مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أقوال العلماء في إخراج زكاة الفطر قيمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، وسلَّم تسليماً كثيراً

أما بعد:   

      فإن من فضل الله تعالى على عباده أن شرع لهم مجموعة من العبادات والأعمال التي تجبر النقص والتقصير الذي يشوب بعض الفرائض الأخرى، فشرع لهم زكاة الفطر لتطهير الصيام مما قد يؤثر فيه، وينقص ثوابه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكن، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات”([1]) .

هذا وقد اختلف أهل العلم في مسألة إخراج زكاة الفطر قيمة بين المجيزين والمانعين؛ ولأهمية هذا الموضوع فقد أفردته بهذا المقال الذي سأتناول فيه :  بعض أقوال وأدلة العلماء في ذلك، وقبل ذلك أعرف زكاة الفطر لغة واصطلاحا، فأقول وبالله التوفيق:

أولا: تعريف زكاة الفطر لغة واصطلاحا:

الزكاة لغة:  الطهارة، والنماء، والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث”  … وهي كذلك بمعنى الصلاح؛ قال تعالى: (خيرا منه زكاة وأقرب رحما) ([2]) أي: خيرا منه عملا صالحا وقال الفراء: زكاة: صلاحا”([3]).

والفطر لغة: “الفطر الشق، وجمعه: فطور، وأصل الفطر: الشق، ومنه قوله تعالى: (إذا السماء انفطرت) ([4]) أي: انشقت”([5])، وقيل: الفطر : أصل صحيح يدل على فتح شيء وإبرازه، من ذلك الفطر في رمضان”([6]).

زكاة الفطر اصطلاحا: عرفها الإمام بدر  الدين العيني بأنها: “اسم لما يعطى من المال بطريق الصلة؛ ترحما مقدرا ، بخلاف الهبة فإنها تعطى صلة, تكرما لا ترحما”([7]).

وقال السبكي : “مال يعطى لمن يستحق الزكاة على وجه مخصوص”([8])

ثانيا: أقوال العلماء حول إخراج زكاة الفطر نقدا:

      إن إخراج زكاة الفطر نقدا من المسائل المختلف فيها بين أهل العلم بين المجيزين والمانعين، وسأستعرض هنا –إن شاء الله تعالى- أقوال الفريقين مع ذكر بعض من أدلتهم في ذلك:

أولا: جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا:

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، ونُقل ذلك عن بعض السلف من الصحابة والتابعين ، واختاره الإمام البخاري.  

قال النووي في المجموع: “قال أبو حنية يجوز ، حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وعمر بن           عبد العزيز والثوري” ([9])، وقال ابن حجر في الفتح: “قال ابن رشد: وافق البخاري الحنفية مع كثرة مخالفته لهم؛ لكن قاده إلى ذلك الدليل  ” ([10]).

ومن أدلة هذا الفريق أذكر:

1-حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال لأهل اليمن: “ايتوني بعرض ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”([11])، وقد عنون الإمام البخاري في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة وذكر هذا الأثر ، واحتجاجه بهذا يدل على قوة الخبر عنده كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: “ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده؛ لأن ذلك لا يفيد الصحة إلى من علق عنه” ([12]

2-أن الأصل في الصدقة : المال لقول الله تعالى (خذ من أموالهم صدقة) ([13]).

3-أن المقصد من دفع زكاة الفطر هو إغناء الفقراء وسد حاجتهم، وهذا المقصد الشرعي يتحقق بالنقد أكثر من تحققه بالعين.

ثانيا: إخراج زكاة الفطر من قوت أهل البلد ولا يجوز إخراج القيمة :

وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة ، قال النووي : “ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة” ([14]) .

واستدلوا بالآتي:

1-أن السنة النبوية لم يرد في نصها إخراج زكاة الفطر نقدا، والزكاة عبادة والأصل في العبادات: التوقيف، ومعنى ذلك أنه يجب الوقوف عند حدود النص، ومن بين هذه الأحاديث أذكر:

حديث ابن عمر رضي الله رضي الله عنه قال: قال: “فرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زكاة الفطر ، صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد ، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”([15]).

حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدا من هذه يعدل مدين”([16]).

2-أن الشريعة الإسلامية  شرعت أنواعا للزكاة، ونصت في كل نوع منها على إخراج أشياء من جنسها؛ فشرع في النقود على النقد ، وفي الزروع على زرع، وفي الفطر على طعام …

وهناك قول وسط بين هذين القولين وهو جواز إخراج زكاة الفطر نقدا كلما دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك، وهو ما مال  إليه الإمام ابن تيمية -رحمه الله- قال:  “والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة، ممنوع منه؛ ولهذا قدر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين، أو عشرين درهما، ولم يعدل إلى القيمة مطلقا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر؛ ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في مقدار المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل، فلابأس به” ([17]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى أن إخراج زكاة الفطر من قوت أهل البلد،  لورود أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين ذلك، وكذلك لابأس بإخراجها نقدا بالنظر إلى مقاصد الزكاة، وهو إغناء الفقراء وسد حاجتهم، وهذا المقصد يتحقق بالنقد أكثر من تحققه بالعين.

********************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه أبو داود في سننه (2/ 111)، برقم: (1609)، .وابن ماجه في سننه (1 /585)، برقم: (1827)، والدار قطني  في سننه (2 /138 ) برقم: (1)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 568)، برقم: (1488).

([2]) سورة الكهف من الآية: (81).

([3]) لسان العرب (14/ 358) مادة: “زكا”.

([4]) سورة الانفطار الآية: (1).

([5]) لسان العرب (5 /55) مادة: “فطر”.

([6]) معجم مقاييس اللغة (4 /510) مادة: “فطر”.

([7]) عمدة القارئ (9 /153).

([8]) الدين الخالص أو  إرشاد الخلق إلى دين الحق (8/ 189).

([9])  المجموع شرح المهذب (6/ 144).

([10]) فتح الباري (3 /390).

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /447) كتاب:  الزكاة، باب: العرض في  الزكاة.

([12]) فتح الباري (3 /394).

([13]) التوبة من الآية: (103).

([14]) شرح النووي على صحيح مسلم (4/ 69).

([15]) أخرجه البخاري في صحيحه (1/ 466)، كتاب: الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، برقم: (1503)، ومسلم في صحيحه (1 /437)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير ، برقم: (984) واللفظ للبخاري.

([16]) أخرجه البخاري في صحيحه  (1/ 467)، كتاب: الزكاة، باب: صاع من زبيب، برقم: (1508).

([17]) مجموع الفتاوى (15 /41).

*******************

لائحة المراجع والمصادر المعتمدة:

الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق. لمحمود محمد خطاب السبكي . تحقيق: السيد أمين محمود خطاب. دار الكتب العلمية بيروت (د.ت).

سنن ابن ماجه.  لمحمد بن يزيد أبي عبد الله القزويني. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. دار الفكر – بيروت.

سنن أبي داود.  لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.

سنن الدار قطني. لعلي بن عمر أبي الحسن الدارقطني. تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني دار المعرفة – بيروت ، 1386 – 1966.

صحيح مسلم بشرح النووي.  حققه وضبطه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. ط1/ 1415هـ- 1994مـ

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني . ضبطه وصححه: عبد الله محمود محمد عمر. دار الكتب العلمية بيروت. (د.ت).

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني. دار السلام الرياض. ط1/ 1421هـ- 2000مـ

لسان العرب (ج5 و ج14). لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور. دار صادر بيروت. ط3/ 1414هـ- 1994مـ..

مجموع الفتاوى. لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية . تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت. 2011مـ.

المجموع شرح المهذب. لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي.ويليه فتح العزيز شرح الوجيز و التخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير.  إدارة الطباعة المنيرية – التضامن الأخوي- المكتبة السلفية . تصوير دار الفكر .(د.ت)

المستدرك على الصحيحين. لمحمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري.  تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية – بيروت. ط1/ 1411 – 1990.

معجم مقاييس اللغة. لأحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر بيروت. نشر: 1399هـ- 1979مـ

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق