مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

وقفات مع حديث: “ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا “

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

     إن من الأخلاق الفاضلة التي دعا الإسلام إلى الاتصاف بها، خلق  التوقير والاحترام، والرحمة بالصغير  ،  وتقدير أهل العلم والعلماء؛  بهذا دلت العديد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه الحديث الذي جمع كل ما ذُكر وهو حديث عباده بن الصامت رضي الله عنه مرفوعا قال: “أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا “.

هذا الحديث أخرجه من هذه الطريق  أحمد في مسنده ثم قال: قال عبد الله : “و سمعته أنا من هارون” ([1])، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وفي آخره “ويعرف لعالمنا حقه”([2]) ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين([3])، والضياء المقدسي في المختارة  كلهم من طريق ابن وهب، به الحديث.

قال الحاكم : “و مالك بن خير الزيادي مصري ثقة ،و أبو قبيل تابعي كبير”.([4])

قال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على رواية أحمد:  صحيح لغيره دون قوله : ” ويعرف لعالمنا ” ([5])

وروي للحديث شواهد بعضها صحيح، وبعضها جاء من طرق ضعيفة؛ ومن شواهده الصحيحة أذكر:

حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه بلفظ: ” ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا “أخرجه الحميدي في مسنده([6])، وعنه الحاكم في المستدرك على الصحيحين([7]) وقال: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم فقد احتج بعبد الله بن عامر اليحصبي و لم يخرجاه”.

وقال الذهبي في تلخيصه:  على شرط مسلم([8]).

حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: “من لم يرحم صغيرنا و يعرف حق كبيرنا فليس منا” أخرجه البخاري في الأدب المفرد([9]) ، والحاكم في المستدرك([10]) ، وعن الحاكم أخرجه البيهقي في الشعب([11])

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

من خلال هذا الحديث لنا فيه أربع وقفات وهي كالآتي:

الوقفة الأولى:  في قوله: “: ليس من أمتي “؛ أي ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

الوقفة الثانية: في قوله: “ من لم يجل كبيرنا “؛فيه الدعوة إلى احترام وتوقير الكبير من الوالدين، والعلماء والمشايخ وحملة القرآن وكبار السن، وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم، ويكون التوقير باحترامهم والتواضع لهم والتأدب معهم والدعاء لهم وغير ذلك من المبادئ الحميدة التي أمر بها ديننا الحنيف وحث عليها. قال الحكيم: ” إجلال الكبير هو حق سنه لكونه تقلب في العبودية لله في أمد طويل”([12])

الوقفة الثالثة: في قوله: “ويرحم صغيرنا”؛ فيه الدعوة إلى الرحمة بالصغار ؛ وذلك بالشفقة عليهم، والإحسان إليهم، والتودد لهم. قال الحكيم: “هو موافقته لله تعالى بأن رحمه ورفع عنه العبودة، فلم يؤاخذه بحفظ حدٍّ، ولا حكم”([13])، وقال المناوي: ” لعجزه وبراءته عن قبائح الأعمال، وقد يكون صغيرا في المعنى، مع تقدم سنه لجهله، وغباوته، وخرقه، وغفلته، فيرحم بالتعليم ،والإرشاد، والشفقة”([14])

الوقفة الرابعة: “ويعرف لعالمنا” وذلك بأن يعرف منزلة العالم وقدره “ومعرفة حق العالم هو حق العلم ، بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره ، فإنه قال (: يرفع الله الذين آمنوا منكم) ثم قال: (والذين أوتوا العلم درجات) فيعرف له درجته التي رفع الله له ، بما آتاه من العلم”([15])

ومما تقدم يمكن أن نخلص إلى الآتي:

1-الدعوة إلى احترام وتوقير الكبير وأهل الفضل.

2- الدعوة إلى الرحمة بالصغار .

3- الدعوة إلى تعظيم العلماء وذلك لقدرهم ومنزلتهم.

4-عدم الانتماء إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند انتفاء هذه الصفات: التوقير والرحمة والتعظيم .

***************

هوامش المقال:

([1]) مسند أحمد (37 /416)، برقم: (22755).

([2]) نوادر الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم (1 /319)، برقم: (203).

([3]) المستدرك على الصحيحين (1 /211)، برقم: (421).

([4]) المستدرك على الصحيحين (1 /211)، برقم: (421).

([5]) مسند أحمد (37 /416)، برقم: (22755) الهامش.

([6]) مسند الحميدي (1 /500) برقم: (597).

([7]) المستدرك على الصحيحين (1/ 131)، برقم: (209).

([8]) المستدرك على الصحيحين (1 /131)، برقم: (209) في الهامش.

([9]) الأدب المفرد (ص: 97) برقم: (353).

([10]) المستدرك على الصحيحين (4 /197)، برقم: (7353).

([11]) شعب الإيمان (13 /354)، برقم: (10473).

([12]) نوادر الأصول (1 /320).

([13]) نوادر الأصول (1/ 320).

([14]) فيض القدير (5 /495).

([15]) وهو قول الحكيم انظر نوادر الأصول (1/ 320)، ونقله عنه المناوي في فيض القدير (5/ 495).

***************

المصادر والمراجع المعتمدة:

الأدب المفرد. لمحمد بن إسماعيل البخاري حقق نصوصه ورقم أبوابه وأحاديثه وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي . المطبعة السلفية القاهرة. 1375هـ

الجامع لشعب الإيمان. لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي. مكتبة الرشد السعودية. ط1/ 1423هـ- 2003م.

فيض القدير شرح الجامع الصغير. لمحمد عبد الرؤوف المناوي. تحقيق: أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية بيروت ط 1422هـ-20001م

المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري. مع تضمينات الإمام الذهبي في التلخيص والميزان والعراقي في أماليه والمناوي في فيض القدير وغيرهم من العلماء الأجلاء. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت لبنان. ط 2/ 1422هـ- 2002م.

مسند أحمد. لأحمد ابن حنبل. تحقيق: مجموعة من الباحثين. مؤسسة الرسالة بيروت. ط1/ 1417هـ- 1997م.

مسند الحميدي. لأبي بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي. حقق نصوصه وخرج أحاديثه: حسين سليم أسد الداراني. دار السقا دمشق. ط1/ 1996م.

نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. لأبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشر المؤذن الحكيم الترمذي. تحقيق: توفيق محمود تكله. دار النوادر. ط1/ 1431هـ- 2010م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق