مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

الروضة المستطابة فيمن دفن بالبقيع من الصحابة لمؤلف كان حيا سنة 1175هـ 2/2

بقلم: عبداللطيف السملالي

 ويعتبر كتاب (الروضة المستطابة فيمن دفن في البقيع من الصحابة) ـ وهو لمؤلف غير مذكور اسمه (كان حيا سنة 1175هـ) ـ أحد أهم الكتب المؤلفة في الصحابة المدفونين في البقيع، حاول مؤلفه الاجتهاد في استقصاء أسمائهم والإحاطة بجملة فضائلهم وبعض أخبارهم.

والمؤلف وإن كان غير مسطور اسمه بجلاء في الكتاب، فإن جهده في التأليف يبين مكانته وتحصيله العلميين ويطلعنا على مستوى إفادته من كتب المحدثين خاصة، المتمثلة في الكتب الموضوعة في فضائل ومعرفة الصحابة والتراجم والسير.

ولا يخلو الكتاب من إشارات تتعلق بحياة المؤلف منها: وروده إلى مدينة حمص من بلاد الشام، ووقوفه على بعض قبور يدّعي أهل تلك البقاع أنها لصحابة كرام رضوان الله عليهم، دفنوا هناك، ولما كانت معرفته بتواريخ الصحابة وبأخبارهم جيدة، جعلته ينفي ذلك ويظهر زَيْفَ ما زعمه بعضهم في تلك البلاد، ويُفْصِحُ عن أماكن دَفْنِهِمْ الصحيحة. كما يضم الكتاب إشارة أخرى تفيد أن المؤلف قدم حاجا إلى مكة المكرمة سنة 1175هـ، وفي يوم التروية من ذاك العام اهتدى إلى تأليف كتابه (الروضة المستطابة).

وقد لخّص لنا المؤلف دواعي اشتغاله بهذا الموضوع، والدوافع الموضوعية التي أمْلَتْ عليه جمْعَ هذا الكتاب، وبيّن لنا مُجْمَل مضمون عمله هذا. يقول المؤلف في مقدمة كتابه:

« فقد سنح في فكري الفاتر أن أجمع ما ذكره أئمة الحديث فيمن دفن بالبقيع الغرقد، من أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، سواء كان في حال وجوده أوبعد انتقاله للدار الآخرة، حملني على ذلك أني وردت مدينة حمص رأيت قبورًا فيها، يزعمون أهلها وساكنيها أنها قبور صحابة كـ (عبدالله بن مسعود) و(عمرو بن أمية الضمري)، وغيرهما رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. مع أن كلا ممن ذكر إنما دفن بالبقيع، وكنت أقدم ساعة وأحجم أخرى إلى أن كانت ليلة التروية من شهر ذي الحجة سنة خمس وسبعين ومائة وألف، بينما أنا بين النائم واليقظان إذ جرى على لساني: (الروضة المستطابة فيمن دفن بالبقيع من الصحابة)، فعندما نبهت نفسي لذلك، وإن كنت لست أهلا لما هنالك، وسميت هذا الجمع بذلك»[1].

ومن خلال مطالعة هذا الكتاب المفيد في بابه، الجامع لأسماء الصحابة المدفونين في البقيع، المُدْرَجِ فيه جُمْلَةٌ من فضائل ومناقب وأخبار أولئك الأصحاب الكرام ونخبة من أهل البيت الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين، نجد المؤلف أحسن تقسيم كتابه، وجوّد مبناه ومضمونه، وأتى على الشكل التالي:

   – مقدمة مختصرة ودقيقة، تضمنت دواعي تأليف الكتاب وتاريخ الشروع فيه.
– تعريف البقيع.
– الفصل الأول فيمن دفن بالبقيع من الذكور.
-ا لفصل الثاني فيمن دفن بالبقيع من الإناث رضوان الله تعالى عنهن أجمعين.

ومجموع ما تسنى للمؤلف إحصاؤه في هذا الكتاب، معتمدا في ذلك تحديدا على كلام المحدثين الذين كانوا يحرصون على تدقيق الرواية وتوثيق النصوص: 93 ترجمة، تضمنت أسماء 75 صحابيا و 18 صحابية.

ولما كان المؤلف مقتنعا في قرارة ذاته أن عمله يحتاج إلى زيادة أسماء غابت عنه، فسح المجال لمن يأنس من نفسه القدرة على البحث والتنقيب في كتب طبقات الصحابة وسيرهم أن يضيف جملة من لم يُذْكَرُوا في كتابه. يقول صاحب (الروضة المستطابة):

« هذا ما وقفت في هذا الجمع ممن دفن بالبقيع من الصحابة ذكورًا وإناثًا، وأرجو ممن اطّلَع على زيادة عمّا ذكرته فليلحقه به، فإنّه ينال بذلك الثواب الجزيل »[2].

يظهر أن المؤلف أدمن النّظر في مؤلفات المحدثين ممن اعتنوا بتراجم الصحابة، واستوعب مضمونها، وتتبع من دفن منهم في البقيع، ثم سعى جاهدا إلى استخلاص ترجمة مركزة لـثلاثة وتسعين من أصحاب النبي ذكورا وإناثا، وأودعها في كتابه، وقد أحسن اختيار عناصرها بما يفيد أن له دُرْبَةً في صياغة التراجم، ولم يختر من تراجمهم إلا ما يجلي فضلهم ومناقبهم، مع الإشارة إلى وفاته في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، أو بعد وفاته، وتاريخِ وعُمْرِ الصحابي يوم المماة. وقد انتهت تراجم كتاب (الروضة المستطابة) في أغلبها على النسق التالي:

    – اسم الصحابي.
– ذكر المشاهد التي حضرها.
– ذكر سنه يوم ختمت أنفاسه.
– ذكر من تكفّل  بالصلاة عليه.

وهذا نموذج من عمله في صياغة التراجم:

(عقبة بن مسعود الهذلي، أبو عبدالله: أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم قدم فشهد غزوة أُحُد وما بعدها من الغزوات مع المصطفى صلى الله عليه وسلم. توفي في خلافة عمر رضي الله عنه، وصلى عليه)[3].

ولم يفت المؤلف من إعمال نظره النقدي فيما ذاع خبره في مدافن بعض الصحابة، وسعى جاهدا إلى تصويب أخطاء شائعة حول مواضع دفن بعضهم، ومن ذلك:

    ـ ما يقال إن مدفن عبدالله بن مسعود في حمص، وهو غير صحيح.

   ـ  ما يقال عن عمرو بن أمية الضمري، إنه مات في حمص لا أصل له.

   ـ  ما يقال إن قبر أبي هريرة الدوسي بقرب عسقلان، فلا أصل له.

ورغم صغر جرم كتاب (الروضة المستطابة فيمن دفن بالبقيع من الصحابة)، فإن صاحبه أجاد في صياغة مواده، وأفاد في موضوعه، وأورد فوائد جليلة في مناقب الصحابة وفضائلهم، والمشاهد التي حضروها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن توفوا في حياته عليه الصلاة والسلام ونالوا بركة صلاته عليهم وأنسوا بزيارته لهم في بقيعهم. ومن بين تلك الفوائد التي أدرجها المؤلف في كتابه:

  ـ سبعة إخوة نالوا شرف صحبة خير البشر: (هند بن حارثة الأسلمي، حجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، ولم يشهدها إخوة بعددهم غيرهم).

   ـ أول الصحابة من المهاجرين دفنا بالبقيع: عثمان بن مظعون رضي الله عنه.

   ـ أول الصحابة من الأنصار دفنا بالبقيع: أسعد بن زرارة رضي الله عنه.

   ـ آخر من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، توفي سنة 88هـ.

   ـ  ابنٌ، وأبٌ، وجدٌّ نالوا مزية الصحبة: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

   ـ آخر أمهات المؤمنين وفاة وعمرها تسعون سنة؛ أم سلمة رضي الله عنها، توفيت سنة 60هـ.

ومع ما بذله المؤلف في تتبع أسماء الصحابة المدفونين في البقيع، فإنه كان متساهلا في تحديد مفهوم الصحابي، فهو عرض بعض الأسماء ولدت في عهد المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ولم تلقه، وهم ممن اختلف في صحبتهم بل هم معدودون من التابعين مثل: محمد بن أبي الجهم بن حذيفة، محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، محمد بن أُبَيّ بن كعب، علقمة بن وقاص الليثي..

وأما بخصوص موارد هذا الكتاب الجليل القدر، فإن مؤلفه لم يُفْصِح إلَّا على بعضها منها:

    – الموطأ: مالك بن أنس الأصبحي المدني (ت 179هـ).
– المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم ابن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261هـ).
– القاموس المحيط. لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817هـ).

وإذا كان المؤلف قد صرح في مقدمة كتابه وخاتمته أنه اعتمد كلام المحدثين، ويغلب على الظن أنه رجع إلى كتب جماعة منهم،  وهم الذين خصوا الصحابة بالتآليف الجليلة حيث عرفوا بهم وذكروا مناقبهم، مثل: الاستيعاب لابن عبدالبر (ت463هـ)، وأسد الغابة لابن الأثير (ت630هـ)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (ت748هـ)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ).

ولم يشر المؤلف إلى جهود من سبقوه من العلماء الذين ألفوا في وفيات الصحابة، فلو كان اطلع على بعضها لأثرى كتابه بعدد كبير منهم، وأغنى تأليفه بالفوائد العلمية المختلفة، مثل كتاب: (در السحابة في بيان مواضع وفيات الصحابة) للعلامة المحدث الحسن بن محمد الصغاني (ت 650هـ)، الذي أدرج في كتابه 110 أسماء من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، ممن ماتوا في المدينة ودفنوا فيها، وكثير من أولئك ذكرهم صاحب (الروضة المستطابة  فيمن دفن بالبقيع من الصحابة) في كتابه، والبعض الآخر لم يحط بهم خبرًا.

ولا يفوتني أن أشير إلى أن جماعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، غابت أسماؤهم عن كتاب (الروضة المستطابة)، بعضهم دفنوا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام في مقبرة المدينة المشرفة، والآخرون توفوا بعد مماته، وفيما يلي نخبة من تلك الأسماء:

   – أسود بن عوف: ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة. 1/106.
   – ثابت بن الدحداح: توفي في السنة 6هـ، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة. 1/267.
   – ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْأَنْصَارِيُّ: توفي سنة 73هـ. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية.12/225.
   – ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاريّ: توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة. 1/289.
   – جَرْهَدُ بْنُ رَزَاحِ الأسلمي: من أهل الصفة، مَاتَ بالمدينة في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان. ذكره ابن سعد في الطبقات. 4/298.
   – حبيب بن حباشة: توفي من جراحة أصابته، ودفن ليلا فصلّى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، على قبره. ترجم له ابن الأثير في أسد الغابة. 1/441.
   – ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب: تُوُفِّيَ في خلافة عمر بن الخطاب سنة 23هـ. ترجمه ابن سعد في الطبقات الكبرى. 4/47.
   – سعد القرظ مولى عمار بن ياسر: مؤذن النبي في قباء، ومؤذن عمر في مسجد المدينة، توفي سنة 39هـ. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية.10/680.
   – نوفل بن الحارث بن عبد المطلب القرشي: توفي سنة 15هـ فِي خلافة عُمَر بن الخطاب، وهو الذي صلى عَلَيْهِ بنفسه. ترجم له ابن عبدالبر في الاستيعاب. 4/1512.
   – عمرة بنت مَسْعُود،أم سعد بْن عبادة: وكانت من المبايعات، توفيت فِي السنة الخامسة من الهجرة. ترجم لها ابن عبدالبر في الاستيعاب.4/1887.
   – أم كعب الأنصارية: توفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ترجم لها ابن الأثير في أسد الغابة. 6/383.

وخلاصة القول إن كتاب: (الروضة المستطابة  فيمن دفن بالبقيع من الصحابة) مفيد جدا في بابه، ولا يمكن الاستغناء عنه بحال في معرفة الصحابة المدفونين في البقيع، ومؤلِّفُه أبان عن سعة اطلاعه على كتب المحدثين، وأجال نظره فيها متتبعا أثر من دفنوا هنالك من الصَّحْبِ الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

ومما يؤسف له أن صاحب هذا الكتاب الماتع ما زال إلى اليوم غير معروف العين، لكن أثره الطيب في التأليف أبان عن اختياراته الجيدة في جمع عناصر التراجم التي عقدها، وأحسن انتقاء مواد كتابه بدقة من خلال مصادر التراث الإسلامي المختلفة التي انتهت إليه.

ولقيمة هذا الكتاب الجليل وأهمية موضوعه، بادر أحد الباحثين المعاصرين، وهو عادل عبدالمنعم أبو العباس، إلى الاعتناء بإخراجه إلى عالم المطبوعات، واجتهد قدْرَ مُسْتَطَاعِه في تحقيق نصوصه والتعليق عليها، وقد استطلع كتب التاريخ وطبقات المؤلفين وفهارس المخطوطات لعله يهتدي إلى صاحب الكتاب، ولم يَظْفَرْ بأي إشارة إلى اسم جامعه.

صدر هذا الكتاب عن مكتبة الثقافة بالمدينة المنورة سنة 1416هـ/ 1995م، ويقع في 80 صفحة.

وألفت عناية المهتمين بإحياء التراث الإسلامي إلى أن هذا الكتاب مازال بحاجة إلى من يعكف على إعادة تحقيقه، ووضع ملحق شامل بأسماء الصحابة ممن فات المؤلف ذكرهم وترجمتهم في كتابه، وكثير منهم على شرطه.

ولا يفوتني التذكير أيضا في خاتمة هذه الورقة التعريفية بأن هناك نسخ خطية من هذا الكتاب متيسرة ومحفوظة في بعض الخزائن العلمية، ومن أشهر تلك النسخ:

    – مكتبة عارِف حِكْمَت. المدينة المنورة. رقم: 113/900.
– مكتبة المصغرات الفيلمية بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية. المدينة المنورة. رقم: 6235/4.
– مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. الرياض. رقم: 3859- فح.


[1] . الروضة المستطابة. 22.

[2] . الروضة المستطابة. 80.

[3] . الروضة المستطابة. 54.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق