مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

عمر بن الخطاب وأهل الشورى رضي الله عنهم

 

 

 

بدر العمراني

قال ابن عساكر رحمه الله في تاريخ دمشق: (أخبرنا أبو القاسم بن السَّمَرْقندي، أنا أبو علي محمد بن محمد بن المُسْلِمَة، أنا أبو الحسن بن الحَمّامي، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصّوّاف، أنا الحسن بن علي القطّان، نا إسماعيل بن عيسى العطّار، قال: قال إسحاق بن بِشْر: قال أبو عبد الله، عن إياس، عن أبي بكر، عن أبي المَلِيح بن أُسامة الهُذَلِي، عن ابن عبّاس، قال:

خدمت عمر بن الخطّاب وكنت له هائبا ومعظِّمًا، فدخلت عليه ذات يوم في بيته، وقد خلا بنفسه، فتنفّس تنفّسا ظننت أنّ نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السماء، فتنفّس الصُّعَداء، قال: فتحاملت، وتشدّدت، وقلت: والله لأسألنّه، فقلت: والله ما أخرج هذا منك إلا هَمٌّ يا أمير المؤمنين، قال: هَمٌّ والله، هَمٌّ شديد، هذا الأمر لو أجد له موضعا ــ يعني: الخلافة ــ ثم قال: لعلك تقول: إنّ صاحبك لها ــ يعني: عليًّا ــ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، ولكن رجل فيه دُعابة.  قال: فقلت: الزبير؟ قال وَعْقَةٌ لَقِسٌ يُقاتل على الصّاع بالبقيع. قال: قلت: طلحة؟ قال: إنّ فيه لَبَأْوًا، وما أرى الله معطيه خيرا، وما برح ذلك فيه منذ أصيبت يده. قال: فقلت: سعد؟ قال: يحضّر الناس ويقاتل، وليس بصاحب هذا الأمر. قال: وعبدالرحمن بن عوف؟ قال: نعم المرء ذكرتَ، ولكنّه ضعيف. قال: وأخّرت عثمان لكثرة صلاته، وكان أحبّ النّاس إلى قريش. قال: فقلت: فعثمان؟ قال: أوّه أوّه، كَلِفٌ بأقاربه، كَلِفٌ أقاربه، ثم قال: لو استعملتُه استعمل بني أمية أجمعين أكتعين، ويحمل بني أبي مُعَيْط على رقاب النّاس، والله لو فعلتُ لفعل، والله لو فعل ذلك لسارت إليه العرب حتى تقتله، والله لو فعلت فعل، والله لو فَعَلَ لفعلوا، إنّ هذا الأمر لا يحمله إلا اللَّيِّن في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سرف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر: لا يطيق هذا الأمر إلا رجل لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع، ولا يطيق أمر الله إلا رجل لا يتكلم بلسانه كلّه، لا يُنتقص عزمه، ويحكم في الحق على حزبه)([1]).

قلت: هذا الخبر فيه طعن في رجال من أهل الشورى الذين أوصى بهم عمر بن الخطاب عند احتضاره، فكيف يقبل هذا التناقض؟

لننظر في سند هذا الخبر، فيه:

إسحاق بن بشر بن محمد بن عبد الله بن سالم، أبو حذيفة البخاري مولى بني هاشم، صاحب كتاب المبتدأ، وكتاب الفتوح، جرّحه النّقاد، فقالوا:

قال الخطيب البغدادي: (قرأت على الحسن بن أبي القاسم، عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي، قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام، يقول: سمعت أحمد بن سيار بن أيوب يقول: وكان ببُخارى شيخ، يقال له: أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي، وكان صنف في بدء الخلق كتابا، وفيه أحاديث ليست لها أصول، وكان يتعرض فيروي عن قوم ليسوا ممن يدركهم مثله، فإذا سألوه عن آخرين دونهم يقول: من أين أدركت هؤلاء؟ وهو يروي عمن فوقهم، وكانت فيه غفلة مع أنه كان يُزنّ بحفظ، وسمعت إسحاق بن منصور يقول: قدم علينا هاهنا، وكان يحدث عن ابن طاوس، ورجال كبار من التّابعين ممّن ماتوا قبل حُمَيْد الطّويل، قال: فقلنا له: كتبت عن حُمَيْد الطّويل؟ قال: ففزع، فقال: جئتم تسخرون بي؟ حميد عن أنس، جدي لم يلق حميدا، قال: فقلنا: أنت تروى عمن مات قبل حميد بكذا وكذا سنة، قال: فعلمنا ضعفه، وأنه لا يعلم ما يقول، قال أحمد بن سيار: وسمعت أبا رجاء قتيبة بن سعيد يقول: بلغني أن أبا حذيفة البخاري قدم، أراه مكة، فجعل يقول: حدثني ابن طاوس، حدثني ابن طاوس، قال: فقيل لسفيان بن عيينة: قدم إنسان من أهل بخارى، وهو يقول: حدثنا ابن طاوس، فقال: سلوه ابن كم هو؟ قال: فسألوه، فنظروا فإذا ابن طاوس مات قبل مولده بسنتين.

أخبرني الأزهري، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار، قال: أخبرنا محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثنا عبد الله بن علي ابن المديني، قال: سمعت أبي يقول: أبو حذيفة الخراساني كذاب، كان يحدث عن ابن طاوس، قال: فجاءوا إلى ابن عيينة فأخبروه بسنه، فإذا ابن طاوس مات قبل أن يولد.

حدثني أحمد بن محمد المستملي، قال: أخبرنا محمد بن جعفر الشروطي، قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، قال: إسحاق بن بشر أبو حذيفة متروك الحديث، ساقط رُمي بالكذب.

أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح، قال: حدثنا أبو الحسن الدارقطني، قال: إسحاق بن بشر أبو حذيفة متروك الحديث)([2]).

أبو عبدالله، هو محمد بن إسحاق بن يسار. أمّا شيخه إياس، فلم أعرفه بعد طول بحث وتفتيش.

أبو بكر، هو سلمى بن عبدالله الهُذَلي البصري، كذلك جرّحه النّقاد فقالوا:

ضعفه أحمد، وغيره. وقال غندر، وابن معين: لم يكن بثقة. وقال يزيد بن زريع: عدلت عنه عمدا. وقال أبو حاتم: لين يكتب حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بالحافظ عندهم.

وقال الذهبي: أخباري علامة، لين الحديث([3]).

وقال ابن حجر: أخباري متروك الحديث([4]).

فهل مثل هؤلاء يُقبل خبرهم في صحابة رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ رضي الله عنهم وأرضاهم؟ حتما غير مقبول. وهذا الخبر كذب مفترى على الفاروق رضي الله عنه.

والله الموفق لإيضاح الحق.

 


([1]) تاريخ دمشق 44/438-439.

([2]) تاريخ بغداد 7/336. وانظر الميزان 1/184-185. لسان الميزان 1/354.

([3]) ميزان الاعتدال 4/497.

([4]) لسان الميزان 7/454.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق