في الإسناد المالكي عند علماء الصحراء (4) التأليف في الأسانيد
سنكتفي في هذا الباب بالتمثيل لبعض المصنفات فقط، فمما وقفنا عليه:
المقدمة العلمية (وهي الثبت الكبير)، والجامع لأنباء العلماء (وهو الثبت الوسط)، كلاهما لمحمد حبيب الله بن سيدي عبد الله بن أحمد مايابى (ت حوالي 1364ه/1945م[1])[2]. وضوء المصباح في الأسانيد الصحاح للشيخ يحيى بن عبد الله الجراري حوالي سنة 1240هـ، الذي عَدّ في أول كتابه خمسة عشر شيخا من بينهم العلامة الكبير سيدي محمد المختار بن أحمد الكنتي.
ومما يلفت النظر في كتاب ضوء المصباح ما صرح به الكتاني في فهرس الفهارس حين أشاد بعلو منزلة الإسناد لدى هذا الشيخ السوسي فقال: "نعم شأن يحيى المذكور وآبائه عجيب جدا في التعمير ولقائهم لأولئك الأعلام مع عدم ورود ذكرهم في ثبت أو تاريخ، ولكن الاهمال مغربي ففي المغرب الأقصى ولد وباض وفرخ وتناسل وتكاثر.."[3] إلى آخر ما قال.
غير أن أهم تأليف في هذا الباب هو كتاب: قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر، لصالح بن محمد العمري الفلاني (ت1218ه)[4]. فلبسط الكلام قليلا فيه:
لقد ألف الشيخ صالح هذا الفهرس وفرغ منه سنة (1203هـ)، ورتبه على الكتب الكبرى المعتمدة في التعليم والمعرفة الإسلامية والتي أجيز فيها من قبل شيوخه.
وأما أسانيده في هذه الكتب فأكثر ما يرويها عن الشيخ المعمر محمد بن محمد بن سنة العمري الفلاني والشيخ مولاي الشريف سليمان الدرعي.
ولا بأس أن نمثل لبعض أواصر السند العلمي في كتاب "قطف الثمر" للشيخ صالح، وكتاب ضوء المصباح للشيخ يحيى الجراري فإن الشيخ عبد القادر الكوهن الفاسي أخذ في بعض أسانيده عن الشيخ أبي زيد عبد الرحمن الشنقيطي وهو عن الشيخ صالح بن محمد صاحب قطف الثمر[5]، فبين الكوهن وصالح شيخ واحد، وتجد في ضوء المصباح ليحيى الجراري أن الشيخ الكوهن روى عن الجراري، كما روى عنه أيضا المسنِدُ الكبير سيدي محمد التهامي ابن رحمون الفاسي.
هكذا متى وضعت بين عينيك فهرستين إحداهما لسوسي والثانية لشنقيطي ألفَيت ما بينهما من التواشج الذي لا يُلقي بالاً لِبُعد الشقة أو وجود المشقة، بل يقدِّم ما يخشى فواته من الرحِم العلمية التي تجوب الصحراء وما حولها طولا وعرضا، وتتزين بها مجالس الدرس الفقهي كما تجده عند ابن طوير الجنة لما دخل فاس قال: "وجئنا يوما إلى جامع القرويين فوجدنا فقيها يُدَرس في الاكرية من مختصر خليل وسلمت عليه ومعي جماعة من حجاجنا فتجارينا في الحديث إلى أن بلغنا للتعريف بشيخي، بعد أن سألني عنه، فأخبرته أنه قرأ العلوم بفاس وشيخاه في ذلك الوقت سيدي محمد البناني صاحب الحاشية على الزرقاني، وسيدي محمد التاودي بن سودة فقال لي الفقيه المدرس : أنت بضعة منا، أوّلك منا وآخرك منا"[6].
ويدخل في باب التأليف في الأسانيد، العنايةُ بتراجم ووفيات الرجال، وهو باب كبير جدا، وحسبنا من ذلك ما اشتهر؛ ككتاب فتح الشكور في أعيان علماء التكرور للبرتلي، والوسيط في تراجم أدباء شنقيط لأحمد بن الأمين وبلاد شنقيط المنارة والرباط للخليل النحوي، ونظم المدافن للمختار بن جكني اليدالي (مخطوط)، ونظم الأحداث والوفيات لببكر بن احجاب (مخطوط)، ومعجم المؤلفين في القطر الشنقيطي محمد بن محمد بن عبد الله ولد بزيد (طبع). وكتاب الشيخ ماء العينين علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الفرنسي الطالب اخيار، ومعجم المؤلفين في ولايتي العصابة وتكانت (مخطوط)، وفتح الرب الغفور في تواريخ الدهور، والحياة العمرانية لأهل بارك الله وهو مخطوط، وفهرس المؤلفين الشناقطة المختار بن حامد، وكتاب النسب في أخبار الزوايا والعرب لسيدي بن الزين العلوي.
[1] توجد منه نسختان بالخزانة الحسنية تحت رقم 11907، وأخرى 1188. انظر فهرس الخزانة الحسنية. مجلد1: التاريخ والرحلات والإجازات ص: 843
[2] المجموعة الكبرى ليحيى ولد البراء (2/208و209)
[3] فهرس الفهارس للكتاني (2/719).
[4] المجموعة الكبرى (2/208).
[5] انظر ترجمة الشيخ أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد الأعرج من المعسول (6/225)
[6] رحلة المنى والمنة الطالب احمد بن طوير الجنة الشنقيطي ت1265ه ص 43 .