مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةشذور

درر قرآنية (6): فِعْلُ العاجز عن تدبر القرءان

الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى ءاله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الله تعالى قد أمر عباده بتدبر كتابه الحكيم، قال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرءان) [النساء:81]، وقد كان لنبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- ولصحبه وتابعيهم حكايات تروى في تدبر كتاب الله تعالى، تطلب في مظانها ولا نطيل بها.

ومع اقتراب شهر رمضان الكريم؛ شهرِ القرءان، وفي ظل ما يخيم على بلادنا والعالمِ أجمع من حجر صحي، ألزم الناسَ بيوتَهم، يُقبل المسلمون على كتاب ربهم، ويكثرون من تلاوته وختمه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) [المطففين:26]، وهو فعل محمود مرغب فيه، غير أنه ليس كلُ الناس يملك القدرة على تدبر ما يقرؤه، لانتفاء الآلات الموصلة إلى هذا التدبر، فكيف يفعل هؤلاء؟! أينتهون عن قراءته وقلوبهم مجبولة على حب تلاوته والإكثار من ذلك؟!، وهل يدخلون في وعيد من قرأ ولم يتدبر؟!

والجواب عن هذا الإشكال نجده عند عالم من العلماء الربانيين المغاربة الذين أفنوا عمرهم في كتاب الله قراءة وإقراءً، ومنافحة عن أهله، وتأليفا في مختلف مسائله، وهو الأستاذ الفقيه العلامة سيدي أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الفاسي (1214هـ) صب الله على جدثه الرحمة، ولقاه نضرة وسرورا، قال رحمه الله:

«…التالي لكتاب الله عز وجل إذا عجز عن التدبر والتفقه لفقدان الآلة الموصلة لهما، فلا ينبغي أن يترك التلاوة رأسا، ففيها كذلك من الخير والفضل ما لا يعلم قدره إلا الله، وهو سبحانه وتعالى أعلم، وربما استؤنس بهذا بقول سيدنا أبي الدرداء -رضي الله عنه- لرجل قال له: “إني أريد أن أطلب العلم، وأخشى أن أضيعه، فقال له: لَأَن تتوسد العلم، خير لك من أن تتوسد الجهل”.

فكذلك الحافظ لكتاب الله، إذا ترك تلاوته تطلبا للعثور على معانيه، ربما كان ذلك سببا في نسيانه، فيصير إلى جهل عظيم، فاشتغاله بالتلاوة التي تحفظ عليه حروفَ القرءان خير له من طلبه ما يعسر عليه حصولُه، ويكون سببا في حصوله في جهل، وإذا أراد الله له الحصول على قسط من ذلك هيأه له، ويرحم الله سيدي ابن عطاء الله إذ يقول في حكمة من حكمه ما نصه: “لا تترك الذِّكْرَ لعدم حضورك مع الله فيه؛ لأن غفلتك عن وجود ذِكْرِه، أشد من غفلتك في وجود ذِكْرِه، فعسى أن يرفعك في ذِكْرٍ مع وجود غفلة إلى ذِكْرٍ مع وجود يقظة، ومِن ذِكْرٍ مع وجود يقظة، إلى ذِكْرٍ مع وجود حضور، ومِنْ ذِكْرٍ مع وجود حضور إلى ذِكْرٍ مع غيبة عن سوى المذكور، وما ذلك على الله بعزيز).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القول الوجيز في قمع الزاري على حملة كتاب الله العزيز: 166.

 د. محمد صالح المتنوسي

  • باحث بمركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكم وجزاكم الله عنا وعن الاسلام والمسلمين كل خير
    أحسنتم أحسن الله إليكم في الدنيا والآخرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق