مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

من هدي أمهات المؤمنين في شهر الصيام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبينا المصطفى، ورسولنا المجتبى، وعلى آله أهل التقى، وأصحابه أهل الصفا، ومن تبعهم إلى يوم الدين.

وبعد:

       فإن شهر رمضان يعد من أفضل الشهور وأعظمها منزلة عند الله تعالى، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وهو موسم عظيم للخيرات والطاعات؛ حيث تجاب فيه الدعوات، وتكفر فيه السيئات، وتضاعف فيه الحسنات، وتُقَال فيه العثرات، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد آل بيته، وأصحابه، وأمته، بفضيلة هذا الشهر الكريم، ويحثهم على اغتنام أيامه ولياليه قال: ” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار ،فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة”([1])، وقال: ” من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه “([2])، وكان بيته صلى الله عليه وسلم نموذجا عمليا يحتدى به في الجد والاجتهاد في العبادات، وأداء الطَّاعات، في هذا الشهر الفضيل؛ ولأهمية هذا الموضوع جاء هذا المقال ليذكِّر  ببعض أحوال أمهات المؤمنين في هذا الشهر الكريم، فأقول وبالله التوفيق:

من هدي أمهات المؤمنين في شهر الصيام:

   ضربت أمهات المؤمنين أروع الأمثلة في الجد والاجتهاد في رمضان، وذلك لعلمهن لما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها بها الله تعالى، وميزها عن غيرها من الشهور، فكن خير سلف لخير خلف، ومن هذه الأحوال أذكر الآتي: 

الحرص على آداء صلاة التراويح والقيام : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهن في حياته، وقد قالت زوجه عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن كيفية صلاة النبي: “ما كان يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً..” ([3]) .

أما بعد  وفاته فقد كن أحيانا يقمن وسط الصف تطوعا فيصلين بالنساء في هذا الشهر الفضيل، كما كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تفعله مع نساء النبي وغيرهن من الصحابيات رضي الله عنهن، أخرج محمد بن الحسن الشيباني في كتابه ” الآثار ” عن إبراهيم النخعي، أن عائشة رضي الله عنها: “كانت تؤم النساء في شهر رمضان فتقوم وسطا”([4]).

وأحيانا يجعلن عبيدهن هم من يؤمهن بالصلاة ، فعن ابن أبي مليكة: أن ” ذكوان أبا عمرو كانت عائشة رضي الله عنها أعتقته عن دبر ، فكان يؤمها ومن معها في رمضان في المصحف ، قال: “وكان يؤمها من يدخل عليها إلا أن يدخل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فيصلي بها”([5]) ، وفي رواية معلقة للبخاري أن عائشة – رضي الله عنها كان يؤمها عبدها ذكوان من المصحف([6]).

الحرص على العشر الأواخر من رمضان: كان النبي صلى الله عليه وسلم  يجتهد في العشر الأواخر منه بالعبادة والذكر والدعاء، ويوقظ أهله؛ فعن عائشة رضي الله عنها “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” ([7]).

وكان قيامهن رضي الله عنهن في بعض لياليه، ومنه العشر الأواخر جماعة في المسجد بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ويدل عليه حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ” صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل بنا، حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة، حتى ذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة»، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، وصلى بنا في الثالثة، ودعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح، قال: «السحور»([8]) .

الحرص على الاعتكاف في شهر رمضان: و الاعتكاف من الأمور المستحبة للمرأة فعلها في هذا الشهر الفضيل، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأزوجه بذلك، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها : “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها، فضربت خباء ، فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر ، ..”([9]).

ولم تعتكف كل نسائه كما يدل عليه هذا الحديث، وكذا حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: ” اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة”([10])، ثم اعتكفن بعده صلى الله عليه وسلم أسوة به؛ فعن عائشة رضي الله عنها :”أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده” ([11]).  

الحرص على الدعاء: وكن رضي الله عنهن يحرصن على الدعاء في هذا الشهر الفضيل، وأفضل دعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه رضي الله عنهن ولأمته من بعده للدعاء به في العشر الأواخر من رمضان  هو: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني” قالت عائشة رضي الله عنها : قالت: “قلت: يا رسول الله  إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو به؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”([12])،

ومما لا مجال للشك فيه أن سائر العبادات والطاعات الأخرى في هذا الشهر الفضيل من صدقة، وذكر، وقراءة للقرآن، والإحسان وسائر أعمال البر  قد بلغن فيها الدرجات العلا كيف لا؟ وهن أزواج سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وما ذكرته هنا إنما هو قليل من كثير ،وغيض من فيض عن بعض أحوالهن في هذا الشهر المبارك، وما أحوجنا إلى الاقتداء بسيرتهن رضي الله عنهن في بيوتنا، وفي سائر أحوالنا.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى الآتي:

أ-شهر رمضان يعد من أفضل الشهور وأعظمها منزلة عند الله تعالى، ويستحب إعمار أوقاته بالطاعات.

ب-يعد بيت النبي  صلى الله عليه وسلم نموذجا عمليا يحتدى به في الجد والاجتهاد في العبادات، وأداء الطَّاعات، في هذا الشهر الفضيل.

ت-ضربت أمهات المؤمنين أروع الأمثلة في الجد والاجتهاد في رمضان، وذلك لعلمهن لما لهذه الأيام والليالي من فضيلة خصها بها الله تعالى وميزها عن غيرها من الشهور، فكن خير سلف لخير خلف.

ذكرت في المقال بعض أحوال أمهات المؤمنين في هذا الشهر الفضيل للتمثيل لا الحصر ومما ذكرت الآتي:

1-الحرص على آداء صلاة التراويح والقيام.

2-الحرص على العشر الأواخر من رمضان.

3-الحرص على الاعتكاف في شهر رمضان.

4-الحرص على الدعاء.

والحمد لله رب العالمين.

*************

هوامش المقال:

([1]) أخرجه الترمذي في سننه (2 /61)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم: (682).

([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (1 /28-29)، كتاب: الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان، برقم: (37)، ومسلم في صحيحه (1/343)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح، برقم: (759).

([3]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /61)، كتاب: صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان إيمانا واحتسابا، برقم: (2013).

([4]) الآثار (1 /603).

([5]) الخبر أخرجه المروزي في  مختصر قيام الليل للمروزي (ص: 226).

([6]) صحيح البخاري (1 /230)، كتاب: الأذان، باب: إمامة العبد والمولى.

([7]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /64)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان، برقم: (2024)، ومسلم في صحيحه (1/ 526) برقم: (1174) واللفظ للبخاري.

([8]) أخرجه الترمذي في سننه (2/ 158-159)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان، برقم: (806) وقال «هذا حديث حسن صحيح»

([9]) أخرجه البخاري في صحيحه(2 /66-67)، في كتاب: الاعتكاف، باب: اعتكاف النساء، برقم: (2033)، ومسلم في صحيحه (1/526)، كتاب: الاعتكاف، باب: متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه، برقم: (1173) واللفظ للبخاري.

([10]) أخرجه البخاري في صحيحه(1 /116)، في كتاب: الحيض، باب: الاعتكاف للمستحاضة، برقم: (309).

([11]) أخرجه البخاري في صحيحه(1/ 116)، في كتاب: الحيض، باب: الاعتكاف للمستحاضة، برقم: (309)، ومسلم في صحيحه (1 /525)، كتاب: الاعتكاف، باب: (5)(1172).

([12]) أخرجه الترمذي في سننه (5 /490)، كتاب: الدعوات، باب:  أي الدعاء أفضل، برقم: (3513).

************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ

الجامع الكبير. محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق: بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي. ط1/1996 مـ.

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ.

الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني دار الكتب العلمية بيروت ط2/ 1413هـ- 1993مـ.

مختصر قيام الليل. لأبي عبد الله محمد بن نصر المروزي. الناشر: حديث أكاديمي فيصل آباد الرياض. ط1/ 1408هـ- 1988مـ.

*راجع المقال الباحث محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق