مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويطبيعة ومجال

حضارات ما قبل التاريخ بالصحراء المغربية

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

عرف المجال المغربي عامة، ومجال الصحراء المغربية خاصة، حضارات ما قبل تاريخية متنوعة[1]. حيث بينت الحفريات غنى المجال الصحراوي المغربي الأركيولوجي والأنثربولوجي، بشكل يؤكد قدم الاستيطان البشري بالمجال المذكور[2]، بحسب ما سنعرضه خلال الحضارات الآتية.

      الحضارة الأشولية في المجال الصحراوي المغربي:

      ازدهرت الحضارة الأشولية، خلال العصر الحجري القديم السفلي[3]، في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية المغربية[4]. حيث أشار محمد بوعجاجة وآخران إلى تواجد الأشول الصحراوي، في منطقة كلميم[5]. وأكد مصطفى الحمري العثور على أدوات حجرية دالة على الحضارة الأشولية، بمنطقة شاسعة من الصحراء المغربية (فم واد نون- منطقة تيرس)[6]. ولعل الأدوات الحجرية البدائية التي اكتشفت بـ”وادي أجفل” و”وادي تيمكرداد”، بمنطقة “ادوكَج” من بلاد تيرس، أدوات دالة على الصناعة الأشولية. ويبدو أنها صنعت من مادة الصخور المنصهرة المتواجدة بالمنطقة نفسها[7].

      ودرس محمد النصيري صناعة أشولية، بحوض طرفاية الساحلي[8]، ممثلة بالخصوص في فؤوس وسواطير حجرية، ونوى كوارتزيتية، وشظايا ذات حجم كبير[9]. وتشبه ما عثر عليه في مناطق مغربية أخرى[10].

      وعدَّ الباحث ذاته الحوض المذكور مكانا غنيا بمواقع العصر الحجري القديم الأسفل الأشولي. وتم إحصاء ثلاثين موقعا سطحيا لحضارة العصر نفسه، بساحل الحوض ذاته ومناطقه الداخلية، بضفاف الأودية، وعلى سطح السهول الغرينية والمنحدرات[11].

      وبين الباحث نفسه أن الأدوات الحجرية المكتشفة في المواقع المذكورة استعملت في صناعتها صخور محلية مثل الكوارتز والريوليت، بشكل طغت فيه تقنية الأشولي ذي التقصيب الليفالوازي[12]. حيث استقرت المجموعات البشرية فوق مصادر مواد الأدوات الحجرية المذكورة[13].

      واكتشف ج. م. سانط أوللييا، بموقع قرب مدينة السمارة، فؤوسا قديمة أو ذوات الوجهين الأشولية، شبيهة بتلك المكتشفة بمواقع أشولية أخرى[14]. ويذهب باحث آخر إلى أن مجال الساقية الحمراء، ووادي الذهب، شبه خاليين من مواقع العصر الحجري المذكور. وكلما اتجهنا نحو الجنوب ازدادت ندرة مواقع هذا العصر[15].

     غير أن الباحث مصطفى الحمري نبه إلى تواجد صناعة أشولية، بحوض الساقية الحمراء وتيندوف. وجعل منطقة “زمور الساقية الحمراء” مجال تلاقح مجموعات بشرية آتية من الجنوب والشمال[16]. وغطى حوضُ الساقية الحمراء فترات من العصر الحجري القديم والحديث. حيث عثر، في مواقع “أُم الْمعارض” و”العَصْلِيين”، على أدوات أشولية. ومن بينها فؤوس حجرية شاهدة على تقنية تقضيب الحجر، بوصفها أولى التجارب التقنية البشرية[17].

      ويبدو أن الأدوات الحجرية التي عثر عليها بأدرار يفوراس وآبار الفارسية، بالساقية الحمراء، تشبه الأدوات التي عثر عليها بدرعة[18]، مثل ما يبدو أن فترات ما قبل التاريخ تتشابه، بشكل كبير، في الشمال والجنوب المغربيين[19].

      وتبعا لما سبق، ذهب عبد الجليل بوزوكار إلى أن الاستقرار البشري بالمناطق الصحراوية المغربية يعود على الأقل إلى الفترة الأشولية، بوصفها فترة قديمة من عصور ما قبل التاريخ[20].

      وإذ تحدثنا عن الحضارة الأشولية، بالعصر الحجري القديم السفلي، ننتقل الآن إلى الحديث عن الحضارة الموستيرية، بالفترة الأولى من العصر الحجري القديم الأوسط.

يتبع

الإحالات:

[1] الاستيطان البشري للمغرب ما قبل التاريخ، محمد بوعجاجة، في: دراسات حول الجنوب والصحراء، الرباط، دار أبي رقراق، 2011 م، ص67- 83.

[2] ملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، مصطفى الحمري، في: دراسات حول الصحراء، مطابع الرباط نت، 2019 م، ص7- 27.

[3] الاستيطان البشري للمغرب ما قبل التاريخ، ص70- 73، وص74- 75.

[4] نفسه، ص73- 74.

[5] ملامح من الاستيطان البشري ما قبل التاريخ بحوض طرفاية، محمد بوعجاجة وآخران، في: طرفاية تاريخ ومجال، المطبعة والوراقة الوطنية، 2019 م، ص22.

[6] ملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء، ص14، وص16، وص17.

[7] نفسه، ص16، وص20.

[8] الاستيطان البشري للمغرب ما قبل التاريخ، ص74.

[9] ملامح من الاستيطان البشري ما قبل التاريخ بحوض طرفاية، ص21.

[10] نفسه، ص21- 22.

[11] نفسه، ص19، وص21.

[12] لمحة عن التاريخ القديم، عبد الله صالح، في: مدخل إلى تاريخ الصحراء الأطلنتية، الرباط، دار أبي رقراق، 2010 م، ص12.

[13] ملامح من الاستيطان البشري ما قبل التاريخ بحوض طرفاية، ص21.

[14] نفسه، ص21- 22.

[15] لمحة عن التاريخ القديم، ص12.

[16] ملامح من الاستيطان البشري القديم بالصحراء الشمالية، ص17.

[17] نفسه، ص19.

[18] الساقية الحمراء ووادي الذهب، ج1، محمد الغربي، الدار البيضاء، مطابع دار الكتاب، د. ت، ص96، بتحفظ.

[19] البدايات الأولى للاستقرار البشري بالجنوب المغربي، عبد الجليل بوزوكار، في: السمارة الحاضرة الروحية، مطبعة المعارف الجديدة، 2002 م، ص36.

[20] نفسه، ص27- 28، وص36.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق