قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، لمحمد بن مبارك بن حفيد الحسني تحقيق
قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم [1]
لمحمد بن مبارك بن حفيد الحسني- تحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين.
بقلم الباحث: عبد الفتاح مغفور*
وبعد؛
يعد الشعر خير وسيلة للتعبير عن الآلام والآمال، ولاسيما شعر المديح النبوي الذي كثر النظم فيه، وأقبل الناس عليه بشغف ولهفة، يجدون فيه فرحتهم وسعادتهم وراحتهم النفسية، ويتدارسونه وينشدونه في مجالسهم وأماكن عبادتهم، وصلواتهم وأيام أعيادهم الدينية، ومناسبات أفراحهم وأحزانهم مسترحمين ومتوسلين أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم شفيعا لهم عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وظل شعراء كثيرون لا ينظمون إلا في هذا الغرض، لا يتجاوزونه ولا يحيدون عنه[2].
و المديح النبوي ضرب من الشعر الدفين الذي تجيش به العاطفة الصادقة و يصوغه الاحساس المشبوب الجميل، و ينحبس عنه الحب العارم[3]. وعرفه محمد أحمد درنيقة بما نصه: "المدائح النبوية تعتبر فنا من فنون الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص، والإيمان العميق بصدق الرسالة المحمدية، والخصال الجيدة التي يتحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم"[4]
و صاحب القصيدة هو الفقيه الأريب مولاي محمد بن مبارك ابن حفيد الحسني رضي الله عنه ورحمه، ونفعنا به آمين، ـ هكذا اسم الناظم في النسخة المخطوطة ـ ولم أجد من ترجم له من كتب التراجم ـ فيما أطلعت عليه ـ إلا أني وجدت أبا العباس ابن إبراهيم السملالي قاضي مراكش نقل عنه في كتابه الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام أثناء حديثيه عن السادة العلماء الدلائيين، واصفا إياه بالعلامة، قال رحمه الله: "قال العلامة الشريف سيدي محمد بن مبارك بن حفيد: إن جدهم سعيد بن عمر بن... وهو الصحيح المعتبر؛ لأنهم دخلاء في مجاط، وكانوا يخدمونهم لما كانت بيدهم الدولة، ولما زالت بقي لهم منصب العلم.."[5]
وقصيدته هذه تندرج ضمن هذا الفن الشعري الأصيل نظمها ـ رحمه الله ـ في قالب أدبي رفيع بليغ، سهل العبارة، خال من الصنعة والتكلف.وهي قصيدة من البحر المديد
وهذا نصها :
أَحمَدَ الهَادِي كَنْزَ المدَّخَر |
| أحْمَدَ المُخْتَارُ من نَسْلِ مُضَر |
بِحِماه أحْتَمي منْ كُلِّ ما |
| أَتَّقِي مِنْ كُلِّ سُوء وضَرَر |
تَحْتَ كَهْفِ الهَاشِمِيِّ أُلْفَ إذَا |
| صُحُفُ الخَلْقِ جِهَاراً تُنْتَشر |
تِقَتِي خَيْرُ الوَرَى[6] فهو يَرَى |
| حَالَتِي حَسْبِي ذُرَاهُ من مُضَر |
جمع الله بهذا المُصطفى شَمْلَ |
| حــالي بعدَ أنْ كانَ انْتَشَر |
حَاك مَدْحِي لحُلاَه حُللا فهي |
| سَتْري وهي أرْجَى مُدَّخَر |
خَالِق الخَلق بجاه المصطفى خيـــرِ |
| خيـــرِ خلق الله ذِي الوَجه الأغَرْ |
دَارِك العبد بمَا أمَّله من |
| كريـــم العفو عَمَّا قد فَجَرْ |
ذِروة العزِّ إمامُ الأنبيا |
| نُخبةِ العالمِ محمود الأثر |
رحمةُ الله تَقِيّ الأتقيا من |
| إليه الكُلُّ في الحَشْر افْتقَر |
زَللي تُمْحَى بِجَاهِ المصطفى خـــيرُ |
| خـــيرُمَن لله في الخَلْق شكر/2/ |
طاب عيْشي إذا مدحتُ المجتبَى |
| من له انشق عن اثْنَين القمرْ |
ظلْتُ يومَ الحشرِ في ظل حِمَى |
| أكرَم الخلقِ الرسول المُغتفَر |
كمَّلَ الله لنَا كُلَّ المُنَى |
| بِالنَبِيِّ المنْتقى خيرِ البَشَر |
لُدْت بالمُخْتَار في الدارين |
| لاَ سِوَى أحمدَ أبغِى من مَفر |
مُنيتي زورتُه من قبل أن |
| أودَعَ اللحد وَأُدعى للحُفر |
ناعمَ البَال وعيشي رغَدٌ ولعينِي |
| اللَّحْظُ من تلك الحُجَرْ |
صَاحِبَ المِعْرَاجِ والتاجِ ومن |
| هو في المحشر أقوى منتظر |
ضِقْتُ ذَرعا من ذنوب عظمت |
| لا إلى غيركم منها الْمَفَر |
عمْدَتي أقوى رجَائِي عدتي |
| أحمدُ المحمود في خير زُمَر |
ـ غَيْرةَ الهادي على خادمهِ نفــت |
| الأسْوَاءَ عَنِّي والغِيَرْ |
فحبيبُ الله حَاشى جُودُه أن |
| يَرَى مادحُهُ حَرَّ سَقر |
قرة العين عليك المُتَّكل |
| وعَلَيْـك القصدُ في كل وطَر |
ـ سُلوة العَبْدِ سَحَابُ الدَّمْعِ في |
| حُجْرَةِ المُخْتَار تَهْمِي بالدّرَرْ |
شهد الله بأنَّ المصطفى خيـــرِ |
| خلق الله بدواً وحضَر |
هَوْلُ يَوْمَ الحشر عنّا يَنْجلي |
| برَسُول قد أتَانَا بالسَّور |
ـ وعليك الله صلى ما هما جـوْدُ |
| جُود من نَداكم وانْهَمَر |
لا يُوازيك أيا خيرَ الورى |
| أحَدٌ ممن بِحَيّ قد غَبَر |
يَرْتَجى حُسنَ خِتَام منكم |
| عَبْـدُ عَبْد لكم إذ يُحتَضَر |
والحاصل إن قصيدة ابن مبارك بن حفيد الحسني قصيدة جميلة رائعة مدح فيها ـ رحمه الله ـ النبي صلى الله عليه وسلم، ذاكرا مناقبه وفضله على البشرية في إخراجها من الظلمات إلى النور، معددا بعض صفاته وشمائله وأخلاقه العظيمة، وأثره في إصلاح حاله، سائلا الله عز وجل أن ييسر له سبل زيارته قبل أن يودع للحد، ويدعى للحفر، وأنه صلى الله عليه وسلم في المحشر أقوى من ينتظر، والخلائق إليه كلها تفتقر...
كما يتبين أن أسلوبه في هذه القصيدة أسلوب سهل الألفاظ يمتاز بالسلاسة والبساطة في التعبير، خال من التكلف والصنعة، وهذا يعبر عن إلهامه الشعري المتدفق رحمه الله.
كما أنها تعبر على مدى اهتمام واهتبال علماء وشعراء الغرب الإسلامي بتعظيم الجناب المحمدي الطاهر صلى الله عليه وسلم.
******************
جريدة المصادر والمراجع:
1. المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة، لناظم رشيد دار آفاق عربية ـ بغداد، ط1 - 1423 هـ.
2. تهذيب اللغة، لمحمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبي منصور (ت 370هـ)، تحقيق محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي – بيروت ط1 2001م الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام، لأبي العباس ابن إبراهيم السملالي قاضي مراكش، راجعه عبد الوهاب مؤرخ المملكة، عضو أكاديمية المملكة المغربية، المطبعة الملكية الرباط.1413هـ 1993م.
3. معجم أعلام شعراء المدح النبوي لمحمد أحمد درنيقة ياسين الأيوبي، دار مكتبة الهلال ط1
4. فهرس الخزانة العلمية الصبيحية الجزء الثاني(مخطوط)
هوامش المقال:
*************
[1] في مجموع تحت رقم:1167. بالصبيحية. مكتوبة بخط مغربي، خالية من تاريخ النسخ، ومن اسم الناسخ، عدد أوراقها: صفحتان في مجموع تحت رقم1167. بالصبيحية. فهرس المخطوطات ج2 مخ (ص:89).
[2] المدائح النبوية في أدب القرنين السادس والسابع للهجرة(ص:6)
[3] دعوة الحق عدد: 119.
[4] معجم أعلام شعراء المدح النبوي(ص:31)
[5] الإعلام(1 /213)
[6] يقال: هو خير الورى والبرى، أي خير الخَلق.تهذيب اللغة(15 /194)
* راجع المقال الباحث محمد إليولو