مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أقوال وأحوال السلف في عيد الفطر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

    إن من حكمة الله تعالى أن جعل للمسلمين عيدين يفرحون  فيهما ؛ وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى. فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحجِّ، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصيام،  فعن أنسٍ رضي الله عنه  قال: قدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: «ما هذان اليومان؟». قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الفطر ويوم النحر»([1]).

وسمي العيد بهذا الاسم لعوده وتكرره ، وقيل : لعود السرور فيه، وقيل : تفاؤلا بعوده على من أدركه([2]) ، فكيف كان عيد الفطر عند السلف؟ وما هي أهم ملامح استقبالهم له؟

ولأهمية هذا الموضوع جاء  هذا المقال ليذكِّر ببعض أقوال وملامح استقبال السلف الصالح لعيد الفطر ، وهذا أوان الشروع في المقصود ،فأقول وبالله التوفيق:

يمكن بيان أهم ملامح استقبال السلف الصالح لعيد الفطر من خلال الآتي:

1-الشكر على إتمام نعمة فريضة الصيام: إن من مقاصد العيد؛ تحقيق العبودية لله تعالى وشكره على ما أنعم به من نعمة إتمام فريضة الصيام، وما تيسر من القيام وسائر الأعمال الصالحة؛ ومن أقوالهم الداعية إلى ذلك في هذا الصدد  قول محمد بن يزيد بن خنيس رحمه الله: “رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد، فلما  انصرف الناس جعلوا يمرون به، فنظر إليهم، ثم زفر ثم قال: لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا مستيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم أن يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه، وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل”([3]).

2-إخراج زكاة الفطر : فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذه يعدل مدين”([4]).

3-التكبير ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام المصلى؛ وهو  من السنن المشروعة في العيد لقول الله تعالى: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) ([5])؛ وهذا أمر معمول به في عهد السلف اقتداءا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب، وعروة، وأبي سلمة رضي الله عنهم أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون([6]) ، وقال ابن عباس رضي الله عنه: “حق على المسلمين إذا رأو هلال شوال أن يكبروا”([7]) .

4-الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة: وهي من السنن المستحبة فِعْلُها، قال ابن رشد رحمه الله: “أجمع  العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين”([8])، وقد جاء في الموطأ  وغيره أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : “كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدوا إلى المصلى”([9]) .

5-الإفطار قبل صلاة العيد: وهو من سنن عيد الفطر التي يستحب فيها الإفطار قبل الذهاب إلى الصلاة فعن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: “كل قبل أن تغدوا يوم الفطر ولو تمرة”([10]) .

6-غض البصر: وهو من الأمور التي دعا إليها الشرع الحنيف في العيد وفي غيره من أيام العمر لقول الله تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) ([11]) ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن حق الطريق قال:  “غض البصر ، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر”([12])، وهو أمر يشترك فيه الرجل والمرأة على حد سواء قال وكيع  سفيان الثوري: “خرجنا مع الثوري في يوم عيد فقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر”([13])  .

7-شهود المرأة لصلاة العيد؛ فعن نافع ، قال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما  يخرج إلى العيدين من استطاع من أهله”([14]) .

8-إظهار الفرح والسرور : مصداقا لقول الله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) ([15])؛ومن أقوال علماء السلف في هذا الشأن ما  قاله الحافظ  ابن حجر رحمه الله: “إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين”([16])، وقال  ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم، إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) ([17])([18]) .

9-لبس أجمل الثياب؛ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة لا المرتفعة ولا الدون، ويتخيرون أجودهما للجمعة والعيد  ولقاء الإخوان، ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحا”([19]).

10-التهنئة بالعيد؛ حيث كان السلف رضي الله عنهم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم وقد جاء في الفتح : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: “كان أصحاب رسول الله إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم”([20])، وعن عمر بن عبد العزيز خطب الناس في يوم عيد الفطر وقال: “أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما، وقمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم “([21]).

11-تثبيت النية لأن يكون بعد رمضان مثل ما كان خلاله؛ فيواصل الطاعات ويداوم عليها، ويتجنب المعاصي والآثام، فيجعل أيامه بعدها كلها أعيادا، ومن أقوال السلف في هذا الشأن قول الحسن البصري رحمه الله: “كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذكره، وشكره، فهو له عيد” ([22])،وقال   ابن رجب: “ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد “([23]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

-أن الله تعالى جعل للمسلمين عيدان يفرحون فيهما، ومن هذين العيدين عيد الفطر السعيد.

-أن للسلف أحوال في استقبال العيد ومن ملامح استقبالهم له الآتي:

1-الشكر على إتمام نعمة صيام رمضان؛ وشكر النعم من أهم مقاصد العيد.

2-إخراج زكاة الفطر.

3-التكبير ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام إلى المصلى.

4-الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة.

5-الإفطار قبل صلاة العيد ولو بتمرة.

6-غض البصر.

7-شهود المرأة لصلاة العيد.

8-الفرح والسرور في العيد.

9-لبس أجود الثياب.

10-التهنئة بالعيد بـ: تقبل الله منا ومنكم.

11-تثبيت النية؛ لأن يكون بعد رمضان مثل ما كان قبله.

 *****************

هوامس المقال:

([1]) أخرجه أحمد في مسنده (21 /226-225)  برقم: (13622) واللفظ له، وأبو داود في سننه (2/ 345) برقم: (1134). والنسائي في سننه (3/ 199) برقم: (1155)،  والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 434) كلهم من طرق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك.  الحديث بنحوه.

قال الحاكم :هذا حديث صحيح على شرط مسلم،ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.  

([2])   صحيح مسلم بشرح النووي (3 /441). 

([3]) انظر شعب الإيمان للبيهقي (3 /346).

([4]) أخرجه البخاري في صحيحه  (1 /467)، كتاب: الزكاة، باب: صاع من زبيب، برقم: (1508).

([5]) سورة البقرة من الآية (185).

([6]) انظر: جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 269).

([7]) انظر: جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 269).

([8]) بداية المجتهد (1/ 412).

([9]) الموطأ (ص: 97).

([10]) مصنف ابن أبي شيبة (3/ 7).

([11]) سورة النور الآية: (30).

([12]) أخرجه البخاري في صحيحه (4 /136)، كتاب: الاستئذان، باب:  قول الله تعالى: (يا أيها  الذين آمنوا  لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها …) ، برقم: (6229)، ومسلم في صحيحه (2 /1018)، كتاب: اللباس والزينة ، باب: النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه، برقم: (2121).

([13]) حلية الأولياء (7/ 24).

([14]) مصنف ابن أبي شيبة (3/ 43) برقم: (5834).

([15])سورة يونس الآية (58).

([16]) فتح الباري (2/ 571).

([17]) تقدمت.

 ([18]) لطائف المعارف (ص: 479).

([19]) نقلا عن الجامع لأحكام القرآن (7/ 126).

([20]) فتح الباري (2 /575).

([21]) نقلا عن لطائف المعارف (ص: 376).

([22]) نقلا عن لطائف المعارف (ص: 485).

([23]) لطائف المعارف (ص: 483).

******************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

بداية المجتهد ونهاية المقتصد. لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي. حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه: ماجد الحموي. دار ابن حزم بيروت. ط1/ 1416هـ- 1995مـ.

جامع الأحكام الفقهية من تفسير القرطبي. جمع وتصنيف: فريد عبد العزيز الجندي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان (د. ت).

الجامع الصحيح. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه ، وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ..

الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي). لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. (د.ت). 

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. لأبي نعيم الأصبهاني. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية. (د.ت).

سنن أبي داود. لسليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني. حققه وضبط نصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- محمد كامل قروبللي. دار الرسالة العالمية.ط 1430-2009.

سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي.. لأحمد بن شعيب أبي عبد الرحمن النسائي. حققه ورقمه ووضع فهارسه: مكتب تحقيق التراث الإسلامي. دار المعرفة. بيروت لبنان. (د.ت).

شعب الإيمان. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

صحيح مسلم بشرح النووي. حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة (ج3 ) ط1/ 1415هـ- 1994مـ

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421هـ- 2000مـ.

لطائف المعارف يما لمواسم العام من الوظائف. لأبي الفتح عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب الحنبلي حققه: ياسين محمد السواس. دار ابن كثير بيروت . ط5/ 1420هـ- 1999مـ.

المستدرك على الصحيحين. لمحمد بن عبدالله أبي عبدالله الحاكم. تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية  بيروت. ط1/ 1411 – 1990

مسند أحمد (21) . لأحمد بن حنبل. حقق هذا الجزء : شعيب الأرنؤوط- عادل مرشد. مؤسسة الرسالة ط1/ 1419هـ- 1998مـ.

المصنف. لأبي بكر عبد الله ابن أبي شيبة. تقديم: د سعد بن عبد الله آل حميد. تحقيق: حمد بن عبد الله جمعة- محمد بن إبراهيم اللحيدان. مكتبة الرشد الرياض. ط1/ 1425هـ- 2004مـ

الموطأ بروية يحيى بن يحيى الليثي.  لمالك بن أنس. دار القلم بيروت لبنان ط1/ 1428هـ – 2007مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق