مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

آية الإنذار وتعيين الوصيّ؟

 

 

 

أ.د. بدر العمراني

قال الدكتور القزويني: (قال تعالى: (وأنذر عشريتك الأقربين) من الآيات التي يستند عليها الشيعة في إثبات الوصية والنّص لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): آية الإنذار. فقد أخرج الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل، في حديث طويل عن علي بن أبي طالب، وذلك عندما نزلت الآية: (وأنذر عشريتك الأقربين)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)([1])

قلت: لننظر الرواية كاملة كما رواها الطبري في التاريخ، قال: حدثنا ابن حُمَيْد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، عن عبدالله بن عباس، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا علي، إن الله أمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فَصَمَتُّ عليه حتى جاءني جبرئيل، فقال: يا محمد، إنّك إلاّ تفعل ما تؤمر به يُعذّبْك ربّك، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عُسًّا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتّى أُكلّمهم وأبلّغهم ما أُمرتُ به، ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه، دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه و سلم حِذْيَةً([2]) من اللحم فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصَّحْفَة، ثم قال: خذوا بسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وَايْمُ الله الذي نفس عَلِيّ بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم، ثم قال: اسق القوم. فجئتهم بذلك العُسّ، فشربوا منه حتى رَوُوا منه جميعا. وايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يكلمهم بَدَرَهُ أبو لهب إلى الكلام، فقال: لَهَدّ ما سَحَركم صاحبكم. فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الغد يا علي، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلمهم، فعُدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثم اجمعهم إليّ.

 قال: ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة. ثم قال: اسقهم فجئتهم بذلك العُسّ، فشربوا حتى رَوُوا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا. وقلت: وإني لأحْدَثُهم سِنّا وأرْمَصُهُمْ عَيْنا([3])، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا([4])، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي ووَصِيّ وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع([5]).

وهذا خبر موضوع لأمرين:

الأول: في سنده: عبدالغفار بن القاسم أبو مريم، رافضي ليس بثقة. قال علي بن المديني: كان يضع الحديث. ويقال: كان من رؤوس الشيعة. قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وَقال البخاري: عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن فهد ليس بالقوي عندهم. قال أبو داود: سمعت شعبة، سمعت سماكا الحنفي يقول لأبي مريم في شيء ذكره: كذبت والله. قال أبو داود: وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب لأني قد لقيته وسمعت منه واسمه عبد الغفار بن القاسم. وقال أحمد بن حنبل: كان أبو عبيدة إذا حدثنا، عَن أبي مريم يضج الناس يقولون: لا نريده. قال أحمد: كان أبو مريم يحدث ببلايا في عثمان وعامة حديثه بواطيل.

وقال أبو حاتم والنسائي، وَغيرهما: متروك الحديث. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: كان يضع الحديث. وقال الدارقطني: متروك وهو شيخ شعبة أثنى عليه شعبة وخفي على شعبة أمره فبقي بعد شعبة فخلط. وذكره الساجي والعقيلي، وَابن الجارود، وَابن شاهين في الضعفاء.

وقال ابن عَدِي: سَمِعتُ ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه وتجاوز الحد في مدحه حتى قال: لو ظهر علم أبي مريم ما اجتمع الناس إلى شعبة. قال: وإنما مال إليه ابن عقدة هذا الميل لإفراطه في التشيع([6]).

الثاني: نكارة متنه، المتمثلة في أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يُعاني مع قومه التكذيب بشأن نبوته ورسالته، ثم يثقل عليهم باتخاذ الوصيّ، فهل يسبق الفرع الأصل؟ لأنّ إثبات الوصي فرع عن التصديق بالنبوة. ولا يثبت الفرع إلا بوجود الأصل. وهذا يعلمه كل كيّس فطن. وإذا أثبتنا هذا الخبر أزرينا بمقام النبوة، لأنّ من صفات النبي الفطنة وهي من لوازم الحكمة التي أمره الله بها (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).

فهذه حجة واهنة أوهى من نسج العنكبوت.

 

 


([1]) مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح للدكتور علاء الدين القزويني ص 59.

([2]) حِذْية من اللحم: قطعة منه. لسان العرب (حذا).

([3])أرمص من الرَّمص، وهو: شيء تَرْمِي به العينُ مثل الزَّبَدِ. لسان العرب (غمص).

([4]) حَمْشُ الساقَيْن والذّراعَيْن بالتسكين وحَمِيشُهما وأَحْمَشُهما دقيقُهما. لسان العرب (حمش).

([5])تاريخ الرسل والملوك 2/320-321.

([6]) انظر: الكامل لابن عدي 5/325. ميزان الاعتدال 2/640. لسان الميزان 5/226-228.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق