مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

ذكرى  الدكتور عبد الرحمن الحجي (ولد :1353هـ – 1935م/ وتُوفي يوم الثلاثاء: 05 جمادى الثانية 1442هـ- 18 يناير 2021م)

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكرى  الدكتور عبد الرحمن الحجي

(ولد :1353هـ – 1935م/ وتُوفي يوم الثلاثاء: 05 جمادى الثانية 1442هـ- 18 يناير  2021)

  1. توفي اليوم الثلاثاء: 05 جمادى الثانية 1442هـ الموافق لـ:18 يناير2021، عالم الأندلسيات الشهير: المحقق، والمصنف، والمحاضر الكبير: الأستاذ الدكتور السيد عبد الرحمن علي الحجي رحمه الله تعالى وجعل منزله في الفردوس الأعلى.
  2. ولقد رأيت من الوفاء للعلم عموما، ولشخص هذا الرجل رحمه الله خصوصا، أن أكتب عنه مقالا مقتضبا أسجل فيه بعض ما عرفته عنه؛ وهُو وإن كان لا يفي بما هو له أهل، لكن قد يقوم ببعض الواجب، ولعله يميط اللثام عن جوانب من حياته ربما تكون مما يخفى على كثير ممن يعرف الرجل رحمه الله.
  3. نَثَرْت ما كتبته عن الدكتور الحجي في هذا المقال نثرا على حسب ما جادت به القريحة، عفوا دون كَدٍّ، غير مُكْتَرث بمراعاة دقائق الترتيب، إذ إن في موت الأحباب لشغلا، مُوَلِّها عن كثير من المُحَسِّناتِ الترتيبية.
  4. لم ألتزم في هذا المقال منهج كتابة التراجم، ولا طريقة تحرير السِّيَر، وإنما جَعلت فيه ذكرياتٍ مِنْ سَابِق المعرفة، وأركانا من وطيد العلاقة بالدكتور الحجي منطلقا انبعثت منه عند نثر فقرات هذا المقال.
  5. لقد خدم الدكتور الحجي رحمه الله المعرفة بإخلاص وصِدْقٍ، مُؤْثِراً الغربة والخمول، صابرا على ما لقيه مما يصاب به عَادَةً أمثالهُ من ذوي الصدق في الاختيار، والوضوح في التعبير عن ذلك الاختيار.
  6. عَرَفْت الدكتور الحجي قديما من خلال تحقيقه لجزء من كتاب المقتبس في أخبار بلد الأندلس لأبي حيان القرطبي([1])، وكنت بعد ذلك أسمع طرائف من أخباره من بعض أحبائي المقيمين بلندن إذ كان يزورهم بها مراراً مُحَاضرا؛ ثم شَرَّفني بعدُ فزارني في بيتي أكثر من مرة، فَصَدَّقَ الخُبْرُ الخَبَرَ، ووجدت الرجل رحمه الله عارفا بزمانه، واسع الاطلاع على أخبار الأندلس، خبيرا بآثارها، مُنْفِقاً وقته في البحث والاستزادة من المعرفة، دمث الخلق، حسن المعشر، سليم الصَّدر، كثير التودد، بشوش اللقيا، متين المواقفِ، صادق اللهجة، بحاثة خَبَرَ مسالك البحث جميعها من: التأليف، والتحقيق، وما شاكلهما، محاضراً ماهرا يحسن مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وحَسبَ طبقاتهم؛ ولما رماه الزمان بفواجع البِعاد احتملها صابراً، وكُنْتَ إذا شِئْتَ أن تُدْرِكَ من حِسِّه وجِرْسِه، أو ترى في سِحْنَتِهِ، أو تسمع من صوته ما يُكِنُّه صَدْرُه من جَميل الصبر على ذلَكَ، أَدْرَكْتَه، ورأيتَه، وسمعتَه.
  7. كتب الدكتور الحجي في موضوع الأندلس كثيراً، وعُني بذلك عناية ملحوظة فنشر بعض التراث الأندلسي([2])، وصنف في قضايا تتعلق بتاريخ الأندلس وآثار أهله([3])، كما كتب في موضوعات أخرى أجلُّها: موضُوع السيرة النبوية الشريفة الذي صَنَّفَ فيه كتابا شهيرا بعنوان: “ السيرة النبوية: منهجية دراستها واستعراض أحداثها “([4])، وكما كتب في السيرة النبوية خصوصا، كتب أيضا في التاريخ الإسلامي وحضارة المسلمين وتراثهم عموما([5]).
  8. تشرفت بدعوة الدكتور عبد الرحمن الحجي إلى مدينة العرائش ليحاضر في باب اقْتَرَحْتُه عليه موضوعا وعنوانا وهو: “السيرة النبوية: أهميتها، ووظيفتها، وحاجة الأمة إليها“([6]) فأجاب الدعوة، وأَمْكَنَ من الرغبة، وأسعف بالطَّلِبة، وأنجز الموعدة، فحضر وحاضر، وأفاد بل زاد.
  9. تهاديت والدكتورَ الحجي رحمه الله بعض الكتب، وحمل لي معه في إحدى زياراته ثلاثة من كتبه هي: كتاب:” السيرة النبوية: منهجية دراستها واستعراض أحداثها“، وكتاب: “المظلومون في تاريخنا“([7])، وكتاب: ” مع الأندلس لقاء ودعاء “([8])،  ثم أبى عليه رفيع خلقه إلا أن يكتب لي الإهداء على ظهر كل كتاب منها.
  10. كانت تجمعني بالدكتور الحجي رحمه الله محبة أكيدة، وعلاقة وطيدة، أَسَرَّ لي لأجلهما بكثير مما كان يحمله من أعباء، بَثَّ ذلك بَثَّ المستروِح الواثق جازاه الله عني الجنة.
  11. كان الدكتور الحجي رحمه الله مُتَّقِد الذكاء، عالي الهمة، متطلعا إلى الاستزادة من العلم، ولقد كنت أراه حريصا جدا على امتلاك صُور من بعض نوادر المخطوطات التي يَعلم بوجود أصولها بخزائن المغرب، ومن أطرف ما وقع لي معه رحمه الله أننا تذاكرنا بشأن نسخةِ تاريخ ابنِ خلدون، و”ما بقي من هذه النسخة الأصلية الخلدونية التي استنسخها المؤلف بنفسه وقدمها كاملة إلى خزانة بني مرين بالقرويين”([9]) والتي توجد الآن في الخزانة المذكورة تحت رقم: 362([10])، والتي عليها خط المؤلف نفسه، وأخبرته أنني عاينت الأصل نفسه، وكَحَّلْتُ العين بخط ابن خلدون المثبت في آخر الجزء الثالث منها، فَتَشَوفَ إلى مصورة منها، ورغب في ذلك رغبة شديدةُ تُنبئ عن حرص نادر على المعرفة؛ وقَد يَسر الله لي تصوير ذلك الجزء من تاريخ ابن خلدون المخطوط الذي عليه خطه، وإهدائه للدكتور الحجي رحمه الله تعالى، والظن أن هذه النسخة الآن من مشمولات مكتبته بمدريد.
  12. كان الدكتور الحجي رحمه الله شديد الشكيمة، راسخ القدم فيما يرجع إلى ما يعتقده، صادقا فيما يذهب إليه، ثابتا على ما يراه أنه الحق، غير متلون، كطائفة من أبناء العصر بحيث تراهم في عُدوةٍ الغداةَ، ثم تُلْفِيهم في عُدوة أخرى مساءً.
  13. وكان رحمه الله علاوة على ما سبق: سهل المعشر، يُطمع كل أحد في قربه، ولقد علمته مُحَبَّبا عِنْدَ من عَرَفهم من المغاربة في مدينة مدريد، ثم بعدها في جملة من مدن شمال المغرب حيث كان ينزل في طنجة بين الفينة والأخرى، ويتردد منها إِليَّ بالعرائش، مع الإشارة إلى أَغْلَبُ أولئك المغاربة الذين عَرَفَهم في سن أولاده، ومع ذلك كنت تراه كأنه وإياهم أتراب، وكان رحمه الله زواراً لهم، حريصا على ما تجمعه بهم من وطيد العلائق. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
  14. من طرائف الدكتور رحمه الله تعالى، ما أخبرني به من أنه قاد قديما وفداً من الطلبة الإماراتيين لزيارة مآثر المسلمين في الأندلس وكان مما زاروه منها مسجد قرطبة العظيم، فلما استقبل بالوفد محراب المسجد لم يتمالك نفسه فصدح بالأذان، وقد التُقِطَتْ له صورة وهو يؤذن نشرها في كتابه: “ مع الأندلس لقاء ودعاء“، وعلق عليها بقوله: “بينما نحن نَتَملّى جمال هذا المحراب بكل اهتمام وإعجاب، والزائرون الآخرون- زرافاتٍ وليس وحدانا- من حولنا مندهشين، يعلقون على ما أُخِذوا به من هذا البهاء المتفرد، ومن غير أي ترتيب ولا إعداد ولا حتى توقع أو انتواء أو إفتكار. ربما خلال ثوانٍ، ينطلق هذا العبد الفقير لله برفع الأذان كاملاً وبأعلى صوته أمام المحراب، مما جعل الجميع يقفون متأثرين مندهشين من هذه المفاجأة السارة، لقد تم ذلك تعبيراً عن حُبٍّ دقيق وإعجاب لا يخبو ولا يستكين وتعلق بَيِّن لا يلين.

ألف حَمْدِ لله تعالى إذ لم يعترضنا أحد حيث يعتبرون المسجدَ كنيسةً، كعادتهم لكل المساجد، فربما كانوا منعونا من أداء صلاة تحية المسجد لدى دخولنا إليه.

كان ذلك فضل عظيم ونعمة من الله تعالى. قلتُ: إنه لو أُعْطِيتُ بديلا ملء بيتِ ذهباً لا أقبلُ أبداً. كما قلتُ: لعل هذا المسجد لم يسمع أداناً منذ أكثر من خمسمائة عام أو سبعمائة. كانت تلك الزيارة بمثابة رحلة العمر، بعد الأماكن الثلاثة التي تُشَدّ إليها الرِّحال”([11]).

ولقد سمعت من لفظه رحمه الله كفاحا خبرَ هذا الأذان قبالة محراب مسجد قرطبة، يذكره ذكر مفتخر، وحق له ذلك، أجره الله عليه.

  1. لما تقرر موعد محاضرة الدكتور الحجي التي دعاه إليها مركز ابن القطان، -وتقدمت الإشارة إليها- التَمَسْتُ منه نَهجاً لسيرته العلمية، يُضَمِّنُها ما تدعو إليه ضرورة التعريف، فكتب رحمه الله تعالى سيرته العلمية وافيةَ المادة، جامعة لعناوين إنتاجه العلمي، وقد رأيت من الوفاء لهذا العالم الفرد أن أُثْبِتَها في هذا المقال ضمن ملاحقه باعتبارها مصدراً من أهم مصادر ترجمة الدكتور الحجي رحمه الله تعالى.
  2. أظن أن رحلات الدكتور الحجي المغربية التي أتيحت له في أواخر عمره، وتعددت، وتمكن أن يمكث عندنا بالمغرب في جملة منها زمنا صالحا: شهرا أو أكثر من ذلك، أظن أن هذه الرحلات من أهم ما قام به في أخريات عمره رحمه الله تعالى حيث  لقي فيها مجموعة من الأساتيذ، وأجرى معهم مذاكرات علمية كثيرة تداولوا فيها كؤوس الفوائد مترعة، وربط بهم أواصر للتعاون المعرفي متينة، كما أظن أن محاضرته بمركز ابن القطان بالعرائش هي الملتقى العلمي الوحيد الذي شهده محاضرا في هذه الزيارات الأخيرة للمغرب([12]).
  3. مات الدكتور الحجي رحمه الله يوم الثلاثاء 05 جمادى الثانية 1442/ 19 يناير 2021 بمدريد مأجورا على ما أصابه من طويل الاغتراب، والبعدِ عن بعض الأهل والأحباب، ودفن بالمقبرة الإسلامية بالمدينة المذكور يوم الخميس 07 جمادى الثانية 1442 /21 يناير 2021 بعد أن صُلي عليه صلاة الجنازة بعد ظهر يومه وتاريخه بمسجد الجمعية الإسلامية بمدريد (Estrecho).
  4. رأيت من الفائدة العلمية أن أنشر جزءاً من الوثائق المتعلقة ببعض زيارات الدكتور عبد الرحمن الحجي رحمه الله للمغرب، تتميما لمادة سيرته العلمية، وتعريفا بجزء من عطائه المعرفي، وعلاقاته ببعض الباحثين بالمغرب وسيتضمن مِلَفُّ الوثائِقِ الملاحقَ الآتية:

أ- الملحق الأول: السيرة العلمية للدكتور عبد الرحمن الحجي من وضعه رحمه الله (تحميل).

ب- الملحق الثاني:  صورة ملصق محاضرة الدكتور عبد الرحمن الحجي في موضوع: “السيرة النبوية: أهميتها، ووظيفتها، وحاجة الأمة إليها“.

  ج- الملحق الثالث: صورتان موثِّقتان للمحاضرة السابقة.

د- الملحق الرابع: نص إهداء الدكتور عبد الرحمن الحجي الذي كتبه بخطه على أول ثلاثة من كتبه، وهي كلها من إهدائه لكاتب هذا المقال.

************************

هوامش المقال

([1])- طبع بدار الثقافة، بيروت، سنة: 1965.

([2]) – حقق جزءا من كتاب المقتبس في أخبار بلد الأندلس لأبي حيان القرطبي طبع -كما تقدم- بدار الثقافة، بيروت، سنة: 1965؛ كما حقق القسم الجغرافي المتعلق بالأندلس و أوروبا من كتاب: “المسالك و الممالك“، لأبي عُـبَيْد البكري وطبع تحت عنوان: جغرافيـــة الأندلـس وأوروبا، بيروت (1387هـ =1968م).

([3])-مما له في هذا الباب:

1-أندلسيات (مجموعتان) – مجموعة بحوث أندلسية، طبع ببيروت، سنة: 1969م.

2-محاكم التفتيش الغاشمة و أساليبها، طبع بالكويت، سنة: 1987م.

3-العَلاقات الدبلوماسية بين الأندلس و بيزنطة (القسطنطينية)، طُبع بالمَجْمَع الثقافي: أبو ظبي، دولة الامارات العربية المتحدة، سنة: 1424هـ /2003م.

4-هجرة علماء الأندلس لدى سقوط غرناطة (ظروفها و آثارها)، طُبع بالمَجْمَع الثقافي: أبو ظبي، سنة: 1424هـ /2003م.

5-الكتب و المكتبات في الأندلس، طُبع بالمَجْمَع الثقافي: أبو ظبي، سنة: 1428هـ/2007م.

6-دراسة الظاهرة العلمية في المجتمع الأندلسي، طُبع بالمَجْمَع الثقافي: أبوظبي، سنة: 1428هـ/2007م.

7-كتاب: التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غَرناطة، صدر عن دار القلـم بدمشــق، سنة: 1429هـ /2008م.

8-تأمل واعتبار قراءآت في حكايات أندلسية، من منشورات وزارة الأوقاف بالكويتية، سنة: 2008م.

([4]) – نشر بدار ابن كثير، دمشق، بيروت، سنة: 1420/ 1999.

([5]) – من مؤلفاته في هذا الباب:

1-تاريخ الموسيقى الأندلسية أصولها تطورها أثرها على الموسيقى الأوربية، طبع ببيروت، سنة: 1969م.

2-الحضارة الإسلاميـة في الأندلـس أسسها، ميادينها تأثيرها على الحضارة الأوربية، طبع ببيـروت، سنة: 1969م.

3-جوانب من الحضارة الإسلامية، طبع ببيروت، سنة: 1979م.

3- أضواء على الحضارة و التراث، طبع بالكويت، سنة: 1987م.

4- تاريخنا مَنْ يَكتبه؟ نشرته مكتبة دار الفضيلة بالقاهرة، سنة: 1997م.

5- نظرات في دراسة التاريخ الاسلامي، نشرته دار ابن كثير ببيروت، سنة: 1999م.

6-التاريخ الإسلامي شبهات و حقائق،  المكتبة العامرية، طبع بالكويت، سنة:2009م.

([6])  نظم المحاضرة مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش التابع للرابطة المحمدية للعلماء، وألقيت يوم السبت 14 صفر 1434 /29 دجنبر 2012، بقاعة المكتبة الوسائطية عبد الصمد الكنفاوي –المغرب الجديد- بمدينة العرائش.

([7]) – نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدارة الشؤون الثقافية، الكويت، سنة: 1433 /2012. 

([8])-طبع بمكتبة المنار الإسلامية، الكويت، سنة: 1432 /2011. 

([9])-فهرس مخطوطات خزانة القرويين 1 /352.

([10])-تنظر بيانات النسخة في فهرس مخطوطات خزانة القرويين، الذي وضعه العلامة الأستاذ سيدي محمد العابد الفاسي رحمه الله (1 /352 فما بعدها).

([11])- مع الأندلس لقاء ودعاء ص: 221-222.

([12])- كان ذلك بمدينة العرائش يوم السبت 14 صفر 1434 الموافق لـ: 29 دجنبر 2012، حيث شارك رحمه الله بمحاضرة بعنوان: “السيرة النبوية: أهميتها، ووظيفتها، وحاجة الأمة إليها” وكانت الدعوة والتنظيم من طرف مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

وقد تقدم في هامش سابق إثبات أهم مادة هذا التعليق.

الدكتور محمد السرار

• رئيس مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق