مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

المنتقى من أحاديث لا تصح في الصلاة في عرفة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي الجلال عظيم الثواب، خص أياما لعباده للتوبة والإياب، فيا سعد من اغتنم وأناب، وقرع الأبواب، وسعى في رضا رب الأرباب، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وإمام الغر المحجلين، وعلى آل بيته الطاهرين، وصحابته المجتبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد؛ فإن عرفة ركن ركين من أركان الحج المبرور، لا يستقيم فرض الحاج إلا بالوقوف بعرصاته يوم التاسع من ذي الحجة، قال تعالى: (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) ([1])، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفات”([2])؛ حيث في هذا اليوم المبارك من التاسع من ذي الحجة، يتدفق الحجاج إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم، ألا وهو: الوقوف بعرفة، الذي يعد من أعظم أيام الله تعالى؛ حيث ينزل فيها سبحانه إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض ملائكة السماء، وفيه تسكب العبرات، وتستدر الرحمات، وتجاب فيه الدعوات، ورد في فضله ومآثره والأعمال المشروعة فيه للحاج ولغير الحاج عدة أحاديث صحيحة؛ لكن لما كان لعرفة كل هذا الفضل العظيم؛ فقد انبرى بعض الوضاعين، وأصحاب الأغراض الدنيوية، من القصاصين والشحاذين، المسترزقين، وبعض من ينسب إلى الزهد عن جهل أو قصد إلى وضع أحاديث مكذوبة في فضل الصلاة يوم عرفة؛ ليحثوا الناس بزعمهم على الخير، وهذا غلط ظاهر، وتزيد على الشرع، وفيه من الوعيد ما نطقت به آيات الذكر الحكيم، وأحاديث سيد المرسلين، قال تعالى في ذكر أحوال علماء بني إسرائيل، وتحريفهم، وتزيدهم في كتاب الله ما ليس منه: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) ([3])، وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم من يكذب عليه بالنار والعذاب يوم القيامة، فقال: “إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “([4]) .

وللتنبيه على بعض الأحاديث التي لا تصح في الصلاة في عرفة، أحببت أن أفردها بهذا المقال؛ مقتصرا فيه على حديثين  في الباب، مع ذكر من أخرجهما من العلماء، ومبينا حالهما من خلال أقوالهم، فأقول وبالله أستعين:

الحديث الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى اله عليه وسلم :”من صلى يوم عرفة بين الظهر والعصر أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، و(قل  هو الله) ([5]) أحد خمسين مرة، كتب الله تعالى له ألف ألف حسنة، ورفع له بكل حرف درجة في الجنة، ما بين كل درجة درجتين مسيرة خمسمائة عام، ويزوجه الله بكل حرف في القرآن حوراء، مع كل حوراء سبعون ألف مائدة من الدر والياقوت، على كل مائدة سبعون ألف لون: من لحم طير خضر، برده برد الثلج، وحلاوته حلاوة العسل، وريحه ريح المسك، لم يمسسه نار ولا حديد، تجد لآخره طعما كما تجد لأوله، ثم يأتيهم طير جناحاه من ياقوتتين حمراوين منقاره من ذهب له سبعون ألف جناح فينادي بصوت لذيذ لم يسمع السامعون بمثله: مرحبا بأهل عرفة. قال: ويسقط ذلك الطير في صفحة الرجل منهم، فيخرج من تحت كل جناح من أجنحته سبعون لونا من الطعام، فيأكل منه وينتفض فيطير ؛ فإذا وضع في قبره أضاء له بكل حرف في القرآن نور، حتى يرى الطائفين حول البيت ويفتح له باب من أبواب الجنة، ثم يقول عند ذلك: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، مما يرى من الثواب والكرامة “. 

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات([6])، وقال: “هذا حديث موضوع، فيه ضعاف ومجاهيل “، وأورده السيوطي في اللآلئ([7]) ، والشوكاني في الفوائد المجموعة([8])، واللكنوي في الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة([9]).

الحديث الثاني:

عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى يوم عرفة ركعتين يقرأ يعني: في كل ركعة بفاتحة الكتاب ثلاث مرات في كل مرة يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم ويختم آخرها بآمين ثم يقرأ ب: (قل يا أيها الكافرون) ([10]) ثلاث مرات و(قل هو الله أحد) ([11]) مائة مرة يبدأ في كل مرة ببسم الله الرحمن الرحيم إلا قال الله عز وجل أشهدكم أنى قد غفرت له “.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات([12])، وذكره السيوطي في اللآلئ([13])، والشوكاني في الفوائد المجموعة([14])، واللكنوي في الآثار المرفوعة([15]).

وقال ابن الجوزي: “وهذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”([16]).

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى أن:

1-الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلا به.

2-عرفة من أيام الله العظمى والفضلى، ينزل فيها المولى سبحانه إلى السماء الدنيا، ويباهي بعباده ملائكته، ويغفر فيه ذنوب الحجاج.

3-فضل عرفة جعل بعض الوضاعين يختلقون أحاديث في فضل الصلاة فيه وهي لا تصح.

4-الحديثين المذكورين في الصلاة يوم عرفة حكم عليهما العلماء بالوضع.

والحمد لله رب العالمين.

********************

هوامش المقال:

([1])سورة البقرة (198).

([2])أخرجه الترمذي في سننه (ص: 215)، كتاب الحج، باب: من أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج برقم: (889).

([3])سورة البقرة (76).

([4]) صحيح البخاري (ص:  312)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من النياحة على الميت برقم: (1291)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

([5]) سورة الإخلاص: (1).

([6]) الموضوعات (2/ 448-449 ) برقم: (1017).

([7]) اللآلئ المصنوعة (2 /61-62).

([8]) الفوائد المجموعة (ص: 71) برقم: (113).

([9]) الآثار المرفوعة (ص: 87).

([10]) سورة الكافرون (1).

([11]) سورة الإخلاص (1)

([12]) الموضوعات (2/ 449)، برقم: (1018).

([13]) اللآلئ المصنوعة (2 /62).

([14])الفوائد المجموعة (ص: 71-72) ، برقم: (114).

([15]) الآثار المرفوعة (ص: 88).

([16]) الموضوعات (2 /449).

********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة في المقال:

الموضوعات من الأحاديث المرفوعات. لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي. تحقيق: د نور الدين بويا جيلار ، أضواء السلف، الرياض. ط1 / 1418هـ- 1997مـ.

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. دار المعرفة بيروت لبنان. (د.ت).

الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. لمحمد بن علي الشوكاني. تحقيق: محمد عبد الرحمن عوض- دار الكتاب العربي. بيروت لبنان. ط1/ 1406هـ- 1988مـ.

الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة. لعبد الحي عبد الحليم اللكنوي. تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول. دار الكتب العلمية بيروت لبنان . ط1/ 1405هـ- 1984مـ.

سنن الترمذي. لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي. حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني. واعتنى به: مشهور آل سلمان. مكتبة المعارف الرياض. ط1 (د. ت).

صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير دمشق. ط1/ 1423هـ- 2002مـ.

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق