مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

سرقة الحديث: مدلوله وبعض أقسامه

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم:  

           إن من فضل الله تعالى على الأمة  الإسلامية أن قيض لها علماء جهابذة ، وهبوا أنفسهم لخدمة السنة النبوية، فوضعوا قواعد صارمة لنقد الرواة جرحا وتعديلا، وتمحيص  المرويات من كل تحريف وانتحال ،  تحقيقاً لوعد الله تعالى في حفظ دينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” [1] .

وإن من بين المصطلحات التي نجد لها ذكرا في كتب الجرح والتعديل مصطلح “سرقة الحديث”  من خلال وصف العلماء لبعض الرواة بأنهم ممن يسرق الحديث، فما هو مدلول هذا المصطلح ؟ وماهي بعض أقسامه؟

وقبل الحديث عن ذلك،  ارتأيت أن أعرف مصطلح “السرقة”  لغة وشرعا، وهذا أوان الشروع في المقصود  فأقول وبالله التوفيق:

أولا: تعريف مدلول مصطلح السرقة:

  1. تعريف مدلول مصطلح السرقة لغة:

السرقة لغة: أخذ الشيء خفية؛ قال ابن فارس : “السين، والراء، والقاف، أصل يدل على أخذ شيء في خفاء وستر. يقال سرق يسرق سرقة. والمسروق سرق. واسترق السمع: إذا تسمع مختفيا. ومما شذ عن هذا الباب السرق: جمع سرقة، وهي القطعة من الحرير”[2].

وقال ابن منظور: “سرق الشيء، يسرقه، سرقا، وسرقا، … واسترق السمع أي: استرق مستخفيا، ويقال: هو يسارق النظر إليه إذا اهتبل غفلته لينظر إليه .. والسارق عند العرب: من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ من ظاهر، فهو مختلس، ومستلب، ومنتهب، ومحترس؛ فإن منع مما في يديه فهو غاصب “[3].

  1. تعريف مصطلح السرقة شرعا:

السرقة في اصطلاح الفقهاء كما قال الجرجاني في التعريفات: “أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان،  أو حافظ بلا  شبهة”[4].

      ثانيا: مدلول مصطلح سرقة الحديث عند بعض المحدثين وبعض أقسامه:

      تحدث بعض علماء الحديث عن مصطلح “سرقة الحديث ضمن قسم “الحديث المقلوب” ، دون أن  يفردوا له بابا مستقلا به، قال ابن دقيق العيد في تعريفه للمقلوب: ” وهو أنْ يكون الحديث معروفاً برواية رجل معَيَّن ، فيروى عن غيره طلباً للإغراب ، وتنفيقاً لسُوق تلك الرواية مثل : أنْ يكون معروفاً برواية مالك، عن نافع ،عن ابن عمر. فيرويه عن مالك، عن عبد الله بن دينار ،عن   ابن عمر . وهذا فيه على طريقة الفقهاءِ : أَنَّه يجوز أنْ يكون عنهما جميعاً . لكن يقوم عند المحدثين قرائنُ وظنونٌ ، يحكمون بها على الحديث بأنَّه مقلوب . وقد يطلق على رواية أنَّه يسرق الحديث”[5] .

وقال الذهبي: ” هو: ما رواه الشيخ بإسناد لم يكن كذلك ، فينقلب عليه وينط من إسناد حديث إلى متن آخر بعده . .. فمن فعل ذلك خطأ فقريب ، ومن تعمد ذلك وركب متنا على إسناد ليس له ، فهو سارق الحديث ، وهو الذي يقال في حقه : فلان يسرق الحديث . ومن ذلك أن يسرق حديثا ما سمعه ، فيدعي سماعه من رجل . وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده ، فهو أخف جرما ممن سرق حديثا لم يصح متنه ، وركب له إسنادا صحيحا ، فإن هذا نوع من الوضع والافتراء . فإن كان ذلك في متون الحلال والحرام ،فهو أعظم إثما، وقد تبوأ بيتا في جهنم . وأما سرقة السماع وادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء ، فهذا كذب مجرد ، ليس من الكذب على الرسول – صلى الله عليه وسلم – ؛بل من الكذب على الشيوخ ، ولن يفلح من تعاناه”[6].

وقال  السخاوي  في معنى سرقة الحديث بعد أن أورد تعريف الإمام الذهبي لسرقة الحديث : “قلت: أو  أن يكون الحديث عُرف براو يضيفه لراو غيره ممن شاركه في طبقته”[7].

فسرقة الحديث حسب تعريف  الذهبي السابق أخف ضررا من وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكذب فاعله على الشيوخ ،وادعائه السماع لا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال في موضع آخر قال: “وهي دون وضع الحديث في الإثم لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن كذبا علي ليس ككذب على أحد”[8]. “[9]

وسرقة الحديث يختلف عن القلب من كون فاعله يتعمد فعل ذلك قال الذهبي: “ومن تعمد ذلك –يعني القلب-… فهو سارق الحديث، وهو الذي يقال في حقه فلان يسرق الحديث” [10].      

كما  يختلف عن التدليس؛  لأن المدلس لا يصرح بالسماع؛ بل يأتي بصيغة محتملة، خلافا للسارق الذي يصرح بالسماع؛ نقل الخطيب البغدادي بسنده  عن الحسين بن إدريس، قال: سألت عثمان بن أبي شيبة، عن أبي هشام الرفاعي؟ قال: إنه يسرق حديث غيره فيرويه، قلت: أعلى وجه التدليس؟ أم على وجه الكذب؟ فقال: كيف يكون تدليسا وهو يقول: حدثنا ” [11].

من خلال بعض هذه التعاريف يمكن ذكر بعض أقسام سرقة الحديث  باختصار وهي:

أولا : ادعاء سماع ما لم يسمعه من الحديث عن الشيخ من حديثه.

ثانيا: تركيب المتن على إسناد ليس له.

ثالثا: أن يكون الحديث عرف براو يضيفه لراو غيره ممن شاركه في طبقته.

رابعا: ادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء؛ وهي من أشد أنواع السرقة كما قال الذهبي : ” وليس ذلك بسرقة  الأجزاء والكتب، فإنها أنحس بكثير من سرقة الرواية “[12].

الخاتمة:

من خلال ما تقدم خلصت إلى الآتي:

أن معنى السرقة لغة وشرعا تعني: أخذ الشيء خفية.

أن بعض علماء الحديث تحدثوا عن مصطلح “سرقة الحديث ضمن قسم “الحديث المقلوب” .

 أن سرقة الحديث أخف ضررا من وضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛لكذب فاعله على الشيوخ، وادعائه السماع لا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أن سرقة الحديث يختلف عن القلب من كون فاعله يتعمد فعل ذلك.

أن سرقة الحديث يختلف عن التدليس من كون المدلس لا يصرح بالسماع؛ بل يأتي بصيغة محتملة، خلافا للسارق الذي يصرح بالسماع.

أن من أقسام سرقة الحديث باختصار  من خلال التعريفات المذكورة:

أولا : ادعاء سماع ما لم يسمعه من الحديث عن الشيخ من حديثه.

ثانيا: تركيب المتن على إسناد ليس له.

ثالثا: أن يكون الحديث عرف براو يضيفه لراو غيره ممن شاركه في طبقته.

رابعا: ادعاء ما لم يسمع من الكتب والأجزاء؛ وهي من أشد أنواع السرقة.

************************

هوامش المقال:

[1]  – سورة الحجر الآية: (9).

[2]  –  معجم مقاييس اللغة (3/ 154) مادة: “سرق”.

[3]  –  لسان العرب (10/ 155) مادة: “سرق”.

[4]  – التعريفات (ص: 177).

[5]  – الاقتراح في فن الاصطلاح (ص: 317- 318).

[6]  – الموقظة (ص: 60)

[7]  – فتح المغيث (2/ 290)

[8]  –  أخرجه البخاري في صحيحه (1 /397-398) ، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت، برقم: (1291)، ومسلم في صحيحه  في المقدمة ، باب: في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم : (4) واللفظ للبخاري.

[9]  – تاريخ الإسلام (17 /140).

[10]  – الموقظة (ص: 60).

[11]  – تاريخ بعداد (4 /597).

[12] – تقدم توثيقه.

*****************

لائحة المصادر والمراجع:

الاقتراح في بيان الاصطلاح وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة من الصحاح. لتقي الدين محمد بن علي الشهير بابن دقيق العيد. دراسة وتحقيق: قحطان عبد الرحمن الدوري. دار العلوم الأردن. ط1/ 1427 هـ- 2007مـ.

تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. لشمس الدين محمد بن أحمد  بن عثمان الذهبي. تحقيق: عمر عبد السلام تدمري. دار الكتاب العربي. بيروت ط1/ 1411هـ- 1991مـ

تاريخ مدينة السلام  وأخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها. لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي . حققه وضبط نصه وعلق عليه: د بشار  عواد معروف . دار الغرب الإسلامي ط1/ 1422 هـ- 2001 مـ .

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي. دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006 مـ.

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. لشمس الدين أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي . دراسة وتحقيق: د. عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير- د. محمد بن عبد الله بن هيد آل فهيد. مكتبة دار المنهاج الرياض. ط 1 / 1426 هـ.

لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور . دار  صادر بيروت . ط1/ 1410هـ- 1990مـ.

معجم التعريفات (قاموس لمصطلحات وتعريفات علم الفقه واللغة والفلسفة والمنطق والتصوف والنحو والصرف والعروض والبلاغة ). لعلي بن محمد بن علي بن الزين الشريف الجرجاني. دار ميراث النبوة ط1/ 1442هـ- 2021مـ

معجم مقاييس اللغة. لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر . بيروت 1399 هـ- 1979مـ.

الموقظة في علم مصطلح الحديث. لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي . اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة. مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. ط2/ 1412هـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق