مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

أحاديث لا تصح في ليلة القدر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فضل بعض الشهور على بعض، وجعل بعض الليالي أعظم أجرا من بعض، والصلاة والسلام على خير من قام ليلة القدر، فقام وصلى فيها لنيل الأجر، وعلى آله الشرفاء، وأصحابه السعداء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء.

وبعد؛ فإن ليلة القدر من أعظم الليالي التي مَنَّ الله بها علينا، فهي ليلة خير من ألف شهر، ليلة تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربها، ليلة حباها الله بإنزال كتابه على عبده، ليلة يفرق فيها كل أمر حكيم، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر)[1]، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم، أمرا من عندنا، إنا كنا مرسلين)[2].

ولفضل هذه الليلة سعى بعض الوضاعين والجهلة ممن ليس لهم أثرة من علم إلى وضع أحاديث لا تصح في هذه الليلة المباركة.

ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أخصه بهذا المقال الذي سأورد فيه بعض الأحاديث لا تصح في ليلة القدر، وذلك بذكر ثلاثة أحاديث منها، ذاكرا من أخرجها، أو ذكرها، ومبينا حالها من خلال أقوال العلماء، وذلك حتى نسهم في الكشف عنها، وندب بذلك عن مقام حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

فأقول وبالله توفيقي واعتمادي:

أحاديث لا تصح في ليلة القدر:

 الحديث الأول:

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإذا كانت ليلة القدر ينزل جبريل في كبكبة من الملائكة تصل على كل عبد قائم وقاعد يذكر الله عز وجل”

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات[3]، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة[4] .

وقال ابن الجوزي: “هذا حديث لا يصح، وأصرم هو ابن حوشب قال يحيى : كذاب خبيث، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقاة… ” [5].

وقال السيوطي: “لا يصح أصرم كذاب”[6].

الحديث الثاني:

عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من فطر صائما على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان، وصافحه جبريل في ليلة القدر، وصلى عليه”.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات[7]، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة[8].

قال ابن الجوزي: “هذا حديث لا يصح، وليس يرويه إلا الحسن وحكيم؛ فأما الحسن فتركه أحمد بن حنبل، وقال يحيى: ليس بشيء. وأما حكيم فقال أبو حاتم الرازي: هو متروك الحديث. وقال ابن حبان: ولا أصل لهذا الحديث. وعلي بن زيد ليس بشيء “[9].

وقال السيوطي: “لا يصح ؛ الحسن متروك، وكذا شيخه”[10].

الحديث الثالث:

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: “خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان، فقال: ياأيها الناس، إنه قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله صيامه، وجعل قيامه تطوعا …”.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن أبي حاتم في كتاب العلل، من طريق: الحسن بن عرفة ، عن عبد الله بن بكر السهمي، قال: حدثني إياس، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي به.

قال أبو حاتم الرازي: “هذا حديث منكر، غلط فيه عبد الله بن بكر ؛ إنما هو أبان ابن أبي عياش، جعل عبد الله بن بكر “أبان ” إياسا”[11].

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى:

1-ليلة القدر من أعظم الليالي التي من الله بها علينا؛ لأن ليلة خير من ألف شهر، ليلة تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربها، خصها الله تعالى بإنزال القرآن، وكتب مقادير العباد.

2-لفضل هذه الليلة المباركة سعى بعض الجهلة من الرواة إلى وضع أحاديث لا تصح فيها.

3-الأحاديث الثلاث المذكورة تكلم العلماء فيها وبينوا حالها.

والحمد لله رب العالمين.

****************

هوامش المقال:

[1]  – القدر (1-2-3-4).

[2]  – الدخان (3-4-5).

[3]  – الموضوعات (2/ 188).

[4]  – اللآلئ المصنوعة (2/ 99).

[5]  – كتاب الموضوعات (2/ 188).

[6]  – اللآلئ المصنوعة (2/ 99).

[7]  – الموضوعات (2 /192- 193).

[8]  – اللآلئ المصنوعة (2/ 103).

[9]  – الموضوعات (2/ 193).

[10]  – اللآلئ المصنوعة (2/ 103).

[11]  – العلل (1 /556) برقم:(733).

****************

لائحة المصادر والمراجع:

علل الحديث. لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي. تقديم: د إبراهيم بن عبد الله اللاحم. ت: محمد بن صالح بن محمد الدباسي. مكتبة الرشد. الرياض. ط1/ 1424 هـ- 2003مـ

كتاب الموضوعات. لابن الجوزي. ت: عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية. المدينة المنورة. ط 1 / 1386هـ- 1966مـ.

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين السيوطي. دار المعرفة. بيروت لبنان. (د.ت).

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق