مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

أبو الوليد ابن الفرضي تـ403هـ

هو الحافظ الإمام الحجة عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي القرطبي، يكنى أبا الوليد ويعرف بابن الفرضي، نسبة إلى أبيه الذي تتلمذ على حباب بن عبادة الفرضي حتى اشتهر به فنسب ابنه إليه، كان مولده في ذي القعدة سنة 351هـ، وإن كانت المصادر لم تتحدث عن أسرته ونشأته، فيمكن القول إنه نشأ في أسرة لها عناية بالعلم، ودراية بالفقه، فوالده كان من أهل الفرائض والحساب، فكان أول من لقنه مبادئ العلوم، ثم بعد ذلك قدمه للسماع على الشيوخ فكان بدء سماعه سنة 366هـ، أي عندما كان عمره خمس عشرة سنة كما أفاد عن نفسه في تاريخه.

أخذ ابن الفرضي عن شيوخ بلده أمثال: أبي محمد عبد الله بن قاسم بن سليمان الثَّغري، وأبي جعفر أحمد بن عون الله القرطبي، ومحمد بن أحمد بن يحيى بن مُفَرِّج القاضي، وأبي زكرياء يحيى بن مالك بن عائذ، ثم تاقت نفسه إلى الرحلة لأخذ العلم وتوسيع المدارك، فأخذ بالقيروان عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي، وأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، وبمصر عن أحمد بن محمد بن إسماعيل البنّا المهندس، وأبي محمد الحسن بن إسماعيل الضرّاب، والحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي، وبمكة عن أحمد بن عمر الزجاج القاضي، وأبي يعقوب يوسف بن أحمد الدخيل الصيدلاني المكي، وأبي القاسم عبيد الله بن محمد السقطي البغدادي وغيرهم. وقد كانت لهذه الرحلة العلمية فوائد جعلته يُنَوع علومه، ويُنمي معارفه ويأخذ بالحظ الأوفر منها، لاسيما علم التاريخ والتراجم الذي بلغ فيهما شأوا كبيرا، وكذلك علا كعبه في علم الحديث، وعلم اللغة والأدب، وهذه المؤهلات العلمية التي توفرت فيه جعلت الطلبة يفدون عليه، ويتسابقون في الأخذ عنه، فتخرج على يديه حفاظ كبار أثْرَوا المكتبة الإسلامية بمعارفهم وعلومهم منهم: أبو مروان حيان بن خلف بن حيان الأندلسي مؤرخ الأندلس، والحفاظ: أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي، وأبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي، وأبو عمر يوسف بن عبد البر النمري وغيرهم كثير، وهذا ما أهله أيضا لتولي مختلف المناصب، فتولى قراءة كتب الفتوح الواردة على الخليفة بالمسجد الجامع بقرطبة، ثم بعد ذلك ولاه محمد بن هشام بن عبد الجبار الملقب بالمهدي قضاء بلنسية، ولم تسعف المصادر في معرفة مدة مكوثه بهذا المنصب، وسيرته فيه.

ولما كان ابن الفرضي بهذه المنزلة فلا غَرْوَ أن يحليه العلماء بأحلى الأوصاف الدالة على علوّ مرتبته، وسموّ مكانته، فقد قال فيه الحميدي صاحب «جذوة المقتبس» ونقل قولته ابن عميرة الضبي صاحب «بغية الملتمس»: «كان حافظا متقنا عالما، ذا حظ من الأدب وافرٍ»، وقال فيه تلميذه وقرينه أبو عمر ابن عبد البر كما نقل ذلك عنه ابن بشكوال في «الصلة»: «كان فقيها عالما في جميع فنون العلم؛ في الحديث، وعلم الرجال، وله تواليف حسان، وكان صاحبي ونظيري، أخذت معه عن أكثر شيوخه، وأدرك من الشيوخ ما لم أدركه أنا، كان بيني وبينه في السن نحو من خمسَ عشْرة سنة، صحبته قديما وحديثا، وكان حسن الصحبة والمعاشرة، حسن اللقاء».

سبقت الإشارة إلى أن ابن الفرضي أخذ علوما متنوعة، وقد تجلى هذا في تصانيفه البديعة، التي ضاع بعضها بسبب الظروف السياسية التي كانت تعيشها الأندلس في تلك الفترة، وكتب لبعضها البقاء، ومن مؤلفاته المشتهرة كتاب «تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس»، الذي دارت في فلكه مجموعة من التصانيف ما بين ذيل واستدراك، وكتاب «الألقاب»، و«المتشابه في أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم» وغير ذلك من المؤلفات.

توفي رحمه الله رحمة واسعة شهيدا في فتنة دخول البربر قرطبة سنة 403هـ، ويحكى أنه لما احتضر، كان يردد هذا الحديث: «لاَ يُكْلمُ أحدٌ في سبيل الله ـ والله أعلمُ بمن يُكلمُ في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة وجُرْحُه يَثْعَبُ دما، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، والرِّيحُ رِيحُ المسكِ»، كأنه يعيده على نفسه.

المصادر: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس(ص:237-239)، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (1/470-471) بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس(334-336)، الصلة(1/246-250)، تذكرة الحفاظ(3/1076-1078)، الديباج المذهب (1/398)، أبو الوليد ابن الفرضي القرطبي حياته وآثاره العلمية(الجزء الأول).

إعداد: ذ.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق