مركز الأبحاث والدراسات في القيمغير مصنف

مكافحة السلوكيات المشينة

مكافحة السلوكيات المشينة:

المعاينات للمعيش اليومي  والتي تم رصدها من طرف علماء النفس والسوسيولوجيا، وعلماء الفقه والشريعة، وجمهور المهتمين والباحثين في مجال الشباب، توضح أن سلوكيات ومظاهر سلبية عدة كــ: (التفكك العائلي، والعنف، والجنس والأمراض المنقولة جنسيا والسيدا، والإدمان، والتطرف، وضعف الوازع الأخلاقي، وغياب التربية الجنسية، وجنوح الشباب، والسلوك المضاد للمجتمع. وظاهرة الانتحار…)، بدأت تعرف مدا كاسحا في أوساط الشباب.

وللحرص على تحصين الشباب من هذه السلوكيات الخطرة، وجب تفعيل القيم الايجابية في مواجهة القيم السلبية. وأن الشباب وعائلاتهم في بلادنا، لابد أن يحصلوا على فرصة كاملة لحياة أفضل. وتحقيق حلم التغيير لأنفسهم وللمجتمع، وفهم حقيقة أنفسهم وذواتهم كمفتاح لفهم العالم من حولهم وتغييره. ونسعى إلى وجود آخرين يشاركوننا الحلم في التغيير، مؤمنون بقدرتنا معا على اكتشاف نقاط قوة لم نشاهدها من قبل لدى الشباب والنشء. ويستفيد النشْ والشباب الذي يعاني من السلوكيات المشينة من وجود قوة داخلية تساعده على التخلص من الممارسات السيئة والغير سوية. وبتعلم واكتساب مهارات متعددة ومتنوعة في مسار حياته اليومية. 

نبدأ عملنا هذا بحول الله تعالى وقوته، بعرض إحدى مداخلات – رئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم، التابع للرابطة المحمدية للعلماء – فضيلة الدكتور محمد بلكبير، والتي ألقيت بالندوة الوطنية حول المدرسة والأسرة أية شراكة ؟ 

 وقد بين  فضيلته في مداخلته، تحت عنوان:”تأثير الظواهر السلبية على التمدرس”  قائلا: “أن تعتبر التربية والثقافة  ركيزتا العصمة والتحصين للإنسان من مهالك الانزلاق والوقوع في المخاطر، ولعل وظيفة “الكُتاب” في مجالنا التداولي يعبر بشكل بليغ على دور العصمة الثقافية للمتمدرسين، ذلك أننا عندما نتحدث عن الفقيه بالكُتاب، فالمجتمع كان ينظر للفقيه باعتباره مثالا مستقبليا للتصدي للتمظهرات السلبية التي قد تعترض المتمدرس، فهو يعد لبناء الذات ليس للتعليم وحسب،  وإنما لمثال في التربية والأخلاق والثقافة أيضا. فعلى هذه الشاكلة؛ كان يجب أن تكون أدوار المدرسة، لأن الأصل في التثقيف هو بناء الذوات،  فهل المدرسة الآن تبني ذواتنا؟ وهل تشرف على خلق هذه الذات التي لها آليات وميكانيزمات وبراديغمات تحليلية؟ وجعل هذه الذات محصنة وبعيدة عن السلوكيات الخطرة؟  وهو مفهوم تقصد منه الرابطة المحمدية للعلماء كل سلوك أو تصرف مناف ومجاف لما تعارف الناس عليه قيميا واجتماعيا وشرعيا. 

الأساس عندنا مخالف تماما؛ لأننا منذ البداية نفكر في التعليم لا التربية، فنجد أولياء الأمور يزجون بأبنائهم، وهم في بدايات الطفولة الأولى، إلى مؤسسات للتعليم، والهاجس الأول عندهم هو التعليم.  ومن جهة أخرى، نجد أيضا حرص أولياء الأمور على تدارك الصعوبات التي قد تعترض المتمدرس على مستوى التعليم، بالدعم المدرسي أو ما يسمى بالدعم الخصوصي. وفي نفس الوقت لا يتم تدارك الأشياء الأخرى المرتبطة ببناء الذوات أو التثقيف، وفي هذا التغييب للتربية والتثقيف تتولد السلوكيات السلبية. وإن الرابطة المحمدية للعلماء نحتت مفهوما للسلوك السلبي أو الممارسة الضارة، ولم تجعله حكرا على المخدرات أو العنف المدرسي أو العنف المبني على النوع الاجتماعي. ويدخل ضمن مشمول هذا التعريف الموسع للسلوك الخطر التطرف وكل السلوكيات التي تنافي ما تواضع المغاربة عليه في الشرع والقانون. إن المدرسة المغربية في شكلها الحالي تبعد هذه السلوكيات الخطرة بالمعنى العام من مشمول اهتماماتها، ذلك أن المؤسسات التعليمية التي تهتم بالتعليم فقط تعمل على دعم هشاشة البناء الثقافي والعصمة التربوية من أجل تحصين المنتمي إلى هذه المدرسة. وبالتالي حينما نتحدث حتى عن التربية الجنسية المستبعدة من الوسط المدرسي والمستبعدة من الأسرة ومن الوسط الجامعي،فهذا من منهج مدرستنا؛ لأن الأطفال والمتمدرسين عموما واليافعين والطلبة الجامعيين لديهم أسئلة لا يجدون الإجابة عنها في مواقعها ومن لدن المتخصصين، فنجدهم يطرحونها لمن يأنسون لهم، فيقدمون لهم إجابات مغلوطة ومحرفة عن العلم والدين، ويجدون أنفسهم مضطرين للاطلاع على مواقع بدورها تشوه بعضا من أفهامهم، وبالتالي نكون أمام تحريف للمعلومات والحقائق والبيانات، مما ينزلق بهؤلاء إلى ثقافة غير مسؤولة، وهو ما يؤسس لسلوكيات خطرة.

مسؤولية الأسرة في مكافحة المسلوكيات المشينة:

الأسرة ليست نظامًا اجتماعيًّا فحسب، وإنما هي جماعة اجتماعية أساسية في المجتمع تقوم بالدور الرئيسي في بناء صرح المجتمع، وتدعيم وحداته، وتنظيم سلوك أفراده بما يتلاءم مع أدوارهم الاجتماعية. وهي المحضن الأساسي الذي يتلقي فيها النشء الفضائل والقيم والآداب من أب وأم وأولاد.  وهي الإطار الذي يحدد تصرفات أفرادها، وتشكل حياتهم وتضفى عليهم خصائصها وطبيعتها. وهى بؤرة الوعي الاجتماعي والتراث القومي والحضاري، والتي تنقل هذا التراث من جيل إلى جيل آخر. وهى مصدر العادات والتقاليد والعرف والقيم والقواعد السلوكية والآداب العامة ، وهى دعامة الدين والوصية على طقوسه ووصاياه ويرجع إليها الفضل فى القيام بأهم وظيفة اجتماعية وهى عملية التنشئة الاجتماعية. 

وتعتبر الأسرة حسب علم الاجتماع الأسري، أحد أصناف النظم الاجتماعية الأساسية (الدين والسياسة والاقتصاد). فهي ليست علاقات غريزية وروابط دم تلقائية فطرية، بل هي نظم تقوم على مفاهيم يرتضيها العقل الجمعي وتوافق عليها المجتمعات.

وقد عرفت الأسرة أربعة مراحل عبر تاريخ الدراسات الأسرية:

  • المرحلة الأولى: امتدت حتى منتصف القرن التاسع عشر، وتضم أفكار عاطفية وتأملات فلسفية، من أهمها كتابات كونفوشيوس التي اهتمت بتحديد حقوق أعضاء الأسرة وواجباتهم تجاه بعضهم، يقول:” إن السعادة تسود المجتمع إذا سلك كل فرد سلوكاً صحيحاً كعضو في الأسرة”. وفي جمهورية أفلاطون نوعين من الأسر حيث يبيح للطبقة العاملة الطلاق ويحدد النسل ويمنع الزواج بأكثر من واحدة. أما أرسطو فيميز الرجل على المرأة في الذكاء، ويضع الرجل على رأس الأسرة التي تتضمن الزوجين والأولاد والعبيد. ودوركايم  يرفض فكرة أن العاطفة والحب هي الأساس للسعادة الزوجية، والأم ترعى الأبناء بينما يقوم الأب بتعليمهم وتهذيبهم.
  • المرحلة الثانية: وتمتد من منتصف التاسع عشر حتى بداية العشرين، ومتأثرة بأفكار الداروينية (تطور الحياة الاجتماعية مثل تطور الحياة البيولوجية). وركزت على الدراسات الأنثروبولوجية للمجتمعات البدائية، ولكنها اعتمدت على تقارير وسجلات تاريخية غير دقيقة، وكانت الدراسات تطورية تتعقب التحولات في بنية الأسرة ومراكز أعضائها ووظائفها. تعقب هربرت سبنسر التحول في الوظائف من تشابه إلى تخصص واختلاف في المراكز، أما ولويس مورجان فتعقب التحول في نظم الزواج من الإباحية إلى وحدانية الزوجة.
  • المرحلة الثالثة:  امتدت من بداية القرن العشرين حتى منتصفه، وساد فيها الاهتمام بدراسة حاضر الأسرة وعلاقاتها الداخلية، وكذلك استخدام المناهج العلمية، حيث توفرت مناهج ومصادر بيانات  أكثر وزاد الاهتمام بالحياة الأسرية وتطوير الأسرة الريفية. وظهر الاهتمام من علماء النفس بالأسرة كما برزت دراسات مالينوفسكي عن الأسرة في مستوى ثقافي بسيط، ودراسات دوركايم عن تقلص الأسرة.
  • المرحلة الرابعة: ممتدة حتى العصر الراهن وتتميز بزيادة الاهتمام بالنظرية وتعميق الدراسات الكمية بطرق منهجية، كما ظهرت المدارس الفكرية والأطر النظرية المختلفة وزاد الاعتماد على البيانات الميدانية.(علم الاجتماع العائلي للدكتور بهاء الدين خليل تركية).

الأسرة في نظر الفلاسفة:(اهتمامهم بشؤون الدولة والإصلاح كان سبباً في الاهتمام بالأسرة).

 حكماء مصر القديمة:

 كان نظام الأسرة مستقراً وخاضعاً لنظم دقيقة في مختلف المجالات ومن أهم مميزاته: السيادة الأبوية، والتربية الأخلاقية، والحرص على أداء العبادات. يسمح بتعدد الزوجات والطلاق، ويهتم بالفئات العاجزة (يتامى مطلقات، وأرامل)، وللمرأة مركز مرتفع ونفوذ يتبع وضعها وليس غرض الاستمتاع بها.

 الأسرة في العهد القديم:  نظمت التوراة شؤون الأسرة وتضمنت العديد من الوصايا حول الزواج والأيتام، وحددت شروطاً للطلاق، ورتبت طبقات المحارم، وحددت الزواج بواحدة إلا إن تواجدت القدرة المادية والعدل بين الزوجات.

  حكماء الصين:

من أهمهم كونفوشيوس وكان يرى أن إصلاح المجتمع غير ممكن بدون إصلاح الأفراد، ولذلك فقد وضع نموذجاً للأسرة الفاضلة من أهم خصائصه: التضامن بين أعضائها، والإخلاص والتعاطف والمحبة والمعرفة، وحدد واجبات متبادلة بين أعضائها.

 فلاسفة اليونان:

كانت الأسرة من أهم ما ركز عليه أفلاطون عندما وضعها كنموذج لمدينة فاضلة، وقد حدد خصائص أسرية لكل طبقة في جمهوريته، مؤكداً على أهمية التربية والإنفاق والمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وحدد سن الإنجاب لضمان إنتاج أطفال أصحاء.

أما أرسطو فقد اهتم بتطور الأسرة وتكوينها (زوج وزوجة وأبناء وعبيد) ويعتبر الرجل في مركز السيادة مبرراً ذلك بكون المرأة أقل تعقلاً وذكاءً، ولذلك تقوم فقط بمهام المنزل وتربية الأبناء، وللرجل ثلاث سلطات :على الأرقاء وعلى الأبناء وعلى الزوجة، وترتبط فضائل أو مكانة عضو الأسرة بوظيفته وفضيلة الرجل السلطة بينما فضيلة المرأة هي الطاعة. وقد اهتم بتحديد سن الزواج وتحديد النسل على قدر حاجة الدولة من السكان، ودعا إلى اهتمام الدولة بأمور تربية الأولاد لإصلاح عاداتهم وأخلاقهم.

 فلاسفة الرومان:

كان اهتمامهم بالقانون سبب في الاهتمام بالأسرة ، طالبوا بالمساواة والعدالة والاعتدال في جميع شؤون الحياة بما في ذلك الأسرة.

ومن أهم المدافعين عن شؤون الأسرة (جايوس). فقد اهتم بتنظيم السلطة وإلغاء بعض الاستخدامات السلبية لها مثل: حق الزوج في قتل أو بيع أو رهن أولاده، وما يتعلق بالدية والمسؤولية المشتركة ومسؤولية الجوار.

الأسرة في الإسلام:

حظي تنظيم الحياة الأسرية بتنظيم بالغ الدقة والتفصيل في الأحكام الإسلامية وقد أكد على المسؤوليات واعتبر الزواج ميثاقاً غليظاً. وحرم قتل الأولاد أو البنات، ومنح المرأة حقوقاً تكفل لها العزة والكرامة ونهى عن الإساءة للنساء وحدد الحقوق والواجبات بين أعضاء الأسرة والأقارب وكذلك جيران الأسرة، ونظم للطلاق مراحل ووضع له أحكاماً، وحدد أحكام الميراث وأمور الحضانة، وحدد أحكام تعدد الزوجات. حظي تنظيم الحياة الأسرية بتنظيم بالغ الدقة والتفصيل في الأحكام الإسلامية وقد أكد على المسؤوليات واعتبر الزواج ميثاقاً غليظاً. وحرم قتل الأولاد أو البنات، ومنح المرأة حقوقاً تكفل لها العزة والكرامة ونهى عن الإساءة للنساء وحدد الحقوق والواجبات بين أعضاء الأسرة والأقارب وكذلك جيران الأسرة، ونظم للطلاق مراحل ووضع له أحكاماً، وحدد أحكام الميراث وأمور الحضانة، وحدد أحكام تعدد الزوجات. والجدير بالذكر أن الرابطة المحمدية للعلماء أولت اهتماما بالغا لموضوع  العنف المبني على النوع الاجتماعي، والآليات والتدابير التي يجب اتخاذها بغية تجاوزه والحد من آثاره. زد على ذلك، أن مركز الدراسات والأبحاث في القيم التابع للرابطة المحمدية للعلماء عمل على تقديم دراسات لتصحيح الفهم المغلوط لبعض النصوص الدينية، الرامية إلى بيان موقف الإسلام الرافض للعنف ضد المرأة قرآنا و سنة. كما عملت الرابطة المحمدية للعلماء على كيفية امتلاك الشباب للآليات والمهارات للدفاع عن قضايا المرأة ونبذ العنف ومحاربة السلوكيات الخطرة، من مختلف المجالات، والوسائل، من المسرح التفاعلي، والأفلام القصيرة، واستغلال المجال الأدبي والفني من قصص قصيرة للأطفال وروايات، ولوحات كاريكاتورية، كذلك تم التطرق لدور الإعلام من خلال البرامج الإذاعية والتلفزية، ومواكبة التطور التكنولوجي لاستغلال وسائل التواصل الاجتماعي لترسيخ ثقافة الوعي ونبذ العنف والتطرف، وكل ما يمكن أن يهدد السلم والأمن داخل مجتمعاتنا.

مستويات النضوج فى الأسرة: 

(النضوج سمة من سمات الكائنات الحية بشكل عام. وهوطريق طويل وليس محطة وصول)

هناك ثلاث مستويات من النضوج :

الأسرة المضطربة ( تصارع حتى لا تتفكك وعادة تخرج أبناء مرضى )
الأسرة المتوازنة  لا تتفكك ولكنها لا تعيش فى سعادة. تخرج أبناء معرضين للمرض والإنحراف تحت الضغوط 
الأسرة الصحية تشعر بالسعادة وتنتج أبناء أسوياء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق