مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويطبيعة ومجال

الواجهة الأطلنتية للصحراء المغربية السواحل الصحراوية المغربية مجال للصيد البحري : إيمراكَن-2-

 الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

– الحلقة السادسة –

   بسطنا القول عن قبائل الحوت أو أهل البحر وبدوه، ونركز الآن على “إيمراكَن” الذين لا يخافون، بحسب إحدى دلالات هذه الكلمة الصنهاجية [114]. وهي فئة اجتماعية تنتشر في “المجال الممتد من ساحل إمريكلي إلى وادي الذهب وسواحل شنقيط[115]، بشكل مسهم في تبلور وحدة ثقافية منظمة لمجال الصحراء الأطلنتية (المغربية- الموريتانية) التي هي جزء من المغرب الكبير. وبذلك، فـ “إيمراكَن” فئة جامعة لأسر بحرية من الترارزة، وأولاد دليم، والركيبات، وأولاد تيدرارين، وقبائل مجاط، ولفيكات، ولميار، وغيرها [116].

   وخلال تنقلاتها كانت هذه الفئة تستقر، في مراكز تيدرة، ونومغار، وأكادير دوم [117]. وظلت تستعمل “قوارب صغيرة وشباك من الأسل الأخضر والدوم[118]. ويبدو أن من بينها قاربيْ “زويركَة”[119]، و”تامونانت” المصنوع من جذوع شجر “الأراك” أو الأيك. ويتم طلاء المركب (التفلاك) بـ “لبن أفرنان” المستخلص من نبات شجر أفرنان (اليتوع)، والمخلوط بمسحوق المحار بعد صهره ودقه وغربلته. ثم يصب سائل “أفرنان” على ظهر المركب، ويصب عليه مسحوق المحار. ويعاد صب السائل، فالمسحوق حتى يصبح الطلاء أكثر سمكا [120].

   في حين ذهب بعض الباحثين إلى أن أفراد “إيمراكَن” “يدخلون بشباكهم إلى جوف البحر بدون زوارق صيد[121]. حيث لم يسبق لها امتلاكها نظرا لخلو الصحراء من الأشجار، بحسب أكثر من واحد [122]، بخلاف صيادي “الولوف وللبو”، بالسواحل السنغالية الذين يستعملون جذعية “تامونانت” pirouge[123].

   أما “إيمراكَن”، فيكتفون بالدخول في “لبْحرْ لَخْظَرْ” (الأطلنتي) إلى حد السرة، مرتدين سترة خفيفة من جلد أو ثوب تحت أحزمتهم[124]، واضعين شباكهم في طريق نجعة السمك، “في أسفلها شبه خرزات ثقال من الطين المحروق يسمونها (ايدان) فتصل الشبكة بالطين فلا ينفذ السمك من تحتها ويجعلون في أعلى الشبكة أعوادا مثقوبة من (الفرنان) تمنع الشبكة من أن تغوص في الماء[125].

    ويشير باحثان إلى طريقتين أخريين. أولاهما: انتظار “إيمراكَن” لـ”تِيكَرِي”/ “ارْكَوبْ” (المد البحري) في بطحاء لاساركا (الداخلة)، ورأس بوجدور، وانتيرفت، ورأس بارباس، وخليج لكويرة. فيقومون بغلق ممرات الخلجان خلال “أمرز”/ “اسْرُوحْ” (الجزر). وحين يعود الماء تعلق الأسماك بالأعشاب. فيجمعها الصيادون. وثانيتهما: دخول صياديْن إلى البحر، يمسكان طرفي الشبكة، ويعترضان سرب الأسماك (كَرَارَة من الحُوت)، فيديران به الشبكة، ويعودان به إلى الشاطئ [126].

   ومن الطريف أن “إيمراكَن”، ببعض سواحل بلاد البيضان، بالصحراء الأطلنتية، شكلوا علاقات صيد عجيبة مع حوت الدلافين. حيث يحكي أحدهم عن مشهد أحد الصيادين وهو يعلن اقتراب طابورها، فتعلو صيحات الصيادين الذين يتأهبون. وترى أسراب “البوري الأصفر” تدفعها الدلافين في اتجاه الشاطئ حيث يحمل أهل البحر شباكهم على مناكبهم لمحاصرة الأسماك، فيتم صيدها بكثافة [127].

   وبذلك، تشكل الشباك أهم أدوات الصيد التقليدية في سيرة “إيمراكَن”. وهي أربعة أصناف. أولها: صنف مجلوب من سوس أو من عمليات التبادل مع سكان جزر الكناري. وثانيها: صنف محلي أكبر حجما من الصنف الأول، مصنوع من نبات “تيتارك” النسيجي أو من خيوط القنب أو القطن. وثالثها: صنف يسمى “أمجرَالْ” متسع عيونه 6 سم لصيد السمك من نوع “أزَوْلْ” (صنف من البوري). ورابعها: صنف يسمى “إيدار”، جمعه “إيداران”، متسع عيونه 4 سم [128]. ومن المحتمل أنها لصيد سمك “أزدول” الذي منه “ثاونيت” و”فاريت”[129].

   ولعل من أصناف الشباك: “أجَرَّافْ” المصنوعة يدويا، والمكونة من عمودين طولهما متر، يتكفل بها شخصان ومساعد (درَّاسْ) يجاري السمك حتى يسقط في الشباك. ومنها “لِيغَارة” المصنوعة بوسائل حديثة، والتي لا تستعمل العمودين المستخدمين في شبكة “أجَرَّافْ”. ويسمى الذين يستعملونها “الغوَّارَة”[130].

  وظل “إيمراكَن” يستخدمون “إكرفان”، جمع “أكرف”، وحدة لقياس أحجام الشباك [131]. وكانوا يستعملون خيط “السّنتِيلة” لخياطة شباك الصيد الحديثة، و”الطانسة”- “الطَّانْصَة” لصناعة “أجراف”، الشباك التقليدية، وخياطتها [132].

يتبع                                                     

الإحالات:

[114] مادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

[115] أهمية ساحل الصحراء بين المجتمع القبلي والقوى المتهافتة، ص42. راجع: حياة موريتانيا: الجغرافيا، المختار ولد حامد، دار الغرب الإسلامي، 1994 م، ص115؛ والمجتمع البيضاني في القرن 19، محمدّ بن محمذن، مطبعة النجاح الجديدة، 2001 م، ص317، وص371؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص72، وص73، وص74، وص75؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي بجهة وادي الذهب- الكويرة، ص239- 240، وص244، وص246، وص247- 248؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين بالصحراء: “ايمراكن نموذجا”، ص156، وص158؛ والمعجم الحساني، ص83، وص100؛ ومعجم البادية المغربية، ج1، دار السلام، 2005 م، ص37.

[116] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء الأطلسية، ص100؛ وحياة موريتانيا، ص115؛ والمجتمع البيضاني في القرن 19، ص371؛ وأهمية ساحل الصحراء، ص42؛ والمجتمع والبحر من خلال منطقة الساقية الحمراء، ص74؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص245؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين بالصحراء، ص156- 157؛ ومعلمة الصحراء، ص76؛ ومادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

[117] دراسة في التاريخ الاجتماعي للصحراء ، ص99؛ معلمة الصحراء، ص76.

[118] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ص63.

[119] المعجم الحساني، ص85، وص91.

[120] أدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين، ص159.

[121] مادة الصيد البحري، في: معلمة المغرب، ج27، ص411. راجع: حياة موريتانيا، ص115؛ والمجتمع البيضاني، ص371؛ والأطعمة والأشربة في الصحراء، إبراهيم الحَيْسن، النجاح الجديدة، 2014 م، ص146؛ والصحراء بعيون إسبانية، محمد سبي، الرباط نت، 2017 م، ص147؛ والمجتمع والبحر، ص72، وص75؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص242، وص246؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين، ص156؛ والمعجم الحساني، ص83، وص100.

[122] المجتمع والبحر، ص75؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص246؛ ومادة الصيد البحري بالأقاليم الصحراوية، في: معلمة المغرب، ج27، ص411.

[123] المجتمع والبحر، ص75؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص246.

[124] الصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص246؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين بالصحراء، ص159؛ والمعجم الحساني، ص92.

[125] حياة موريتانيا: الجغرافيا، ص115. قابل بـ: المجتمع والبحر، ص72؛ والصيد البحري والمجتمع الصحراوي بجهة وادي الذهب- الكويرة، ص242.

[126] الصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص244؛ والمعجم الحساني، ص75، وص76، وص82، وص85، وص87، وص92، وص97، وص98، وص103.

[127] الطيور المهاجرة من أوروبا، أحمد ولد أباه، في: موقع إيلاف على الأنترنيت

[128] الصيد البحري والمجتمع الصحراوي، ص246؛ وحياة موريتانيا، ص17؛ والصحراء بعيون إسبانية، ص147؛ وأدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين، ص159؛ والمعجم الحساني، ص84، وص92، وص94، وص97.

[129] أدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين، ص159.

[130] المعجم الحساني، صفحات: 76، 80، 82، 85، 86، 96، 100.

[131] أدوات الصيد البحري التقليدية عند مجموعات الصيادين، ص159.

[132] المعجم الحساني، ص80، وص95.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق