مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

ابن الحَذَّاء القرطبي(ت416هـ)

هو الحافظ المحدث، والفقيه الكبير، والخطيب المفَوَّهُ، أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن داود التميمي الأندلسي يعرف بابن الحَذَّاء، من أسرة علمية عريقة عرفت بالعلم والنباهة. ولد في المحرم من سنة (347هـ) بقرطبة عاصمة العلم والخلافة، وتردد على حلقات الشيوخ، فأخذ عن أبي بكر محمد بن يبقى بن زَرب (ت381هـ) الذي استَخَصَّهُ منذ صغره وتفقه عنده، وأبي بكر محمد بن عمر ابن القُوطِية(ت367هـ)، وأبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي(ت392هـ)، ورحل إلى المشرق فدخل القيروان، وأخذ بها عن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت386هـ)، وبمصر عن أبي الطاهر محمد بن محمد الذهلي (ت367هـ)، وأبي القاسم الجوهري (ت381هـ)، وبمكة عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم البلخي كان حيا سنة (373هـ)، وغيرهم.

وبعدما استكمل رحلة الأخذ والتلقي عن الشيوخ، تصدى للتعليم وغدا مدرسةً يقصدها الطلبة من كل الآفاق، فدرَّس بقرطبة، ومدينة سالم، وسرقُسطة، وكانت جل حلقاته في الحديث؛ متونه ورجاله، وتخرج على يديه عدد من الحفاظ أمثال حافظ الأندلس أبي عمر يوسف بن عبد البر (ت463هـ)، وأبي مروان عبد الملك بن إسماعيل بن فورْتش (ت437هـ) وولديه أبي عمر أحمد (ت467هـ)، وأبي محمد عبد الله (ت436هـ) ابنا الحَذَّاء، وجماعة آخرين.

وإلى جانب مهمة التدريس شغَل المترجَم منصب القضاء ببجّانة، ثم إشبيلية، وأخيرا بتُطِيلَة، وكان مع ذلك في عداد المشاوَرين بقرطبة، وتولى أيضا خِطة الوثائق السلطانية، وبعد هذا، فلا عجب أن يُحلي العلماء ابنَ الحذاء بأسمى عبارات المدح والثناء، ويشهدوا له بالحفظ والفقه والإتقان وحسن السلوك، فقد نقل القاضي عياض عن ابن عفيف أنه أثنى عليه بقوله:«كان أبو عبد الله هذا فقيها، عالما، يقظا، متفننا في الآداب، حافظا للرأي، مميزا للحديث ورجاله، بصيرا بالوثائق… وغلب عليه الحديث فَبَذَّ في علومه أهلَ زمانه»، وقال أبو علي الغساني:«كان أبو عبد الله ابن الحذَّاء أحد رجال الأندلس فقها، وعلما، ونباهة، متفننا في العلوم، يقظا؛ ممن عني بالآثار، وأتقن حملها، وميَّز طرقها وعللها، وكان حافظا للفقه، بصيرا بالأحكام إلا أن علم الأثر كان أغلبَ عليه».

ألف أبو عبد الله ابن الحَذَّاء كتبا نافعة، تلقاها العلماء بعده بالقبول، وبعضها قرئ عليه في حياته، منها:«التعريف بمن ذكر في الموطأ من النساء والرجال» وهو مطبوع، و«الاستنباط لمعاني السنن والأحكام من أحاديث الموطأ»، و«الإنباه في أسماء الله»، و«البشرى في عبارة الرؤيا»، و«كتاب الخطب والخطباء». توفي رحمه الله يوم السبت قبل طلوع الشمس لأربع خلون من شهر رمضان سنة (416هـ).

مصادر الترجمة:

بغية الملتمس (ص146)، ترتيب المدارك (8/5)، الصلة (2/505)، معجم الأدباء (6/1276)، الديباج المذهب (2/218)، مقدمة تحقيق كتاب التعريف بمن ذكر في الموطأ من النساء والرجال (1/251) وما بعدها.

إعداد: ذ.جمال القديم.

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق