مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

صيام رمضان، ثم الست من شوال: صيام سنة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

لقد منَّ الله عز وجل علينا بأن أدركنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، راجين من المولى سبحانه أن يدخلنا في زمرة من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»([1]).

ومن غفر له ما تقدم من ذنبه فقد فاز فوزا عظيما، فرمضان موسم الخيرات، فصيامه بعشرة أشهر، ثم صيام ستة أيام من الشهر الذي يليه، وهو شهر شوال بشهرين، فذلك صيام السنة، فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة».

فقد أخرج هذا الحديث أئمة الحديث بألفاظ مختلفة:

1-رواه أحمد في المسند([2])، ولفظه: «من صام رمضان فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر فذلك تمام صيام السنة».

2-وابن ماجه في السنن([3])، ولفظه: «من صام ستة أيام بعد الفطر، كان تمام السنة، من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها».

3-والنسائي في السنن الكبرى([4])، ولفظه: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام من شوال بشهرين، فذلك صيام سنة». ولفظ: «جعل الله الحسنة بعشر، فشهر بعشرة أشهر، وستة أيام بعد الفطر تمام السنة».

4-وابن خزيمة في الصحيح([5])، ولفظه: «صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة»؛ يعني رمضان وستة أيام بعده. قال الأعظمي: “إسناده صحيح”([6]).

5-والدارمي في السنن([7])، ولفظه: «صيام شهر بعشرة أشهر، وستة أيام بعدهن بشهرين، فذلك تمام سنة»؛ يعني: شهر رمضان، وستة أيام بعده.

6-وأخرجه الطحاوي في: شرح مشكل الآثار([8])، ولفظه: «صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام سنة»؛ يعني: رمضان وستة بعده. ولفظ: «جعل الله الحسنة بعشرة أشهر، وستة أيام بعد الفطر تمام السنة».

7-والديلمي في فردوس الأخبار([9])، ولفظه: «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بعده بشهرين، فذلك صيام السنة».

8-والبيهقي في السنن الكبرى([10])، وفي شعب الإيمان([11])، ولفظه: «صيام شهر بعشرة أشهر وستة أيام بعده بشهرين، فذلك تمام السنة».

وفي بيان شرح الحديث نص جماعة من الأئمة العلماء على فضله:

1-فقال القرطبي (المتوفى عام: 656 هـ): “صوم رمضان مع الستة: فيصح أن يقال فيه: أنه بمنزلة سنة بوشرت بالصوم أيامها، ثم ضوعفت كل يوم من أيام السنة بعشرة، فيضاعف العدد، فصارت هذه السنة بمنزلة عشر سنوات بالتضعيف، وذلك أن السنة ثلاثمائة وستون يوما، فإذا ضربت ثلاثمائة وستين في عشرة صارت ثلاثة آلاف وستمائة([12]).

2-وقال جمال الدين المَلَطي (المتوفى: 803هـ): “لا يقال فيه تسوية بين صوم رمضان وغيره، ولا خلاف في فضله على غيره؛ لأن الله تعالى كما كفى عن صائم رمضان ما يكون منه في بقية عشرة أشهر من سنته على ما روى: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»([13])، وروى: «من قام رمضان»([14]) الحديث، وروى: «من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا»([15]) الحديث، لصيامه الفرض، وقيامه المسنون، كذلك تفضل بصوم ستة أيام من شوال، فيكون الحسنة بعشر أمثالها، فيكون ذلك مع ما جاد به لصائم رمضان كفارة للسنة كلها”([16]).

3-وقال السيوطي (المتوفى عام: 911هـ): “لا يشكل على هذا ما قيل: إنه يلزم فيه مساواة ثواب النفل للفرض؛ لأنه إنما صار كصيام سنة بالتضعيف، وهو مجرد فضل من الله تعالى”([17]).

4-وقال الأمير الصنعاني (المتوفى عام: 1182هـ) : “قد جعل فيه الست شهرين ومعلوم أنها نافلة تقضي بالمساواة إلا أن يقال: إن المضاعفة وإن ثبتت للكل من واجب ونافلة إلا أن نوع جزاء الواجب أعظم قدرا من نوع جزاء النافلة فذلك كالجواهر وهذا كاللآلئ، قال في الفردوس([18]): هذا بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان، وأتبعه ستا من شوال، فقد صام السنة كلها»”([19]).

5-وقال ابن باديس (المتوفى عام: 1359هـ): “من صام رمضان، وصام بعده ستة أيام من شوال كان ذلك من عمله كصيام الدهر، لأن الله تعالى جعل الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشر أشهر، وستة أيام بعده بشهرين فذلك تمام السنة”([20]).

صفوة القول: إن صيام فرض نهار رمضان، وقيام مسنون ليله، والتفضل بصوم ستة أيام من الشهر الذي يليه، وهو: شوال، فكل ذلك كفارة للسنة كلها، وصوم رمضان مع إتباع الستة أيام من شوال، فهو بمنزلة صيام سنة، ثم ضوعفت كل يوم من أيام السنة بعشرة، فيضاعف العدد، فصارت هذه السنة بمنزلة عشر سنوات بالتضعيف، وذلك أن السنة ثلاثمائة وستون يوما، فإذا ضربت ثلاثمائة وستين في عشرة صارت ثلاثة آلاف وستمائة. وكل ذلك من مِنَن الله تعالى على الإنسان وتوفيق منه سبحانه وتعالى.

********************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه من حديث: أبي هريرة رضي الله عنه: أحمد في: مسنده 16/ 317، رقم الحديث: 10537، وأصحاب السنن: الترمذي في السنن 3 /58 في: أبواب: الصوم، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، رقم الحديث: 683، وابن ماجه في: كتاب: إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان، رقم الحديث: 1326.

([2]) المسند 37 /94، رقم الحديث: 22412.

([3]) السنن 1 /547 ، كتاب: الصيام، باب: صيام ستة أيام من شوال، رقم الحديث: 1715.

([4]) السنن الكبرى 3/ 239، كتاب الصيام، صيام ستة أيام من شوال، رقم الحديث: 2873، ورقم: 2874.

([5]) صحيح 2/ 1014، رقم الحديث: 2115.

([6]) صحيح ابن خزيمة 2 /1014، هامش رقم الحديث: 2115.

([7]) السنن 2 /1101، كتاب الصوم، باب: في صيام الستة من شوال، رقم الحديث: 1796.

([8]) شرح مشكل الآثار 6 /125-126، رقم الحديث: 2348، ورقم: 2349.

([9]) فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب 2 /550، رقم الحديث: 3568.

([10]) السنن الكبرى 4 /293، كتاب الصوم، باب: في فضل صوم ستة أيام من شوال، رقم الحديث: 8694.

([11]) شعب الإيمان 5/ 300، رقم الحديث: 3461.

([12]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 3/ 236-237.

([13]) أخرجه البخاري في: صحيحه الصحيح 1 /16؛ في: كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان، رقم الحديث: 38.

([14]) أخرجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: الشيخان في صحيحيهما: البخاري في صحيحه 1 /16، 3/ 44؛ في: كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان، رقم الحديث: 37، وكتاب: صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان، رقم الحديث:  2009، ومسلم في: صحيحه 1 /523؛ في: كتاب: الصيام، باب: الترغيب في قيام رمضان، وهو: التراويح، رقم الحديث: 759.

([15]) سبق تخريجه.

([16]) المعتصر من المختصر من مشكل الآثار 1/ 145.

([17]) الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 3/ 253.

([18]) فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب 2 /550، رقم الحديث: 3568.

([19]) التنوير شرح الجامع الصغير 5/ 270.

([20]) مجالس التذكير من حديث البشير النذير ص: 53.

********************

جريدة المراجع

التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني، تحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1432 /2011.

الجامع الصحيح (السنن) لمحمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق (ج3): محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1388 /1968.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه (الصحيح) لمحمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، اعتناء: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1422، مصورة عن المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1313.

الجامع لشعب الإيمان لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي تحقيق: أبو اسحق الحويني، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، الخبر- السعودية، الطبعة الأولى: 1416/ 1996.

السنن الكبرى لأحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

السنن الكبير لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: جماعة من العلماء، دار النوادر،  الطبعة الأولى: 1424/ 2013، مصورة عن مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد- الهند، الطبعة  الأولى: 1344.

السنن لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر (د-ت).

السنن=المسند لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار المغني للنشر والتوزيع، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1421 /2000.

شرح مشكل الآثار لأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1415/ 1994.

الصحيح لمحمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، تحقيق: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة: 1424 /2003.

فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب لشيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي، تحقيق: فواز أحمد الزمرلي، محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1407/ 1987.

مجالس التذكير من حديث البشير النذير لعبد الحميد محمد بن باديس الصنهاجي، مطبوعات وزارة الشؤون الدينية، الجزائر، الطبعة الأولى: 1403/ 1983.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصحيح) لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1412/ 1991 مصورة عن دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421 /2001.

المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ليوسف بن موسى بن محمد المَلَطي، عالم الكتب، بيروت- لبنان، (د-ت).

المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، أحمد محمد السيد، يوسف علي بديوي، محمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق- سوريا، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1417/ 1996.

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق