النص ومقاصده لتجسيم نموذجهم التطبيقي المعبر عن المقاصد نفسها رغم تغير المشاغل، وبهذا فقط تكون القراءة مبدعة وتتجنب الاستلاب الذي وقعت فيه القراءتان المدرسية والحداثية رغم اختلاف المنطلقات والأدوات.

وإذا كان الشاطبي ينبه إلى ضرورة التقيد في فهم الشريعة وقراءة نصوصها بمعهود العرب في أساليب التعبير، فإن ذلك من مقتضيات المنهج التاريخي والأنثروبولوجي؛ لأنه لا يمكن فهم الكلام إلا بمعرفة اللغة التي قيل بها، ومعرفة اصطلاحات القوم الذين ظهر فيهم. ولذلك يجب الاقتصار في فهمه على معرفة لسان العرب “فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضلَّ عن فهمه وتَقَوَّلَ على الله ورسوله فيه[79]“؛ لأن الألفاظ دالة على المعاني بالوضع[80] وهذا من مقتضيات القول بالتاريخية ولكن الحداثيين لا يستعملونه إلا وفق ما يحقق مقاصدهم وهذا من مظاهر الخروج عن الروح العلمية وقلة الكفاية في إعمال المنهج.

ومثال ذلك ما فعله محمد الطالبي[81] عند الحديث عن تزويج سعيد ابن المسيب[82] ابنته من أحد تلاميذه بطريقة فجئية لم تسمح بتداول الرأي معها. واعتبره تسلطا على إرادة ابنته، ثم عمم الحكم ليبين مخالفة الفقهاء لمقاصد الشريعة من الزواج القائمة على المودة والرحمة. ويأتي هذا الاستنتاج بسبب قلة الاطلاع على كامل الأحداث أو إخفائها[83]؛ لأن ابن المسيب اضطر إلى تزويج ابنته بسرعة نتيجة رغبة الأمير في تزويجها لابنه بغرض القرب من والدها واستغلال سلطته العلمية، فأراد ابن المسيب مسابقة الأحداث والحول دون تحقيق مقاصد الأمير، ومنع هذه الزواج السياسي الذي ليس في مصلحته ولا مصلحة ابنته[84]. ثم من أدرى محمد الطالبي أن سعيد ابن المسيب لم يستشر ابنته؟ وهل يتصور عاقل أنه أخذها إلى بيت رجل ستتزوجه وهي لا تعلم؟ فلماذا لم يلتزم الطالبي المنهج التاريخي الذي يدعيه ولم يورد حيثيات الحدث كلها؟

وإذا صدق في المدرسي ما قاله ابن عاشور بأنه “رجل معتكف فيما شاده الأقدمون” فهل يصدق على الاتجاه الحداثي بأنه “آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون”؟ فإن كان هكذا ففي “كلتا الحالتين ضرر كثير” ولكن ألا يوجد أمل في ما “ينجبر به الجناح الكسير”؟[85] هذا سنبحث عنه في الاتجاه المجدد.

  • الاتجاه المجدد

– التصور: لا يختلف أصحاب هذا الصنف من الكتابة عن الصنفين السابقين باعتماد المقاصد مدخلا للإصلاح، ولكنهم يتميزون عنهم بسلك منهج علمي يبدأ بتشخيص الواقع وإدراك ملابساته ومعرفة اتجاهاته. وينتهي “ببيان الأسباب التي أفادت المسلمين نهوضا ساميا في بادئ أمرهم… ثم بيان الأسباب التي رجعت بهم عن ذلك التقدم الباهر” من أجل “البحث عن وسائل إصلاح أحوالهم حتى يعودوا كما بدؤوا من كمال الارتقاء[86]“. ويمكن أن ننطلق من كتاب “مقاصد الشريعة الإسلامية” لابن عاشور الذي تقوم قراءته على المبادئ التالية:

ـ معقولية التشريع: أكد ابن عاشور قيام التشريع الإسلامي على مبدأ التعليل الذي يضفي المعقولية عليه؛ لأنه لم يكن شيء منه إلا وهو جار على ما تقتضيه العقول الراجحة. وأثبت بناء على هذا الأساس أن للشريعة مقاصد[87]، سواء في أصولها كقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ (المائدة: 46). أو في تفاصيلها كقوله عقب آية الوضوء: ﴿مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ، وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 7).

ـ علم المقاصد: إن إيمان ابن عاشور بتعليل التشريع وموافقته لمقتضى العقل، دعاه إلى تأسيس علم جديد سماه “علم مقاصد الشريعة” وبنى دعوته على عدم كفاية مدارك الاستدلال التي اهتدى إليها القدماء لإزالة الاختلاف بالرجوع إلى قواطع يضطر إليها الجميع عند تفاوت الأنظار. وتبدل الأعصار[88].

 وتتشكل مادة هذا العلم من نصوص القرآن والحديث، ومن مادة كتب أصول الفقه، ومما تناثر في كتب العلوم الشرعية من قواعد جاءت على ألسنة بعض المجتهدين في شكل عبارات محكمة أسست بعض المقاصد كقول مالك “ودين الله يسر[89]“. كما يمكن الاستعانة بمحاولات الأعلام الذين جاشت نفوسهم إلى وضع قواعد للمقاصد كالعز بن عبد السلام والقرافي والشاطبي[90].

وتفاوتت الأنظار في تقييم هذه الدعوة. فقبلها البعض وعمل على تعميق النظر فيها من أجل إبراز معالم هذا العلم، ورأى البعض الآخر أن منتهى ما يمكن الوصول إليه “جعل المقاصد قسما متميزا من أصول الفقه ينضاف إلى الأقسام الأخرى”، ورأى آخرون “إنشاء صياغة جديدة لأصول الفقه، ينتقل بمقتضاها هذا العلم إلى مزيد من الإحكام المنهجي والاشتمال المضموني[91].” وذهب فريق رابع إلى أنها دعوة للاستغناء عن علم أصول الفقه، وإحلال المقاصد محله؛ لأنها تمثل نقلة في النظام المعرفي من خلال إخراج أحكام الفقه من المعالجة البيانية إلى التنسيق البرهاني[92].

والحقيقة أن ابن عاشور رغم نقده لعلم أصول الفقه، فإنه لم يَدْعُ إلى التخلي عنه، بل بين أنه سيظل فاعلا ووظيفيا “ببيان طرق تركيب الأدلة الفقهية”[93]. ولذلك فإن هذا الرأي الأخير لا يعدو أن يكون وَهْمًا من قبل صاحبيه. (الجابري ويفوت).

ـ انضباط المقاصد: يبدو أن ابن عاشور كان مستحضرا لبعض المحاذير التي صرح بها من جاء بعده من المعاصرين نحو عدم انضباط المقاصد وتسيب المعاني المعتمدة فيها بما يجعلها غير صالحة لأن تكون أساسا للتشريع. ولذلك حدد الصفات الضابطة للمقاصد الشرعية. وهي أن تكون ثابتة وظاهرة ومنضبطة ومطردة[94].

وتعد معالجة ابن عاشور لهذا الإشكال ردا على القراءة المقاصدية المدرسية والحداثية التي تعتبر بعض المعاني المائعة وغير منضبطة مقاصد شرعية دون التحقق من نسبتها إلى الشرع. فبين أن الشريعة وإن كانت مرتبة على أوصاف ومعان فإنها أرفقتها بما يضبطها ويحددها حتى تصلح لبناء الأحكام عليها[95].

ومن مظاهر انضباط المقاصد تحديد ابن عاشور لمسالك الكشف عنها. واعتباره لها من أعظم الأمور التي تبحث في هذا العلم؛ إذ من دونها تضل الأفهام وتزل الأقدام. وقسم ابن عاشور هذه الطرق إلى ثلاثة؛ وهي الاستقراء، وأدلة القرآن، والسنة المتواترة[96]. وله محاولة أخرى في ضبط المقاصد عندما جعلها قائمة على وصف الشريعة الأعظم وهو الفطرة؛ لأن الأصول الفطرية هي التي خلق الله عليها الإنسان، وهي الصالحة لانتظام العالم على أكمل وجه، وهي المؤهلة لإصلاحه بعد اختلاله[97].

ـ المصلحة والمقاصد: المقصد هو الإطار الذي تتحقق فيه المصالح؛ لأن المقصد عبارة عن مبدأ قانوني، أما المصلحة فهي المادة التي يحققها ذلك القانون. ولذلك قال ابن عاشور “المقاصد هي المتضمنة للمصالح والمفاسد في أنفسها[98]“. ومثال ذلك؛ حفظ النفس فهو مقصد أما تَمَتُّعُ الإنسان به أو حرمانه منه لاعتبار ما فهو مصلحة، وبعبارة أخرى فإن المصلحة هي المقصد إذا تحقق[99]. ولذلك قال الشاطبي إن “الأمر في المصالح مطرد مطلقا في كليات الشريعة وجزئياتها[100]“.

واللافت للانتباه أن ابن عاشور عندما يتحدث عن المصالح[101]، رغم أهميتها في موضوع المقاصد، فإنه لا يريدها لذاتها ولم يتوسع فيها إلا على قدر الحاجة فهو “يعتبر منها ما نتحقق أنه مقصود للشريعة؛ لأن المصالح كثيرة منبثة. وقد جاءت الشريعة بمقاصد تنفي كثيرا من الأحوال التي اعتبرها العقلاء في بعض الأزمان مصالح، وتثبت عوضا عنها مصالح أرجح منها. نعم إن مقصد الشارع لا يجوز أن يكون غير مصلحة، ولكنه ليس يلزم أن يكون مقصودا منه كل مصلحة[102]” ويبدو الفارق بينه وبين المدرسيين من خلال قدرته على التحكم في المعارف والتصرف فيها، في حين أنهم غلبوا على أمرهم وأُنْهِكُوا تحت وطأتها حتى عجزوا عن إدراك الصلات بين أجزائها، وامتنع عنهم تصنيفها واختيار ما يلائم منها موضوع المقاصد. وهكذا يبدو أن ابن عاشور ليس متقدما زمنيا فقط في بحث المقاصد، وإنما في نوعية البحث فيها أيضا، وهذا ما ساعده على التجديد، وأَهَّلَهُ للدعوة إلى تأسيس علم المقاصد بل والكتابة فيه.

نموذج من المعالجة المقاصدية: تصبير لحوم الأضاحي؛ إذا كانت حاجة الناس إلى اللحم أقل مما يتوفر في الموسم، فهل يجوز الاحتفاظ بما بقي حيا وبيعه لسد حاجة الفقراء؟ وإذا ذبحت وفاضت عن الحاجة هل يجوز تصبيرها بما يمنع عنها التعفُّن فيُنتفع بها خلال العام؟

لئن ذهب أغلب المفتين إلى أن تصبيرها مناف للتعبد بهَديها، فإن ابن عاشور يرى “أن المصير إلى كلا الحالين من البيع والتصبير لما فضل عن حاجة الناس في أيام الحج، لينتفع بها المحتاجون في عامهم، أوفقُ بمقصد الشارع تجنباً لإضاعَة ما فَضل منها رعياً لمقصد الشريعة من نفع المحتاج وحفظ الأموال مع عدم تعطيل النحر[103].” ويعود هذا الفهم إلى طبيعة نظرة ابن عاشور إلى النص القرآني. فهو يرى في قوله تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ (الحج: 37) “إيماء إلى أن إراقة الدماء وتقطيع اللحوم ليسا مقصودين بالتعبد ولكنهما وسيلة لنفع الناس بالهدايا؛ إذ لا يُنتفع بلحومها وجلودها وأجزائها إلا بالنّحر أو الذبح، وإن المقصد من شرعها انتفاع الناسِ المُهدين وغيرِهم[104].” وإذا كان الأمر كذلك فإن المطلوب هو تحقيق المقصد بالتصبير ونحوه.

ومما يلاحظ تواضع ابن عاشور فلم يدَّعِ الوصول إلى نهاية البحث في الموضوع، بل اعتبر ما قام به تأسيسا لبداية البحث فيه، “عسى أن تنفتح به بصائر المتفقهين إلى مدارك أسمى[105].” غير أن أغلب أصحاب القراءات التي جاءت بعده لم تَعِ ذلك فجاءت كتاباتهم في الموضوع نقلا وتكرارا، أو التفافا على هذا المبحث الهام الذي يمثل روح التشريع، فلم يشهد تطورا ذا بال، وبقيت فيه دقائق ضامرة ونفائس مغمورة، حتى أنك ترى تأليفا يظهر بعد آخر ولا تجد شيئا جديدا أو رأيا حصيفا[106].

  • خصائص الكتابات المجددة: يمكن تمييز صنفين من الخصائص:

الصنف الأول: نظرتهم للنصوص الشرعية: لئن تبين أن المجددين يتفقون مع المدرسيين في إجلال النصوص الشرعية قرآنية كانت أو نبوية، فإنهم ينظرون إليها نظرة مميزة ويتعاملون معها بطريقة مختلفة. ولئن ذهب الحداثيون إلى أن النص نشأ من الواقع وتشكل من أحداثه، فإن المجددين يرون في النص كلام الله الذي لا تفاوت فيه ولا اختلاف، وهو مغاير لكلام البشر، ولذلك لا توجد عبارة إلا في محلها، ولا يمكن أن يؤدي معناها غيرها، مما يجعل القرآن مُشَكِّلاً بذاته لنظام محكم، مبيِّنا لكلِّ شيءٍ كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89). ومبيِّنا لذاته من خلال نظامه؛ لأن التنظيم نفسه بيان لقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْءانٌ مُّبِينٌ﴾ (يس: 69)، ولكونه مبينا لغيره وبينا بذاته قال الله سبحانه فيه: ﴿جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا﴾ (الشورى: 52) ولا شك أن الجهل بذلك النظام هو الذي حمل البعض على اعتباره مثل كلام البشر.

سار المجددون في البحث المقاصدي على خطى المؤسسين الذي رأوا أنه “لابد في كل مسألة يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه أن يُلتفت إلى أصلها في القرآن[107]“. ولذلك انصرفت همتهم إليه للكشف عن مقاصد الشريعة؛ لأنه تبين لهم أنه ما من شريعة شرعت للناس إلا وترمي أحكامها إلى مقاصد مرادة لمشرعها، ولا تشذ شريعة الإسلام عن ذلك؛ لأنه ثبت بالدليل أن الله لا يفعل الأشياء عبثا[108]، وأن القرآن هو “الجامع لمصالح الدنيا والدين، وموثق شديد العرى من الحق المتين، والحاوي لكليات… من التشريع، وتفاصيل من مكارم الأخلاق[109]“.

وبناء على ذلك لا يجد المجددون الحرج الذي يجده المدرسيون من الإعلاء من شأن العقل، كما لا يضايقهم إعلان الامتثال لدلالة النص القرآني والحديث النبوي كما هو حال الحداثويين. لقد ارتقى المجددون بالعقل فوق الدرك الذي وضعه فيه المدرسيون، ولكنهم أنزلوه من موقع الإله الذي وضعه فيه الحداثويون. فاعتبر ابن عاشور الإنسان عقلا تخدمه الجوارح، ولولا العقل لما كان الإنسان إلا بهيمة، لأن العقل هو الآلة الوحيدة للتدبير[110] المؤهل للنهوض بأمانة التعمير التي “لا تقوم إلا بالعلم[111]“، ولذلك لا يحتاج العقل “إلى التوقيف في غالب التصرفات[112]“؛ لأنه “أقوى عنصر في تقويم البشر عند الخلقة[113]“.

الصنف الثاني: اهتمامهم بالمنهج؛ على قدر ذهول المدرسيين عن أهمية المنهج، كان انشغال المجددين به. وعلى قدر انبهار الحداثويين بالمناهج الغربية وفهمهم لها فهما حرفيا، كان نقد المجددين لها ومحاولة تكييفها وفق موضوع البحث. وإذا تبين تميز نظرة أصحاب القراءات المجددة إلى النصوص الشرعية، وتبين اهتمامهم بالمنهج، فما هي مميزات منهجهم في التعامل معها؟

أ. مراعاة الواقع؛ انتبه أصحاب هذا الاتجاه إلى تَمَيُّزِ التشريع الإسلامي بالواقعية من خلال مراعاة واقع المخاطبين، مما يجعل فهم كثير من النصوص وما تضمنته من الأحكام يتوقف على وضعه في إطار وروده. ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الأواني المطلية[114]؛ لأن الاشتداد يسرع إلى ما يوضع فيها نتيجة شدة الحر. ومن ثم فإن “النهي تعين كونه لأوصاف عارضة توجب تسرع الاختمار لهذه الأنبذة في بلاد الحجاز، فلا يؤخذ ذلك النهي أصلا يحرم لأجله وضع النبيذ في دباءة[115] أو حنتمة[116] مثلا لمن هو في قطر بارد، ولو قال بعض أهل العلم بذلك لعرض الشريعة للاستخفاف[117]“.

ب. اعتماد اللغة مدخلا للفهم؛ تمثل اللغة أداة تواصل بين الناس، ومن خلالها يمكن معرفة مراد المتكلم من كلامه. ويصدق ذلك على كلام الله الذي خاطب العربَ بلغتهم، وصاغه في عبارة بينة قابلة للفهم وميسرة للذكر، غير أن معناه “يعرف تارة من عموم لفظه، وتارة من عموم علته[118]“. وبهذا نفهم انشغال ابن عاشور بعلوم البلاغة والبيان بمقدار ما يتوافق مع نظريته المقاصدية ويخدمها[119]. ورغم أهمية اللفظ في فهم المعنى فإنه لا يمكن الاكتفاء به في الوصول إلى مقاصد كلام الله وحديث نبيه، صلى الله عليه وسلم، لأن الألفاظ تتفاوت في الدلالة على المراد منها، ويعود ذلك إلى أمرين:

 الأول؛ يتعلق بطبيعة الكلام؛ إذ بعضه يتطرق إليه احتمال أكثر من بعض. والثاني؛ يتعلق بحظ السامع أو القارئ من العلم والذكاء؛ إذ الناس متفاوتون في قدراتهم الذهنية، وممارستهم لأساليب لغة الكلام. وبناء على ذلك، يحتاج القارئ إلى معينات تساعده عل فهم المراد، وتتعلق هذه المعينات بسياق الكلام ومقام الخطاب، إضافة إلى مقاصد الشريعة التي هي “أقوى أثرا في إصابة مراد الشارع[120].” ولذلك اعتبر ابن عاشور هذه الضوابط معايير لتقييم قراءات المتقدمين، ومن هذا قوله: “ولم يعرج أكثر المفسرين على بيان نَظْم الآية واتصالها بما قبلها عدا الزمخشري وابنَ عطية[121]“. وقوله “لم يعرّج المفسّرون على بيان المناسبة بذكر ﴿وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ﴾ (المائدة: 5). والذي أراه أنّ الله تعالى نبّهنا بهذا إلى التيسير في مخالطتهم، فأباح لنا طعامهم، وأباح لنا أن نُطعمهم طعَامنا، فعُلم من هذين الحكمين أنّ علّة الرخصة في تناولنا طعامهم هو الحاجة إلى مخالطتهم[122]“.

ولئن كانت طرائق المفسرين للقرآن متعددة، فإن الاقتصار على الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب مع بيانه وإيضاحه هو الأصل. وأما استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو السياق أو المقام ولا يجافيها الاستعمال، فإنه من مستتبعات التراكيب ومن خصائص اللغة العربية، ومما يمكن أن تقتضيه المعطيات العلمية الجديدة[123]. فلا يجوز مثلا تغيير أوقات الصلاة لأنه “ليس للناس أن يغيّروا ما جعله الله تعالى من الفضل لأزمنةٍ أو أمكنةٍ أو ناس[124]“، ولذلك كثيرا ما يقول ابن عاشور “وهذا تفسير بعيد[125]” كلما تبين له أن المعنى يجافي اللغة ولا يلائم المقاصد.

وفي كل الأحوال لا يمكن الاقتصار على الألفاظ في إدراك المقاصد لأن اعتصار الألفاظ يوقع في خضخاض من الأغلاط ويمنع من الاستعانة بما يحف بالكلام من حافات القرائن والاصطلاحات والسياق[126].

وبهذا يتبين تميز المجددين عن المدرسيين الذين جمدوا على الألفاظ، وتميزهم عن الحداثويين الذين حطموا بنية الجملة وجوزوا فهم أي شيء من الكلام دون ضابط من عرف واصطلاح.

ج. الاستقراء[127]؛ لئن كان الاستقراء هو أحد طرق الاستدلال، فإنه لا يمكن الاستغناء عنه في الفهم الكلي الذي يستهدف الكشف عن مقاصد الشارع. ولذلك اعتمده المتقدمون في بحوثهم المقاصدية، ولعل أهم من استثمره منهم الشاطبي الذي اعتبره طريقا للكشف عن الكليات الشرعية[128].

وسار المجددون على هذا النهج، فجعله ابن عاشور أعظم المسالك الثلاثة للكشف عن مقاصد الشريعة، سواء باستقراء الأحكام المعروفة عللها، أو باستقراء أدلة أحكام اشتركت في علة واحدة بحيث يحصل اليقين أن تلك العلة مقصد مراد للشارع. مثل النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، والنهي عن بيع الطعام بالطعام، والنهي عن احتكار الطعام فيفيد استقراء هذه الأدلة ونـحوها أن من مقاصد الشريعة رواج الطعام وتيسير تناوله[129].

د. روح المناهج الحديثة؛ إن نقد المجددين للمناهج الحديثة لم يمنعهم من اعتمادها، ولكن على نحو مميز وملائم لنزعتهم النقدية، ولرغبتهم في تأسيس حداثة ذاتية. ويعبر ذلك عن إيمانهم بأن التطبيقات الغربية للحداثة لا تعدو أن تكون مقاربة في ظل ظروف معينة ليس لها صبغة الإطلاق، وبهذا يبدو البعد التاريخي حاضرا في أذهانهم بصورة علمية، على خلاف الحداثيين الذين غلب عليهم التقليد والنقل الحرفي للتطبيقات الغربية، مما جعلهم قاصرين عن فهمها وغير أوفياء لروحها، وللمنهج التاريخي الذي يتبنونه.

ولذلك فإن المجددين اعتمدوا روح المناهج الحديثة، واستفادوا من المقاربة الغربية مؤمنين بتاريخية تطبيقاتها، فأخذوا بإضافاتها وتجاوزوا انحرافاتها، وهو ما يفسر عدم وجود الكثافة الاصطلاحية الخاصة بهذه المناهج كما هو الحال عند الحداثيين؛ لأن المناهج في نهاية الأمر ليست إلا وسائل فلا ينبغي حضورها إلا بقدر ما يحقق المقاصد المرجوة منها. كما تتميز مقاربة المجددين باعتماد جهاز اصطلاحي مغاير أحيانا مراعاة لطبيعة اللغة العربية القائمة على الاشتقاق ولمدى دقة دلالة اللفظ على المعنى المطلوب، مثل عبارة الفكرانية عند طه عبد الرحمن عوض الإيديولوجية.

 كما نلاحظ أنهم يستعملون بعض المناهج دون تسميتها خاصة مع ابن عاشور الذي يبدو أكثر أصالة في اختيار الألفاظ الدالة على المعاني الجديدة. فإذا رأينا الحداثيين في ما سبق يعتمدون المنهج الأنثروبولوجي ويطبقونه على ظاهرة النسخ، فإن ابن عاشور يفعل ذلك ولكن بكفاية أكبر، من خلال تمييزه بين اصطلاح المتقدّمين واصطلاح المتأخرين، وبيان تأثير ذلك في استنتاج المعاني واستنباط الأحكام[130].

وبهذا يظهر أن المجددين يعتمدون مختلف المناهج الحديثة ولكن بمقاربة تختلف عن التطبيقات الغربية، كما أكد ذلك طه عبد الرحمن في أكثر من موضع من مؤلفاته، لأن الإشكال في نظره ليس في المناهج الحديثة، وإنما في عدم كفاية الحداثويين العرب في تطبيقها، ولذلك اعتمد هو المناهج نفسها ليصل إلى نتائج مغايرة لما توصلوا إليه، ولكنها ملائمة لمقاصد الشريعة[131].

ﻫ. الصدق والعمل؛ أضاف طه عبد الرحمن ضابطا خارجيا للفهم وهو اتصاف القارئ بالصدق؛ لأن المرء لا يزال صادقا ويتحرى الصدق حتى يتوصل إلى معان لا يتوصل إليها غيره[132]. ويمثل هذا النمط من الفهم نقيضا للنمط المعرفي الغربي القائم على الاقتصار في النظر على العالم المادي وهو نمط معرفي “غير صالح للتوسل به في بناء معرفة إسلامية؛ لأن مناهجه العقلية ونتائجه العلمية تنبني على أصلين: أحدهما؛ فصل العلم عن الأخلاق، وثانيهما؛ فصل العقل عن الغيب. لذلك تحتاج القراءة السليمة إلى تلافي هاتين الآفتين: آفة الانقطاع عن الأخلاق، وآفة الانقطاع عن الغيب.

ويرى أن الأخذ بالمقاصد قادر على أن يُطَهِّرَنَا من آثار الآفتين، وأن يرسخ فينا ملكة الوصل بين العلم والأخلاق، وملكة الوصل بين العقل والغيب[133]. ولا طريق لتحقيق ذلك إلا بالتخلق وربط العلم بالعمل والكون مع الصادقين. وقد انتبه الشاطبي قديما إلى أهمية هذا الضابط فبين “أن روح العلم هو العمل، وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به[134]“، ولذلك ينبغي للعالم أن يعمل بما يعلم، لأن الذي لا يعمل بما يدعو إليه يقع في محظورين هما السقوط في التجريد والقصور عن الفائدة كما ساد ذلك في قراءات الحداثويين[135].

و. الوظيفة المعيارية للفطرة وللمقاصد؛ تميزت القراءة المجددة بإعادة الاعتبار إلى الفطرة. فبين أصحابها أن علاقة المقاصد بالفطرة لا تظهر من خلال انبناء التشريعات على ملاءمة الفطر السليمة فقط، ولكن من خلال تعيير المقاصد بمعيار الفطرة للتمييز بين ما يعد من مقاصد الشريعة، وما لا يعد منها. وكذلك تعيير الفطرة بمعيار المقاصد للتمييز بين ما يعد من الفطرة وما لا يعد منها، ولذلك عد ابن عاشور الفطرة أصلا من الأصول التي تقوم عليها مقاصد الشريعة.

ويتبين من خلال مميزات مقاربة المجددين أنهم يعتمدون منهجا مفتوحا يقوم على فهم النص باعتماد الألفاظ دون الوقوف عندها، وبتتبع تطور دلالاتها، وملاحظة الظروف الحافة بنزول الآيات وصدور الأحاديث، ومراعاة المقاصد، والاستفادة من الآخر الحضاري.

إن هدف المجددين هو تأسيس حداثة ذاتية “ذات توجه معنوي بديلة عن الحداثة ذات التوجه المادي التي يعرفها المجتمع الغربي[136]“. ويعبر هذا الطموح عن الثقة في النفس، وعن الإيمان الراسخ بالصدق العلمي للأصول المرجعية، كما يعبر عن الإيمان بأن “الحداثة عبارة عن إمكانات متعددة، وليست كما رسخ في الأذهان إمكانا واحدا، وينهض دليلا على ذلك أن المشهد الحداثي الغربي ليس بالتجانس المظنون، بل فيه من التنوع ما يجوز معه الكلام عن حداثات كثيرة، لا حداثة واحدة[137]” وإذا ثبت تعدد ألوان الحداثة في الإطار المرجعي الواحد، فلأن يحصل تنوع في أشكالها باختلاف الإطار المرجعي أولى. وبناء على ذلك يجوز أن نؤسس حداثة إسلامية لها من السمات الأساسية ما يجعلها متميزة عن غيرها من الحداثات. ولكن كما جاز التنوع في أشكال الحداثة داخل المرجعية الغربية، فإنه يجوز التنوع داخل المرجعية الإسلامية، وبذلك يمكن للحداثة في الإسلام أن تأخذ أكثر من شكل، ولذلك يرى طه عبد الرحمن أن ما يقدمه لا يعدو أن يكون “مقاربة لواحد من الأشكال التي يجوز أن تتخذها الحداثة الإسلامية[138].” ويعبر هذا التصور عن إحدى قيم الإسلام ومقاصده وهي جواز الاختلاف ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود: 119)، كما يعبر ذلك عن الإيمان بنسبية القراءات وتاريخية الأفكار. ومن شأن هذه الخاصية أن تنشئ عقولا منفتحة طالبة للحقيقة ولا تجد حرجا في العودة إلى الصواب كلما تبين.

إن من شأن الحداثة الإسلامية أن تتجاوز أزمة الحداثة الغربية التي يعبر عنها بفقد المعنى أو بفقد المرجعية، أو بفقد المقصدية ونحو ذلك من التعبيرات التي تكشف عن درجة الفراغ الذي تعاني منه هذه الحداثة والمنتسبين إليها. لأن للمسلمين من الخبرة بعالم المعني على كافة الصعد ما يسمح لهم بالارتقاء بواقع الإنسان قديما ولا زال بإمكانهم أن يرتقوا به اليوم إن اهتدوا إلى ابتكار أذواق جمالية وآثار أخلاقية جديدة[139].

الخاتمة

غير أن ما يجدر التنبيه إليه، في ختام هذه المداخلة، أن اعتماد المقاصد مدخلا للإصلاح، يثير عدة إشكاليات يتأكد توضيحها، نظرا لكثرة ترددها في قراءات بعض المعاصرين[140]. أولها اعتبار بعضهم المقاصد اكتشافا جديدا في هذا العصر، والحال أن المقاصد مرتبطة بالشريعة منذ نزولها. ثم تطور البحث المقاصدي مع تطور العقل الإسلامي ونضج العلوم حتى ظهرت محاولات من قبل عدة أعلام؛ كالحكيم الترمذي والقفال الشاشي 485ﻫ والجويني والآمدي… وكانت لهم أنظار ثاقبة وأفهام عميقة، لم يتمكن بعض المعاصرين من استيعابها والاستفادة منها.

والإشكال الثاني أن عددا من النقاد والدارسين المعاصرين للفكر الإصلاحي كانت لهم مبالغات في الاستنتاج حيث حمّلوا نصوص الإصلاحيين ما لا تحتمل، ورأوا أن أصحاب الاتجاه المقاصدي كخير الدين وسالم بوحاجب ومحمد العزيز جعيط وابن عاشور يدعون إلى تجاوز النص واعتماد المقاصد مادة ومنهجا للبحث التشريعي. وفي هذا مبالغة تعبر عن سوء تصور المسألة؛ لأن الاتجاه المقاصدي في الفهم لا يخرج عن اللفظ لأنه المعيار الظاهر الذي يحتكم الكل إليه، ولولا ذلك لما تم التواصل بين الناس، وما تطورت المعرفة.

ولكن لا يعني هذا عدم الاختلاف، ولعل في اختلاف الصحابة في فهم حديث صلاة العصر في بني قريظة مثالا على ذلك، حيث تمسك البعض بظاهر اللفظ ولم يصل حتى وصل المكان المقصود، وتمسك البعض الآخر بمعنى المسارعة في السير المفهومة من اللفظ فصلى في الطريق عندما حان الوقت، ورغم تفاوتهم في الإدراك، فإنهم جميعا لم يخرجوا عن اللفظ، غير أن منهم من رأى المقصد في ظاهر اللفظ، ومنهم من رآه في المعاني التي يفيدها اللفظ.

 ولا يعني ذلك التسوية بينهما فقد فضل أغلب العلماء، عدا ابن حزم، الاتجاه الذي يجمع بين اللفظ والمعني؛ لأنه يحصل امتثال الأمر وتحقيق الحكمة منه، وقد أكد هذا الفهم ابن رشد[141] والشاطبي[142] تأكيدا لافتا للانتباه في عديد المناسبات، أما القول بتجاوز اللفظ أو النص فلم يقل به عالم. وينبئ هذا الفهم وإن كان معاصرا عن نزعة باطنية لا تختلف عن الاتجاهات الباطنية التي عرفها التاريخ الإسلامي. ومن ذلك فإن الجويني يقرر أن “الشريعة مبنية على الاستصلاح[143]” ويرى أنه شامل ومطرد في أحكام الشريعة كلها إلا أنه بالمقابل يقرر أن “تفاصيل الاستصلاحات لا تطلع عليها العقول[144]“.

ولذلك ليس لأحد أن يضاهي الشريعة في استصلاحاتها ويرخي العنان لنفسه ولعقله في حرية الاستصلاح، ولم يكن القدماء “يرون حمل الخَلْقِ على الاستصلاح بكل رأى وإنما كانوا يحومون على قواعد الشريعة[145]“. ولذلك رفض الجويني “الاسترسال في جميع وجوه الاستصلاح ومسالك الاستصواب[146]“. ولكن بالمقابل لا يعني ذلك قبول الوقوف عند ظاهر النصوص؛ لأنها “طريقة سلكها جماعة ممن اتبعوا الأثر… ونشأ من ذلك مفاسد عظيمة، وموارد أثيمة[147].” ومهما يكن من أمر فإن اعتماد المقاصد مدخلا للإصلاح ينبغي ألا يكون مطية للخروج عن أحكام الشرع؛ لأن المقاصد إنما أخذت من تلك الأحكام، فيكون إهمالها إهمالا للمقاصد نفسها.

الهوامش

[1]. إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، 1/87.

[2]. ولد سنة (1221ﻫ/1806م). بويع إثر وفاة أبيه سنة 1837م. أعتق العبيد، ونظَّم التعليم. (ابن أبي الضياف، الإتحاف 4/11).

[3]. ابن عاشور، الحركة الأدبية والفكرية في تونس، ص29 إلى 39.

[4]. يمثلها مع الأسف بعض “أهل العلم” الذين أحسوا بانقباض صدورهم من حملهم على التراتيب، وعدهم ذلك مضايقة لهم وإيهامهم العامة أنه تداخل في الدين. (ابن عاشور، أليس الصبح بقريب، دار سحنون – دار السلام، 2006، ص105).

[5]. الفاضل ابن عاشور، أركان النهضة الأدبية بتونس، تونس: مكتبة النجاح، تونس 1960، ص18. وله، الحركة الأدبية والفكرية في تونس، ص41-47-72.

[6]. جمال دراويل، الاتجاه المقاصدي لدى الشيخ سالم بوحاجب، ضمن فعاليات اليوم الدراسي الذي نظمته بيت الحكمة حول “الشيخ المصلح سالم بوحاجب” 27 يناير 2006م.

[7]. محمد العزيز جعيط، المقاصد الشرعية وأسرار التشريع، تونس: المجلة الزيتونية، م1، ج3/124-125.

[8]. محمد كمال الدين إمام، الدليل الإرشادي إلى مقاصد الشريعة الإسلامية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، , 2007 ص17.

[9]. عبد الكريم النملة، الجامع بمسائل أصول الفقه، مكتبة الرشد، ط1، (1420ﻫ/2000م)، ص386. محمد سليمان الأشقر، الواضح في أصول الفقه، الأردن: دار النفائس، ط2، (1425ﻫ/2004م)، ص149. محمَّد الجيزاني، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، ص236. الشنقيطي، مذكرة في أصول الفقه، ص202.

[10]. الموافقات، م، س، 2/5-6-7. وانظر أيضا الغزالي، المستصفى، ص176.

[11]. المستصفى، م، س، ص174.

[12]. طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص97.

[13]. الأشقر، الواضح في أصول الفقه، م، س، ص151. انظر خلاف فقد فصل القول تفصيلا حسنا: خلاصة التشريع الإسلامي، ص7.

[14]. الشهرستاني، الملل والنحل، 1/198.

[15]. الأشقر، الواضح في أصول الفقه، م، س، ص151.

[16]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص45.

[17]. الزحيلي، أصول الفقه، 2/1017-1018. خلاف، أصول الفقه، ص204.

[18]. الخادمي، الاجتهاد المقاصدي، 1/41.

[19]. الزركشي، التذكرة، نقلا عن السيوطي، تشييد الأركان في ليس في الإمكان أبدع مما كان. منشورة في آخر الإحياء 5/481-482.

[20]. الغزالي، معارج القدس في مدراج معرفة النفس، ص57-58.

[21]. السوسوة، العلاقة بين حاكمية الوحي واجتهاد العقل، ص37. مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية السنة 14 العدد 39 شعبان (1420ﻫ/1999م).

[22]. المرجع نفسه، ص52.

[23]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 3/27-28.

[24]. ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، 2/816.

[25]. مقاصد الشريعة في فرض الحجاب، ص184.

[26]. نقلا عن النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 14/151.

[27]. التحرير والتنوير، م، س، 22 / 92.

[28]. محمد الغزالي، سر تأخر العرب والمسلمين، ص10.

[29]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة ومكارمها، ص5.

[30]. طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، ص71-72.

[31]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص151.

[32]. طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، م، س، ص70-71.

[33]. مجلة اليسار الإسلامي، ص46. العدد الأول، القاهرة 1981م.

[34]. حسن حنفي، في الفكر الغربي المعاصر، ص25. حسن حنفي، اليمين واليسار في الفكر الديني، ص5.

[35]. حنفي، من النص إلى الواقع: محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه، 2/577-581-582-583. وله أيضا: اليمين واليسار في الفكر الديني، ص37-42. وما بعدها. وله: التراث والتجديد، ص145.

[36]. أبو زيد، المقاصد الكلية للشريعة: قراءة جديدة، مجلة العربي، ص114.

[37]. البخاري، الجامع الصحيح، سورة الجمعة، باب قَوْلُهُ: ﴿سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم﴾، 3/310.

[38]. البيهقي، شعب الإيمان، فصل ومما يجب حفظ اللسان منه الفخر بالآباء وخصوصا بالجاهلية، 7/132.

[39]. الغزالي، المستصفى، ص174. الشاطبي، الموافقات، 1/31. الصنعاني، أصول الفقه، ص197. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص81.

[40]. محمد عمارة، ألف باء الحوار، تحرير مضامين المصطلحات (رد على نصر حامد أبي زيد)، مجلة العربي العدد 428 جويلية 1994م.

[41]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص139 وما بعدها.

[42]. محمد عمارة، ألف باء الحوار، م، س.

[43]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 2/299.

[44]. محمد عمارة، ألف باء الحوار، م، س.

[45]. نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص، ص9.

[46]. نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص203-204. وله أيضا: مفهوم النص، ص10.

[47]. المختار بنعبدلاوي، الإسلام المعاصر: قراءة في خطابات التأصيل، ص36.

[48]. حنفي، من النص إلى الواقع محاولة لإعادة بناء علم أصول الفقه، 2/578-579. وله، حوار الأجيال، ص466.

[49]. نصر حامد أبو زيد، الخطاب والتأويل، ص114.

[50]. أبو زيد، مفهوم النص، م، س، ص15.

[51]. محمد أركون، تاريخية الفكر العربي الإسلامي، ص 20-296-297. الجابري، وجهة نظر، ص79.

[52]. حنفي، التراث والتجديد، ص157.

[53]. أبو زيد، مفهوم النص، م، س، ص24. وله، نقد الخطاب الديني، ص130. وله، الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية، ص66.

[54]. حنفي، التراث والتجديد، م، س، ص57-64.

[55]. أبو زيد، نقد الخطاب الديني، م، س، ص130. حنفي، التراث والتجديد، م، س، ص157. الميلي، ظاهرة اليسار الإسلامي، ص57. انظر في نقد هذا التصور محمد أبو القاسم حاج حمد، جدلية الغيب والإنسان والطبيعة: العالمية الإسلامية الثانية، ص361 وما بعدها.

[56]. منهم ابن قتيبة (توفي 276ﻫ) في كتابه “أدب الكاتب” ومنهم ابن جني (توفي 392 ﻫ) في كتابه “الخصائص”. ومنهم ابن فارس (توفي 395ﻫ) أول من ألف كتاباً أهداه إلى الصاحب ابن عباد وسماه “الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها”.

[57]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 4/324.

[58]. كما هو الحال عند محمد شحرور في كتابه “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة.

[59]. أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص210.

[60]. رولان بارت، النقد والحقيقة، ص 103. بول ريكور، من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، ص90.

[61]. عيال الله، ص73.

[62]. عيال الله أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين، ص137.

[63]. أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، ص312.

[64]. ابن رشد، فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، ص32.

[65]. ابن تيمية، الفتاوى، 17/153. وله درء التعارض، 1/120. السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، 1/18، 90.

[66]. دلائل الإعجاز، ص64.

[67]. تعود تسمية هذا المنهج إلى لفظة أنثروبولوجيا Anthropology، وهي مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين: أنثروبوس Anthropos، ومعناه “الإنسان” ولوجوس Locos، ومعناه “علم”. وبذلك يكون معنى الأنثروبولوجيا العلم الذي يدرس الإنسان. (حسين فهيم، قصة الأنثروبولوجيا، ص18. عيسى الشماس، مدخل إلى علم الإنسان: الأنثروبولوجيا، ص14).

[68]. جامعي تونسي معاصر، المنهج الأنثروبولوجي في دراسة مصادر الفكر الإسلامي، ص56 وما بعدها.

[69]. قبله البعض ورفضه البعض الآخر، ثم اختلف الذين قبلوه في عدد الآيات المنسوخة اختلافا كبيرا. أحصيت الآيات المنسوخة فقال ابن حزم هي 214، وقال النحاس 134، وقال عبد القاهر 66، وقال ابن الجوزي 247. خليل عبد الكريم، الأسس الفكرية لليسار الإسلامي، ص13-14. محمد مفتاح، دينامية النص، ص190-191.

[70]. المنصف بن عبد الجليل، المنهج الأنثروبولوجي في دراسة مصادر الفكر الإسلامي، ص42.

[71]. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 13/29.

[72]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 3/107-108.

[73]. ابن العربي، أحكام القرآن، م، س، 1/276.

[74]. المرزوقي، محاولة في فهم مأزق أصول الفقه بعد بلوغ تأسيسه الأول الغاية، ص100-102-105.

[75]. أبو زيد، مفهوم النص، ص26. حنفي، التراث والتجديد، ص84.

[76]. نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص، م، س، ص24. وله، النص السلطة الحقيقة، ص78.

[77]. نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، ص202.

[78]. خليل عبد الكريم، الأسس الفكرية لليسار الإسلامي، ص13-14. أبو زيد، النص السلطة الحقيقة، ص10. نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني، م، س، ص128. يتفاوت الحداثيون في الوصول إلى هذه النتيجة حيث يرى حنفي، كما تقدم، أن النص يشكل معطى جاهزا، مما جعل أبو زيد يتهمه بأنه يحطب في حبل اليمين. وأنظر في توضيح هذا التصور ونقده: محمد الطالبي، ليطمئن قلبي، ص40. عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص291، 292.

[79]. الشاطبي، الموافقات، م، س، ص2 /81-82.

[80]. الغزالي، معيار العلم، ص76. ابن رشد، تلخيص كتاب العبارة، ص 66. الأخضر جمعي، اللفظ والمعنى، ص19.

[81]. أمة الوسط، م، س، 127-128.

[82]. أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة والورع. توفي في نهاية القرن الأول أو في بدايته على خلاف. (وفيات الأعيان، 2/375)

[83]. لعل الراجح هو الإخفاء لأن القصة وردت كاملة في المصدر الذي رجع إليه الطالبي. ولكنه اكتفى بهذا الجزء؛ لأنه يخدم توجهه، في حين أن ما أغفله لا يساعده على تبرير توجهه.

[84]. ابن خلكان، وفيات الأعيان، م، س، 2/376-377.

[85]. ا بن عاشور، التحرير والتنوير، م، س، 1/7.

[86]. ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص3. بتصرف. وله، أليس الصبح بقريب، ص156.

[87]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص10. وله، التحرير والتنوير، م، س، 25/50. الشاطبي، الموافقات، م، س، 1/38.

[88]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص3.

[89]. مالك بن أنس، الموطأ برواية يحيى الليثي، كتاب الصيام، باب ما يفعل المريض في صيامه 1/306.

[90]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص7. إسماعيل حسني، نظرية المقاصد عند ابن عاشور، ص98.

[91]. طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، ص97. عبد المجيد الصغير، الفكر الأصولي، ص29. عطية، تفعيل مقاصد الشريعة، ص197. وانظر أيضا البدوي، مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، ص542-543. ولكنه قدم رأيه بعبارة تحتاج إلى المراجعة.

[92]. الجابري، بنية العقل العربي، ص554. سالم فوت، حفريات المعرفة العربية الإسلامية، ص163.

[93]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص 4-5-6-7.

[94]. والمراد بالثبوت أن تكون تلك المعاني مجزوما بتحقيقها أو مظنونا ظنا قريبا من القطع، وأما الظهور فهو الوضوح الذي لا يحصل به التباس بغيره كمقصد حفظ النسل، أما الانضباط فيعني وجود حد معتبر لحصول المقصد أو نقضه، ومثاله مقصد حفظ العقل الذي يدرك فواته بما يخرج عن تصرفات العقلاء. والمراد بالاطراد أن لا يكون مختلفا باختلاف أحوال الأقطار والأعصار مثل الإسلام والقدرة على الإنفاق في تحقيق مقصد الملاءمة للمعاشرة المسماة بالكفاءة في النكاح. فهذه الشروط إذا توفرت في المعنى كان مقصدا على وجه اليقين وإلا كان وهما ومعلوم أن التشريع لا يبنى على الأوهام، ولذلك حرم الإسلام التبني لأنه يناقض مقصد حفظ النسل. (مقاصد الشريعة، ص50-51-52-53-54).

[95]. مقاصد الشريعة، م، س، ص127.

[96]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص14 وما بعدها. وقد تقدم توضيح مسالك الكشف عن المقاصد في آخر الفصل السابق.

[97]. مقاصد الشريعة، م، س، ص59.

[98]. المرجع نفسه، ص153.

[99]. نورالدين بوثوري، مقاصد الشريعة: التشريع الإسلامي المعاصر بين طموح المجتهد وقصور الاجتهاد، ص29.

[100]. الموافقات، م، س، 2/54.

[101]. مقاصد الشريعة، م، س، ص80.

[102]. المرجع نفسه، ص79.

[103]. ابن عاشور، التحرير والتنوير، 17/268.

[104]. المرجع نفسه، 17/267.

[105]. مقاصد الشريعة، م، س، ص227.

[106]. مثل ابنه الفاضل ابن عاشور الذي رأى أن الخطوة التالية هي العناية بالقواعد الفقهية (محاضرات، ص366) والحال أن القواعد دون المقاصد، لا أفق فوقها حتى ينتهي البحث إليها. ويعبر كل ذلك عن سوء تصور مقاصد الشريعة. أنظر: محمد الشتيوي، قضية الاجتهاد عند الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور، ص23 وما قبلها. محاضرة ألقيت بمناسبة إحياء ذكرى مائوية محمد الفاضل ابن عاشور التي نظمتها وحدة فقهاء تونس. جامعة الزيتونة 9 – 12 – 2009م.

[107]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 3/375.

[108]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص9.

[109]. ابن عاشور، التحرير والتنوير، 1/5. وله، أصول النظام الاجتماعي، ص116.

[110]. أصول النظام الاجتماعي، م، س، ص47.

[111]. التحرير والتنوير، 1/419.

[112]. المرجع نفسه، 1/413.

[113]. المرجع نفسه، 2/303.

[114]. البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأشربة، باب ترخيص النبي، صلى الله عليه وسلم، في الأوعية والظروف 4/14.

[115]. الدباء، القرع يوضع فيه الخمر بعد إخراج ما فيه. (المعجم الوسيط، 1/268).

[116]. جرار خضر يحمل فيها الخمر.

[117]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص30.

[118]. ابن القيم عندما قال: “والعلم بمراد المتكلم يعرف تارة من عموم لفظه وتارة من عموم علته والحوالة على الأول أوضح لأرباب الألفاظ وعلى الثاني أوضح لأرباب المعاني والفهم والتدبر”، إعلام الموقعين عن رب العالمين، 2/387.

[119]. سامر رشواني، الاتجاه المقاصدي في تفسير ابن عاشور، موقع الملتقى الفكري من شبكة الإنترنت.

[120]. مقاصد الشريعة، م، س، ص24.

[121]. ابن عاشور، التحرير والتنوير، م، س، 30/326.

[122]. المرجع نفسه، 6/122.

[123]. المرجع نفسه، 1/42.

[124]. المرجع نفسه، 10/184.

[125]. المرجع نفسه، 4/228.

[126]. ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص24.

[127]. هو “تصفح جزئيات المعنى ليثبت من جهتها حكم عام إما قطعي وإما ظني” الشاطبي، الموافقات، م، س، 3/298 بتصرف. المرداوي، التحبير شرح التحرير، 8/3788.

[128]. الموافقات، م، س، 1/23.

[129]. مقاصد الشريعة، م، س، ص14 وما بعدها.

[130]. ابن عاشور، التحرير والتنوير، م، س، 3/135.

[131]. طه عبد الرحمن /41-42-70-71-111-115-118-122. ابن عاشور، التحرير والتنوير، م، س، 1/42.

[132]. طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، ص110. محمد الطالبي، أمة الوسط، ص8.

[133]. المرجع نفسه، ص111.

[134]. الموافقات، م، س، 1/62.

[135]. طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، م، س، ص190.

[136]. المرجع نفسه، ص16.

[137]. المرجع نفسه، ص17.

[138]. المرجع نفسه، ص18.

[139]. المرجع نفسه، ص40.

[140]. انظر مثالا لذلك: جمال دراويل، الاتجاه المقاصدي لدى الشيخ سالم بوحاجب، ص64. ضمن فعاليات اليوم الدراسي الذي نظمته بيت الحكمة حول “الشيخ المصلح سالم بوحاجب” 27 جانفي 2006م.

[141]. فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، م، س، ص57-58.

[142]. الشاطبي، الموافقات، م، س، 1/29-30-99. 3/144-145-146-147-148 وما بعدها. 4/215-217. وانظر أيضا ابن عاشور، مقاصد الشريعة، م، س، ص4.

[143]. الجويني، البرهان، 2/800.

[144]. المرجع نفسه، 2/610.

[145]. المرجع نفسه، 2/550.

[146]. الغياثي، ص310.

[147]. القسطلاني، مراصد الصلاة في مقاصد الصلاة، ص29.

Science
الوسوم

د. بشير المكي عبداللاوي

وزارة التربية/تونس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق