مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

عمرو بن الجموح الأنصاري

 

 

 

بقلم: يونس  السباح

اسمه ونسبه:

هو الصّحابي الجليل، أبو معاذ عَمْرو بْن الجموح، بْن زَيْد بْن حرام بْن كعب بْن سَلَمة الْأَنْصَارِيّ السُّلمي، من بني جشم بْن الخزرج[1]، صهر عبد الله بن حرام، وآخر الأنصار إسلاماً.

صفته وفضائله:

كان رضي الله عنه، من سادات بني سَلَمة، وأحد زعماء المدينة المعروفين، وهُوَ “من البكّائين الَّذِينَ نزل فيهم: ﴿وَلاَ عَلَى الَّذِين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزْناً اَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾[2]، وذلك فِي غزوة تبوك وكانوا جماعة”[3].

وكان رضي الله عنه، أعرج، فقيل لَهُ يَوْم أُحُد: والله مَا عليك من حرج، لأنك أعرج، فأخذ سلاحه وولّى، وَقَالَ: والله إِنِّي لأرجو أن أطأ بعرجتي هَذِهِ فِي الجنة. فلما ولى أقبل على القبلة وَقَالَ: اللَّهمّ ارزقني الشهادة، ولا تردني إِلَى أهلي خائباً، فلمّا قتل يَوْم أحد جاءت زوجته هند بِنْت عَمْرو بْن حرام فحملته، وحملت أخاها عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو ابن حرام على بعير، ودفنا جميعا فِي قبرٍ واحدٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نفسي بيده إنّ منكم لمن لو أقسم على الله لأبره، منهم عَمْرو بْن الجموح. ولقد رأيته يطأ فِي الجنة بعرجته[4].

ومن فضائله ما رواه أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: (يَا بَنِي سَلَمَةَ مَنْ سَيِّدُكُمْ؟ قَالُوا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ إِلَّا أَنَّا نُبَخِّلُهُ قَالَ: إِنَّ سَيِّدًا لَا يَكُونُ بَخِيلًا بَلْ سُيِّدُكُمُ الْجَعْدُ الْأَبْيَضُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ)[5].

قصة إسلامه:

وأمّا قصة إسلامه، فقد ذكر تفصيلها، ابن هشام في سيرته فقال: لما قدم قوم عمرو المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك ، منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وكان عمرو بن الجموح سيّدا من سادات بني سلمة، وشريفاً من أشرافهم، وكان قد اتّخذ في داره صنماً من خشب، يقال له: مناة، كما كانت الأشراف يصنعون، تتخذه إلها تعظمه وتطهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة : معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو  بن الجموح في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عُذَرُ الناس، منكسا على رأسه، فإذا أصبح عمرو، قال: ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ قال: ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسله وطهّره وطيّبه، ثم قال: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينه. فإذا أمسى ونام عمرو، عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره: ويطيبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به مثل ذلك. فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوماً، فغسله وطهره وطيّبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو، عدوا عليه فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميّتاً فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عُذَرٌ من عُذَر الناس، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منَكَّساً مقروناً بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من  رجال قومه، فأسلم برحمة الله، وحسن إسلامه. فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة :

والله لو كُنتَ إلها لم تكن ==أنت وكلب وَسْط بئر في قرَنْ

أُفّ لملقاك إلها مُسْتَدَنْ ==الآن فتّشناك عن سوء الغَبَنْ

الحمد لله العلي ذي المِنَنْ== الواهب الرزَّاق ديَّان الدِّيَنْ

هو الذي أنقذني من قَبْلِ أَنْ==أكون في ظلمة قبر مُرتهَنْ

بأحمد المهدي النبي المرتهنْ [6]

وفاته ومقبره:

استشهد يَوْم أحد، ودفن هُوَ وعبد اللَّه بْن عَمْرو بْن حرام والد جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي قبر واحد، وكانا صهرين متصافيين[7].

 


[1]  أسد الغابة: 2/703.

[2]  سورة التوبة آية 93.

[3] أسد الغابة: 4/204.

[4]  الاستيعاب: 3/1168.

[5]  أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة: 4/1984.

[6]  سيرة ابن هشام: 2/71.

[7] أسد الغابة: 3/703.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق